واش يبقى ولا يستاقل. اليوم يتحدد مصير رئيس الحكومة الصبليوني. خدا ويكاند باش ياخد قرارو بعد اتهام مراتو بالفساد    بالفيديو.. الجيش الإسباني ينفذ تمارين عسكرية على الحدود مع الناظور    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    تقرير: المغرب وإسرائيل يسعيان تعميق التعاون العسكري رغم الحرب في غزة    منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سبعة من عمالها    استطلاع.. غالبية المريكانيين كيبان ليهوم أن إدارة ترامب أنجح من ديال بايدن    أول تعليق من مدرب نهضة بركان على مواجهة الزمالك في نهائي كأس "الكاف"    يوسفية برشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني بعد التعادل مع تطوان    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    الحكومة والنقابات توقعات على زيادات عامة في الأجور وتخفيضات في الضريبة على الدخل    توقعات طقس اليوم الاثنين في المغرب    هجوم مسلح يخلف سبعة قتلى بالاكوادور    رواد مركبة الفضاء الصينية "شنتشو-17" يعودون إلى الأرض في 30 أبريل    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    فريق يوسفية برشيد يتعادل مع "الماط"    مدرب بركان يعلق على مواجهة الزمالك    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    البطولة: المغرب التطواني يضمن البقاء ضمن فرق قسم الصفوة وبرشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني    مرصد يندد بالإعدامات التعسفية في حق شباب محتجزين بمخيمات تندوف    بايتاس: ولوج المغاربة للعلاج بات سريعا بفضل "أمو تضامن" عكس "راميد"    مكناس.. اختتام فعاليات الدورة ال16 للمعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    كلمة هامة للأمين العام لحزب الاستقلال في الجلسة الختامية للمؤتمر    طنجة تسجل أعلى نسبة من التساقطات المطرية خلال 24 ساعة الماضية    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك للقفز على الحواجز    ماذا بعد استيراد أضاحي العيد؟!    تعميم المنظومتين الإلكترونييتن الخاصتين بتحديد المواعيد والتمبر الإلكتروني الموجهة لمغاربة العالم    الدرهم يتراجع مقابل الأورو ويستقر أمام الدولار    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    مقايس الامطار المسجلة بالحسيمة والناظور خلال 24 ساعة الماضية    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    الجهود الدولية تتكثف من أجل هدنة غزة    "البيغ" ينتقد "الإنترنت": "غادي نظمو كأس العالم بهاد النيفو؟"    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    اتفاق جديد بين الحكومة والنقابات لزيادة الأجور: 1000 درهم وتخفيض ضريبي متوقع    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حوار مع الباحث الاستراتيجي الأستاذ المصطفى الرزرازي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 23 - 12 - 2009

يطرح الباحث الاستراتيجي الأستاذ الرزرازي مجموعة من المفاهيم التي تتميز بجدتها في حقول معرفية متقاطعة ، و يدفع في اتجاه إعادة صياغة تصور متقدم للقانون الدولي الذي ما زال حابلا بمفاهيم يمتح قاموسها من مرحلة تاريخية يمكن حصرها بعد الحرب العالمية الثانية و الحرب الباردة، كما يورد أفكارا عميقة مرتبطة بقضية الصحراء و مشروع الحكم الذاتي .
الدكتور الرزرازي لم يعرف في المغرب للأسف إلا عبر حوارات خاصة حول الشؤون الأسيوية. لكننا نكتشف اليوم عبر هذا الحديث الذي خصنا به الجزء المتعلق بتمرسه القانوني و بخاصة في فلسفة التحليل القانوني الدولي و مفهوم الإيكولوجيا السياسية و مقومات الأمن البشري النموذجي بالأقاليم الصحراوية .
