تقود السلطات بآسفي «حربا باردة « من أجل استعادة المدينة لهويتها البصرية ..فيما يشبه التعليمات الهادئة للوالي البجيوي ، يواصل رجالات الإدارة الترابية إقناع السكان و التجار و المسؤولين عن المرافق العمومية بإعادة صباغة واجهات المنازل و المتاجر والمرافق العمومية باللون الأبيض ، من منطلق أن مدينة آسفي الساحلية كانت دوما و عبر عقود وفية للون الأبيض و» الشراجم شيبية « ، كما تذكرنا بذلك العيطة الحصباوية ..اليوم ومع الزحف القوي لقطاع العقار ، و أمام عدم تفعيل الجماعة الحضرية لآسفي للقرار الجماعي القاضي بتوحيد طلاء الواجهات بالنسبة للدور والمساكن الجديدة ..بدا واضحا و فاضحا أيضا الالتجاء لألوان لا تعكس الهوية « الحضرية» لآسفي ..ومنها لون rouge mamounia المشهور بمدن كمراكش و شيشاوة و بنجرير ...إلخ .. هذا اللون الذي طال كذلك بعض المرافق العمومية وكأنها معدمة الإمكانيات و الموارد ...بل إن الأحياء الجديدة بشمال ووسط وجنوب المدينة التي أضحت كتلا إسمنتية بلا روح و لا ذوق، أضحت مؤثثة بألوان قزحية غريبة عن المرجعية التاريخية والحضارية لمدينة بحجم آسفي .. الحديث عن الهوية البصرية للمدينة يقودنا إلى موضوع مورفولوجيا التعمير بآسفي ..المدينة التي سماها بن خلدون حاضرة المحيط بالنظر لمكانتها التاريخية ودورها الحيوي كبوابة بحرية على مر العصور ..إذ يلاحظ أن المدينة تكبر بلا ملامح و لا طابع هندسي مميز.. فأمام العجز السكني لسوق العقار في السنوات الأخيرة ..كثر المتدخلون و المتهافتون ..و بدا واضحا أن هناك تسابقا محموما لتوسيع العرض السكني و استقطاب أكبر عدد من الباحثين عن «قبر الحياة» ...و إزاء الحضور القوي للهاجس التجاري ، تبين أيضا أن العديد من العروض و المشاريع السكنية قد استنبتت بدون جمالية و بدون روح تسلتزم استحضار متطلبات جودة الحياة ..زحف الإسمنت و لم تصاحبه الصرامة على مستوى جمالية الهندسة و توظيف مواد البناء المحلية « كالقرمود مثلا و كل الأشكال الطينية التي يمكن أن تعكس جزءا من الهوية العمرانية للمدينة .. من القضايا المقلقة المصاحبة لهذا التوسع العمراني المنفلت، هو التوسع الرهيب للبناء العشوائي الذي انطلق مع الحراك الشعبي منذ أربع سنوات ،و الذي يطرح اليوم تحديات حقيقية على مستوى إعادة الهيكلة ومد أحزمة البؤس بالتجهيزات الأساسية حماية لكرامة المواطنين على كل حال..و هو المجال الذي شكل بدوره حقلا للاغتناء و فرصة لتجديد « الولاء الانتخابي».. أخطاء كثيرة ارتكبت بمدينة آسفي ستكون مكلفة لا من حيث الإمكانيات و الموارد المالية العمومية ، ولكن ، وهذا هو الأساسي ، ستكون مكلفة على مستوى الهوية الحضارية لمدينة ظلت على مر العصور مثالا راقيا للحياة و العيش المشترك ..