بين الاستياء والحيرة.. وبين اللامبالاة والسؤال تتكرر هنا بالدورة 16 لمهرجان الفيلم الدولي لمراكش العديد من الأسئلة والتساؤلات المحرجة والمقلقة حول غياب أي فيل مغربي في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش.. هل حقا هذا مهرجان يمثل في عمقه المغرب سينمائيا أم أن المغرب فوت قطعة من أرضه للفرنسيين على وجه الكراء للقيام بمهرجان سينمائي بنكهة سياحية باختياره لمدينة تمتلك كل مقومات الجمال والسحر والمتعة بامتياز مراكش ؟ أم أن هذا مجرد سؤال لمن لا يرغبون في التطور والتحديث ويعلقون فشلهم الفني على شماعة هكذا تساؤلات.. ؟؟!! ألا يكمن المشكل في صانعي قرار السينما المغربية؟ هل حقا نملك صناعة سينمائية لها القدرة على أن تنتج أعمالا تتوفر على كل مقومات المهنية والحرفية؟ هل الدعم الذي يقدمه المركز السينمائي المغربي ل15 فيلما كل سنة لا يرتكز على مقومات الجودة والحرفية؟وهل عدم مشاركة أي فيلم هذه السنة بمهرجان مراكش يعني أن هذا المركز يدعم الرداءة أو على الأقل لا يمتلك القدرة على اختيار الأعمال المتوفر على مقومات العمل السينمائي الناجح، أم أن منطق القرابة والصداقة والزبونية هو الذي يحكم ذلك؟ بالمقابل هل هناك خلل يتجلى في العملية الإبداعية من كتابة السيناريو إلى الإخراج إلى الإنتاج إلى الأداء؟ ..وهل يمكن القول إن منتجي ومخرجي الأفلام المغربية يفضلون المهرجانات الأجنبية التي لجوائزها قيمة مادية كبرى عكس مهرجان مراكش؟ ؟!! هذه الأسئلة وغيرها ظلت علامات استفهامها ترمي بظلالها على هذه الدورة من مهرجان الفيلم الدولي بمراكش، لكن دون أن تفك طلاسيمها.. أي أنها لم تستطع أن تقدم إجابات شافية ومقنعة تنتصر للفعل السينمائي في إبداعيته وفي انتصارها للحياة والقدر على جعل البصر ينتصر للغة الصورة عبر الشاشة الكبرى في تماه مع الحياة بكل تفاعلاتها مع المحيط والأحداث انطلاقا من الماضي مرورا بالحاضر واستشراف المستقبل في انتصار لمفهوم ثقافة فن العيش.. أو كما قال رئيس لجنة تحكيم الدورة 16 من مهرجان مراكش بأن السينما هي انتصار للحياة للإنسان للكرامة وتأكيدا لجمالية الوجود لكل الكائنات.. فماذا قال المنشغلون بهم الفن السابع عن غياب مشاركة أي فيلم مغربي في مهرجان مراكش في دورته ال16؟ ؟ ذلك ما سنستكشفه من خلال هذه الورقة: الفنان السينمائي محمد الشوبي: لم يشارك أي فيلم مغربي في هذه الدورة فقط لأن الأمر يتعلق بعدم جاهزية هذه الأفلام في الوقت المناسب والمرتبط بالإعداد لهذه الدورة، ناهيك على أن أغلب المخرجين يفضلون المشاركة في المهرجانات الكبرى.. ومشاركتهم هنا ستحرمهم من المشاركة في مهرجانات أخرى.. تقدم جوائز قيمة.. الإعلامي والشاعر ياسين عدنان: "هناك أسئلة يقتضي الإنصاف توجيهها للمركز السينمائي المغربي بدل إدارة مهرجان مراكش. فإذا كان لدينا أي استفسار بخصوص مدى جدارة لجنة الدعم التابعة للمركز السينمائي