القوات المسلحة الملكية تخلد بالعيون والداخلة الذكرى الثامنة والستين لتأسيسها    توقيع عقد للتنزيل الجهوي لخارطة طريق السياحة بجة الشمال    على هامش القمة العربية.. بوريطة يعقد بالمنامة محادثات مع رئيس الوزراء الفلسطيني    عميد المنتخب المغربي يتوج هدافا للدوري الفرنسي    افتتاح خط جوي مباشر جديد بين مطاري تطوان وأمستردام    الأمثال العامية بتطوان... (598)    رئيس "الليغا" يؤكد انضمام مبابي لريال مدريد بعقد مدته 5 سنوات    مستشارون ينتقدون اللغة "الانتقامية" لميراوي في مواجهة أزمة طلبة الطب    بعد استئنافه الحكم.. حامي الدين يمثل أمام محكمة فاس في هذا التاريخ    كيف يمكن الاستعداد لامتحانات البكالوريا بهدوء وفعالية؟    تاريخها يعود ل400 مليون سنة.. الشيلي تعيد للمغرب 117 قطعة أحفورية مهربة    وزير التجهيز: 3000 كلم طرق سيّارة ستواكب تنظيم المغرب لكأس العالم    قيمة منتجات الصيد الساحلي والتقليدي المسوقة ارتفعت لأزيد من 3,5 مليار درهم    القضاء يتابع مُقتحم مباراة نهضة بركان والزمالك    الجامعة تعين مساعدا جديدا لطارق السكتيوي    التوقيع على مذكرة إنشاء المركز الدولي للبحث والتكوين في الذكاء الاقتصادي بالداخلة    340 نقطة سوداء على مستوى الطرق الوطنية تتسبب في حوادث السير    "أمنستي المغرب" تدعو إلى إلغاء تجريم الإجهاض والعلاقات الجنسية خارج الزواج    الاتحاد الأوروبي يمنح الضوء الأخضر النهائي لميثاق الهجرة واللجوء الجديد    "الطابع" لرشيد الوالي يكشف عن مأساة مهاجر مغربي في رحلة بحث عن الهوية    تنسيقيات التعليم تؤكد رفضها القاطع ل"عقوبات" الأساتذة وتحذر من شبح احتقان جديد    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    جماعة طنجة ترصد نصف مليار لتثبيت مئات الكاميرات لمراقبة شوارع المدينة    دار الشعر بمراكش تواصل الانفتاح على التعدد اللساني والتنوع الثقافي المغربي    حيتان "الأوركا" تحطم قاربا شراعيا بسواحل طنجة.. وتنسيق مغربي إسباني ينقذ طاقمه    إدارة السجن المحلي بتطوان تنفي تعرض سجين لأي اعتداء من طرف الموظفين أو السجناء    الخط الأخضر للتبليغ عن الفساد يسقط 299 شخصا    بسبب إياب نهائي الكونفدرالية.. تأجيل مواجهة نهضة بركان والرجاء إلى يوم 23 ماي القادم    "أكديطال" تفتتح مستشفى ابن النفيس    ارتفاع حصيلة قتلى العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 35173 منذ بدء الحرب        طبعة ثانية من « أوراق من دفاتر حقوقي «مهنة الحرية « للنقيب محمد الصديقي    "أطلنطا سند" تطلق التأمين المتعدد المخاطر منتوج "برو + المكتب"    قُصاصة حول إصدار    الباحث البحريني نوح خليفة: جهود المغرب تأتي موازية لتطلعات العالم الإنساني وعالم الطبيعة    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    هاشم تقدم مؤلف "مدن وقرى المغرب"    دعوات متزايدة عبر الإنترنت لمقاطعة مشاهير يلتزمون الصمت حيال الحرب على غزة    بيع لوحة رسمها الفنان فرنسيس بايكن مقابل 27.7 مليون دولار    المغرب يفكك خلية إرهابية موالية ل"داعش" ينشط أعضاؤها بتزنيت وسيدي سليمان    10 لاعبين يحرجون ريال مدريد قبل انطلاق الميركاتو    الصين تدعو لعلاقات سليمة ومستقرة مع كوريا    أسعار النفط تواصل الارتفاع وسط توقعات شح الإمدادات    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    هل تكون إسبانيا القاطرة الجديدة للاقتصاد الأوروبي ؟    