باقتراح من بوعياش... التحالف العالمي ينكب على تحديات وفرص الذكاء الاصطناعي والفضاءات الرقمية وأثرها على فعلية الحقوق    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    مونديال 2026.. أنظار العالم تتجه نحو واشنطن لمتابعة عملية سحب القرعة    كأس العرب.. مدرب منتخب قطر يوجه تحذيرا صارما إلى سوريا وفلسطين            الغلوسي يكشف معطيات جديدة حول "شبكة فساد منظمة" مرتبطة ببرنامج مراكش الحاضرة المتجددة    بوريطة يؤكد أن التعاون المغربي-الإسباني بلغ مستوى "غير مسبوق"    النيجيري ويليام تروست-إيكونغ يعلن اعتزاله الدولي    ترقب مغربي لما ستسفر عنه قرعة مونديال 2026 اليوم بواشنطن    المنتخب المغربي للتايكوندو ينتزع ميدالية ذهبية في بطولة العالم لأقل من 21    التنسيق النقابي في قطاع الصحة يعلن وقفات احتجاجية وطنية ويدعو إلى مقاطعة انتخابات "المجموعة الترابية" طنجة تطوان الحسيمة    استقرار أسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأمريكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    كيوسك الجمعة | 72% من المغاربة يتصدقون بأموالهم لفائدة الجمعيات أو للأشخاص المحتاجين    مدرب عمان: جودة المغرب الفردية والجماعية تجعلهم منافسا قويا    "المثمر" يواكب الزيتون بمكناس .. والمنصات التطبيقية تزيد مردودية الجَني    لمياء الزايدي .. الصوت الذي يأسر القلوب ويخطف الأنفاس    ‪المغرب وإسبانيا يعززان تعاون الصيد    كأس العرب لكرة القدم (قطر 2025).. المنتخب الفلسطيني يخلق المفاجأة ويتعادل مع نظيره التونسي (2-2)    مقتل "أبو شباب" إثر "ضربات كليلة" في غزة بعد شجار داخلي مع مجموعته    أمن شفشاون يرفع درجة اليقظة مع اقتراب رأس السنة الجديدة ويشدد الخناق على مخالفي قانون السير    اعتقال المعارض التونسي أحمد نجيب الشابي    أخنوش وسانشيز يرسمان ملامح مرحلة متقدمة بين المغرب وإسبانيا    مدريد.. التعاون الثنائي محور سلسلة مباحثات مغربية-إسبانية على المستوى الوزاري    السلطات تُطلق حملة لإيواء الأشخاص بدون مأوى بجهة طنجة    كأس العالم 2030.. أخنوش: المشروع يتجاوز الرياضة ويجسد قدرتنا على البناء المشترك    تاريخ تسريح اللاعبين ل "كان 2025" يتغير.. فيفا يصدر قرارا جديدا يخدم الأندية    أشادت إسبانيا بالإصلاحات التي قام بها المغرب بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وكذا بالمبادرات الملكية من أجل إفريقيا    مجلس المستشارين يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2026    المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج يجدد التأكيد على مغربية الصحراء ويرحب بقرار مجلس الأمن 2797    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    العنف النفسي يتصدر حالات العنف المسجلة ضد النساء    إيطاليا ماريتيما تطلق خطا بحريا مباشرا بين المغرب وإسبانيا    شهادة في حق الفنانة خلود البطيوي بمناسبة تكريمها في الدورة 14 للجامعة السينمائية بمكناس    شهادة في حق الأستاذ حفيظ العيساوي الرئيس الأسبق للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب    حميد بناني: شاعر الصورة وفيلسوف الوجود    مبادرة "Be Proactive" تعزّز الوقاية من حساسية الأسنان في عيادات المغرب        مونديال 2026 .. أنظار العالم تتجه صوب واشنطن لمتابعة سحب قرعة مرتقب بشدة    وزير الخارجية الإسباني يستقبل بوريطة ويؤكد: العلاقات مع المغرب تعيش لحظة تاريخية    بين الراي والراب الميلودي... Wrapped 2025 يرصد التحولات الموسيقية بالمغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة        "حبيبتي الدولة".. من تكون؟!: في زمن التشظي وغياب اليقين    ماكرون قلق بعد سجن صحافي بالجزائر    مشاهير عالميون يطالبون إسرائيل بإطلاق سراح القيادي الفلسطيني البارز مروان البرغوثي    الصين: مدينة ايوو تسجل رقما قياسيا في حجم التجارة يتجاوز 99 مليار دولار    دراسة: الرياضة تخفف أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه    الشرفي يلقي خطاب عضوية "أكاديمية المملكة" ويرصد "غزو علمنة المجتمع"    نصائح صحية: هذه الأغذية تهددك ب"النقرس"!    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف حالك سيدتي المغربية؟ .. خديجة، الفلاحة المجازة في الحقوق
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 10 - 03 - 2016

ما الذي تغير في واقع حياة المرأة بالمغرب؟. الجواب الأكيد هو: الكثير. لأن دورها ضمن منظومة إنتاج القيم مغربيا، مؤثر ووازن. بل، إن المرء يستطيع الجزم، أن من عناوين التحول التاريخية الكبرى، التي راكمها المغاربة، في صيرورة حياتهم ووجودهم، ضمن باقي التجارب المجتمعية بالعالم، إنما هو كامن في الدور الذي ظل للمرأة في المجتمع. وهذا يفرض أكيد أشكال مقاربة تحليلية لابد أن تكون متجردة عن الأحكام المسبقة والكليشيهات الإعلامية الرنانة.
