ضمن منشورات الزمن، صدر للباحث في تاريخ المغرب المعاصر الدكتور المصطفى الريس، مؤلف جديد موسوم ب "إضاءات حول الزوايا والطرقية زمن الحماية. الكتاب يتنوال بالدرس والتمحيص عدة قضايا متصلة بتيمته ىالاساس، من ضمنها الطرق الصوفية الموالية للإقامة العامة، واصداء الزوايا والطرقية في الصحافة الوطنية، اهتمام الإقامة العامة بالطرقية والزوايا وتجدد أدوار ومهام الأخيرة، إضافة إلى قراءة في مؤلف الكي الناصري "إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة" المخصص لمحاربة الطرقية كمدخل لمواجهة الاستعمار. ولتفسير وشرح محتوى كتابه وتسليط الضوء على أسباب تاليفه، يكتب د. المصطفى الريس في المقدمة: "يتناول هذا الكتاب مجموعة أبحاث ودراسات نتوخى من خلالها توسيع دائرة النقاش حول ما يحبل به تاريخ المغرب زمن الحماية من قضايا وإشكاليات معقدة تحتاج إلى مزيد من التنقيب والتمحيص. ولعل من أبرز القضايا، تلك المرتبطة بمؤسسة الزوايا والطرقية التي شكلت ولازالت مجالا بكرا للمؤرخين والباحثين، على اختلاف توجهاتهم ومرجعياتهم الفكرية، ويعود السبب في ذلك الى الأدوار الدينية والسياسية الحاسمة التي قامت بها هذه المؤسسة في رسم معالم تاريخ المغرب، إلى درجة ذهب معها أحد الباحثين إلى القول بأن قراءة تاريخ المغرب بمعزل عن أثر الفعل الصوفي لا تعدو أن تكون مجرد قراءة مختزلة ونسبية النظر. عموم القول، لم تكن الزوايا والطرقية بمنأى عن التحولات الجوهرية التي مست البلاد وغيرت العديد من مظاهرها زمن الحماية، بل كانت فاعلة فيها، وكان شيوخها من صناع أحداث ووقائع تلك الفترة التي كانت مشحونة بالصراعات، الخفي منها والمعلن، بين أطراف متعددة ومتداخلة. من جهة أولى: نجد بعض الزوايا والطرق الصوفية انخرطت في المقاومة المسلحة المغربية، من خلال حضور الوازع الديني فيها والمتجسد في قيادة ثلة من شيوخها للمقاومة وتأطير الأتباع والدعوة الى الجهاد، تعبيرا منها عن غيرة دينية متجذرة في المجتمع المغربي. من جهة ثانية نجد زوايا أخرى قد تحولت إلى وسيط لتسهيل عملية التغلغل الاستعماري عن طريق كسر شوكة المقاومة والترويج لتبريرات قدرية واستسلامية من خلال اعتبارها الاحتلال قدر محتوم لا مفر منه وابتلاء من عند الله. ومثل هذه التبريرات لا يمكن، في واقع الأمر، أن تخفي حقيقة تواطؤ بعض الزوايا مع الاستعمار رغبة منها في الحفاظ على امتيازاتها ونفوذ شيوخها السياسي والديني. هكذا، اعتمدت الحركة الوطنية منذ نشأتها في الثلاثينيات على السلفية كإطار مرجعي لعملها السياسي والفكري، وسند إيديولوجي ارتكزت عليه في مواجهة الزوايا والطرق الصوفية، التي تعد مدخلا لمقاومة الاستعمار والانحطاط الديني. وكانت الصحافة أبرز الآليات التي وظفتها أحزاب الحركة الوطنية في هذا الصراع، حيث عبرت المقالات الصادرة في الصحافة الوطنية تعبيرا صريحا عن الموقف العدائي للحركة الوطنية للطرق الصوفية، فوصفتها بأقدح النعوت متجاوزة الاتهام بالابتداع والخروج عن الدين إلى النعت بالافتراء على الناس وأكل أموالهم بالباطل وترويج كافة مظاهر الانحلال الخلقي من مجون ومعاقرة للخمور ودعارة. وكان موقف الحركة الوطنية يتناغم مع الموقف السلطاني التواق الى الحد من نفوذ الزوايا وإقصائها من المجال السياسي العام واجتثاثها من جذورها الاجتماعية والمجالية. الملاحظ أيضا، أن الحركة الوطنية لم توظف الصحافة المكتوبة، وفقط، في صراعها مع الزوايا والطرقية، بل سخرت أقلام نخبها في سياق ارتقاء السلفية من طابعها التنويري التربوي والتعليمي إلى الممارسة الفعلية للتأثير في مجريات الوقائع. ومن ثم يأتي تأليف كتاب »"إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة"« للمكي الناصري كإجابة عن دعوات السلفيين إلى تقويض دعائم الطرقية والعمل على الحد من اتساع نفوذها داخل المجتمع من جهة، والتخلص من رواسب السلفية النهضوية المشرقية والاتجاه نحو سلفية مغربية تنتج خطابا وطنيا يقاوم الاستعمار ومخططاته الاستنزافية من جهة ثانية.بيد إن مواقف الحركة الوطنية تجاه الطرقية لم تكن دائما منسجمة ولا صادرة عن رؤية موحدة، يبدو ذلك واضحا من خلال تعاطي صحافة الحركة الوطنية مع حدث اعتقال أحمد بن الصديق الغماري شيخ الطريقة الدرقاوية الصديقية بطنجة، حيث رصدت تداعياته وأصدائه واستهجنت وأدانت اعتقال الشيخ الدرقاوي معتبرة محاكمته مؤامرة استعمارية محبوكة ومكشوفة. في الوقت الذي نافحت فيه الصحافة الاستعمارية وعلى رأسها جريدة »"السعادة"« عن وجهة النظر الرسمية التي أجمعت علي إدانة الشيخ أحمد بن الصديق الغماري، من منطلق إثارة الفتنة وتحريض الأتباع والتآمر على النظام. دائما، وضمن سياق التحولات الجوهرية التي شهدها المغرب فترة الأربعينيات والخمسينيات، وما تلاها من تفاعلات معقدة، منها ماهو مرتبط بطبيعة الوضع الاستعماري الفرنسي وتطور أشكال مقاومته، ومنها ماهو مرتبط بمسار العلاقات الدولية والواقع الدولي الجديد الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية، حيث سعت الإقامة العامة الى إحياء الزوايا والطرقية لتوظيف نفوذها في صراعها ضد الحركة الوطنية والتيار السلفي، وذلك بإحياء طقوس مواسم الزوايا وتجديد الاهتمام ب »"السياسة الإسلامية"« الفرنسية، وتوشيح شيوخ الزوايا والترخيص لهم للقيام بالرحلات والجولات، وخلق طرق صوفية وتشييد الزوايا الجديدة وترميم العتيق منها. وبذلك تكون الإقامة العامة قد خلقت واقعا جديدا تميز بالصراع بين الطرقيين والوطنيين وصل إلى حدود التصفية الجسدية."