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    جامعة شعيب الدكالي تنظم الدورة 13 للقاءات المغربية حول كيمياء الحالة الصلبة    تبون يلتقي قادة الأحزاب السياسية.. هل هي خطوة لضمان دعمها في الاستحقاقات الرئاسية؟    بطولة فرنسا: مبابي يتوج بجائزة أفضل لاعب للمرة الخامسة على التوالي    اعتقالات و"اقتحام" وإضراب عام تعيشه تونس قبيل الاستحقاق الانتخابي    إسبانيا ترد على التهديد الجزائري بتحذير آخر    قناة أرضية تعلن نقلها مباراة الإياب بين بركان والزمالك    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    الأمثال العامية بتطوان... (597)    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    الأمثال العامية بتطوان... (596)    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف يعيش المغاربة علاقتهم بالدين؟

عن دار النشر «ملتقى الطرق»، وبدعم من مؤسسة «فريدريش لاإيبرت»، صدرت الطبعة الجديدة، المزيدة بخاتمة استعادية، من الكتاب الجماعيّ «الإسلام في الحياة اليومية»، وهو عبارة عن بحث ميدانيّ حول القيم والممارسات الدينية بالمغرب أنجزه كلّ من محمّد العيادي وحسن رشيق ومحمد الطوزي. تتجلى أهمّية هذا الكتاب في كوْنه يُضفي قدرا كبيرا من النسبية على الأحكام الجاهزة التي تتعلق بمظاهر التديّن لدى المغاربة، سوى تلك الأحكام الاستشراقية أو الأحكام الصحفية التي لا تستند، في معظمها، إلى معطيات وبحوث ميدانية.
من بين النتائج التي خلص إليها الفصل الأوّل، المتعلق بالممارسات الطقوسية والمعتقدات الدينية، هي أنّ القيم المركزية للتدين في المغرب تقوم أساسا على الصلاة الجماعية ضمن جمع من المصلين، غير أن الممارسة الفردية هي التي تهيمن في الواقع. كما يمثّل الورع العرضي بعدا هاما في الممارسة الدينية الفردية. وهنا ينبّه البحث إلى عدم الخلط ما بين الممارسة الفردية والبين الفرْدانية الدينية التي يصبح فيها الفرد، باعتباره قيمة، هو مركز القيم الدينية ومعيار قياسها، وتغدو فيها ممارسة الدين مسألة خاصة وشخصية. والملاحظ اليوم أن العلاقة بالدين تقوم خارج الوساطات المؤسساتية التقليدية، وأنها تميل إلى أن تصبح مجهولة الهوية وفردية ومباشرة. وبالتالي، فإن هذه الوضعيات التي يكون فيها العرض الديني متاحا ومتنوّعا وغير متجانس، هي التي تتولد عنها اختيارات وتوليفات شخصية، منها ما يتعلق بوضعية الجسد أثناء الصلاة وزيارة الأضرحة والعلاقة بين الدين والسياسة. وقد سجّل البحث أن التوافق أقوى على صعيد المعتقدات الدينية منه على مستوى ممارسة الطقوس. وفي المغرب نشهد وضعيتين مختلفتين على مستوى المعتقدات، حيث أن أغلب المستجوبين يتقاسمون المعتقدات الجماعية ذات الصلة بالعالم الغيبي وبالقضاء والقدر الخ، وبالمقابل، يتمّ رصد التوترات والاختلاف على مستوى المعتقدات التي تكون العلاقات الاجتماعية موضوعا لها. وتبرز ذلك بجلاء الممارسات والمواقف المتعلقة بالترفيه والاختلاط والتسامح وبالعلاقات بين الدين والسياسة. من هنا يستنتج البحث أننا أمام نوعيْن من المعتقدات: هناك المعتقدات القوية المتجانسة، وهي موضوع شبه إجماع من جهة، والمعتقدات الهشّة القابلة للنقاش من جهة ثانية، لذلك يكون التعبير عن آراء وقيم مختلفة أمرا ممكنا.