مناسبة ثامن مارس، كاحتفال عالمي بالمرأة، انتصارا لما تمثله من دور في بناء المجتمعات، هو فرصة لنرافق بعضا من عناوين التحول في بروفايل المرأة المغربية في بداية القرن الجديد. وهي محاولة هنا، تريد لفت الإنتباه إلى معنى من معاني أن يكون الإنسان امرأة في مجتمع مثل المجتمع المغربي. وأول مداخل هذه المحاولة، هي الإطلالة على ملمح من ملامح ممارسة المرأة للحياة، في مدينة مثل الدارالبيضاء، اخترنا لها نماذج، يمكن توصيفها بأنها عنوان للمرأة العاملة، في مدينة عمالية مثل العاصمة الإقتصادية للمغرب.
ثاني النماذج، السيدة خديجة، حاصلة على الإجازة في الحقوق، فلاحة بإقليم الجديدة. صادفتها في القاعة 7 بمحكمة الإستئناف بالدارالبيضاء، من خلال محام صديق يرافع عن ملف قضائي لها، مرتبط بنزاع حول استغلال مؤقت لجزء من أرض فلاحية تشرف عليها، ضد شركة فلاحية خاصة، متخصصة في تصدير الطماطم. شقراء جميلة، لكن في نبرة صوتها حدة صوت البداوة التي لا يخطؤها السمع، وصراحة الفلاحين الذين لا يترددون في التحدث بنبرة مرتفعة. مثلا حين طلبت منها، في بهو المحكمة التحدث دون حاجة لرفع الصوت، بادرتني بالجواب: «مالنا تانخاونو» (لم هل نسرق؟). هي في الثلاثينات من عمرها، غير متزوجة باختيار كما تقول، لأن «الذكورا كثار، لكن الرجال قلال» (الذكور كثر، لكن الرجال قليلون). لا يمكن أن لا تثيرك بطبيعة شخصيتها، المتمكنة من القانون ونصونه المدنية والجنائية.
بعد الإستماع لتفاصيل قصة مشكلتها القضائية، وكيف أنها مصرة على انتزاع ما تراه حقا طبيعيا لها، في الإستفادة من جزء من مداخيل مبيعات تلك الشركة الفلاحية الخاصة، التي تستغل جزء من أرضها الفلاحية التي ورتثها عن والدها، بادرتها بسؤال استفزازي: أليس السبب في عدم زواج سيدة مثلك، يعود إلى طبيعة مزاجك الحاد؟. ضحكت عاليا، وقالت هذه نعمة من وجهة نظري وليست نقمة. الزواج التزام ومسؤولية، وسيأتي في أية لحظة، لكن بشكله العادي والطبيعي. وهي تتحدث، كنت أتأمل معنى آخر للمرأة المغربية، تلك الصاعدة من رائحة التراب، وفي ملامحها وفي لغتها وفي طرائق تعبيرها، كانت تتقاطع صور نساء مغربيات بدويات، من أزمنة متعددة. ولا يمكن للمرء الفكاك من السؤال، أليست النطفة هذه آتية من ذلك الرحم العتيق لمعنى أن يكون الإنسان، امرأة في المغرب؟. وضوح في الرؤية، صرامة في الموقف، تصالح هائل وكبير مع الذات.
