تحوّل التوت الأزرق المغربي في السنوات الأخيرة إلى أحد المنتجات الفلاحية الأكثر طلبًا على المستوى الدولي، حيث سجّل قفزة نوعية في حجم صادراته وعائداته، متجاوزًا كل التوقعات، ليثبت مرة أخرى أن الزراعة المغربية قادرة على منافسة كبار المنتجين العالميين في الأسواق الاستراتيجية. وخلال الأشهر الثلاثة الأولى فقط من عام 2025، بلغت قيمة صادرات المغرب من هذه الفاكهة نحو الولاياتالمتحدةالأمريكية أكثر من 5 ملايين دولار، وهو رقم يعكس الدينامية المتصاعدة لهذا القطاع وقدرته على اختراق أسواق جديدة بفعالية. هذه الطفرة لم تقتصر على السوق الأمريكية فحسب، بل شملت كذلك أسواقًا بعيدة مثل كندا، حيث تم تصدير ما يفوق 900 طن خلال موسم 2023-2024، إلى جانب أسواق واعدة في آسيا، على غرار اليابان والصين وهونغ كونغ وماليزيا، التي سجلت زيادة تفوق ثلاثة أضعاف مقارنة بأرقام عام 2019. كما لم تغب أسواق الخليج العربي عن خارطة التوسع المغربي، حيث استقبلت دول مثل السعودية والإمارات وقطر كميات متزايدة من التوت المغربي عالي الجودة، تجاوزت في مجملها 1800 طن. ورغم أن السوق الأوروبية تظل الزبون الرئيسي للمغرب في هذا المجال، إلا أن حصة بعض الدول، مثل إسبانيا، بدأت في التراجع تدريجيًا، مقابل تسجيل ارتفاع لافت في الطلب من المملكة المتحدة، هولندا، ألمانيا، وفرنسا. ففي موسم 2023-2024، صدّر المغرب ما مجموعه 67 ألف طن من التوت الأزرق، بزيادة 25% عن السنة السابقة، وحققت هذه الصادرات عائدات إجمالية قاربت 315 مليون دولار. وقد تضاعف الإنتاج أربع مرات منذ عام 2018، مما جعل المملكة في ظرف وجيز رابع أكبر مصدر عالمي للتوت الأزرق، متجاوزة دولًا تقليدية في هذا القطاع مثل الولاياتالمتحدة. ويرجع هذا النجاح إلى عدة عوامل، أبرزها تنويع الوجهات التصديرية، وتحسين تقنيات الزراعة، واستثمار الفرص المناخية التي تسمح بإنتاج التوت في مواسم غير متزامنة مع باقي الدول، مما يمنح المغرب ميزة تنافسية واضحة. كما ساهمت الاستثمارات في سلاسل التبريد والتلفيف والتسويق في تعزيز جودة المنتوج وضمان احترامه للمعايير الدولية المطلوبة، خصوصًا في الأسواق الأمريكية والآسيوية التي تشترط أعلى درجات المراقبة والسلامة الغذائية. في ظل هذه الدينامية، تشير التوقعات إلى أن حجم الإنتاج المغربي من التوت الأزرق قد يتجاوز 80 ألف طن في المواسم القادمة، خاصة بعد دخول مناطق جديدة على خط الإنتاج مثل الداخلة وبعض المناطق الجبلية، حيث يجري الاعتماد على تقنيات حديثة في الري المستدام والرفع من مردودية الهكتار الواحد. ومع استمرار الطلب العالمي في التزايد، يواصل المغرب تثبيت مكانته كفاعل رئيسي في السوق العالمية لفاكهة التوت الأزرق، التي باتت تُدرّ على البلاد ملايين الدولارات، وتفتح آفاقًا واعدة أمام الفلاحة المغربية في زمن التغيرات المناخية وتحديات الأمن الغذائي العالمي.