رئاسة المؤتمر تصادم ولد الرشيد وبركة    المدير العام للوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات : المغرب مركز أعمال من الطراز العالمي    الصحراء تغري الشركات الفرنسية.. العلوي: قصة مشتركة تجمع الرباط وباريس    على هامش المعرض الدولي للفلاحة.. إطلاق هاكاثون الذكاء الاصطناعي للفلاحة القادرة على الصمود أمام التغير المناخي    فضّ الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية: ماذا تقول قوانين البلاد؟    رئيس بركان يشيد بسلوك الجمهور المغربي    شبكة جديدة طاحت فالشمال كتبيراطي شبكات الاتصالات الوطنية وها المحجوزات    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    أكبر صيد أمني منذ عشر سنوات.. 25 طنا من الحشيش المغربي تدخل أوروبا    "طوطو" يشرب الخمر أمام الجمهور في سهرة غنائية    فيديو.. زياش يواصل تألقه ويقود غلطة سراي للفوز في الدوري التركي    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    رئيس اتحاد العاصمة صدم الكابرانات: المغاربة استقبلونا مزيان وكنشكروهم وغانلعبو الماتش مع بركان    البطولة الوطنية الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال27).. الشباب السالمي يتعادل مع ضيفه مولودية وجدة 0-0    ابتداء من الليلة.. أمطار ورياح قوية بهذه المناطق من المملكة    السعودية تحذر من حملات الحج الوهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي    عاجل... توقف أشغال مؤتمر حزب الاستقلال بسبب خلاف حول رئيس المؤتمر    تفريغ 84 طنا من منتجات الصيد البحري بميناء مرتيل خلال الأشهر الثلاثة الأولى لسنة 2024    في ظل الوضع المائي المقلق ببلادنا.. حملة تحسيسية واسعة للتوعية بضرورة الحفاظ على الماء    المغرب يعتزم بناء مزرعة رياح بقدرة 400 ميغاوات بجهة الشمال    تتويج 9 صحفيين في النسخة الثامنة للجائزة الكبرى للصحافة الفلاحية والقروية    الأمثال العامية بتطوان... (583)    الملك محمد السادس يعود لأرض الوطن بعد زيارة خاصة لفرنسا    أنشيلوتي يدعم استمرار تشافي مع برشلونة    قميص بركان يهزم الجزائر في الإستئناف    عطلة مدرسية.. الشركة الوطنية للطرق السيارة تحذر السائقين    بيدرو روشا رئيساً للاتحاد الإسباني لكرة القدم    مندوبية السجون تغلق "سات فيلاج" بطنجة    مكتب الوداد يعلن عن تعيينات جديدة    مقتل 51 شخصا في قطاع غزة خلال 24 ساعة    مصرع 10 أشخاص في حريق بفندق برازيلي    الأميرة للا مريم تترأس اجتماعا بالرباط    للجمعة 29.. آلاف المغاربة يجددون المطالبة بوقف الحرب على غزة    هل ستعتمدها مديرية الناظور؟.. مذكرة تمنع تناول "المسكة" في المدارس    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    طلبة الطب يعلقون كل الخطوات الاحتجاجية تفاعلا مع دعوات الحوار    الأمير مولاي رشيد يترأس بمكناس مأدبة عشاء أقامها جلالة الملك على شرف المدعوين والمشاركين في المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    ‬غراسياس ‬بيدرو‮!‬    الصين تؤكد التزامها لصالح علاقات مستقرة ومستدامة مع الولايات المتحدة    بايتاس : الحكومة لا تعتزم الزيادة في أسعار قنينات الغاز في الوقت الراهن    بوطازوت تفتتح فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الشرق للضحك    سعر الذهب يتجه نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    "شيخ الخمارين ..الروبيو ، نديم شكري" كتاب جديد لأسامة العوامي التيوى        العرائش : انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا"    احتجاجا على حرب غزة.. استقالة مسؤولة بالخارجية الأمريكية    الشرقاوي يسلط الضوءَ على جوانب الاختلاف والتفرد في جلسات الحصيلة المرحلية    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    الأمثال العامية بتطوان... (582)    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد أديب السلاوي، يصدر كتابه الالكتروني الأول .. السلطة المخزنة، تراكمات الأسئلة


-1
ضمن منشورات اتحاد كتاب الانترنت المغاربة، صدر للكاتب المغربي محمد أديب السلاوي، كتابا سياسيا بعنوان: السلطة المخزنية، تراكمات الأسئلة(1)، الذي سباق للكاتب أن نشره ورقيا سنة 2010.