في نظركم أين تكمن أهمية مقترح الحكم الذاتي كحل لقضية الصحراء؟
المقترح المغربي للحكم الذاتي الموسع بالأقاليم الجنوبية، هو مشروع قدمه المغرب كأرضية للتفاوض مع البوليساريو من أجل التوصل لحل سياسي لمشكلة الصحراء. و لعل ديباجة المشروع واضحة في هذا الشأن. وهو مشروع بلغ من النضج اليوم ما يؤهله لكي ينتقل إلى التنفيذ ، بعد أن حظي بإجماع مختلف فعاليات المجتمع المدني و السياسي المغربي، علاوة على دعمه و استحسانه من طرف أغلب مكونات المجتمع الدولي كأرضية للتفاوض من أجل حل سياسي. هذا بالإضافة إلى انخراط المجتمع الأكاديمي و الخبراء في مناقشته. مما جعل منه أكثر من مجرد مقترح. ولعل الطرفان الوحيدان اللذان لم يقبلا النظر في المشروع هما الجزائر و البوليساريو، لأنهما أحرجا بجرأة المغرب، و نيته الحسنة التي أبداهما بعرضه هذه المبادرة.
فمن جهة ظل البوليساريو سجين تصورات تقليدية لم تعد تستساغ و لا تقبل داخل النمط الجديد للتفكير القانوني الدولي، أما الجزائر، و تحديدا نخبها العسكرية فإنها تجد نفسها مهددة في مصالحها، لأنها تخشى عدوى رياح الانفتاح الديمقراطي، و خاصة إذا ما بدأ المغرب تنفيذ مشروعه الكامل المتعلق بالجهوية الموسعة.
إنها البيروقراطية العسكرية التي تخشى من منطقة مغرب عربي ديمقراطي يتأسس على نموذج ديمقراطيات لامركزية ذات جهوية موسعة لا تحتاج إلى إدارة الرأي العام بمقولات العدو الخيالي، أو بمقولة التفوق العسكري.
من هنا إذن أرى أن أهمية مشروع المغرب للحكم الذاتي و للجهوية الموسعة تكمن في كونهما يجسدان من جهة نموذجا جديدا و متطورا للحكامة الرشيدة، ومن جهة أخرى هما يمثلان دعامة قوية و نموذجية للمدرسة الجديدة للقانون الدولي التي يعمل جيل جديد من المتخصصين على إعادة قراءته وفقا لمتغيرات العالم، خاصة على ضوء نهاية الحرب الباردة، و دخول العالم في عولمة بنيوية من أهم خصائصها نبذ البلقنة و مشاريع الكيانات المنهارة على اعتبار الكيانات المنحلة و الفاشلة خطيرة على الانسجام الإقليمي.
كيف تتصورون دور الدبلوماسية الموازية في التعريف بقضية الصحراء، و خاصة الدبلوماسية الأكاديمية؟
أظن أن دور الدبلوماسية الموازية ضروري في تعزيز مواقع المغرب الإستراتيجية داخل منتديات القارات الخمس.و إذا ما حصرنا حديثنا هنا على الدبلوماسية الاكاديمية، فإنها بلا شك تعتبر من أهم دعامات التعريف بعدالة الموقف المغربي. لأن آلية العمل الأكاديمي لا تقارع أطروحات الخطاب السياسوي البسيط، و إنما تتجه إلى المقولات المؤسسة له، سواء كانت قانونية أو تاريخية أو سياسية. و قد أؤكد لك أن من بين المشاريع الكبرى التي انخرطت فيها شخصيا رفقة عدد من الزملاء الباحثين باليابان و كوريا و الصين و الولايات المتحدة الأمريكية هو العمل على إغناء و تقوية المدرسة الجديدة في القانون الدولي ضدا على المدرسة التقليدية العتيقة التي لا تزال مفاهيمها سجينة مناخ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
المدرسة الجديدة منفتحة على مفاهيم قانونية حديثة و قيم سياسية جديدة قادرة على تحقيق الأمن و الأمان و السلام الإقليمي للشعوب ، و كمثال على ذلك مفهوم تقرير الشعوب لمصيرها، الذي أخذ عند كثير من رواد التوتاليتارية العسكرية أو الثورية مفهوما أحاديا هو مفهوم الاستقلال، تدفع اليوم عدة مناطق من العالم اليوم ثمنا باهظا لسقوطها في حبالها و لغياب اجتهاد فقهي خلال العقود الخمسة الأخيرة. الآن و في زمن العولمة لم يعد ممكنا التسامح مع هذه القراءات التقليدية التي كانت وراء كل الحروب و النزاعات التي يعيشها العالم اليوم.
