لم يعد الرأي العام يطمئن لخطابات الحكومة وأرقامها وإحصائياتها المرتبطة بتدبير قطاعاتها بعد التراجعات المهولة التي طالت عدد مواردها البشرية، والنسب المهولة على مستوى تقاعد أطرها والخصاص البين في موظفيها ومستخدميها وأعوانها، فضلا عن تدهور بنايات ومرافق مؤسساتها، وخير دليل على ذلك ما تعرفه وزارة الشباب والرياضة من انكماش وتراجع خطير علما بأنها تعتبر قطاعا اجتماعيا وتربويا ورافدا أساسيا للتربية على المواطنة، قادر على ضخ روح المواطنة في جسم الطفولة والشباب ،لكن بشهادة الأرقام. فوزارة الشباب والرياضة لا تعير أي اهتمام للطفولة والشباب ولا للخصاص الذي تعاني منه مؤسساتها إن على المستوى الأطر الإدارية والتجهيزات الأساسية . فمن خلال الأرقام «المخيفة والتي لا تبشر بخير»، والتي تتوفر عليها جريدة الاتحاد الاشتراكي، فالأمر يحتاج فعلا إلى ثورة حقيقية لرد الاعتبار لقطاع مهم في حياة المجتمع والوطن، قطاع أسس له الرواد الأوائل لوضع قاطرة الشباب على سكة انتاج الأجيال المدافعة عن الوطن وصقل مواهبهم كدرع واق ضد كل أشكال الانحراف والتطرف والضياع ، لكن قبل تناول الأرقام لابد من التأكيد على أن مقياس نجاح التعاطي مع ملف الطفولة والشباب يتطلب إحداث دار شباب لكل حي تقطنه 36 ألف نسمة . إن الخوض في تراجع عطاءات دور الشباب يزكيه رقم مهول يرتبط بعدد هذه المؤسسات بالمغرب (341 دارا للشباب بالمدن و 245 مؤسسة بالعالم القروي ) كبنيات استقبالية لممارسة أنشطة الجمعيات التطوعية لخدمة القضايا الاساسية للطفولة والشباب ، في الوقت الذي يحتاج له المجتمع إلى أكثر من 1500 مؤسسة دار الشباب ...الأغرب من ذلك أن عدد الأطر العاملة بهذه المؤسسات المنتشرة بربوع المملكة لا يتجاوز 701 إطار موظف والخصاص يقدر ب 471 إطارا ، في حين أن عدد الأعوان المساعدين يقدر ب 66 عونا أي بخصاص يقدر ب 520 عونا حسب عدد المؤسسات . والغريب في هذه النازلة أن العديد من مديري دور الشباب يقومون بمهمة الحراسة والنظافة والأعمال الأخرى، بل إنك تجد عون في مؤسسة يقوم بمهمة مدير . وحسب المتتبعين لملف دور الشباب، فوزارة الشباب والرياضة لا تتوفر على استراتيجية محكمة البنيان لمواجهة هذا الخصاص في ظل ارتفاع عدد الأطر المحالة على التقاعد، حيث أنه في سنة 2014 غادر دور الشباب ما مجموعه 24 مديرا أحيل على التقاعد وسنة 2015 تقاعد 28 مديرا، وسترتفع هذه الوتيرة سنة 2018 بتقاعد 123 إطارا. هذا النزيف لم تعمل الحكومة على إيقافه من خلال تخصيص مناصب شغل لسد الخصاص مما ينبئ بكارثة إغلاق العديد من مؤسسات دور الشباب كما هو واقع حال بعض المدن التي أغلقت دور الشباب فيها . هذه الوضعية يمكن قياسها على مجموعة من مصالح وأقسام الوزارة ( الأندية النسوية ومراكز حماية الطفولة ....) التي تعرف تراجعا على مستوى أطرها ومواردها البشرية رغم اجتهاد بعض المديرين الإقليميين الذين يعتمدون على موارد بشرية من خارج القطاع، واستدرار عطف رؤساء الجماعات الترابية لإلحاق بعض أعوانها لخدمة قضايا الطفولة والشباب بمؤسساتهم الشبابية دون تكوينهم وصقل قدراتهم في ميدان الطفولة والشباب ، في حين يظل 38 مركزا للاستقبال يشكو من نقص فظيع في الأطر الإدارية والاقتصادية والخدماتية، حيث أن 7 مراكز لا تتوفر على مديرين و 32 منها لا يتوفر على مقتصد وجميعها لا تتوفر على حراس وواحد منها يتوفر على طباخة فقط . إن الحكرة التي يعاني منها القطاع تعد ممارسة غير مقبولة تجاه الجسم الجمعوي المتطوع بوقته لخدمة الطفولة والشباب، ويرمي بآمال الشباب نحو المجهول، ويطرح سؤال المحاسبة والمسائلة الاجتماعية والترافع ضد حكومة تخصص الفتات لوزارة يجب أن تتحمل مسؤوليتها للدفاع عن متطلبات الزمن المغربي الجديد، وإيقاف كل اشكال التلاعب بمصير الشباب بعيدا عن سياسة " كم حاجة قضيناها بتركها " حتى لا تتضاعف مهازل وزراء الشباب الذين أضحى الشعب ينعتهم " بمول لودي ومول الكراطة». فهل تتحرك حكومة بن كيران لتدارك هذا النقص الفظيع في قطاع أصبحت دول العالم تعتبره قطاعا استراتيجيا ومنتجا ومدرا للعملة الصعبة، ومنبرا لرفع أعلامها الوطنية ثقافيا وتربويا ورياضيا ؟؟