الدارالبيضاء: 5 شتنبر 1915 (تتمة 1). (كلمة ليوطي يوم الإفتتاح الأول للمعرض الدولي للدارالبيضاء. في الجزء الأول استعرض تفاصيل الجهات التي كانت وراء التنظيم. وهنا يواصل حديثه قائلا:) «جهد القطاع الخاص المغربي، توازى مع جهد القطاع الفرنسي، بشكل تكاملي عززته الثقة، وبشكل لم نكن نتتظره. لقد حطم بسرعة الإطار التقليدي، وجعلنا مضطرين أن نضيف ملحقا وراء ملحق، ولقد عشنا ذلك الضغط بفرح عظيم. لأنه مع كل دعم جديد، كنا نلمس أثرا جديدا للحياة في معناها الفرنسي، وهذا ترجمان لعنوان ثقة في مستقبل أبهى. وكان وعدا عن ثقة الرساميل في إنجاز هذا المعرض الضخم، وكل متر مربع جديد للعرض كان يترجم في أعيننا حجرا جديدا يعلي من بيت الإقتصاد المغربي. إنه لمن دواعي الفخر، وبجبهة مرفوعة عالية، وضمير مرتاح، أن نستشعر أننا أنجزنا مهمتنا هنا كما يجب. وسنقدم قريبا حيوية هذا المنجز الكبير لأعضاء الحكومة الفرنسية، التي لم تبخل علينا بالدعم منذ اليوم الأول. وحضور السيد لونغ (Long)، مقرر ديوننا هناك، المدافع المتنور الحذق عن مصالح المغرب، يعتبر بالنسبة لنا عنوان تشجيع وطني. أشكركم السادة القناصل الأجانب على تشريفكم لنا اليوم. لقد أدركتم أن الظروف قد جعلتنا اليوم، نكتفي فقط باحتفالية صغيرة ومحدودة، على حجم إنتاجيتنا الفرنسية والإنتاجية المغربية، وهناك بيننا فيها عدد محترم من أبناء بلدانكم. وفي اليوم الذي ستسكت المدافع وتستعيد المحيطات طبيعيتها كممرات آمنة، وأن لا تبقى فقط ممرا للأسلحة والجنود ومواد الدعم، في ذلك اليوم سنكون أكثر جرأة وسنجعل من معرض الدارالبيضاء الكبير، معرضا دوليا مفتوحا أمام تجارة حلفائنا وأصدقائنا. إنني مدين بتحية خاصة وباعتراف، إلى جلالة السلطان مولاي يوسف. فمنذ اليوم، اهتم بمشروعنا، بفكره المتنور المستنير، وشجعه. لقد أدرك أهميته الكبرى، مثلما أدرك دوما أهمية المؤسسات التي من خلالها، وبالتعاون الكامل معه، أردنا أن ننمي الأمن والرخاء في إمبراطوريته وأن نضمن مستقبلها. ولن نستطيع قط، التعبير عن مدى أهمية الدعم الذي يقدمه لنا تعاون السلطان مولاي يوسف في صمت وبدون بهرجة. والسيد غيلار (Gaillard) هنا ليشهد بقيمة آراء جلالته السديدة، يوميا، وكذا همه الكبير من أجل العدل، وثقته المطلقة في فرنسا واختياراتها، والتي عبر عنها علنا في كلماته العمومية المرسلة إلى الفيالق المغربية التي تحارب إلى جنبنا. ولإدراك أهمية ذلك، تصوروا معي ما الذي سيكون عليه حالنا لو كنا أمام سلطان يوهمنا بالدعم، بينما هو يطعننا في الظهر. ولقد عشنا هذه التجربة من قبل. أو لو كنا أما سلطان حتى لو لم يحاربنا كان سيحجب عنا فقط دعمه (1). بعد هذا التقديم، الخاص بشكر كل من كانت له يد بيضاء في تحقق هذا المعرض الفرنسي المغربي، لنتأمل إذا سمحتم، فلسفة ومعاني هذا الإنجاز. إن الجميع مدرك، اليوم، أن الأمر يتعلق ليس بمجرد الرغبة في التباهي بمعارضة أجواء الحرب