المنتخب المغربي في مواحهة حاسمة مع نظيره التنزاني في ربع نهائي بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين            المغرب يواجه الإعلام الألماني في معركة قضائية حول اتهامات "بيغاسوس"    تحليل بالبيانات يرصد حضور الشباب في 40 بالمائة من الخطابات الملكية        السكتيوي: العزيمة والإصرار مفتاحا التفوق على تنزانيا    السكتيوي: هدفنا نصف نهائي "الشان"    21 دولة تدين الاستيطان في الضفة    لبنان يبدأ الخميس تسلّم الأسلحة    الدراجات النارية المعدلة في المنبع تضع وزارة التجارة في مرمى الجدل    يوعابد يكشف تقلبات الطقس بالمغرب    بعد نقل والده للإنعاش.. ناصر الزفزافي: عاجز عن فعل أي شيء لك فسامحني    بعد الجدل الذي لحقها.. تعليق حملة مراقبة الدراجات النارية    أفلام مغربية تتألق في بانوراما تونس    المغرب ينجح لأول مرة في إعادة برمجة خلايا الدم إلى خلايا جذعية    بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية بمناسبة الذكرى ال62 لميلاد الملك محمد السادس    تطوان: توقيف مسن غرر بقاصر واعتدى عليه جنسيا    ربع نهائي الشان.. المغرب في اختبار صعب أمام تنزانيا    أزمة جديدة في استيراد العجول .. حجز شاحنتين بميناء طنجة المتوسط    الشرادي يكتب: ملك الإنسانية..محمد السادس يجدد حضن المغرب لغزة    الجامعة الوطنية للتخييم: اغتصاب طفل مخيم "رأس الماء" حادث معزول ووجب انتظار التحقيقات الرسمية    المغرب يتصدر قائمة المستوردين الأفارقة من تركيا وسط تحديات تجارية متنامية    تصفيات كأس العالم 2026: المغرب يفتتح ملعبه الجديد بمواجهة النيجر المرتقبة    ثورة الملك والشعب وعيد الشباب.. ذاكرة وطن تصنع المستقبل        تيكاد-9 .. إبراز رؤية ومبادرات جلالة الملك في إفريقيا                الملك محمد السادس يصدر عفوا على 591 شخصا بمناسبة عيد الشباب    المغرب يرسخ مكانته كأكبر مركز لصناعة السيارات في إفريقيا    وفاة القاضي الرحيم عن 88 عاما.. صوت العدالة الذي أنصف المهاجرين    سفارة المملكة بإسبانيا ترفض منح سلطات كانتابريا بيانات قاصرين غير مصحوبين    انطلاق فعاليات مهرجان الرمى والطلبة والخيالة بمركز صخور الرحامنة مبادرات راائدة في التضامن الترابي (صور)    تفاصيل اجتماعات أمريكية–أممية لإعادة النظر في مستقبل بعثة "المينورسو"    ابتكار جهاز من الماس يرصد انتشار السرطان دون مواد مشعة    حرقة المعدة .. هذه علامات تستوجب زيارة الطبيب فورًا    الداخلية تأمر بصرف التعويض عن الأخطار للممرضين وتقنيي الصحة بالجماعات الترابية    مندوبية التخطيط تسجل انخفاضا طفيفا للرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك    الصين تطلق أولمبياد الروبوتات الشبيهة بالبشر بمشاركة دولية واسعة    بلجيكا.. هجوم إلكتروني يستهدف بيانات 850 ألف زبون لشركة "أورانج"        سنة أولى بعد رحيل الدكتور عبد الفتاح فهدي    إسبانيا: زوجة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز متورطة في قضية جنائية جديدة    تقرير: المغرب يعتبر ثاني أكبر مصدر للهجرة اليهودية العالمية نحو فلسطين المحتلة    سامويل ولُولي... حين قادهم الطريق إلى بيت الجار                إطلاق فيديو كليب "رمشا الكحولي" بتوقيع المخرج علي رشاد    اختتام فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفن المعاصر بمدينة ميدلت    المركز الفرنسي للسينما يكرّم المخرجة المغربية جنيني ضمن سلسلة "الرائدات"    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بأصوات متعددة .. إنَّا عَكَسْنا
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 27 - 12 - 2016

إذا كنت مثلي مهووسا بالنبش في تمظهرات جراحاتنا المتناسلة، وصادف والتقيت بكتابة فاتنة تسخر من معاناتنا الجماعية، تنقش من ذاكرة الشقاء والمعاناة نصوصا قصصية وشهادات تحترم المنجز المغربي الرائد، كتابة يسكنها هاجس تحقيق الإضافة الجميلة ومواصلة تعرية حقيقة الصخرة الخرافية التي تجثم على النفوس، فاعلم أنك في حضرة البوح المتحرر من كل القيود، وأنك إزاء كتابة سعيد منتسب ونصوصه المتمردة المعاكسة للسائد!