المغربي أو مدى جودة أو رداءة ما تدعمه من مشاريع، فالأفضل أن نتوجه بهذه الأسئلة إلى المركز السينمائي المغربي، أما الإدارة الفنية لمهرجان مراكش فهي مسؤولة- فيما يتعلق ببرمجة الفيلم المغربي - عن أمر واحد: مشاهدة الأفلام المغربية الجاهزة وانتقاء أجدرها بالتنافس على نجمة مراكش. لقد سبق لأكثر من فيلم مغربي أن نافس على هذه الجائزة وكان حضور هذه الأفلام مشّرفا حتى وإن لم يحالفها الفوز. لكن في غياب أفلام بمقترحات جمالية جديرة بالاعتبار، فالأفضل أن يغيب المغرب كما تغيب إيطاليا ومصر مثلا عن المنافسة هذا العام. لأن المشاركة بفيلم مهلهل يثير سخرية لجنة التحكيم لن يفيد السينما المغربية في شيء، بل قد يكون أثره عكسيا. لذلك وفي انتظار أن نشاهد أفلامنا المغربية الجديدة لنرى إلى أي حد تستحق ما نتصوره "حقا طبيعيا" إنتاجنا الوطني في الحصول على فرصة للتباري على نجمة مراكش، علينا أن نسائل المركز السينمائي: لماذا فشلت آلية الدعم هذه السنة في منحنا ولو فيلما واحدا يغري مهرجان مراكش ويقنعه بالمراهنة عليه؟ لماذا أقول هذا الكلام، ليس دفاعا عن الإدارة الفنية للمهرجان، وإنما رغبة في رغبة في تنسيب الأمور، فنحن نتذكر كيف أنتجنا في سنوات سابقة أكثر من فيلم فرض نفسه على المهرجان حيث سبق للمغرب أن شارك في المسابقة الرسمية بفيلمين، بل وهناك أفلام مغربية رفيعة سبق لمهرجان مراكش أن خطب ودّها لكنها فضلت عليه مهرجانات أخرى. لذلك لا أرى أّن عدم اختيار أي فيلم مغربي للمشاركة في المهرجان "جريمة" في حق سينمانا الوطنية، بقدر ما قد يكون حماية لها من الظهور الضعيف المخجل، وكذا صرامة مطلوبة قد تحفّز المخرجين المغاربة على الاجتهاد أكثر لتقديم أعمال تنافسية جديرة بالأفق الدولي الذي ننشده جميعا لإنتاجنا الوطني. فحينما ننتج أعمالا جيدة، حتى وإن تم تجاهلها هنا فإنها ستحرج مسؤولي البرمجة في مراكش وهي تظهر ضمن قوائم المسابقات الرسمية لمحافل بنفس قيمة مهرجان مراكش أو تفوقه سمعة، ذاك أن الجميل لا يهدّم. أما أن نفرض على مهرجان مراكش ما يشبه الكوطا بغض النظر عن القيمة الفنية للفيلم المشارك، فهذا ما يستوجب بعض التحفظ.لا يجب مجاملة السينما المغربية، لكن أيضا لا يجب المبالغة في تقدير مهرجان مراكش وهو من النوع الراقي من المهرجانات السياحية المهتمة بالسينما، أما المواعيد السينمائية المرموقة فمعدودة على رؤوس الأصابع. في ألمانيا مثالا حيث السينما ترهن كل حسابات مهرجان برلين، تهتم الإدارة الفنية لهذا الموعد السينمائي الكبير بعرض فيلم "الأقزام" لهشام العسري حتى قبل انتهائه من إنجازه، فيما حرمناه نحن من الشطر الأخير من الدعم لكي ندعم أفلاما تافهة تحصد الخيبات في كل المحافل. لذلك فالأسئلة الحارقة بخصوص جدارة الفيلم المغربي مطروحة بشدة على المركز السينمائي المغربي ولجنة الدعم، وعوض أن نهدي الإدارة الفنية لمهرجان مراكش هذا البوليميك بخصوص الفيلم المغربي الذي ستجد فيه فرصة ذهبية لتعويم النقاش وتحويله عن الأسئلة الحقيقية، أفضل أن نواجه الإدارة الفنية لمهرجان مراكش بالأسئلة التي تدخل في صميم عملها: لماذا تسّرب الوهن إلى مفاصل المهرجان؟ لماذا تراجعت حرارته الفنية؟ لماذا تراجعت قيمة الأفلام التي كانت مسابقة مراكش تقترحها عليها؟ لماذا لم نشاهد حتى الآن أيا من تلك الأفلام المفاجئة التي كانت تزج بنا في عوالم تجريبية مبهرة؟ ما سر اكتفاء المدير الفني للمهرجان بأفلام سبق عرضها في مهرجانات دولية أخرى، بل أحدها وهو الفيلم البلجيكي (ملك البلجيكيين) يعرض حاليا في الصالات البلجيكية مما يجعل برمجته في مهرجان مراكش أمرا يكاد يكون مخزيا؟ ثم ماذا عما بدأ يستشعره متابعو مهرجان مراكش من "عودة" غير ميمونة إلى المدار الفرنكوفوني الضيق الذي كانت مراكش قد تحررت منه على مستوى البرمجة في دورات سابقة؟..." الممثل والمخرج والمنتج عبد لله فركوس: " عدم مشاركة اي فيلم مغربي ضمن أفلام المسابقة لهذه الدورة من مهرجان مراكش لا تعني أن هناك مشكلا.. فنحن أمام مهرجان هو للسينما دون اعتبار للغة والجنسية، فأين يكمن المشكل إذن؟ ؟!! قد تكون الأعمال السينمائية غير جاهزة ولم تكتمل بعد أو أن الأفلام الموجودة ليست في مستوى دخول مسابقة المهرجان.. وأكيد أن الفيلم المغربي سيكون حاضرا في الدورات المقبلة.. الأهم بالنسبة لي أن هذا المهرجان هو إضافة نوعية تفيدنا كفنانين سنة بعد أخرى ونستفيد من الخبرات ونلتقي مع نجوم عالميين والذين يأتون لاكتشاف المغرب وبالتالي نحن نستفيد كثيرا من خبراتهم وتجاربهم وهذا شيء أساسي ومهم" الإعلامي والمفكر والباحث عبد الصمد الكباص: "غياب الإنتاج المغربي عن لائحة الأفلام المتنافسة على النجمة الذهبية لدورة هذه السنة، يؤجج الكثير من القلق اتجاه مستقبل السينما المغربية و دورة الحياة فيها . فمهرجان مراكش الدولي للفيلم معروف بكونه مهرجان الفيلم الأول أو الثاني، أي أنه مهرجان لاستكشاف سينما المستقبل والأسماء التي تحمل مقومات واعدة بالإمكان أن تحولها إلى أسماء عالمية في المستقبل. هذه هي الهوية التي اختارها مهرجان مراكش لمسابقته الدولية. وهو ما تحقق فعلا في عدد من المناسبات. حيث أن بعض المخرجين الذين توجوا بالنجمة الذهبية عن فليمهم الأول أو الثاني في مراكش ، فازوا فيما بعد بجوائز بمهرجانات دولية كبيرة عن أفلامهم اللاحقة، و هم الآن في قائمة المخرجين الكبار عالميا، لكن اكتشافهم الأول كان في مهرجان مراكش . وبالنظر إلى هذه الخلفية التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند أية محاولة لتحليل مؤديات هذا الغياب، فإن هناك عدة فرضيات يجب التعامل معها بجدية أكبر. أولها أن هذا الغياب،من ضمن ما ينطوي عليه حقيقة أن السينما المغربية تتردد في طريقها نحو المستقبل، وأن هناك صعوبة في العثور على صوت شاب تفصح تجربته الأولى أو الثانية في إخراج