أشرف حكيمي يطمئن الجماهير المغربية بخصوص مشاركته في ال"كان"    السعدي: أعدنا الاعتبار للسياسة بالصدق مع المغاربة.. ولنا العمل وللخصوم البكائيات    9 قتلى في إطلاق نار بجنوب إفريقيا    "فيسبوك" تختبر وضع حد أقصى للروابط على الصفحات والحسابات المهنية    حركة "التوحيد والإصلاح" ترفض إعلانًا انفصاليًا بالجزائر وتدعو إلى احترام سيادة الدول    الأحمدي يحذر المنتخب من الثقة الزائدة    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    اختتام حملتي "حومتي" و"لقلب لكبير" بجهة طنجة تطوان الحسيمة: مسيرة وطنية بروح التضامن والعطاء    نقابة التعليم بالحزام الجبلي ببني ملال تنتقد زيارة المدير الإقليمي لثانوية بأغبالة وتحمّله مسؤولية تدهور الأوضاع    أجواء ممطرة في توقعات اليوم الأحد بالمغرب    بايتاس بطنجة: "النفس الطويل" العنوان الأبرز لمسار الأحرار في تدبير الشأن العام ومواجهة التحديات    فاتح شهر رجب بعد غد الاثنين بالمغرب    أشرف حكيمي يتسلم جائزة "فيفا ذا بيست- 2025 "    الحماس يختم استعدادات "الأسود"    "أفريقيا" تحذر من "رسائل احتيالية"    "تيميتار" يحوّل أكادير عاصمة إفريقية    الحسيني: "شياطين التفاصيل" تحيط بالحكم الذاتي.. والوحدة تفكك "القنبلة"    تنبيه أمني: شركة أفريقيا تحذر من محاولة احتيال بانتحال هويتها    قطبان والجيراري يفتتحان معرضهما التشكيلي برواق نادرة    موتسيبي: كأس إفريقيا للأمم ستقام كل أربع سنوات ابتداءً من 2028    خطر التوقف عن التفكير وعصر سمو التفاهة    أخنوش يُنوه من طنجة بشركاء الأغلبية الذين "ردّوا الاعتبار" لمؤسسة رئاسة الحكومة    أكادير تحتفي بالعالم بصوت أمازيغي    الدرهم في ارتفاع أمام اليورو والدولار    إحداث مكاتب قضائية بالملاعب المحتضنة لكأس إفريقيا    بوريطة ولقجع وموتسيبي يفتتحون منطقة المشجعين بالرباط    حكيمي يطمئن الجماهير المغربية    الجيش ينشئ 3 مستشفيات ميدانية    كأس إفريقيا .. مطارات المغرب تحطم أرقاما قياسية في أعداد الوافدين    "جبهة دعم فلسطين" تدعو إلى التظاهر تزامنًا مع الذكرى الخامسة لتوقيع اتفاقية التطبيع    القوات المسلحة الملكية تنشئ ثلاث مستشفيات ميدانية    مهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي في دورته الثانية يشرع في تلقي الأفلام        نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية وأمطار قوية أحيانا رعدية وطقس بارد من اليوم السبت إلى الاثنين المقبل    الأرصاد الجوية تحذر من تساقطات ثلجية وأمطار قوية بعدد من مناطق المغرب    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى أمير الكويت    روبيو: هيئات الحكم الجديدة في غزة ستشكل قريبا وستتبعها قوة دولية    البنك الدولي يوافق على منح المغرب أربعة ملايين دولار لتعزيز الصمود المناخي    الفنانة سمية الألفي تغادر دنيا الناس    بعد مرور 5 سنوات على اتفاقية التطبيع..دعوات متواصلة لمقاطعة أي تعاون ثقافي مع الكيان الصهيوني    ناسا تفقد الاتصال بمركبة مافن المدارية حول المريخ    ترامب يعلن شن "ضربة انتقامية" ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا    انخفاض في درجات الحرارة وبحر هائج.. تفاصيل طقس السبت بالمغرب    احتراق عدد من السيارات في محيط ملعب طنجة (فيديو)    فتح الله ولعلو يوقّع بطنجة كتابه «زمن مغربي.. مذكرات وقراءات»    تنظيم الدورة السابعة عشر من المهرجان الوطني لفيلم الهواة بسطات    الشجرة المباركة تخفف وطأة البطالة على المغاربة    في أداء مالي غير مسبوق.. المحافظة العقارية تضخ 7.5 مليارات درهم لفائدة خزينة الدولة    وجدة .. انخفاض الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك    العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    7 طرق كي لا يتحوّل تدريس الأطفال إلى حرب يومية    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التدبير السياسي للجسد في الإسلام .. 59