ويتضمن هذا الكتاب تشريحا دقيقا للسلطة المغربية قبل عهد الحماية وبعد عهد الاستقلال، إذ تتناول فاتحته واضاءاته الخمسة، المفاهيم المتعددة للسلطة، وتمظهراتها وافرازاتها، خاصة خلال القرن الماضي، إذ يستعرض الكاتب من خلالها مفاهيم السلطة في اللغة والقانون والشريعة، باعتبارها ركنا اساسيا من أركان الدولة، في الأنظمة الديكتاتورية كما في الأنظمة الديمقراطية الحديثة.
ان السلطة في نظر الباحث/ مؤلف هذا الكتاب، هي القوة والغلبة والقهر عند بعض الأنظمة/ هي الحجة والبرهان عند انظمة أخرى، معززا ذلك بالحجج المرجعية.
ويرى مؤلف هذا الكتاب، وهو باحث سياسي، تاريخي متمكن، أن مفهوم السلطة في المغرب يختلف عن سواه من خلال ما اصطلح عليه ب»المخزن» الذي يحتل «مساحة واسعة في الخطاب الاجتماعي، ويرتبط بمفاهيم التسلط/ الحكم خارج القانون/ العنف، والذي ظلت مفاهيمه تكتنز دلالات تاريخية وسياسية عديدة، لما يمثله من سلطة وطقوس وضوابط تقليدية ومحافظة، كانت وما تزال هي المصدر الطبيعي لإنتاج الخوف والهيبة والامتثال الدائم والترهيب»، مستعرضا بذلك آراء عدد من المفكرين ليعدد في نهاية الإضاءة الأولى من الكتاب، الوظائف الإدارية التي تكون العمود الفقري للسلطة المخزنية، وهو ما أطلق عليه المؤلف «آليات السلطة المخزنية» مركزا على «النسق الخاص» الذي مثلته لعقود طويلة، حتى تعديل بعض قوانينها بعد الاستقلال «دون المساس بجوهرها».
وفي الإضاءة الثانية من هذا الكتاب، يتوقف المؤلف عند ثلاثة وجوه للسلطة المخزنية، سيطرت في العقود السبعة الأولى من القرن الماضي على سلطات الدولة، وهي أحمد بن موسى (الباحماد) الذي ارتقى في عهد السلطان عبد العزيز من حاجب سلطاني إلى صدر أعظم لا نفوذ فوق نفوذه. والحاج التهامي الكلاوي، الذي ارتقى في عهد الحماية من مجرد موظف عسكري بسيط إلى حاكم مطلق اليد في الجنوب المغربي من أقصاه إلى أقصاه. والجنرال محمد أوفقير الذي حارب من أجل العلم الفرنسي في عهد الحماية، ليصبح أقوى رجل سلطة في مغرب عهد الاستقلال.
في هذه الإضاءة، كشف الكاتب، الإرهاب الذي تعرض له الشعب المغربي على يد سلطة هذه الأسماء لفترة تمتد لسبعين سنة متواصلة، وهي تجسم بوضوح وجرأة مفهوم السلطة عندها، وما راكمته من جرائم بهذه السلطة في حق الشعب المغربي الأعزل.
في هذه الإضاءة أيضا يتطرق الباحث محمد أديب السلاوي إلى ما يعتبره مرحلة جديدة تبدأ بالتوقيع على عقد الحماية مع فرنسا ثم اسبانيا (سنة 1912) حيث «تأكد للشعب المغربي أن سلطاته المخزنية على قوتها وبطشها، أصبحت عاجزة عن تجاوز ضعفها ونظرتها التقليدية لمفهوم الاستقلال» وهو ما مهد لظهور ما يسميه «مخزن العهد الجديد». الذي كرس السلطة المخزنية وتأكيد شرعيتها»، وهو ما جعلها تعطي الهاجس الأمني الأولوية في اختياراتها الإدارية والسياسية، وهذا ما أكده دستور 1962، الذي منح لوزارة الداخلية أهمية خاصة باعتبارها وزارة للسلطة.