الأفلام الطويلة، عن وعد بالتألق في التجارب المقبلة. وهذه الحقيقة تفرض على آلية دعم المشاريع السينمائية تحديد محور تدخلها، لتفعيل دورة الحياة في الجسم السينمائي المغربي بتقوية فرص استكشاف المشاريع الواعدة ومنحها إمكانيات التعبير عن قدراتها، من خلال التمويل. غياب الفيلم المغربي عن المنافسة في المهرجان الدولي، ربما يُنصف أكثر هذه التظاهرة الدولية ويُبعدها عن دائرة الترشيح بالمجاملة التي عادة ما تسيء إلى قيمة الجوائز ومصداقية المنافسة. لكنه يشير في نفس الوقت إلى أن هناك خللا كبيرا، يجب على المعنيين بتدبير ملف الإنتاج السينمائي تحديد مكمنه بدقة وتصحيح عطبه، بترميم المفارقات التي تخترق المجال السينمائي المغربي. " الممثل أسامة البسطاوي: " الواقع أنه لابد من التعبير عن الاستياء إزاء عدم مشاركة أي فيلم مغربي في هذه الدورة من مهرجان مراكش.. وأتساءل هل الأفلام ال15 التي يدعمها المركز السينمائي المغربي كلها رديئة ولا يستحق أي واحد منها أن يكون ضمن أفلام المسابقة في هذا المهرجان؟ ؟!!!.." الشاعر والإعلامي مصطفى غلمان: عندما ندرك قدرتنا في معنى أن نكون مخلصين لأفكارنا ومبادرين لفعل التغيير وإحداث الطفرة، بالرهان على ترسيخ ثقافة الهوية الوطنية والاهتمام بالتشكيلات الاجتماعية الحقيقية، بما هي وحدة ملهمة تدافع في العمق عن استقلالية القرار والعلاقات التبادلية ذات الأبعاد الثقافية والحضارية، يمكن التأسيس على إبداع الممكنات في مجالات الفنون البصرية والسمعية والتكنولوجيات الموازية، على نحو تدار فيه ومن خلاله مساحات واسعة من المؤثرات الثقافية والفكرية، هي في الصميم واجهة ما يسميه علماء الاجتماع بسوسيولوجيا الفن في المجتمعات المعاصرة. حيث تنعقد البدهيات الفنية في وضعيات فنية واجتماعية بمنطق التأثيرات البديلة لمستويات التلقي في عمليات الإنتاج الفني والثقافي، دون الوقوع في مدحضات الفتك والتبعية والتقليد، بمنطق الهاجس الرأسمالي أحادي اللون ، أو حتى فائض التسليع الثقافي الممنهج الذي يعيق فرضية التجاوز التاريخي أو الايديولوجي أو الديني.. إلخ. نفس الوضعية في مسار تجربة فنية تنهجس ضمن بؤر التأويل تضعنا على حافة الانزياح وتفرض طرح سؤال الكينونة وعلائقها حينما يتعلق الأمر بتكريس مهرجان سينمائي بحجم ملتقى مراكش الدولي الذي يستنزف حضوره الرمزي على أرض المرابطين قطائع استفهامية تتعلق بالهوية والرؤية والمسار الزمني.. يطرح هذا الثالوث الباراديجم في صورة اختزال لمعنى أن ينتمي مهرجان فني ينظم بمراكش وبمال وعتاد وطنيين دون أن تتطابق حقيقته الفكرية وتوجهاته الثقافية مع مكنوناته وإوالياته التي انعقدت لأجله قوانينه الداخلية ودفاتر تحملاته. فاللغة الرئيسة التي تقوم عليه وثائقه تنبري غارقة في لسانية موليير، وبروتوكولاته المتداولة بدءا من بوابة الاستقبال والبساط الأحمر والأضواء والخلفيات الجمالية والفنية، وانتهاء