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 15 - 08 - 2016

لقد صارت موضوعة الجسد تستقطب اليوم اهتماما بالغا في الفكر الفلسفي والعلمي، ليس لأنها كانت موضوعة خارج التقليد الفلسفي والديني، وإنما بالنظر إليها من زوايا علمية متعددة، كالسوسيولوجيا، والأنثربولوجيا، والتحليل النفسي، والسيميولوجيا والأدب... ونحن هنا، لا نود الانخراط في تاريخ الجسد، ولكننا نرغب في الإشارة إلى أهم القضايا التي أثيرت حوله. ونعني ثلاث محطات رئيسة وهي: الفكر الفلسفي، والفكر الديني، وأخيرا الفكر العلمي. والوقوف عند هذه المحطات يشكل بالنسبة لنا خريطة طريق لملامسة واختراق الإشكالية البحثية التي اقترحنا النظر إليها. وهي محطات تشكل استئناسا أوليا لموضوعنا. *
يحمل هذا البعد التخييلي السلطة والصراع الدائم حولها بين الرجل والمرأة، صحيح أن المالك الحقيقي في المجتمع و الدولة هو الرجل، وما دام الرجل يعكس الواحد، فإن الجميع يخضع له ويطيعه. لكن في المقابل تمتلك المرأة النظام الرمزي، وهذا الامتلاك هو ما يبرر تحكمها في مفاتيح العالم الرئيسة. إننا أمام ثنائية الظاهر والباطن، النهار والليل، فالأول يحتله الرجل باعتباره الحارس الأمين على نظافته من أي وسخ يعلق به. بينما الثاني تتسلطن فيه المرأة، لكونها قارئة حاذقة للمخبوء والسري. إنها تمتلك الليل وما يحمله من كواكب ونجوم وأشباح وعفاريت. وهي بهذا المعنى تخلق الآلهة، الأنبياء، والملوك، والأساطير... وبخلقها ذاك يقدم تاريخها علامة فارقة للنساء اللائي كان لهن بصمة كبيرة في هذا التاريخ. فالقرآن الكريم يتحدث عن نساء كان لهن هذا الشرف في التسمية الإلهية. ‹‹والنص القرآني يتدفق في مجمله بحيوية جزلة مؤكدا هذا المعنى حيث يتضمن الإشارة إلى حواء أم البشر أجمعين، بلقيس ملكة سبأ أسيرة النبي سليمان المراوغة، مريم ابنة عمران مثال الحمل بلا دنس والتي خصص لها القرآن سورتين كاملتين، وزوجة لوط العجوز الماكرة، ثم زوجة نوح المدانة بشدة، وامرأة زكرياء النبيلة التي تستحق كل التقدير، أيضا عائشة الفاضلة، وامرأة فرعون، والجميلة زليخة الزوجة الاسمية لعزيز مصر مراودة النبي يوسف الشهيرة، أولئك وغيرهن كثيرات يتمتعن بشرف الذكر في كتاب الله، ليجسدن في مجملهن النموذج المسلم للمرأة في معناها المطلق›› . لكن لماذا هؤلاء دون غيرهن؟ لماذا لم يذكر اسم هاجر والتي تعتبر جدة العرب؟ لا نريد محاججة النص الديني بقدر ما تقودنا هذه الأسئلة إلى نوعية النساء اللائي يذكرهن القرآن الكريم، بين الفاضلات منهن والغاويات الماكرات منهن، وهو زوج يفيد الخير والشر مثلما يندفع إلى ما وراءهما. قد نتحدث هنا عما تسرده الحكايا القرآنية من قبيل حكاية زليخة مع النبي يوسف عليه السلام والتي ألهمت الخيال وغذته من جديد، مثلما استقطبت الشعراء والسراد العرب لإعادة كتابتها من جديد.
لنتوقف عند شخصية نسائية ذات حضور قوي في المتخيل الجماعي عندنا، وهي شخصية "شهرزاد" التي واجهت الموت، وهي الوسيلة التي وجدها شهريار لستر فضيحته، المتمثلة في الخيانة، لكن شهرزاد تحررت من موتها عبر حكاياها، حكايا "ألف ليلة وليلة". وهي بالجملة حكايا تروم التبادل الرمزي بين السيف والصوت، بين القضيب والرمز الأنثوي. ستنقلب الوضعية إذن من امرأة تنتظر الموت كل الصباح، ورجل يشهر سيفه نحو عنقها، لتكون المرأة هي صاحبة السلطة في الليل، ما دام السيف في غمده، و في مقابلها رجل ينصت إلى صوتها بذهول، والنتيجة إنجابها ثلاثة ذكور في 33 يوما، داخل هذا التبادل الرمزي بين الوجه والقناع، بين السيف والصوت، تتحرك السجلات الحكائية منذ غابر الأزمان، أي منذ بداية الخلق الأولى.