بعد عرضه لهيكلة وزارة الداخلية واختصاصاتها ومسؤولياتها المتضخمة التي جعلتها في عهد الاستقلال، «تبسط سيطرتها المطلقة على المصالح والإدارات والوزارات انطلاقا من هاجسها الأمني». من هنا ينتقل المؤلف في الإضاءة الثالثة، إلى شخصية إدريس البصري ودوره في تضخم مسؤوليات واختصاصات وزارة الداخلية، معتبرا إياه مرحلة يؤرخ لما قبلها وما بعدها، بالإضافة إلى كونه يمثل بدوره مرحلة رابعة بعد الباحماد والكلاوي وأفقير، ويفرد الكاتب صفحات هامة من كتابه لهذه الشخصية، معتمدا على شهادات عدد من الباحثين والسياسيين عن تركيبها الأمني والسياسي.
بعد ذلك، يتجه المؤلف إلى أم السلط في الثقافة المخزنية (في الإضاءة الرابعة)، إذ يفصل اختصاصات وزارة السلطة وأجهزتها التي صنعت منها إمبراطورية للهاجس الأمني، ليخلص بعد ذلك للحديث عن المواجهات المستمرة التي باشرتها هذه الوزارة ضد الحرية وحقوق الإنسان وكل ما يتعلق بالنضالات المشروعة.
ومن أجل الانتقال الديمقراطي في مغرب الجديد، يخصص الكاتب الإضاءة الخامسة والأخيرة من هذا الكتاب للمفهوم الجديد للسلطة حيث يعتبر الخروج من العقلية المخزنية إلى العقلية الديمقراطية هو المفتاح الذي يؤدي إلى «الخروج من النفق»، الذي وضعته السلطة للمغرب الجديد، ولإثبات ذلك يستعرض فقرات هامة من خطب جلالة الملك محمد السادس بهذا الخصوص، يستخلص منها نقاطا عدة حول: رعاية المصالح العمومية/ تدبير الشؤون المحلية/ المحافظة على الأمن والاستقرار/ وأخيرا إشراك المواطنين في المعالجة، رابطا كل هذه النقاط بالسعي إلى «تشجيع انبثاق مجتمع حداثي، وتكريس دولة الحق والقانون»، وفي هذا الإطار يستحضر الكاتب آراء وأفكار عدد من الباحثين والمعنيين التي تصب في مجملها في إعطاء المفهوم الجديد للسلطة «مضمونه العملي المؤسساتي في أعلى الهرم وأسفله على السواء، من خلال الشكل الذي سيتم به تجديد اللامركزية وعدم التمركز والجهوية الموسعة وأيضا من خلال مقاربة إشكالات المسألة الدستورية المطروحة بقوة على البلاد»، معتبرا ان دعائم المرحلة الجديدة للمغرب الحديث، «لن تتميز إلا عبر القطيعة مع سمات المرحلة السابقة، وهذه القطيعة لا يمكن أن تؤسس إلا على مفاهيم الديمقراطية وعلى ما تستدعيه الحداثة ودولة الحق والقانون من متطلبات».
-2
خارج ما تطرحه هذه الاضاءات، يرى الكاتب المغربي محمد أديب السلاوي أن صورة الاحتقان السياسي الذي عاشه/ يعيشه المغرب منذ سنوات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن السلطة ما زالت غارقة في مفاهيمها ‹المخزنية› العتيقة، وأن كلمة ‹المخزن› تعني المفهوم التقليدي للجهاز الإداري المتسلط. واستشهد على ذلك في العديد من هذه الاضاءات بما تعرفه مناطق البلاد المختلفة، من مشاهد متكررة للعنف ضد العاطلين والمقهورين بغلاء المعيشة/ ضد أصحاب الحقوق والفقراء والمهمشين، بالإضافة إلى تنامي صور الفقر والتهميش وصور الابتزاز والرشوة والفساد المالي والسياسي والاجتماعي، وصور الاختطافات والاعتقالات التعسفية. ففي كتاب ‹السلطة المخزنية: تراكمات الأسئلة› أشار الاستاذ الباحث محمد أديب السلاوي إلى أن الثقافة ‹المخزنية› المثقلة بالصراعات والتجاذبات والمصابة بالترهل والانسداد الفكري، عمّقت إلى حد بعيد معارضتها للتحديث وللانتقال الديمقراطي، ورسخت في المجتمع من جديد الإحساس بالخوف والإحباط والتذمر والاحتقان، بعدما جعلت من رجل الأمن والسلطة حاكما نيابة عن الحاكم، وهو ما أجل/ سيؤجل حتما لسنوات أو لعقود عملية التغيير المطلوبة. إن الأمر في نظر الكاتب، لا يتعلق فقط بتغيير عقلية صنعتها الثقافة المخزنية على مدى أجيال متلاحقة لإدارة الشأن العام بمقاييس ومواصفات وتوجهات أصبحت بعيدة عن هذا العصر وقيمه، ولكنها أيضا تتعلق بتفكيك الجهاز الأخطبوطي الذي رعته تلك الثقافة وغذته باستمرار لعقود بعيدة، وتأسيس علاقة جديدة بين الدولة والمجتمع، قوامها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.
