غموض الموقف المغربي والإماراتي يلفّ رفضاً عربياً وإسلامياً واسعاً لاعتراف إسرائيل ب"أرض الصومال"    غرق مئات خيام النازحين في قطاع غزة    مباريات قوية الأحد تحدد ملامح التأهل    عواصف عنيفة تحصد أرواحًا في السويد وتغرق دول الشمال في الظلام    "جمعية هيئات المحامين بالمغرب" ترفض مشروع القانون المتعلق بتنظيم المهنة وتدعو إلى جمع عام استثنائي    مدرب النسور الخضر: نيجيريا "تستحق عن جدارة" فوزها على تونس    طلبة جامعة ابن طفيل ينددون بقرارات رئاسة الجامعة ويواصلون الإضراب رفضاً لرسوم التسجيل ومشروع قانون التعليم العالي    الصين تفرض حد أقصى إلزامي لاستهلاك الطاقة للسيارات الكهربائية    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    كأس إفريقيا .. لا غالب و لا مغلوب في مواجهة السنغال والكونغو الديموقراطية    كأس إفريقيا .. نيجيريا تفوز على تونس و تعبر إلى دور الثمن    الخدمة العسكرية .. الفوج ال40 يؤدي القسم بالمركز الثاني لتكوين المجندين بتادلة    كأس إفريقيا .. المنتخبان التنزاني والأوغندي يقتسمان نقاط المباراة    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    أزيد من 2600 مستفيد من قافلة طبية متعددة التخصصات بخنيفرة    مصرع عشريني في اصطدام مروّع بين دراجة نارية وسيارة بطنجة    تعادل مثير بين السنغال والكونغو الديموقراطية يبقي الصراع مفتوحًا في المجموعة الرابعة    زخات رعدية قوية وتساقطات ثلجية مرتقبة بعدد من مناطق المغرب حتى الاثنين    "نسور" نيجيريا تنقض على تونس    كُرةٌ تَدُورُ.. وقُلُوبٌ تلهثُ مَعَها    العرض الرقمي الأول لفيلم عباسي    علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    تعبئة استباقية وتدخلات ميدانية ناجعة بالجديدة لمواجهة التقلبات المناخية            أرض الصومال تعيش "حلم الاعتراف الإسرائيلي".. ودول إسلامية غاضبة    لجنة الإشراف تراجع خطة العمل الوطنية للحكومة المنفتحة    "الجمعية الوطنية للمحامين بالمغرب" تطلب تدخّلًا أمميًا لحماية "استقلال المهنة وحصانة الدفاع"    ورزازات في الواجهة : العلامة الترابية "زوروا ورزازات" visit OUARZAZATE تتصدر مؤلَّفًا دوليًا مرجعيًا في إدارة العلامات التجارية بين الشركات    الخدمة العسكرية.. الفوج ال40 يؤدي القسم بالمركز الثاني لتكوين المجندين بتادلة في ختام تكوينه الأساسي    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    انطلاق فعاليات مهرجان نسائم التراث في نسخته الثانية بالحسيمة    بورصة البيضاء .. ملخص الأداء الأسبوعي    الطقس يعلق الدراسة بإقليم تارودانت    فيضانات آسفي تكشف وضعية الهشاشة التي تعيشها النساء وسط مطالب بإدماج مقاربة النوع في تدبير الكوارث    أوامر بمغادرة الاتحاد الأوروبي تطال 6670 مغربياً خلال الربع الثالث من السنة    نسبة الملء 83% بسد وادي المخازن    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    مقتل إسرائيليين في هجوم شمال إسرائيل والجيش يستعد لعملية في الضفة الغربية    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    من جلد الحيوان إلى قميص الفريق: كرة القدم بوصفها طوطمية ناعمة    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    جبهة دعم فلسطين تطالب شركة "ميرسك" بوقف استخدام موانئ المغرب في نقل مواد عسكرية لإسرائيل    الأمطار تعزز مخزون السدود ومنشآت صغرى تصل إلى الامتلاء الكامل    التهمة تعاطي الكوكايين.. إطلاق سراح رئيس فنربخشة    الشاعر «محمد عنيبة الحمري»: ظل وقبس    تريليون يوان..حصاد الابتكار الصناعي في الصين    «كتابة المحو» عند محمد بنيس ميتافيزيقيا النص وتجربة المحو: من السؤال إلى الشظيّة    روسيا تبدأ أولى التجارب السريرية للقاح واعد ضد السرطان    الحق في المعلومة حق في القدسية!    إلى ساكنة الحوز في هذا الصقيع القاسي .. إلى ذلك الربع المنسي المكلوم من مغربنا    أسعار الفضة تتجاوز 75 دولاراً للمرة الأولى    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جمعية تكافل للاطفال مرضى الصرع والإعاقة تقدم البرنامج التحسيسي الخاص بمرض الصرع    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التدبير السياسي للجسد في الإسلام .. 54
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 10 - 08 - 2016

لقد صارت موضوعة الجسد تستقطب اليوم اهتماما بالغا في الفكر الفلسفي والعلمي، ليس لأنها كانت موضوعة خارج التقليد الفلسفي والديني، وإنما بالنظر إليها من زوايا علمية متعددة، كالسوسيولوجيا، والأنثربولوجيا، والتحليل النفسي، والسيميولوجيا والأدب... ونحن هنا، لا نود الانخراط في تاريخ الجسد، ولكننا نرغب في الإشارة إلى أهم القضايا التي أثيرت حوله. ونعني ثلاث محطات رئيسة وهي: الفكر الفلسفي، والفكر الديني، وأخيرا الفكر العلمي. والوقوف عند هذه المحطات يشكل بالنسبة لنا خريطة طريق لملامسة واختراق الإشكالية البحثية التي اقترحنا النظر إليها. وهي محطات تشكل استئناسا أوليا لموضوعنا.
