يواصل المغرب تعزيز موقعه كواحد من أبرز الفاعلين في صناعة السيارات على المستوى العالمي. فقد شرعت المملكة في تنفيذ خطة طموحة تروم رفع القدرة الإنتاجية إلى مليون سيارة سنويًا مع نهاية عام 2025، وهو رقم يمثل قفزة نوعية مقارنة بما تحقق في السنوات الأخيرة. يعكس هذا التوجه الاستراتيجي رغبة المغرب في ترسيخ مكانته كقاعدة صناعية متقدمة، لا سيما بعد أن أصبح هذا القطاع يحتل المرتبة الأولى من حيث حجم الصادرات، متجاوزًا بذلك الفوسفات والمنتجات الفلاحية. خلال عام 2023، تجاوزت صادرات السيارات حاجز 14 مليار دولار، بينما حافظت وتيرة الإنتاج على مستوى 700 ألف وحدة، موزعة أساسًا بين مصانع "رونو" في طنجة و"ستيلانتيس" في القنيطرة. الرهان المغربي لا يقتصر فقط على الأرقام، بل يتعداه إلى نوعية الإنتاج، إذ تتجه المملكة بشكل متسارع نحو إدماج السيارات الكهربائية في خطوط التصنيع، انسجامًا مع التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة. وضمن هذا المسار، يرتقب أن يتضاعف عدد السيارات الكهربائية المنتجة في البلاد ليصل إلى 100 ألف وحدة سنويًا بحلول منتصف العقد، مع توقعات بأن تمثل هذه الفئة 60% من إجمالي الإنتاج في أفق عام 2030. هذا التوسع الصناعي لم يكن ممكنًا لولا البنية التحتية المتقدمة التي استثمر فيها المغرب خلال العقدين الأخيرين، وعلى رأسها ميناء طنجة المتوسط، الذي أصبح أحد أهم بوابات التصدير نحو السوق الأوروبية. كما ساهمت المناطق الصناعية المهيأة، من قبيل "طنجة أوطو سيتي" ومنطقة القنيطرة، في جذب كبريات الشركات العالمية، فضلًا عن ارتفاع نسبة الإدماج المحلي للقطع إلى أكثر من 60%، مع مخطط للرفع إلى 80% خلال عامين. ولا يخفى أن التحول المغربي نحو تصنيع البطاريات الكهربائية محليًا شكّل نقطة تحول استراتيجية، مع إبرام اتفاقيات ضخمة مع مجموعات صينية كبرى لإقامة مصانع "غيغا فاكتوري" باستثمارات تتجاوز مليار دولار، ما من شأنه تقوية السيادة الصناعية للمغرب في هذا المجال الحيوي. هذه الخطوات تعكس الرؤية الصناعية الجديدة التي تتبناها المملكة، والقائمة على التنويع التكنولوجي وتعزيز القدرات التنافسية. في الوقت ذاته، تستفيد المملكة من موقعها الجغرافي المثالي، الذي يتيح لها تصدير السيارات نحو أوروبا في أقل من 72 ساعة، مما يجعلها خيارًا مفضلًا لدى الشركات المصنعة الساعية إلى تقليص التكاليف والمدة الزمنية. وفعليًا، احتل المغرب خلال 2023 مرتبة متقدمة ضمن قائمة مزودي السوق الأوروبية بالسيارات، متفوقًا حتى على دول آسيوية تقليدية في هذا المجال. وإذا كان المغرب قد تمكن من خلق أكثر من 220 ألف منصب شغل مباشر في قطاع السيارات منذ 2014، فإن الخطط المستقبلية تشير إلى إمكانات نمو أكبر، خاصة مع انخراط المملكة في سباق صناعة السيارات النظيفة، التي تمثل مستقبل القطاع عالميًا. ولعل أبرز ما يميز هذه التجربة هو التوازن بين تشجيع الاستثمارات الأجنبية وتطوير الموردين المحليين، ما يمنح الصناعة المغربية طابعًا شموليًا واستدامة على المدى الطويل. بهذا الإيقاع المتسارع، يبدو أن المغرب في طريقه لأن يتحول إلى مركز إقليمي رائد في صناعة السيارات، لا يكتفي بتجميع المركبات فقط، بل يشارك أيضًا في تشكيل ملامح المستقبل التكنولوجي لهذا القطاع عالمياً.