بطريقة استقبال المغاربة المحسوبين على الفن والتمثيل التي لا يفهم منها إلا ما يكرس الدونية والاحتقار والعنصرية الجائرة في مسلكية الاستعمار والوصاية. أما ثالثة الأثافي فهو الانهيار الذاعر والسقوط المروع لأحد أهم الأهداف الأكثر حضورا في الاستراتيجية المؤسسة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، إنها الدعم الاستثنائي للفيلم المغربي، حيث جذوة الارتهان على خصوصيته وتحقيق منجز فني وتقني وجمالي يفاخر به وضعيات فيلمية عربية أخرى في مهرجانات لا تزال تحبو خطواتها الأولى على درب طويل وصعب. وخلال الدورات الأولى من مهرجان مراكش كان اللافت انجرار عديد أفلام مغربية اختيرت لتمثيل بلدها لانحرافات فنية وموضوعاتية رديئة ومتجاوزة، ما وضع البلد المنظم في حرج ما بعده حرج، اضطر بعد ذلك إلى تحييد هذا المبغى خلال الدورة الأخيرة، الشيء الذي أعاد حلقة النقاش إلى سابق عهدها. من يذيل انتقاداته بحجب الحس الوطني عن قواعد الاختيار الديمقراطي النزيه، ومن يتشبث بضرورة استحضار الأبعاد الذاتية ومنطق التجاوزات واستلهام الإنتاج المحلي ودعمه الرمزي حتى يصير مجسدا لروح النزعة الوطنية وخاصية استجابتها للمطمح الثقافي السينمائي وعلائقه التناظرية. وفي ذرى هذه التنابزات والاستعارات الكلامية لا بد من تأطير الأبعاد الحقيقية التي كانت السبب الرئيسي في استبعاد الفيلم المغربي من المسابقة الرسمية لدورة هذا العام. إذ خلال خمس عشرة دورة لم يستطع الأخير ضمان صموده الدراماتيكي في وجه أفلام هواة من دول مبتدئة مثل كوريا الجنوبية والأرجنتين والشيلي ... حيث ظلت تجارب الفيلم المغربي المقترحة في قائمة المشاركين رسميا في المنافسة منكوسة ومكرورة وخالية من أي إضافات حسية أو جمالية. فعن أي مناصحة نريد ترجيع أصداء هي بالأساس محاولات للتمويه وإرماد العيون؟ أليس من العيب الحديث عن مغامرة لم تنتج في خلاصاتها سوى مزيد تقيحات في جسد منهك؟ على الأقل الأقرب إلى المنطق البحث عن إجابات شافية لأسئلة لا تزال معلقة من قبيل :هل يعقل أن تستمر الدولة في دعم أفلام من دافعي الضرائب دون أن تكون تلك المنتوجات صالحة للتدافع الفني والثقافي في مهرجان دولي يقام بمراكش؟ مادور المهرجانات الوطنية الأخرى التي تستنزف من خزينة الدولة ما لا يقدر إذا كانت تختار أفلاما فاشلة لا تستطيع بالكاد الظفر برياء ونفاق المصفقين للرداءة؟ كيف نقاوم جبهات التسليع والاستهلاك الفج للثقافات الغيرية دون تحصين ذواتنا وقناعاتنا واستعادة بوليصة ائتمان ذواتنا من الاختراق والتدجين؟ هل يجدر بنا أن نقف مكتوفي الأيدي في وضعية جامدة تعيشها نخبنا الثقافية والفكرية دون وقفة تأملية جادة تعيد صياغة التفكير لكوة ايتيقية بحجم مهرجان مراكش للفيلم الدولي؟ الأستاذ الجامعي والباحث عبد الواحد بن ياسر: لا ننسى أن المهرجان في بدايته هو صناعة فرنسية، وعلى كل فهذا المهرجان إضافة مهمة وإيجابية ولصالح السينما المغربية..