الجسد الأخروي هو العنصر الثالث والأخير ما دام المسلم لا يعيش زمنه إلا جسرا يوصله إلى اللازمن. أي إلى الآخرة (الجنة أو جهنم)، هذه الأخيرة هي امتحان للعبور من محطة إلى أخرى، من الحياة وما بعد الموت. لقد فاض الخيال العربي الإسلامي بكثير من التوصيفات للجنة، حيث يكون الجسد محايثا لله، وللانتظارات التي ينتظرها هنا أوهناك. لقد بين القرآن ذلك مثلما أشار إليه النبي، لكن الفقهاء والمتصوفة والرواة تخيلوا أشكالا جسدية أخرى. وهو بالجملة الجسد الذكوري وما سيحتله من متع ولذات لا محدودة.
هكذا نستطيع الإحاطة بإشكاليتنا عبر المرور من هذه المحطات، ومحطات أخرى تنتظر تأملها، وهي كلها تنجذب بين الأرض والسماء، بين الحرام والحلال، بين المقدس والمدنس. وفي صيغة بين – بين سنكون بين الذكر والأنثى أي في ذاك الجسد المخنث المرفوض في الثقافة والمجتمع ولكنه يحضر في الأرشيف والذاكرة، بالإضافة إلى ما تشكله العلاقة بين الذكورة والأنوثة بما هي عيار للهيمنة والتسلط.
إن اهتمامنا بهذه الثنائيات يدعونا إلى النظر بداية، في العلاقة التي تجمع النبي بالنساء، وهي موضوعة أثارت اهتماما بالغا في الفكر العربي المعاصر، والحركات «النسائية» في اجتهاداتها النظرية. وما يثير الانتباه هنا هو تحليل مرحلة النبوة باعتبارها مؤسسة للدين الإسلامي ولثقافته.. إن الإحاطة بها كفيلة بأن تقدم لنا بانوراما العلاقة بين الجنسين، بل أكثر من ذلك صورة للتدبير السياسي للجسد. هذه النظرة لا تتعلق بسرد الوقائع، والحكايات، والمرويات، وإعادة ترتيب الأحاديث وتأويلها، بقدرما تبحث في الجسد الإسلامي الجديد، أي في حدود سياسته، والتدبير الذي تؤسسه الدعوة المحمدية. إن هذا المطلب هو ما يكشف لنا المعمار الاجتماعي الجديد والرمزيات التي تبنيه، ويتبادلها المجتمع- في شبه الجزيرة العربية – لغة وسلوكا عبر الجسد النموذجي في الإسلام، أعني جسد النبي.
لن نتوقف عند حدود العلاقة تلك، بين النبي والنساء، وإنما سنهتم بإثارة ما كان الخلفاء الراشدون، والسلاطين يمارسونه في علاقتهم بالنساء. هذه الأمثلة التي سنأتي بها تعبر عن السلطة القضيبية، ليس في بعدها الطبيعي والمادي، وإنما في الأشكال التخييلية والرمزية التي فاضت في المحكيات العربية الإسلامية، حيث شكلت رمزية القضيب عيارا للملك والسلطة. ولعل ما جرى و ترسخ في القصور الأموية والعباسية خير دليل على ذلك.
إن هذه المحطات، وإن تباعدت عناوينها، قد فتحت محطات جغرافية جديدة تفترض هندسة معمارية، بإمكانها أن تعبّد الطرق بين هذه المحطة أو تلك. نحن إذن أمام موضوع واحد على مستوى إشكاليته، ولأنه كذلك فإن المحطات التي بنيناها لا بد أن تفيد تلك الهندسة وذاك المعمار.
لاعجب إذن، أن نستلهم من درس فوكو في كتابه «تاريخ الجنسانية»، بأجزائه الثلاثة أسئلته الفلسفية. لا نعني إعادتها وتكرارها، بل نهتم بالكيفية التي نحييها بها، في النص العربي فكرا وثقافة. لقد أوردنا في الفصل الأول من الباب الأول رؤية ميشيل فوكو للجسد، وحاولنا الالتفات إلى هذا المفكر باعتباره اخترق المهمل والمهمش في الثقافة الغربية. نتذكر هنا عبد الكبير الخطيبي الذي انشغل بهذا الهامشي بوضعه سؤالا فكريا، وما قاله» رولان بارث Rolan - Barthes في تقديمه لكتاب «الاسم العربي الجريح»، من كون صاحبه كان محظوظا لكون المجال الذي يشتغل عليه ما يزالُ بكرا... إن الانجذاب نحو هذا الهامشي، هو ما يهمنا، وما يضعنا أمام مقاربات متعددة على المستوى المنهجي، بمعنى أننا لا نخضع لمنهج بعينه، محدد المعالم، ومضبوط هندسيا، بقدر ما نسعى لخرق هذه الضوابط بشكل لا يفيد إزالتها ومحوها أو العبث بها، وإنما باستلهامها كمنهج متعدد... الهامشي إذن مسكون بالفزع، كأنه يرعبنا فنبتعد عنه. إن الاحتفاء بالهامشي سيكون عبورا نحو العميق، والمخبوء فينا، كما لو كان يبحث عن حصار يضيئه ويعلنه. إنه إذن اللامرئي المقنع الذي ينجذب نحو الإعلان والمرئي. بهذه الصيغة يحدد «موليم العروسي» الهامش بطريقة تفترض النظر إليه بعيون أخرى، يقول: ‹‹الهامش في اللغة العربية، لا أعرف كيف تسربت لتصبح هامشا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.