بحلول الذكرى 36 لاغتيال القائد الاتحادي الفذ الشهيد عمر بنجلون، ارتأت جريدة «أخبار اليوم» المحترمة أن تجري حوارا مع المدعو «مصطفى الخزار»، أحد قتلة الرمز التاريخي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي يعيد «بناء روايته الخاصة عن ظروف الجريمة»، كما جاء في تصدير الحوار. فماذا يقول هذا المجرم عن ظروف الجريمة؟ من جهة، يؤكد، بصيغة المفرد، بأن نواياه لم تكن تستهدف تصفية عمر بتاتا. ثم يضيف، بصيغة الجمع، «لقد قدمنا إليه من أجل محاورته ونهيه عما كان يكتبه في صحيفة «المحرر» من أشياء تخالف الدين الإسلامي، من باب النصيحة. هذا ما كان مقصدنا يومئذ. لكن النقاش تطور بيننا بسرعة، وشرع في سبنا، ولم أشعر بنفسي إلا وهو يسقط على الأرض، وبعدها ألقي القبض علي وقدمت للمحاكمة». لنتأمل هذا الكلام السخيف الذي لا يقبله المنطق ولا يستسيغه العقل. فادعاء المجرم بأن «زيارتهم» لعمر بنجلون، كانت لأجل محاورته ونصحه، فيه احتقار تام لذكاء القارئ. فهل بالحوار والنصيحة، خر عمر صريعا؟ وهل من يذهب للحوار مع أحد أو لإسداء النصح له، يذهب إليه وهو مدجج بالأسلحة، سواء كانت بيضاء أو نارية ؟ لذا، نتساءل: هل صاحب هذا الادعاء بليد أو يستبلد الناس؟ فأن يكون بليدا، فهذا غير مستبعد؛ ذلك أن الجرائم الإرهابية التي ترتكب باسم الدين، غالبا ما يكون منفذوها من ذوي مستوى تعليمي متدني، بسبب فشلهم في الدراسة. ومرد فشلهم، يكون، في الغالب، لمحدودية قدراتهم الذهنية. ففقهاء الظلام والتكفيريون يجدون في هؤلاء ضالتهم. ولنا في إرهابيي 16 مايو أمثلة صارخة على ما نقول. لكن إصرار القاتل الرعديد على أن جريمته، كانت جريمة عادية، فيه استبلاد للناس واحتقار لذكائهم. فنكران معرفته بالمخططين لتصفية عمر، سواء كانوا من الشبيبة الإسلامية أو من جهات أخرى، لن يغير من الواقع شيئا. فالتاريخ كشاف. و»الجريمة سياسية، نفذت بأدوات دينية»؛ وما هذا القاتل، مهما حاول أن يجعل من فعلته الشنيعة جريمة من الجرائم العادية، إلا أداة من أدوات الإجرام السياسي الذي اتخذ لبوسا دينيا، كما يكشفه لسانه نفسه، حيث يؤكد أنه كان يريد نهي عمر «عما كان يكتبه في صحيفة «المحرر» من أشياء تخالف الدين الإسلامي»، وكأن الدين الإسلامي، في بلاد المغرب المعروف بكونه بلد، معظم سكانه مسلمون، قد أصبح يحتاج إلى مثل هؤلاء المجرمين الجهلة لحمايته. يصر قاتل عمر بنجلون أن لا علاقة له بالشبيبة الإسلامية وأن الربط بين قتل عمر وهذه المنظمة مجرد وهم. قد نفهم أن ينفي عنه هذه العلاقة، لكن محاولته استغلال الظرف الحالي بادعاء أن الاتحاد، الذي لم يكف عن المطالبة بالكشف عن المدبرين الحقيقيين للجريمة الشنعاء، يستغل هذه الذكرى- التي دأب على إحيائها سنويا، لما يمثله عمر بالنسبة للحزب من قيمة رمزية ولما تمثله الجريمة النكراء من خطورة على المسار الديمقراطي للبلاد- خدمة لجهات أخرى لعرقلة مسار حزب العدالة والتمنية، فإن المجرم، هنا، يريد أن يصبح «محللا» سياسيا، فيقول، بكل وقاحة: «اها هم اليوم يوظفونه بشكل بشع لتبرير المعارضة». وهذا، لعمري، أكبر من أن يصدر عن أداة مسخرة لإسكات صوت مزعج لأعداء الديمقراطية والفكر الحر. فحين يدعي المجرم أن لا وجود لحركة من وراء جريمته، تفصح أطوار المحاكمة ألتي أدين فيها، عن خيوط لا يمكن إلا لمتجاهل أو مغفل أن ينكر ترابطها. فأن يتوسط الدكتور الخطيب لتوكيل محام من مصر للدفاع عن المتهمين أمام المحكمة، بعد أن رفض المحامون المغاربة الدفاع عنهم، وأن ينظم عبد الإله بنكيران وعبد الله باها ومحمد يتيم وآخرون، أثناء محاكمة المتهمين بتنفيذ الجريمة، مسيرة انطلاقا من المسجد المحمدي بالدار البيضاء للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، كل هذا يؤكد أن جريمة اغتيال عمر بنجلون هي جريمة سياسية، نفذها مسخرون جبناء، يريدون أن يضفوا عليها صبغة الجريمة العادية. وبوقاحة وصفاقة، لا مثيل لهما، يتحدث المجرم عن حرمانه من التعويض، وكأن التعويض الذي منح لضحايا سنوات الجمر والرصاص، هو تعويض يستحقه أيضا المجرمون والقتلة. فهل من وقاحة أكثر من هذه؟؟؟ فبدل أن يتعض المجرم من سنوات سجنه وبدل أن يندم ويستغفر ربه على الجريمة البشعة التي ارتكبها بقتل نفس بريئة، يطلع علينا في حوار يقطر حقدا وغلا على الشهيد ورفاقه.