في كتابه «ضد الجميع» الصادر مؤخرا بحر سنة 2016 عن دار سليكي أخوين طنجة يقدم المبدع والصحفي سعيد منتسب مجموعة نصوص تتمحور حول تيمة الكتابة كإبداع أدبي عصي على الترويض والتدجين، وكنشاط إنساني يرنو إلى التجاوز وخلخلة الثابت الجاهز، نصوص مفتوحة تشكل في مجموعها بيانا عاما في الكتابة كما يراها انطلاقا من رؤية للعالم ذات مرجعيات مبنية أساسا على تجاربه الحياتية وقراءاته واختياراته الفكرية وقناعاته الفنية والجمالية.
الدرس البلاغي القديم الموروث عن الموتى وذاكرتهم الشائخة لا يهم المبدع الحق الرافض للاقتفاء والاقتداء بصور بلاغية ميتة وأساليب بيانية تم التقعيد لها بقواعد محدودة من طرف شيوخ لا علاقة لهم بعالم حقيقي يحتاج لبلاغة جديدة، قد تكون بلاغة للركاكة تعكس « نظاما آخر يكبر بيننا باستمرار.. ويجعلنا نحبس أنفاسنا لأنه يشعرنا بأن الركاكة هي صورتنا كما هي ، وبأن « البيان والتبيين « مجرد ضربة خفيفة بطرف عكاز على كتف عالم قديم .. وموغل في الزوال « (ص 10) .
يلتقي عبد الفتاح كيليطو ولويس خورخي بورخيس في دعوة مفتوحة لإيقاظ الكِتَاب النائم الذي لم يقرأ كما يجب أن تكون القراءة الفاعلة، والنوم هنا يعني هروبا جبانا من كوابيس سوداء تحتل سرير الحياة المعطوب، وتنغص على الكائن شهقات الوجود، أن نترك الكتاب نائما يعني أننا ضحايا خوف من الطاغية وتابعه الفقيه الانتهازي المتبجح بسلطة التحكم في المصائر والأقدار الحمقاء، ومواقف حياة غارقة في التناقض.
الكاتب المتمرد بطبعه مهدد بالقتل، بحكم إيمانه بقيمة الحرية كمفهوم وقناعة لا تقبل التجزيئ ، وعلى هذا الأساس الشمولي العام هو رافض أبدي للحصار والطاعة ومهادنة الطغاة وجميع أشكال السجود، الكاتب الحر مختلف عن قطيع الانصياع، واختلافه مع الجميع يعني دحض الآخرين وقتلهم لأنه «يقع خارج اهتمام وزارة الحريات، وخارج قرارات الأمم المتحدة .. إنه مطارد من الجميع، من الفقهاء والحكام ورعاة البقر، وهو مطارد من هؤلاء لأنه يشحذ سكاكينه بكل هدوء» ( ص21/22).
طبعا، عند سعيد منتسب، الكتابة داخل الحلم لا تقبل لغتها تحت عيون الرقابة وأحقاد العسس، ولا تنصاع لاستيهامات الغرائز وعطش خيالات الذهن «الحالم»، هي رهينة ببراءة طفل يهمه توثيق دهشته الأولى وبدايات خفقة تحفر في ذاكرته آثار خوف ورعب مما يحيط بنا ويرافقنا في حياتنا المزعومة، وتبقى براءة الكلمات هاجسا ومعطى حاصلا تفضحه ارتعاشات طفولية لا تهمها القضايا الكبرى، ولا برامج مشهورة تقود القطيع المسرنم حيث تشاء .
وعليه .. فهو لا يهتم بالمعنى القديم الضائع المبتذل ، ولا يحلم بالبطولات «الكبيرة»، ما دام طموح الكتابة في تغيير العالم يبقى بعيد المنال و«لا يمكنها أن تحرر شعبا مريضا ب «الإجماع الوطني»، لا يمكنها أن تغير عقلنا السياسي الممزق إربا إربا بأنياب الباطرونا والعسكر والفقهاء» ( ص26 ).