التي تنهش العالم، من خلال معرض مدني سلمي. ولا منح إطار لمناسبة أفراح خاصة، لا تليق أكيد أخلاقيا بأجواء الحداد في أزمنة الحرب هذه، والتي تثقل على قلوب الكثيرين منا. لا، إن ما سعينا إليه هنا، هو «مباردة حرب». لأنه اتضح لنا، أن هذه الحرب غير المسبوقة التي تجرف العديد من البلاد وتستعمل كل الأسلحة، قد جعلتنا، نحن وحلفاؤنا، ليس فقط أمام آلة مدمرة، بل أمام حرب شمولية جارفة، تشمل كل الميادين، وفهمنا بل أدركنا، أنه في مجالات الإبداع الإنساني يكمن السر في مواجهتها، بسرعة ودون كلل. لقد قرأتم مؤخرا تصريحات خصمنا (ألمانيا) التي أعلن فيها بوضوح وبلؤم عن برنامجه، ليس فقط في انتصاره في المجال العسكري والسياسي، بل أيضا في المجال الإقتصادي. وهذا البرنامج هو الذي نجيبه هنا، في هذا المغرب الذي كان واحدا من رهانات الصراع الأولى بيننا، مترجمين من خلال ذلك قرارنا بالتقدم اعتمادا على ذواتنا، وأننا لن نسمح قط بإدلالنا (2). لنقلها، إذن عاليا، إن ما نعرضه اليوم هو «معرض حرب». وهل تمة واحدة مثلما تستطيع ادعاء إمكانية التنظيم في ظروف مماثلة. ليس فقط على المستوى الدولي العام، بل حتى على المستوى المحلي. لأن الحرب لا تدمر فقط أجزاء كبرى من العالم، بل إنها حتى في هذا البلد هي قائمة في بعض مناطقه. وأن تلك المقاومة والإنشقاقات، تمنح فرصة لخصمنا مجالات للإختراق عبرها؟. وها هنا تكمن المفارقة: هنا في الدارالبيضاء، حيث يقام وينجز هذا العمل السلمي، ما كان له أن يكون لولا أن صدورا تواجه الرصاص على الجبهات المغربية كل يوم، وأن حرابا تنتصب وبنادق تتكلم، من أجل المحافظة على أمننا وثرواتنا. * هامش: * (1) ما يلمح إليه هنا الماريشال ليوطي، هو حالهم مع السلطان مولاي حفيظ، الذي كان قد وقع عهد الحماية لكنه عمليا كان ضدها برفضه التعاون، ومراهنته على حركة الهيبة ماء العينين الصاعدة من الصحراء الغربية وسوس والتي حررت مراكش وكانت متجهة صوب الرباط، لكنها هزمت في سيدي بوعثمان من قبل قوات الجنرال موجان الشهير بدمويته وبرهانه على قواته من المرتزقة السينغاليين. * (2) يحيل هنا ليوطي، على الصراع الأروبي الذي بقي محتدما بين كل من بريطانيا وألمانيا وإسبانيا وفرنسا لوضع اليد على ثروات المغرب، منذ أواسط القرن التاسع عشر. والذي عرف تنظيم مؤتمرات دولية حول ما عرف ب «القضية المغربية»، في مدريد أولا سنة 1880، ثم في الجزيرة الخضراء سنة 1906. وانتهى ذلك الصراع المحتدم، الذي استعملت فيه تقنيات المكر الديبلوماسي وتقنيات الإستخبار والتجسس عبر رحالة متعددين، واستعملت فيه آلية الفوز باتفاقيات تجارية مع سلاطين المغرب، واستعمل فيه أيضا استعراض عضلات عسكرية بحرية، انتهى باتفاقيات سرية بين باريس ولندن ثم باريس وبرلين، في ما بين 1904 و 1911، تم من خلالها التنازل عن المغرب لصالح فرنسا وإسبانيا، مع الإبقاء على طنجة منطقة دولية لموقعها الجيو- ستراتيجي بمضيق جبل طارق.