المدرسة الجديدة للقانون الدولي مدرسة تؤمن بقيم السلام كهدف سام، و تأخذ مبدأ سعادة الناس أكثر من سعادة النخب، و هي فوق كل هذا تؤمن بأن كل شكل من أشكال حكم الناس لأنفسهم و تدبيرهم لأمورهم هو أرقى شكل لتقرير المصير إذا كان ذلك سيؤمن الأمن البشري و السعادة للناس دون الدفع إلى حلول من شأنها إفقار الحضارات ، و خلق إختلالات في توازنات الإيكولوجية السياسية.
في الندوة الدولية التي نظمتها أخيرا جامعة القاضي عياض و الكلية المتعددة التخصصات بآسفي حول الصحراء، عرضت مفاهيم جديدة مثل مفهوم الأيكولوجيا السياسية، و مفهوم الدولة -الشبكة Networking State هل لك أن تفصل في هذا الموضوع؟
إن هذه النتائج، هي خلاصة عمل مشترك لعدد من الباحثين الذين انخرطوا في مشاريع علمية انطلقت منذ حوالي ثلاث سنوات، و من نتائج بحوثنا أعرض عليك باقتضاب شديد ثلاثة مفاهيم نعتبرها أساسية لإعادة النظر في تحليل النزاعات الإقليمية.
المفهوم الأول، هو التضارب بين الانفصال و التنوع الحضاري في فهمنا، نرى أن مفهوم الانفصال هو مفهوم شوفيني، لا تتبناه إلا العقول التوتاليتارية العنصرية الأحادية التي لا تستطيع التعايش داخل بنية غنية بالتنوع و الاختلاف. وهو بهذا المعنى - أي الانفصال- يفقر الحضارات غناها و تنوعها الثقافي، وهو ما يشكل جريمة في حق الإنسانية التي بنت لمئات آلاف السنوات حضارات غنية و متنوعة في أجناسها و ثقافاتها و عاداتها و قيمتها داخل هوية واحدة واسعة و رحبة.
دعني أضرب مثال تيمور الشرقية، التي استقلت، و فرحت جماعة خوزيه راموس هورتا وكارلوس فيليب اكسيمنس ، لكن التيموريين أصبحت ظروف عيشهم أقبح مما كان، زاد العنف و الفساد، و انعدم الأمن، وفوق هذا ساد شعور بضعف الهوية. من الجانب الآخر، و من منظور الإستراتيجية الحضارية، كان استقلال تيمور إفقارا للحضارة الإندونيسية التي كانت تجسد نموذجا للتنوع و التعايش داخل النسيج الأسيوي.
خلال زيارتي الأخيرة لإندونيسيا و لأقاليمها المتعددة، سادني شعور بالحزن و أنا أرى كيف أن خطأ الاستقلال بدأت عدواه تنتشر نحو مجموعات أخرى كما هو الشأن عند بعض الحركات التي تدعي الحديث باسم إقليم بابوا غينيا، و إذا ما تم وقف هذا النزيف، فإن العدوى قد تنتشر لتصيب مجموعات بشرية أخرى من مكونات الشعب الإندونيسي و ربما تنقل بعد ذلك إلى دول أخرى، و هو ما يعني دخول منطقة جنوب شرق أسيا إلى مسلسل الانهيار لا قدر الله.
