وأنا أستمع الى تدخل محمد الوفا الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والاقتصادية والحكامة ،أول أمس، بالغرفة الثانية حول القدرة الشرائية للمغاربة وخاصة الفئات الهشة وارتفاع الأسعار كأسئلة حملها المستشارون، إنذارا لما وصلت إليه بلادنا، قفزت إلى ذهني سلسلة التدخلات التي شكلت فيها الجلسات الشهرية لرئيس الحكومة الريادة، والمستخفة بالمغاربة وبمعاناتهم، أمام تردي كافة الخدمات التي انهارت أوراشها في ظل حكومة التراجع عن المكتسبات. قال محمد الوفا إن «العام زين» وإن «المغاربة فرحانين» وإن نواب الأمة يتحدثون عن مغرب غير المغرب الذي يتقلد فيه كرسيا وزاريا هاما، عربونا على وفائه لسيده في حزب العدالة والتنمية ضد حزب تربى فيه وأوصله إلى سلسلة من المناصب الهامة في مسار طوى صفحته، ليتجند اليوم في نقل أوراق وتقارير وزارته التي لا تعرف الطريق الى مغرب الهامش أو بلغة أكثر شفافية هي أوراق تنقل مغالطات كبرى، وحده بنكيران يعرف أهدافها، في منحى يتضح لنا فيه التوجه نحو ضرب استقرار الوطن، ويوظف فيه موقع وزراء ابيضت وجوههم وظهرت النعمة على أجسادهم من كثرة الجلوس أمام مكاتبهم، قبل وصول موعد التدليك في الفضاءات المغلقة التي تستعمل فيها كافة مواد التجميل والراحة لأجساد راغبة بالفعل في توقيف التفكير في كافة المغالطات التي بدأت تعثر ألسنة الكثير منهم بقوة اصطدامها بواقع مرير، ويوظف فيه آخرون لتبخيس العمل السياسي وتمزيق صورة الفاعل السياسي في بلادنا، ليصبح هذا العامل كومبارس في فيلم «الحب الجارف» أو في مسلسل «عطش جسد» أو «اختلاس نظرة من تحت نقاب امرأة»، وكأن أدوار السياسيين لم تعد قائمة وأن زمن الحلم بدور السياسي في بناء المؤسسات انتهى، وأن أدوارا أخرى آتية لا ريب فيها ستعيد المرأة الى دورها في التفريخ وتهييء ليال حمراء أو خضراء أو صفراء لخليلها أو زوجها متعة أو بعقد أبدي، وتعيد الرجل إلى دوره في استرجاع كل تخلفنا بقراءة خاطئة لتراثنا الفكري والمعرفي والديني. هو تبخيس نعي فيه تطلعات خصمنا الإيديولوجي، ونواياه وقدرته على المناورة لتحقيق الفعل التراجعي الخطير بالاستعمال الممنهج لمراكز القرار في بلادنا، مرة بالترغيب عندما يتعلق الأمر بالمؤسسة الملكية، ومرة بالترهيب عندما يتعلق الأمر بالمؤسسة التشريعية والقضائية والحزبية والمدنية والنقابية وكافة الهيئات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. هو تبخيس نرصد فيه سلسلة خرجات رئيس الحكومة وتوجيهاته في تسريب الانحطاط السياسي، سواء على لسانه أو عبر فريقه في الحكومة أو البرلمان، أو في الواجهة الحزبية في الشبيبة والنساء في انسجام تام مع الواجهة الدعوية دون استبعاد لواجهات أخرى نحتاج فيها اليوم إلى المعلومة بالصوت والصورة كي لا نظل كفاعلين سياسيين وإعلامين نحدد معالم المجهول باستنتاجاتنا، ولو أننا في هذا الصدد لم نخطئ في تصورنا، بعدما حددنا في هذه الزاوية أفقها الذي نعيشه اليوم بوضوح الصورة جيدا في محيطنا الإقليمي، ووضوح المؤامرة الكبرى ضد الديمقراطية والحداثة ، وضد التنوير خدمة للفكر الجامد المنسجم مع تطلعات القوى المركزية في المنطقة. لم يكن محمد الوفا وحده من تكلف بمهمة الكذب على الشعب لإقناعه بأن «مول الحانوت في رأس الدرب» هو المسؤول عن معاناته، وأن حكومة بنكيران عملت على رسم الجنة تحت أقدامه، وأن هناك شياطين يريدون إسقاط مشهد مغربي آخر فوق رأسه، وعليه أن يجاهد ضد هؤلاء من أجل أن يكون هو والرئيس في الحكومة في نفس الطريق نحو القفة الهدية التي تنتظره في صباح يعمل العفاريت على محو بهائه من الأذهان، كما محوا خطاب السيد في المقعد الرئاسي الحكومي. وتجند الفريق الحكومي في الغرفتين لنقل نفس الصورة التي لم تستطع قدرة لسان وزيرينا في التعليم والصحة على نقلها، وهي الصورة التي نقلتها وزيرة التضامن إلى الغرفة الأولى واستعرض كلمتها وزيرنا في المالية بالأسلوب المستعمل بنفس انتخابوي لعملية دعم الأرامل. ولكي تكتمل صورة» جنود حكومة التراجعات الكبرى»، تدخل عبد العزيز أفتاتي من مقعده التشريعي مدعما الفريق الحكومي في مهمته المفتوحة على المجهول والتي بدأت بتبخيس العمل السياسي والنقابي وخلط الأوراق، استعدادا لما بدأت تتضح معالمه الكبرى في دول الجوار. تركت هذا الأمر جانبا وتوجهت إلى ما كتبته تحليلا لمؤتمرنا الإقليمي بالحوز الذي حجت إليه المئات من أجيال خبرت على التوالي معارك التحرير ضد الاستعمار، ومعارك سنوات الرصاص ومعارك الاصلاحات الدستورية، وصولا الى ثورة المغاربة الهادئة التي توجت بدستور 2011 كما جاء على لسان كاتبنا الأول في الجلسة الافتتاحية، وهي الوثيقة المستهدفة اليوم من طرف فكر رجعي يسعى إلى الانتشار بتغييب الفعل المؤسساتي الذي لا يمكنه أن يرقى الى هذا المفهوم إلا بتفعيل حقيقي للدستور، ضمن قوانين تنظيمية توضع في أدق تفاصيله، لبناء دولة المؤسسات ودولة العدالة والكرامة والحرية في ظل منظومة يخضع لها الجميع. فتحية لشعبنا الصامد في كافة ربوع المملكة.. تحية للذين عكسوا هذا الصمود في حضورهم الدال في كافة مؤتمراتنا المنسجمة مع تقطيعنا الترابي، وآخرها مؤتمر الحوز الذي تشابكت فيه أيادي مناضلينا من أمزميز وأزكور وتزكين وزكيتة وامغراس وتمصلوحت ومولاي ابراهيم وستي فاطمة ووريكة ووريكان وأمكدال ووأجوكاك وثلاث نيعقوب وأيت فاسكا وأغمات وسيدي غيات وأيت سيدي داوود وأيت حكيم وابادو وجماعات تكركوست أسني واغوطيم وسيدي بدهاج.هذه الجماهير الشعبية المتطلعة الى التغيير والواعية بكافة المناحي الخطيرة المهددة لاستقرار الوطن وتوازنه، والتي لا تنطلي عليها سياسة الهروب من قول الحقيقة المقروءة في وجوه المغاربة الموجودين اليوم في قاعة الانتظار، متأبطين ملفات وطنهم، واضعين اليد على قلوبهم خوفا على وطن السلام.