إن الحكاية القرآنية عن بدء الخلق (آدم وحواء) تشير إلى ثلاثة عناصر رئيسة، و هي : معصية الله، والعري، والحياء. تتداخل هذه العناصر فيما بينها، وتحمل إلينا إدراك عرييهما (سوأتهما) مفعولا من مفعولات المعصية الإلهية، ليصبح الحياء هو العنصر الأساس في نظام الأشياء، بين الخاص والعام. إن العام هو الحامل للسلطة القضيبية كما رمزت إليها الأساطير القديمة في بلاد مابين النهرين، أو في الحضارتين الإغريقية والرومانية أو في الحضارة العربية الإسلامية. لا نريد متابعة هذه الحكايا الأسطورية الراسخة في الوعي واللاوعي الإنسانيين، بقدر ما نريد استلهامها واستثمارها في موضوعتنا هاته من قبيل أسطورة جلجامش، والأساطير الإغريقية والعربية. ففي أسطورة جلجامش مثلا يتجسّم العري في انجذاب البطل الأسطوري إلى معرفة العالم. بهذا الشكل يكون العري في الثقافات القديمة ثابتا بنيويا في المعرفة، كما لو كان فعلا لتكسير الحجاب وتمزيقه. فإذا كان هذا العري هو بداية المعرفة في أسطورة الخلق، أي في اللحظة التي تم فيها طرد آدم وحواء من الجنة. ‹‹في "عرائس المجالس" للثعلبي تسقي حواء آدم خمرا، حتى إذا سكر تقوده إلى الشجرة فيأكل منها. وهذه هي حالة معظم أبطال ميثولوجيا العهد القديم، من نوح النبي الذي سكر فاكتشف عريه إلى لوط الذي يجامع ابنتيه بتأثير الخمر. ولذلك قال رسول الله (ص) "الخمر مجمع الخبائث وأم الذنوب" ›› . لا عجب إذن أن يكون هذا التأويل التخييلي لطرد آدم وحواء من الجنة عبر ربط العري بالسكر. بمعنى هل الخمر هو السبيل إلى العري؟ أم أن ما يفيض عنه السرد القرآني، هو ما يعطينا سعة تخيلية مذهلة. ليكن ذلك، ولكن بإمكاننا ربط هذه العناصر بعضها ببعض في تركيبة تروم المعرفة، مثلما يندفع هذا التخييل نحو ربط العري بالمعرفة، مادام الأول تستره الاستعارات، ويحجبه الحياء، ويفضحه النقص الذي يعيشه. لا يتعلق الأمر في هذا الصدد بحجاب الجسد، وترسيخه بالثقافة والرموز، وإنما بتاريخ هذا العري في تلك الثقافات والحضارات الغابرة، فإذا كانت الحضارة البابلية القديمة تنزع نحو الحجب، وتعتبر اللباس قيمة تمدنية، فإن الحضارة الإغريقية اهتمت بالجسد العاري في رسوماتها ومنحوتاتها، بينما الثقافة العربية الإسلامية اكتفت بربط الجسد بالأخلاق الجديدة التي دشنتها الدعوة المحمدية، ليس فقط فيما يرتبط بالمعيش اليومي، وإنما في الطقوس الدينية التي أسسها الدين الإسلامي بصرامة بالغة. قد نجد في هذه الطقوس نوعا من تبيئة الطقوس الجاهلية في العهد الإسلامي الجديد، وبالأخص فيما يتعلق بطقوس الحج، ذلك أن الطقوس الجاهلية تفيد الرغبة في الماء. لذلك يقف الحجاج عراة قبالة الشمس (باعتبارها آلهة)، رغبة في تلمس العرق المتصبب في الجسد ورؤيته، إلا أن الدين الإسلامي حجب الجسد بإزار أبيض. وفي تأويل ل"فتحي بن سلامة" يعيد هذا الطقس إلى هاجر. يقول: ‹‹وهذه الشعيرة التي هي بلا شك ما قبل إسلامية، قُدمت باعتبارها محاكاة لهاجر في تيهها بحثا عن الماء. في كامل المنظومة "العقائدية" و"الطقوسية" للإسلام لا توجد سوى هذه اللحظة الوحيدة التي حُفظت فيها ذكرى هاجر. لا بالكلمات بل بالمشهدة الجسدية الصامتة للتماهي مع جزعها›› . صحيح أن هاجر لم تذكر في القرآن، وهذه مسألة تنحو نحو المكانة التي كانت تحتلها في العهد القديم، باعتبارها أَمَة/خادمة لسيدتها سارة. إنها أي هاجر هي جدة العرب، وفاتحة لتاريخ ميثولوجي منبن على العين، العين التي كُشفت للرب والحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.