بدأت مؤشرات قوية تلوح في الأفق تُشير إلى قرب نهاية واحدة من أطول الأزمات السياسية في شمال إفريقيا، وهي الأزمة بين المغرب والجزائر بسبب ملف الصحراء المغربية. فوفقًا لما كشفه المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، فإن فريقًا دبلوماسيًا أمريكيًا يشتغل حاليًا على وضع الأسس الأولية لاتفاق سلام شامل بين الرباطوالجزائر، بمبادرة من شخصيات مقربة من صهر ترامب، جاريد كوشنر. هذا التصريح، الذي جاء خلال مقابلة تلفزيونية حديثة بالولاياتالمتحدة، أعاد إلى الواجهة الحديث عن الدور الأمريكي في تهدئة التوتر بين البلدين، خاصة بعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية وإغلاق الحدود منذ العام 1994. المصادر الدبلوماسية تشير إلى أن الجزائر باتت تدرك أكثر من أي وقت مضى أن دعمها لجبهة "البوليساريو" لم يعد يجد أي صدى دولي، خصوصًا بعد أن اعترفت الولاياتالمتحدة بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية سنة 2020، وهو الاعتراف الذي فتح الباب أمام موجة من التأييد الدولي لمقترح الحكم الذاتي المغربي. ورغم أن الجزائر كانت تراهن طيلة عقود على "الورقة الانفصالية" لمعادلة النفوذ المغربي في المنطقة، إلا أن التحولات الإقليمية، وضغط الأزمات الداخلية الاقتصادية والسياسية، جعلتها اليوم تعيد حساباتها. فالتقارب مع المغرب –إن تحقق– قد يُشكل متنفسًا استراتيجيًا لأنبوب الغاز المغاربي، وتعاونًا أمنيًا لمواجهة تحديات الساحل الإفريقي. من جهته، ظل المغرب منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ثم الملك محمد السادس، يؤكد استعداده الدائم لفتح صفحة جديدة مع الجزائر على أساس "الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية". وفي أكثر من خطاب ملكي، دعا العاهل المغربي إلى حوار صريح وبلا شروط مسبقة، مؤكّدًا أن "الشعبين الشقيقين الجزائري والمغربي أكبر من الخلافات السياسية الضيقة". هذه الدعوات المتكررة عززت صورة المغرب كفاعل استراتيجي ناضج يسعى إلى الاستقرار الإقليمي، في وقت تشهد فيه القارة الإفريقية اضطرابات متزايدة. الدور الأمريكي في هذا الملف ليس جديدًا، إذ لعبت واشنطن دورًا محوريًا في اتفاقات أبراهام التي رسخت مكانة المغرب كشريك استراتيجي في المنطقة. واليوم، يبدو أن الإدارة الأمريكية، عبر شخصيات نافذة في الحزب الجمهوري، تعمل على إطلاق "خطة سلام مغاربية" جديدة، هدفها خلق محور استقرار يربط بين الرباطوالجزائر وتونس. الجزائر تكون قد بدأت فعليًا في التخلي عن رهاناتها الخاسرة بدعم "البوليساريو"، والتوجه نحو براغماتية سياسية جديدة تضع مصالحها الاقتصادية والأمنية فوق الاعتبارات الأيديولوجية القديمة. أما المغرب، فبثبات دبلوماسي وبُعد نظر استراتيجي، يواصل كسب جولات دبلوماسية هادئة تؤكد أن قضية الصحراء المغربية أصبحت مطوية دوليًا، ولم يبق سوى أن يطوي الأشقاء في الجزائر صفحة الماضي.