لا تحتل المعرفة الدينية موقعا مركزيا في الحياة الدينية. وهناك تفاوت بين ممارسة الشعائر وبين المعرفة الدينية. غير أن البحث افترض أن التغيير الذي بدأ قد شمل هذا البعد المعرفي من الدين. وقد تبدو ممارسة الشعائر غير كافية بالنسبة لحساسية دينية تولي أهمية أكثر فأكثر للوسائط المكتوبة والنصوص اللاهوتية والإيديولوجية.
وعلى مستوى التنظيم، لا يشهد الانتماء إلى وكالات دينية تثمينا واضحا يحظى بالإجماع، مثلما هو الحال بالنسبة للصلاة الجماعية. وفي مستوى آخر، يشكّل النخراط في الزوايا وفي الجمعيات الدينية الدينية موضوع خلافات وتوترات، غير أن عدم الانخراط هو السائد عموما، على الصعيد الإيديولوجي، وعلى المستوى العملي.
الفصل الثاني، تناول فيها الباحثون الثلاثة علاقة الشباب بالدين، مبرزين أنّ تديّن الشباب المغربي المسلم أمر أكيد، وأن شباب اليوم هم اكثر ممارسة للشعائر الدينية من شباب الأمس. ويمكن القول بأنّ اندماج الأجيال الشابّة إلى حدّ بعيد، أو ضعف هذا الاندماج، يجد تفسيره، في جزء كبير منه، في قيام الأسرة بنقل التديّن إلى الأبناء أو عدم قيامها بذلك. إن التأثير الديني للأسرة يكتسي أهمية كبيرة في المجتمع المغربي، كما يتجلى التأثير الديني للأسرة من خلال مسألة الحجاب، حيث تتربّع الأسرة على رأس قائمة عوامل التأثير المشجعة على ارتداء الحجاب بالنسبة لكافة الفئات العمرية. ومن جهة أخرى، تنخرط هذه التنشئة الدينية، وهذا النقل للتديّن البارزان داخل الأسرة المغربية، في مسلسل عام ومؤكّد للاندماج الديني حيث المدرسة ووسائل الإعلام تقوم بدورها في هذا الإطار. ويبيّن البحث ضعف اهتمام المغاربة بالشأن السياسي، خاصة في أوساط الشباب، مقابل اهتمامهم بالعمل الجمعوي وفي هيئات المجتمع المدني، وخصوصا في جمعيات ذات طابع إحسانيّ أو دينيّ أو حقوقيّ. غير أن الشباب ليسوا فئة سوسيو-ثقافية منسجمة وذات شكل واحد. فهي على العكس من ذلك تبرز عدة جوانب من التجليات المتناقضة. وعلى الرغم من أنّ التعبير الإسلاموي واقع لا يمكن إنكاره داخل فئة الشباب، فإنه لا يشكّل، مع ذلك، أغلبية. وبالنسبة لعلاقة الدين بالسياسة، أبرز البحث أجوبة من قبيل :»لا أعرف»، «الأمر لا يهمّني»، في جواب الشباب عن أسئلة حول: «هل يجب إخضاع الدين للسياسة؟» و» هل يجب إخضاع السياسة للدين؟ و»هل هناك صلة بين الدين والسياسة؟».