كان الانتربولوجي الأمريكي الراحل كليفورد غيرتس Clifford Geertz قد كتب قبل عقود كتابه الرائع الإسلام تحت المجهر Observed Islam حيث اعتبر إندونيسيا و المغرب نموذجان فريدان للتسامح و التعايش بين قيم الحداثة و التقليد، في تناغم تتماسك فيه مقومات التنوع البشري و اللغوي و الطبيعي. وأذكر أنه خلال إقامتي بمعهد الدراسات الدولية بجامعة برنستن، زرته عدة مرات بمعهد الدراسات المتقدمة بنفس الفترة، و لم يكن غيرتس سعيدا بمشروع استقلال تيمور الشرقية. و لعل وفاءنا لهذا العالم سيجعلنا نخفف عليه شقاء وعيه بالدفاع عن عمق و تنوع الحضارة المغربية والتصدي لأي مشروع انفصالي مفقر للتنوع ومستنزف للغنى الحضاري للحوض الأبيض المتوسط.
المفهوم الثاني، يرتبط بأنماط الدول، حيث توصلت نتائج بحوثنا إلى أن هناك في العالم أربعة أنواع من الدول: دول تاريخية- محورية Networking States، و دول-قطرية Nation-State، و دول فاشلة Failed State و دول منهارة Collapsed state
الدولة المحورية هي دولة قطرية، لكنها تضم بداخلها عصب و مركز علاقات قبلية و اقتصادية و لغوية تمتد و تترابط مع شعوب المناطق المحيطة بها. و من تم يكون استقرار الدولة المحورية ناظما للأمن و الاستقرار الإقليمي كما يمكن أن يكون اضطرابها سببا في خلق اختلالات إقليمية واسعة من حولها. من بين هذه الدول نجد الصين، و تركيا و المغرب و البرازيل و الولايات المتحدة. و على هذا الأساس فإن دفاعنا عن استقرار المغرب، هو دفاع عن الاستقرار الإقليمي لكل القارة الإفريقية.
أما المفهوم الثالث، فهو مفهوم توازن الأيكولوجيا السياسية، و كما هو شأن الدراسات حول الأيكولوجيا الطبيعية التي تدافع عن التوازن بين الإنسان و الطبيعة، على اعتبار أن ذلك يمثل مظهراً من أبرز مظاهر العناية بسلامة الإنسان وحماية الطبيعة، والحرص على نظام الحياة وسعادة النوع البشري واستمرار وجوده على هذه الأرض، ذلك لأن سلامة النوع البشري وما تعايش معه من مخلوقات حية، أو ذات علاقة بها كالتربة والماء والهواء هي منوطة بحمايتها من التلوث والتخريب. على نفس النسق، تجسد نظرية الأيكولوجيا السياسية، تصورا يستند على أهمية التوازن بين مقومات الأرض و مقومات المجموعات البشرية التي تعيش عليها. ولعل من أهم خلاصات هذه النظرية انتقادها إلى الاهتمام الشعبوي بحقوق الناس على حساب الأرض و المقومات السوسيو تاريخية. لأن المجموعات البشرية دون النظم المنظمة للرقعة الترابية، يفقدان مقوم الاجتماع الحضاري الذي تحدث عنه ابن خلدون و يدخلها في دائرة الفكر المتوحش الذي تحدث عنه كلود ليفي ستراوس.
على هذا الأساس، و إذا أردنا مقاربة ملف الأقاليم الصحراوية على هذا الأساس، فإننا نجد أن الروابط التاريخية و التجارية و الحضارية و القرابية بين الصحراويين و الأقاليم الصحراوية تأخذ شكلها داخل النسيج الوطني العام للمغرب الأقصى و ليس خارجه. و من تم فإن أية مقاربة تحاول اقتطاع الإقليم عن سياقه العام أو تحاول وضع الصحراويين خارج النسيج العام لتاريخهم و عمقهم الحضاري كفاعلين في بناء الحضارة المغربية منذ عشرات القرون، فإنها مقاربة شوفينية سياسيا و مظللة إيديولوجيا، و متوحشة بمقاييس الأنتربولوجيا
تحدثتم أيضا عن دور مشروع الحكم الذاتي في تحقيق مقومات أمن بشري نموذجي بالأقاليم الصحراوية، كيف ذلك؟
الأمن البشري في تعريفنا هو مفهوم يجمع بين مقومات التنمية و الشعور بالسعادة، و الأمان و الأمن. ومن تم فهو يشمل حماية الممتلكات، و النفس و الجسد و الصحة و التعليم و الرزق. و لتحقيق ذلك، طورت نظرية السعادة في التحليل الاقتصادي Theory of Happiness مؤشر المشاركة في التنمية كعنصر من عناصر الشعور بالرضى الذاتي على ما يتحقق على أرض الواقع Community Self Satisfaction . و بقياسنا للتطور التنموي الذي شهدته الأقاليم الجنوبية نجد أن مؤشرات الأمن البشري قد ارتفعت من 2 في المائة عام 1980 لتصل إلى 59 في المائة. في حين لا تتجاوز هذه النسبة 43 في المائة في باقي ربوع المملكة. في فرنسا لا يتجاوز المعدل العام للأمن البشري معدل 30 في المائة.