بهذا المعنى المشدود لتداعيات الواقعي العابر، فوق رمل ذاكرة محكومة بسطوة الريح وأحوالها غير المستقرة، يتسلل الكاتب إلى رحبة الشعر السخية بماء متدفق دموعا من عين الحياة العصية على القبض والتوصيف، وتكون «الموسيقى التي تكتب الأرض بشفرة حادة» ويكون الشاعر المتمرد حتما على الصورة النمطية المألوفة عن المنتسبين لجنون الشعر، شاعر يمشي تحت وهم السماء المشاع ولا يرفع رأسه إليه يستجدي الوحي ليكتب حياته، « وبتعبير أدق شاعر يكتب «الأرشيف» و«يشوه» الأحلام ويضع لها وجها ويَدَيْن وذاكرة « ( ص 28 ).
في «ضد الجميع» بطل يوميات كافكا «متهم» متسكع بعالم لا تحكمه معايير ولا قيم، يصعب فيه التفريق بين الخير وبين الشر، وعكس ما يوحي به جنس المذكرات من اطمئنان، تتأسس اليوميات على اتفاق مضمر يقدم تاريخا عن أسباب النزول والنتائج ويفتح نافذة أقرب لمرآة خادعة للتلصص على الذات، وإعادة ترتيب رغباتها، ورصد إحباطاتها بضبط سفرها الشقي على صهوة الحلم والتأمل والمكاشفة، ومعها تغدو الكتابة بما يحكمها من تردد وقلق وإحباط أشبه بمرافعة تدافع عن الشر المتناسل دون قيود في مواجهة مع العدم.
الكتابة إذن ليست مطاردة لكمال يطمح لإثارة الإعجاب والاهتمام، ولا نَسْخاً للمنجز المتحقق ، هي تمرد على علامات تشوير حددت سلفا بطريق سيار لا انحرافات فيه، رفض للانصياع للتوجيهات المدرسية والوصايا الجاهزة الموغلة في التقليد، وبالتالي هي مُرُوق عن الأصل المعلوم مما يجعل تاريخ الأدب والفكر عصيانا أبديا ضد النصوص المؤسسة ليكون الثمن هو ألم الاختلاف المزدوج عن الناس وعن النفس.
أغلب مجاذيب الكلمة يعرفون أن الشعر «كذبتنا الكبرى»، مجاز واستعارة وانزياح، إغراء لتصديق ما لا يصدق ، ومحاولات إقناع بما لا يلتقي سوى في ذهن مجنون، هو كذب فاضح وبكل ألوان الطيف الدالة، بعيدا عن المفهوم الأخلاقي الضيق، هو عاشق مجنون للأقنعة، ضد الحقيقة المطلقة، التي لا وجود لها، ما دامت حتى النظريات الفيزيائية غير نهائية منذ أرسطو وصولا إلى اينشتاين وغيره، والخلف قد نجح في دحض حقائق السلف، على أساس أن الحقائق المسلم بها وكيفما كان مجالها وتخصصها مجرد نظريات مبنية على الخيال .. وطيلة تاريخ البشرية الحائر ظلت الإنسانية غير قادرة على الاستغناء عن إغراء وسحر أقنعة الشعر الفاتنة.
الشعر ليس ربطة عنق مكوية بعناية، أو بوهيمية تتسكع بالحانات المعتمة، الشعر تمرد عن سبق إصرار وترصد، «معجزة غير مؤطرة في شكل مغلق» حيث قصيدة النثر مثلا ليست مهووسة بمطاردة كمال مستحيل يقتفي آثار نموذج متحقق في الماضي، بل هي « قوة فوضوية « تتمرد على النسخة الأصلية لعمود الشعر ضدا على هيمنة النزعة الاستعارية لدى شعراء يهادنون السائد ، ونص مشاكس يسعى لتحطيم أصنام عاجزة عن منح أي كان جواز الانتماء لرحبة الشعر المقدسة، وشعريته «هي هذا الإمكان المدهش الذي يختلف بين شاعر وآخر، هي ذلك الاختلاف الذي لا يصل إلى مستوى سوء الفهم، هي المعنى الذي يتدفق شعريا كيفما شاء، هي قصائد كثيرة، وليست قصيدة واحدة يحبها كل « الشعراء تقريبا « (ص46).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.