أما الفصل الثالث والأخير، فقد تمّ تخصيصه لعلاقة المرأة بالتديّن، أو «التديّن بصيغة المؤنث»، بحسب تعبيرهم. وقد أبرز البحث كيف أن مظاهر التديّن لدى المرأة يعرف تحولات مهمة هي ذات صلة بالتشكلات المجتمعية الجديدة، وبالمفاوضات الجارية حول العلاقات بين الخصوصي والعمومي، وتقسيم العمل في المجتمع المغربي، ووضعية المرأة داخله. والمرأة أكثر ممارسة للشعائر الدينية، وتصوم النوافل أكثر مما تصلّيها، كما أنها محافظة أكثر، لكنها تقبل الاختلاط. وم جهة ثانية فإن تديّنها أكثر فردانية بحيث لا يساير المجموعة.
وفضلا عن ذلك، فإن بعض الصعوبات التي ما تزال تعوق خروج المرأة إلى الفضاء العمومي يجعل العديد من النساء يركّزن على القنوات التلفزيونية من أجل تلقي المعلومات الدينية، أكثر من الرجال. وقد أضفى الباحثون النسبية على روح المحافظة والتقليد التي ألصقتها دراسات أنثروبولوجية بالوضع النسائي، المسؤولة عن إعادة إنتاج النظام والمحافظة على الموروث. فقد تأكدت هذه الروح في بعض المجالات، ولكنْ تمّ تكذيبها في مجالات أخرى تواكب حاجتها إلى التحرر الاقتصادي. ولا يبدو أن الاختلاط يعرض النظام الأخلاقي للخطر، وإن لوحظ نوعا من التفاوت في قبول ذلك بحسب الأمكنة. وفيما يتعلق بالأمور المتعلقة بالتسامح، يلاحظ أنّ النساء أقلّ تسامحا من الرجال حيث أن نسبة كبيرة منهن لا يتصوّرن زواج قريب لهن من خطيبة يهودية، مقابل نسبة أقل من الرجال، والنساء أكثر عددا في عدم قبول فكرة تغير مسلم لدينه.
وعند صدوره، في طبعته الأولى، أثار هذا البحث الميداني الهامّ عددا من ردّات الفعل أبرزها ما وردَ في منابر إعلامية مغربية. وهي ردّات فعل منها ما يصدر عن مواقف إيديولوجية، ومنها ما جاء نتيجة تسرّع في إصدار الأحكام، وعدم الفصْل ما بين البحث الميداني وبين ما أفرزه من نتائج، ومنها ما يعود فقط إلى عدم الفهم. وفي جميع الأحوال هي آراء وكتبات تنمّ عن نزعة رفض مسبقة سببها الدّوكْسا والآراء الشائعة والجاهزة التي نحملها، بوعي أو بدونه، عن طبيعة التديّن في بلادنا. ولأنّ الطبعة الجديدة اشتملت على حاشية تردّ على هذه الآراء والأحكام، فقد آثرنا نشرها هنا تعميما للفائدة، وتعميقا للفهم والتحليل.
إن الترحيب الواسع الذي حظي به كتاب «»الإسلام في الحياة اليومية«« يبرر هذه الخاتمة التي نخصصها لأهم ردود الفعل والانطباعات. فإذا كانت ردود فعل السياسيين ووسائل الإعلام كثيفة وفورية، فإن تلك التي كانت للنظراء اتسمت، في المقابل وكما العادة، بالاحتشام والمحدودية. انزياح، على كل حال، مفهوم إذا أخذنا في الاعتبار الثغرات والهشاشة اللتين تميزان حقل العلوم الاجتماعية للأديان في البلدان الاسلامية في أزمنة الندرة هذه.
لقد كانت ردود الأفعال المختلفة تترجم تعدد المتلقين. في الرتبة الأولى من بين هؤلاء، سجلنا الأهمية البالغة التي أثارها كتابنا في الأوساط الدبلوماسية. بضعة شهور، بعد نشر الكتاب (14 ماي 2008)، دعي المؤلفون الثلاثة الى مقر السفارة الفرنسية من أجل تقديم الخطوط العريضة لبحثهم. وقد كان 27 سفيراً للاتحاد الأوربي حاضرين يومئذ. ودارت أسئلتهم حول دلالة »»إعادة تملك التدين«« عند المغاربة ومداه السياسي. في المجمل، أرادوا أن يعرفوا ما إذا كانت هناك علاقة بين الفوران السياسي في العالم الاسلامي اليوم وفورانه الديني.