الأمن البشري يختلف في قياسه عن التنمية البشرية بتركيزه على التوازن بين الشعور بالأمن ( كحالة مادية) و الأمان ( كحالة نفسية و شعورية).
أما إذا أردنا العودة إلى مؤشرات التنمية البشرية، فإننا سنجد أن التطور الحاصل بمختلف أقاليمنا الجنوبية هو إيجابي جدا، و يدعو إلى الرضى عما تحقق خلال العقود الثلاثة، سواء في قطاع التجهيزات أو الخدمات أو التعليم أو الصحة أو سوق العمل. و ربما يكفي أن نشير إلى بعض هذه المؤشرات في قطاع الصحة، حيث ارتفع عدد المستشفيات بمدينة العيون مثلا من مستشفى واحد بقدرة استيعابية ل114 سرير إلى خمس مستشفيات تصل قدرتها الاستيعابية إلى (530 سريرا) مستشفيان بالعيون بقدرة استيعابية ، و مستشفى بوادي الذهب بقدرة استيعابية تصل إلى 53 سريرا ، وآخر ببوجدور ( 36 سريرا) و مستشفى بالسمارة بقدرة تصل إلى 67 سريرا، هذا طبعا بالإضافة إلى المراكز الصحية الأساسية و العيادات الخاصة.
أما عن القدرات البشرية الطبية، فقد ارتفعت من 10 أطباء عام 1970 من ضمنهم أخصائي واحد وطاقم طبي مساعد يقدر بحوالي 132 ممرضا لتصل إلى 176 طبيبا من بينهم 39 أخصائيا و صيدليين و ثلاثة جراحين و طاقم طبي مساعد 639 ممرضا و أربعة مهندسيين طبيين و 351 موظفا إداريا مختصا في القطاع الصحي.
و لعل هذا التطور يلعب دورا أساسيا في توفير شروط العيش الكريم للمواطنين بالأقاليم الصحراوية كما يمنحهم الشعور بالأمان الذي يعتبر المؤشر الشعوري المركزي في قياس مدى تطور الأمن البشري أم لا. و نجد اليوم كيف أن معدل وفيات الأطفال قد انخفض بالأقاليم الجنوبية إلى 30 في الألف مقابل 40 في الألف بباقي جهات المملكة.
هذه أرقام تفيد أن مسيرة البناء الديمقراطي بالأقاليم الجنوبية تبدأ بالعناية بالإنسان أولا، وهو في رأينا مظهر إيجابي جدا .
هناك مظاهر أخرى لم نشر إليها، خاصة تطور العمل الجمعوي، و ارتفاع عدد الجمعيات إلى أكثر من 500 جمعية أهلية تتنوع مجالات تدخلها بين الثقافة و التنمية و الرياضة و الفن و العمل في المجال البيئي و الصحي.
و طبعا في حال تنفيذ مشروع الحكم الذاتي، ستسهل هذه المنجزات أداء المجتمع الصحراوي لأدواره على اعتبار الخبرات التي راكمها أبناء الأقاليم الجنوبية خلال العقود الثلاثة ستساعدهم في تدبير شؤونهم داخل الهياكل الاقتصادية و الإدارية التي يسير عليها مشروع الحكم الذاتي الموسع.