ناهيك عن الأبعاد السياسية والرمزية مما لا نريد الخوض فيه الآن.. وبالتالي فهذه الصنيعة الفرنسية كان من الطبيعي أن تبدأ هكذا.. تم تنفتح على مناطق أخرى، بمعنى أنها بدأت فرنسية أولا تم فرنسية عالمية.. تم الانتباه منذ الدورات الأولى حين كان المهرجان فقيرا أي انه لم يصل إلى ميزانية اليوم التي تبلغ 8 ملايير ونصف.. سنوات البدايات كانت هناك وقفات احتجاجية أمام المسرح الملكي وأمام قصر المؤتمرات، فلا يعقل أن يكون المهرجان في البلد، في المدينة، ويكتفي فقط فيما يمكن أن نقول عنه كراء السقف.. فتم الانتباه إلى هذا الجانب الوطني المغربي وهكذا نسجل في دورات سابقة أنه برمجت أفلام مغربية للأسف لم تبرمج دائما وأنا أتحدث بصراحة لم تبرمج الأفلام على قاعدة المعايير الفنية والجمالية والموضوعية كانت المسألة بين/بين.. القائمون على هذا الشأن يحاولون خلق نوع من التوازن وأخذ العصا من الوسط، وكانت بعض الأعمال لا بأس بها أو جيدة لكن أعمالا أخرى بحكم اختيارها بالإخوانيات والعلاقات الشخصية والزبونية.. وهكذا شهدنا في بعض الدورات برمجة فيلم دون أن اسمي لمخرج قديم يفتقد إلى أوليات الكتابة السينمائية وإلى أوليات كل مكونات العملية الفنية السينمائية.. وتطور الأمر في الدورات الأخيرة وتم استقدام نجوم عالميين كبار وتم تكريمهم، وهذا إيجابي لأنه يعطي أشعاعا للمهرجان.. وقد سعدنا حينما تم تكريم المرحوم محمد البسطاوي والمرحوم محمد مجد ومحمد خيي.. ولكن يبدو أن حليمة عادت إلى عادتها القديمة.. هذه السنة قد نفسر بحسن النية المشهد السينمائي المغربي ليس بالشكل الجيد، ولكن هذا لا يمنع أن نقول بأن هناك أشرطة سينمائية مغربية تستحق البرمجة ولو في أي شكل من الأشكال وليس بالضرورة في إطار المسابقة، لأن مكونات المهرجان متنوعة.. وفيما يتعلق بالدعم واختيارات اللجن، والمعايير، وعلى أي أساس، لا أخفيك انه لا يعقل أن تتشكل اللجن على امتداد سنوات وسنوات من أسماء نحترمها من الناحية الشخصية والذاتية، فلا يعقل على امتداد سنوات أن تكون لجن لا يوجد فيها حرفيون ومهنيون متخصصون.. أنا سعدت حينما علمت أن فاطمة الخياط في لجنة التحكيم وقبلها كان الراحل الأستاذ المفكر المغربي عبد الكبير الخطيبي في لجنة التحكيم، هذا يثلج الصدر وهو قيمة مضافة للمهرجان وليس المهرجان هو القيمة المضافة له.. لكن هذه الظاهرة ليست ثابتة بين الحين والآخر تسجل هذه النقط المشرقة لكن سرعان ما تبهت وسرعان ما تتراجع.. فطبيعي ونقول"من الخيمة خارج عوج" وطبيعي أن لجنة معينة ستعطينا دعما معينا وتعطي منتوجا سينمائيا معينا، أعطينا لجن تعرف وتجيد قراءة السيناريو وقراءة العمل بكل مكوناته نعطيك فيلما جيدا.. فالموسم هذا ما أعطى أو كما يقال " اللي حرت الجمل دكو" هذا ما أعطاه الموسم ولا يجب ان تتباكة كثيرا ولو كنا نغار على سينمانا.. أرجو أن لا أكون قاسيا شيئا ما..