إن تلقي وسائل الإعلام كان إذن الأوسع، الأكثر إثارة للجدل. كان متعدداً من حيث أشكاله. وخصص حيز كبير للحوارات مع المؤلفين (الأيام، المساء، نساء المغرب...) ثم إن الجزء الأكبر خصص للتعاليق على نتائج البحث وتأويلاته الإيديولوجية. هكذا يمكن لنا أن نستثمر الفرصة لتأمل كيف أن دراسة سوسيولوجية تتحول الى رهان إيديولوجي فتغذي النقاش العام.
وكي نتجنب أي سوء فهم، نؤكد أننا لا نستعمل مصطلح «إيديولوجيا» في المعنى القدحي، بل العكس، فإننا نقاربه كمنظومة أفكار لها علاقة متينة بالسياسة والسلطة. لهذا السبب فهمنا لماذا تم تحويل دراستنا، المرتكزة على الممارسات والقيم الدينية، إلى رهان إيديولوجي واستعملت للدفاع عن مثل دينية أو دنيوية. مع ذلك، يظل من واجبنا أيضاً بوصفنا باحثين، أن نقول كلمة في الاستعمالات، وربما التحولات التي كانت دراستنا موضوعاً لها.
نشرت »تيل كيل«، مجلة تدافع عن قيم حداثية، ملفا في 8 دجنبر 2007. على الغلاف كان سؤال يسترعي انتباه القارىء: »أي مسلمين نحن؟ الحقيقة حول القناعات الدينية عند المغاربة«. الملف الذي يمتد على ست صفحات، يستعيد عدة أرقام لها علاقة بقراءة القرآن، الهوية الدينية، الاختلاط، الحجاب، إلخ.
ويكتفي غالباً بالتعليق على النتائج. إن كلمة العدد التي وقعها أحمد رضا بن شمسي، مدير النشر، هي التي ستظهر، أسبوعاً بعد ذلك، موقف المجلة. إنه يفضح »»السكيزوفرينيا الاجتماعية المغربية««. هكذا فالمغاربة متسامحون وغير متسامحين، منفتحون ومنغلقون على الآخر، مفتونون بالإسلام ومرتابون إزاءهص، إلخ. فيأخذ مثال حفلات الزواج. »إذا كان 41 بالمئة من المغاربة يصرحون بأنهم لا يوافقون على الاختلاط، 67 بالمئة من بينهم يحضرونها مع ذلك عن طيب خاطر، حتى ولو كانت مختلطة«« مثال آخر: »25 بالمئة من المغاربة يعتقدون أن الدين يصير خطيراً حين يدخل في السياسة، و 41 بالمئة يعتقدون أن رجال السياسة لا يجب أن يتدخلوا في الدين. ومع ذلك 88 بالمئة يعتقدون أن الإسلام يقدم حلولا لكل المشاكل السياسية! هل تفهمون شيئاً في هذا، أنتم؟»«. إن الفكرة المركزية في التعليق هي أن المغاربة يفكرون في الشيء وضده. يستحسنون شيئاً ويفعلون عكسه. يفسر الأمر بكونهم ليسوا مسلمين لأنهم اختاروا ذلك، بل لأنهم يولدون مسلمين. ومنطلقاً من هذا الوضع الذي يكون فيه الإكراه أقوى من الانخراط التلقائي، فإنه يجد أن اللائيكية هي الحل، النموذج الذي يجب أن يتم الاتجاه نحوه، إطار حيث »»المؤمنون المقتنعون والمطمئنون«« و «»اللامؤمنون المتحررون من عقدة الذنب«« يمكنهم أن يتعايشوا. إن العبور من دراسة سوسيولوجية إلى الحالة المسجلة (الفصام الاجتماعي) ثم إلى المثال الإيديولوجي (اللائيكية) لهو عبور دقيق للغاية. دراستنا لم تستعمل كحجة أو أداة لصالح اللائيكية، لكن كوسيلة للدفاع عنها (تيل كيل، 15 دجنبر 2007).