و ماذا عن شروط الأمن البشري في مخيمات تندوف ؟
للأسف يصعب الحديث عن أدنى شروط الأمن البشري بمخيمات تندوف، لأننا و إن كنا نسمي المجموعات الصحراوية باللاجئين داخل المخيمات، إلا أنهم في الواقع مواطنون محتجزون، يخضعون لرقابة شبه عسكرية من طرف مليشيات البوليساريو. الخوف، و التستر، و القلق، و الجوع، و الحرمان هي مظاهر الحياة بالمخيمات، و الجزائر كدولة مضيفة للمخيمات، لا تحترم المواثيق الدولية الصريحة. في هذا الباب دعا المشاركون في الدورة التدريبية حول آليات حماية المرأة والطفل اللاجئ الى توفير أماكن ايواء لائقة للاجئين وايلائهم العناية الصحية والنفسية وتمكينهم من ممارسة حياتهم الطبيعية لحين اعادتهم الى بلدانهم الاصلية.
واعتبر المشاركون في الدورة التي نظمها المركز الوطني لحقوق الانسان بالتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ان المواثيق الدولية والعهود المتعلقة بحقوق الانسان وفرت للاجئين حماية قانونية مناسبة في الدول المستضيفة من شأنها تحسين احوال اللاجئين وتوفير حياة كريمة لهم.
فالبند 12 من اتفاقية 1951 لحماية اللاجئين صريح بنصه على أن :
1 . تخضع أحوال اللاجئ الشخصية لقانون بلد موطنه، أو لقانون بلد إقامته إذا لم يكن له موطن.
2 . تحترم الدولة المتعاقدة حقوق اللاجئ المكتسبة والناجمة عن أحواله الشخصية، ولاسيما الحقوق المرتبطة بالزواج، على أن يخضع ذلك عند الاقتضاء لاستكمال الشكليات المنصوص عليها في قوانين تلك الدولة، ولكن شريطة أن يكون الحق المعني واحدا من الحقوق التي كان سيعترف بها تشريع الدولة المذكورة لو لم يصبح صاحبه لاجئا.
ثم نجد المادة 16 من نفس الاتفاقية صريحة بدعوتها إلى أن يكون لكل لاجئ، على أراضي جميع الدول المتعاقدة، حق التقاضي الحر أمام المحاكم.
و أن يتمتع كل لاجئ، في الدولة المتعاقدة محل إقامته المعتادة، بنفس المعاملة التي يتمتع بها المواطن من حيث حق التقاضي أمام المحاكم، بما في ذلك المساعدة القضائية، والإعفاء من ضمان أداء المحكوم به.
لكن الجزائر بتواطئها مع البوليساريو لا تلتزم بمقتضيات استضافة اللاجئين، و تترك للمليشيات حرية قهر و حرمان الصحراويين المحتجزين بتندوف ، و لذلك ترتفع الأصوات اليوم بممارسة الضغط على الجزائر من أجل الالتزام بمقتضيات الاتفاقيات الدولية، أو في حال استمرارها على الوضع الحالي، يجب على المفوضية السامية للاجئين نقل المحتجزين بمخيمات تندوف إلى بلد مضيف أخر.
المشكلة الثانية التي تكمن في انعدام الضمانات بأن المساعدات المالية التي تمنحها المنظمات الإنسانية تصل إلى المخيمات. وقد توقعت عدة دراسات محايدة أن حوالي 76 في المائة من المساعدات الدولية الموجهة توفير الغذاء و الأدوية و الأغطية و غير ذلك من الاحتياجات الضرورية، تصرف من طرف مليشيات البوليساريو على الأسلحة أو تحول لحساباتهم الخاصة. و هو أمر تدينه كل المواثيق الدولية.
بل إن دراسات أخرى، تذهب إلى أن عدم رغبة البوليساريو و حلفائهم من جنرالات الجزائر التوصل إلى حل لقضية الصحراء، سببه هو رغبتهم في بقاء الأمر على ما هو عليه، لأن في ذلك مصدرا لاغتنائهم .
أستاذ الجامعات و المدير التنفيذي للمركز الياباني للدراسات المغربية باليابان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.