سألتها، لم اخترت مجال الفلاحة، وأنت درست أصلا الحقوق؟. أكدت أنها نالت الإجازة من كلية الحقوق بالدارالبيضاء، لأن عائلتها انتقلت منذ سنوات إلى هذه المدينة العمالية، بواحد من أحيائها الشعبية (حي سباتة)، وأنها منذ صغرتها ظلت الوحيدة التي كانت ترافق والدها، كل صيف للوقوف على عمليات الحصاد في أرض أجداده الفلاحية، التي احتفظ بأجزاء مهمة منها، بعد أن باع كل أشقائه وشقيقاته حصصهم من الإرث لشركة فلاحية هناك، بمنطقة دكالة (بالضبط بالبئر الجديد). وأنها حين أصبحت طالبة، أصبحت هي من يذهب وحدها للإشراف على عمليات الحصاد، بعد أن أصبحت سن الوالد لا تسمح له بالسفر الدائم إلى هناك. وبعد وفاته، أصبحت هي المسؤولة عن تلك الأرض بتكليف من كل عائلتها. ومع توالي السنوات، أصبحت ملتصقة بالأرض تلك أكثر، وأصبحت فلاحة بكل ما للكلمة من معنى. هي تؤكد باعتزاز، تعكسه نبرة الصوت، أنها لم تكن تتردد في أن تشمر عن ساعدها وتلبس سراويل الجينز، وتنخرط في عمليات الحصاد بنفسها، مما كان يجعل باقي العمال من نساء ورجال، يضاعفون من طاقتهم في العمل. لأنهم يعزونها كثيرا أنها «بلدية» (أي أصيلة).
هل تحس نفسها مقصية في المجتمع، كونها امرأة؟. ضحكت عاليا وقالت بلا تردد: «أنا بميات راجل (أنا بمئة رجل). المرأة امرأة والرجل رجل، وكلنا سواسية أمام تحديات الحياة. حقي حقي وأتقاتل من أجله». هذا يعني أنه لا يحضر في ذهنها وفي واقعها أبدا، أنها مقصوصة الجناح، لمجرد أنها امرأة، بل هي في تصالح تام مع شرط وجودها كأنثى. والقيمة العليا عندها هي العمل. بل إنها ستطلق في وجهي جملة، تكاد تلخص أطروحة كاملة، حين قالت لي، ما معناه: «ترف مشاكل المدينة لا تعنيني. أنا ابنة زماني، لكنني لا أكذب على نفسي. أعرف قدري كأنثى، وأعيش كامرأة، عليها واجب مساعدة والدتها وأشقائها الصغار، وحماية أرض والدي رحمه الله». هي ربما تقصد، أن الحياة ليس فيها ما يكفي من الوقت لتضيعه في الإنتظار أن يجود عليه الواقع بدور ما، بل هي تنتزع ذلك الدور وتمارسه، كإنسان. أليس هذا معنى آخر من معاني أن تكون امرأة في المغرب؟. خاصة وأن لخديجة أشباه كثر على طول البلاد وعرضها. وأن قيم المدينة، بمعناها الإستهلاكي الجديد، هي التي رسخت واقعا نمطيا للمرأة في مجتمعاتنا اليوم.
خديجة، تملك سيارة خاصة بها، وهي سيارة ليست سياحية، بل سيارة مهنية. تؤكد أنها أصبحت تشارك من خلال المكتب الجهوي الفلاحي لمنطقتها دكالة، كل سنة في المعرض الوطني للفلاحة بمكناس، وأنها لا تعتبر نفسها فلاحة إقطاعية غنية، بل هي مجرد، امرأة مغربية تعيش من الفلاحة، بما ترعاه من أرض ورتثها العائلة عن والدها، والتي تصل إلى 9 هكتارات، في منطقة سقوية. والتحديات الحقيقية التي تعتبر أنها تواجهها، هي تلك التي تتعلق بواقع العلاقة بين صغار الفلاحين مثلها، مع الشركات الفلاحية الكبرى. وهي تقول بقسم بدوي: «والله مانحي ليهم الراس» (والله لن أحني رأسي لهم). هنا المعركة معركة حقوقية بمعنى اجتماعي وليس بمعنى فئوي كونها امرأة. هذا أمر مهم، تمثله في معان أخرى لأن يكون الإنسان امرأة في المغرب. أي أن المقاومة هنا، هي مقاومة منها بصفتها إنسانا، مواطنة مغربية، وليس بالضرورة بصفتها امرأة. هذا معنى آخر، قليلا ما ننتبه لأهميته كعنوان آخر من عناوين «تامغربيت».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.