في نفس الأسبوع، «لوجورنال»، أسبوعية نقدية، تختار عنواناً مثيراً: »»متدينون، مؤمنون بالخرافة، لا متسامحون، معادون للسامية، كارهون للنساء، هكذا نحن...» لكن المقالة تتحدث عن أشياء أخرى. عودة الديني تثير قلق الأنتلجنسيا المغربية. فيؤاخذ على دراستنا مرة إفراغ الإسلام من محتواه، ومرة أن «الجزء المتعلق بالدين والسياسة لم يتعرض بتفصيل لكل مظاهر التدخل الديني في الشؤون السياسية للبلاد«« كان يتوجب، حسب نقادنا، الكلام مرة أخرى عن إمارة المؤمنين والإسلام المنازِع (لوجورنال، 8 دجنبر 2007). هؤلاء النقاد يجسدون نوعاً من الاتجاه الذي لا يرى الديني إلا مرتبطاً بالسياسي. وبما أننا قررنا أن نقارب الدين (من حيث هو ممارسة) في الحياة اليومية، بما في ذلك صلته بالسياسة، فإن دراستنا، من وجهة نظرهم، غير قابلة للاستعمال الإيديولوجي.
بضعة أيام بعد ذلك، تتفاعل جريدة «التجديد»، لسان حال حركة التوحيد والإصلاح (جمعية مقربة من حزب العدالة والتنمية) إيجابياً مع الدراسة، مدافعة بالمناسبة عن وجهة نظرهم. لقد وجد صاحب المقالة، اسماعيل حمودي، أن دراستنا تؤكد فكرة أن الإسلام هو منبع أساسي للقيم الاجتماعية، ويعكس الرغبة والحاجة المتعاظمتين للمغاربة في موضوع المعرفة. وهذا ما يستدعي تحركاً من المسؤولين، وإلا لجأ المغاربة إلى منابع أخرى خارجية لإشباع انتظاراتهم. يحذر المؤلف من أخطار هذا الاختيار المحتمل (التجديد، 10 دجنبر 2007) وخصص العدد الموالي حيزاً أكبر لدراستنا مع مداخلة لمحمد يتيم. فيعود إلى التدين القوي للمغاربة المعزز ببعض الإحصائيات المتعلقة بالصلاة والحجاب. لكنه يلفت الانتباه الى بعض الإشارات المقلقة كضعف المعرفة بالدين وبالجمعيات الاسلامية. هكذا، فإن المقالات المختلفة المنشورة على صفحات «التجديد» تؤكد على واقع أن النتائج ليست مفاجئة وعلى عمق التدين عند المغاربة. لقد تم استعمالها ضد هؤلاء الذين يريدون أن يكرهوا المغاربة على الولوج إلى الحداثة (التجديد، 11 دجنبر 2007).
ودخلت جريدة «الأحداث المغربية» المعروفة بمواقفها النقدية ضد الاختيارات «الإسلامية» على الخط يوم 14 دجنبر 2007. سعيد الشطبي يسجل أن نتائج دراستنا تبرهن على أن المجتمع المغربي ليس «مؤسلما» إلى الحد الذي يمكن أن يثير القلق، على عكس ما تدعيه وسائل إعلام معينة. إنه يجد طبيعياً في مجتمع لم يقطع أبداً صلته بالدين، أن تكون هناك معدلات مرتفعة للممارسات الدينية. ثم ينتقد أولئك الذين انقضوا على الفرصة ليرفعوا أصواتهم بأن 83 بالمئة من المغاربة هم مع الحجاب و 87 بالمئة منهم يملكون نسخة من المصحف ببيوتهم. ويذكر بأن هذه المعدلات ليست مطلقة، وإنما هي متغيرة حسب السن ومعايير أخرى. وهكذا يثير الانتباه إلى أنه تم إغفال الحديث عن المعدل الضعيف للنساء اللائي يرتدين الحجاب. أما »»نيشان»«، مجلة ناطقة بالعربية ومقربة من «»تيل كيل»«، فإنها تؤكد على الطابع المدهش للإحصائيات، لكنها تبرز توازناً ما في تدين المغاربة. ويعبر أحد العناوين المختارة عن ذلك بإسهاب: »شوية لربي وشوية لعبدو (أي للشخص نفسه)«.
