بمفردات لغته الإبداعية التي تسمو على الاستخدامات التقليدية، صدح أدونيس، أحد أهرامات الشعر العربي الحديث، مساء أمس الخميس في قاعة (عبد الحميد شومان) بعمان، بمختارات من شعره. لم تنل السنون، وهو الذي تجاوز الثمانين، من طريقة الإلقاء لديه وتفاعله حد التماهي مع القصيدة الحديثة، بحيث يحبذ ألا يقاطع بالتصفيق.. يسترسل في تطويع اللغة وترويضها بما هو معروف عنه من بلورة منهج جديد في الشعر العربي يقوم على توظيف اللغة على نحو فيه قدر كبير من الإبداع والتجريب بحيث تسمو على الاستخدامات التقليدية دونما خروج عن اللغة العربية الفصحى ومقاييسها النحوية. امتلأت القاعة عن آخرها، بل وافترش البعض الأرض لكي لا يفوت فرصة الاقتراب والاستماع لأدونيس والغوص في أفكاره الفلسفية، وهل أدونيس مجرد شاعر أو أي شاعر. قدم الشاعر الأردني جريس سماوي أدونيس قائلا إن ما يميزه، منذ ديوانه "أغاني مهيار الدمشقي"، هو "هذه الجدة والحداثة التي يتسم بها نصه، إنها الدهشة التي تجعلنا مشدوهين أمام اللغة. إنها المفاجأة ونحن نقرأ الكلام، إنها الأدونيسية التي أصبحت مدرسة في الشعر". وقبل تنقله بين الماضي والحاضر والمستقبل، كسمة تميز إبداعاته، قال علي أحمد سعيد، (أو أدونيس، الاسم الذي تبناه الشاعر تيمنا بأسطورة أدونيس الفينيقية)، "أخشى أن يأتي وقت يتهم به بالكفر والزندقة كل من يتحدث عن فلسطين". وعن قصيدة "مقدمة لتاريخ ملوك الطوائف"، التي كتبت سنة 1971، أوضح أنها "مستلهمة من رمزية الأندلس وتتحدث عن فلسطين، وفيها استشهادات مما كتب عن الأندلس في ذلك الوقت". كما ألقى، خلال هذه الأمسية الذي نظمتها (مؤسسة عبد الحميد شومان) ومؤسسة (وتر) للثقافة والإبداع، قصيدة "الوقت" من ديوان "الحصار"، وقصيدة ثالثة من ديوان "تاريخ يتمزق في جسد امرأة". وبعدها، رحل أدونيس بمحبي الشعر الحديث إلى عوالم تطويع اللغة في تفاعل وجدل مع الأزمنة والأمكنة. وكانت عيون من حجوا بكثرة لهذا العرس الشعري شاخصة تتابع كل حركات الرجل الإلقائية، والأذهان مسافرة في بحر كلمات هذا الشاعر والكاتب والمفكر الذي يعد من أكثر المساهمين في إثراء خزانة الأدب العربي الحديث. أنشد أدونيس من ضمن ما أنشد: "كان فدائي يخط اسمه نارا وفي الحناجر البارده..يموت..والقدس تخط اسمها..لم تزل الدولة موجودة..لم تزل الدولة موجودة.. غير أن النهر المذبوح يجري: كل ماء وجه يافا..كل جرح وجه يافا....." الى أن يصل الى هذا المقطع الناري: "سمني قيسا وسم الأرض ليلى..سمني يافا باسم شعب يرفع الشمس تحيه..سمني قنبلة أو بندقيه...". وقد لقيت مختارات الشاعر إعجابا وتجاوبا كبيرين من لدن الحاضرين الذين تدافعوا في ختام الأمسية لالتقاط صور إلى جانبه. لأدونيس كتب ودواوين كثيرة منها، بالخصوص، "أغاني مهيار الدمشقي" و"مفرد بصيغة الجمع"، و"كتاب القصائد الخمس تليها المطابقات والأوائل" و"كتاب الحصار" و"شهوة تتقدم في خرائط المادة" و"مقدمة للشعر العربي" و"زمن الشعر" و"الثابت والمتحول". وحاز أدونيس على جوائز كثيرة، كما كان مرشحا عدة مرات لنيل جائزة "نوبل" العالمية للآداب.