اتسمت أشعاره بالروح الشعبية حينا وبالعمق الوجودي حينا، وتحول عدد كبير منها إلى أغان صدح بها كبار المغنين والمغنيات في مصر، من عبد الحليم حافظ ومحمد رشدي إلى شادية ونجاة الصغيرة ومحمد منير. حملت أغانيه هم الإنسان البسيط، ومشاعره وعواطفه العفوية، تجلياته وانكساراته، فوجد نفسه في الخندق المقابل للنظام، دون أن يفقد الحظوة لدى أبناء الشعب، حتى الذين كانوا يوما سجانيه. وها هو يرحل على طريقة "عمالقة العصر". إنه الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي الذي شيعه الآلاف من أهالي قرية "الضبعية" بالإسماعيلية شرق مصر مساء أول أمس الثلاثاء، في جنازة عسكرية، لدفنه بمقابر "جبل مريم" بالمحافظة حيث شارك في الجنازة العسكرية عددا كبيرا من الشخصيات الرسمية والشعبية والفنية. كان جثمان الشاعر الكبير وصل، مساء الثلاثاء، إلى منزله بقرية "الضبعية" بالإسماعيلية، قادمًا من المجمع الطبي للقوات المسلحة، حيث حضر جثمان الفقيد داخل سيارة إسعاف تابعة للقوات المسلحة، وترافقه دوريات من الشرطة العسكرية. يذكر أن الشاعر عبدالرحمن الأبنودي توفي، عصر الثلاثاء، بعد صراع طويل مع المرض، عن عمر يناهز ال76 عامًا. وقالت الإعلامية نهال كمال زوجة الشاعر: "إن زوجها رحل عصر اليوم بعد معاناة مع المرض حيث أجرى عملية سريعة لإزالة تجمع دموي بالمخ، وتم نقله إلى المركز الطبي العالمي بطريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوي، وحجزه بالعناية المركزة ومنع الزيارات عنه بعد أن تدهورت حالته. وكان الأبنودي قد عانى من تدهور حالة الرئة، مما جعله يعاني من ضيق في التنفس وظل يعالج في المستشفى الأميركي بالعاصمة الفرنسية باريس، حيث أكد الأطباء أن رئتيه لا تعملان بشكل جيد، ولم يتبق منهما سوى جزء بسيط. ولد الأبنودي عام 1939 في قرية أبنود بمحافظة قنا في صعيد مصر، لأب كان يعمل مأذونا شرعيا وهو الشيخ محمود الأبنودي، وانتقل إلى مدينة قنا وتحديداً في شارع بني علي، حيث استمع إلى أغاني السيرة الهلالية التي تأثر بها، وهو متزوج من المذيعة المصرية نهال كمال وله منها ابنتان آية ونور. من أشهر أعماله السيرة الهلالية التي جمعها من شعراء الصعيد ولم يؤلفها، ومن أشهر كتبه كتاب أيامي الحلوة الذي نشره في حلقات منفصلة في ملحق أيامنا الحلوة بجريدة الأهرام تم جمعها في هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة، وفيه يحكي الأبنودي قصصاً وأحداثاً مختلفة من حياته في صعيد مصر. يذكر أن الأبنودي قدم العديد من الأعمال الغنائية الدرامية لعدد من المسلسلات التي عرضت خلال السنوات الأخيرة، ومنها مسلسل "الرحايا"، وكتب أول قصيدة بعد ثورة 25 يناير اسمها "الميدان"، والتي كانت من تمائم الثورة في تلك الفترة، ثم كتب العديد من الأعمال في ثورة 30 يونيو. وحصل الأبنودي على لقب تميمة الثورات المصرية، فهو مغني الشعب بعد نكسة 67 بأغنية "وبلدنا على الترعة بتغسل شعرها"، وصاحب صرخة "مسيح"، إضافة إلى العديد من الأعمال الإبداعية منذ منتصف الخمسينيات، وحتى الآن مروراً "بالسيرة الهلالية" و"الأحزان العادية" و"المشروع الممنوع" و"صمت الجرس"، و"عمليات" و"أحمد سماعين"، وأعمال كثيرة أثرى بها الحياة الثقافية في مصر والعالم العربي. حصل الابنودي على جائزة الدولة التقديرية عام 2001، وكان الشاعر الأول الذي يحصل عليها من شعراء العامية المصرية، وكذلك حصل على جائزة محمود درويش للإبداع العربي عام 2014. أما الجائزة الأكبر فهي الإعجاب الذي حظي به بين المثقفين والناس البسطاء على حد سواء، والذي ساهم فيه العديد الكبير من قصائده التي غناها مطربون مشهورون، والأغاني التي استخدمت في مسلسلات وأفلام مشهورة مثل "شيء من الخوف "، "الطوق والإسورة"، و "البريء".