إذا كان الطرف الذي يؤكد على تدين المغاربة، يستشهد بمعدل إجمالي للصلاة 73,7%) بالمئة ، »»نيشان»« تنقل لنا معدلا ضعيفاً للصلاة عند الشباب، 41,6 بالمئة إنها حرب أرقام تخدم هذا السلاح الإيديولوجي أو ذاك، إلى جانب الأرقام التي توضح تدين المغاربة، تستعرض »»نيشان»« أيضاً معدلات أخرى، حيث يتمظهر العكس 48,5% بالمئة يتسامحون مع من لا يمارس الصيام خلال شهر رمضان و 45 بالمئةيوافقون على الاقتراض بفائدة. »الحياة الاقتصادية« 14 دجنبر 2007) تدافع هي الأخرى عن موقف متوازن. المغاربة صاروا أكثر تدينا، لكن أيضاً أكثر علمانية، والتحديث ليس مرادفاً للانحطاط الديني.
طرف يجد أن النتائج مدهشة ومقلقة، وآخر يعتبرها مطمئنة ومؤكدة لأشياء كانت معروفة من قبل. لكن في أغلب الحالات، كان الأسلوب تأكيدياً وقطعياً حتى. إننا، لنقل هذا، أصبحنا »»مجردين»« من دراستنا.
استعملت أرقامنا في صيغ تختزلها في استطلاعات رأي. إذ تتحدث عن أشخاص هم موضوع استطلاع أكثر منهم موضوع بحث واستجواب. وقد تم إغفال تأويلاتنا وخلاصاتنا تماماً. والأمر نفسه حدث بالنسبة إلى الروابط المنسوجة بين الممارسات والمعتقدات المختلفة. ثم إن المعدلات تم التعليق عليها، كما لو كانت تحمل معنى في حد ذاتها. لم تقف دراستنا عند هذا المستوى. فقد قارننا عدة معدلات مرتبطة بالصلاة لتحليل الطابع الفردي أو الجماعي لها. وبطرحنا لأسئلة حول الصلوات النافلة، أردنا تكوين فكرة عن المعنى الراهن للتقوى. لم تلتصق تأويلاتنا بمعدل ما لكن بمجمل التقلبات الملاحظة في تيمة محددة. لقد قللنا لغاية من المداخل للحصول على أكثر ما يمكن من الأسئلة لكل تيمة. وفي موضوع الصلاة، طرحنا عشرين سؤالا.
إننا نطلب من الصحافيين والمناضلين ان يتحولو الى سوسيولوجيين، نريد فقط ان نوضح الاختلاف بين معالجة، تتغيا المنهجية والنسقية للمعطيات، ومعالجة انتقائية موجهة بالقيم المدافع عنها، الدينية منها والعلمانية. في هذه الحالة، تكون القناعات مسلمات، وتأتي المعطيات فقط لتأكيدها بعد ذلك. كل طرف يدفع بأرقام إلي الأمام ويتجاهل أخرى. لكن هناك أرقام اخرى تم تجاهلها من قبل كل الاطراف كتلك التي تخص التدين بالوسط القروي.
إن التلقي الذي خصصه رجال الدين للبحث كان متباينا وفي بعض الأحيان مفاجئا، يجب التأكيد على أننا نستعمل مفهوم رجل الدين clerc في المعنى الفيبيري weberوينطبق على الاشخاص الذين يقدمون انفسهم كسلطة خاصة مكلفة بتأويل النصوص الدينية. وفي المغرب، يغطي هذا المفهوم فاعلين مختلفين، كالعلماء الحاصلين على «اجازة» من جامعة القرويين، الفقهاء المتخرجين من شبكة المدارس العتيقة (التعليم الاصيل) وخريجي الجامعات العصرية الذين مروا من اسلاك اقسام الدراسات الاسلامية. لقد فكرنا انه بتقديمنا لدراسة خاصة بالممارسات الدينية اليومية، سنتفادي اي نقاش في موضوع «الاسلام الحق» بالتالي يمكن لرجال الدين ان يفهموا اننا لا نتقاسم نفس المهنة. كان عملنا ينصب اكثر على مسلمين محددين سوسيولوجيا وعلى تصوراتهم الراهنة لمظاهر معينة للاسلام، لا على الاسلام المفهوم في معناه المعياري.
لم يصدر مجلس العلماء اي تصريح مباشرة، انه فقط خصص حيزا على اعمدة مجلته الرسمية، لرئيس المجلس المحلي للجهة الشرقية، بنحمزة (مارس 2008) هكذا نشر هذا الاخير نصا معاديا للكتاب. واعلن فيه انه يعارض أية مقاربة سوسيولوجية للاسلام. بالنسبة اليه العلوم الشرعية فقط هي الوحيدة المؤهلة في هذا المجال. اي معرفة سوسيولوجية هي غير ذات موضوع. لا نحتاج لبحوث سوسيولوجية لمعرفة تدين المغاربة. ويؤاخذ على السوسيولوجيين كونهم بحثوا عن معنى للاسلام عند المسلمين في حين كان يجب ببساطة استفتاء العلماء، انه يعرف بالحدس تدين المغاربة: «لا نجد مغربيا واحدا، كيفما كانت درجة تدينه، لا يختن أبناءه (الذكور)، ولا يدفن اقرباءه بدون صلاة جنازة، وهذه علامات بارزة لا تستدعي اللجوء الى عينات..« لكن دراستنا كان موضوعها الممارسات والقيم غير العامة. لا يقيم كل المغاربة الصلاة، ولا ترتدي كل المغربيات الحجاب.
يجب القول انه كان الوحيد الذي دافع عن هذا الموقف متوسلا بحس مشترك ما، ببلاغة متهالكة استعملت بضعة عقود من قبل ضد السوسيولوجيا، وتاريخها الاستعماري. ومع هذا فإن الأمر يبقى ثانويا بالنظر إلى سوء النية (الذي كان وراء موقفه) انه طرف في هذه الفئة من «المستشارين» الجدد الذين ينتقدون كتبا دون ان يقرأوها وافلاما دون ان يشاهدوها... الشخص نفسه لم يقرأ كتابنا ويعطينا كل ذلك الدليل.
يؤاخذ علينا استعمال الكلمة العربية «اساطير» التي هي غريبة عن المعجم الاسلامي، عوض كلمة شعائر التي يجب، حسب نفس الشخص، ان تنطبق حصريا على الأعمال الدينية (العبادات) في الاسلام (بنحمزة، 11 ، 2008) للاشارة في هذا السياق، فإن المثقفين الاسلاميين يستعملون بدون تمييز المصطلحين معا (يتيم، التجديد، 11 دجنبر 2007) إن هذا الجدل المزيف يبطل حجة «فقيهنا»، بما أن دراستنا نشرت باللغة الفرنسية حيث التمييز العلمي الخالص غير موجود. إن اختيارنا وقع على كلمتي rite و rituel ولانتقاد دراستنا، اكتفى منتقدنا، دون شك، بقراءة تعاليق الجرائد المتوفرة باللغة العربية (انظر في موضوع رد فعل نقدي آخر، فرجاني 2008)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.