إن ‹تجديد مفهوم السلطة› في نظر مؤلف هذا الكتاب(2)، مرهون بتوسيع آفاق الديمقراطية وتنظيف الإدارات العمومية من نفوذ الفساد والمفسدين، والانتقال من ‹العقلية المخزنية› التي استباحت في الماضي كرامة المواطن وحقوقه إلى ‹العقلية الديمقراطية› التي تحمي للمواطن كرامته في دولة المؤسسات والحق والقانون. إن الأمر في نظره لا يتعلق فقط بتجديد آليات السلطة، بقدر ما يتعلق بالتحديث الضروري ل ‹دولة المخزن› وانتقالها الفعلي إلى دولة عصرية في هياكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وضبط سلطاتها وفق مفاهيم الدولة الديمقراطية الحديثة.
-3
في نظرنا يتجاوز هذا الكتاب، تصنيفه البيوغرافي، ذلك لأنه يطرح مسألة السلطة في بلادنا بثقلها وحساسيتها، من خلال فضائها الواسع والشاسع، بمنهج واقعي، يعتمد كثافة المعلومات ودقة الاستقراء والتحليل واستقطاب الإفادات والمراجع والشهادات وطواعية اللغة وجماليتها.
الكتاب لا يكتفي، بإلقاء الضوء على مفاهيم السلطة في الدين واللغة والقانون، ولا بالغوص والتمعن في الآليات المخزنية. ولكنه يذهب أبعد من ذلك، إلى تشريح نماذجها البارزة بجرأة وموضوعية، وهو ما يعكس إلى حد بعيد إلمام كاتبنا الكبير، ومعرفته الوافرة بإشكالية السلطة، وبالتحديات التي تواجه تحديتها ودمقرطتها، في مغرب يتطلع إلى الاستقرار، وإلى ترسيخ دولة القانون.
وعلى أن الكاتب حاول الحفاظ على حياده كإعلامي باحث، إلا أن ذلك لم يمنعه من الوصول إلى خلاصات تعكس ميولاته السياسية، وانحيازه المطلق لأطروحات المجتمع المدني حول السلطة وإشكالياتها، أنه يعتبر أن ثقة المواطن في السلطة، ليست أمرا مستحيلا، إلا أن المواطن لا يمكنه أن يقدم صكوك هذه الثقة مجانا، وإنما بناء على ميثاق ضمني يضمن حقوقه، ويعتبر أن مفهوما جديدا للسلطة، لا يمكن اختزاله في تغيير الأشخاص. ولكن في تغيير الثقافة المخزنية، التي طبعت مؤسسات السلطة وآلياتها بالتسلط والعنف، لفترة طويلة من الزمن المغربي...
إن هذا الخطاب يجعلنا نميل إلى تصنيف هذا الكتاب «السلطة المخزنية، تراكمات الأسئلة» ضمن إطاره السياسي/ الإصلاحي، الذي يستمد أهميته الثقافية من لحظته التاريخية الراهنة، ومن حمولاتها السياسية الوازنة.
إنه بكل تأكيد، كتاب يستحق القراءة، ليس من أجل خطابه الواقعي فحسب، ولكن أيضا من أجل جرأته في طرح التحديات التي تواجه «سلطة» بلد يتأهل للانتقال والتغيير بالكثير من التبصر والثقة. لذلك نرى من الإنصاف أن نهنئ مجلة اتحاد كتاب الانترنت المغاربة الإلكترونية، التي اتخذت هذه المبادرة، وأعادت نشر هذا الكتاب الهام والممتع على موقعها، من أجل أن يتمكن العالم من قراءته، والاستفادة من مضامينه.
إنه عمل يستحق الشكر والتنويه.
هوامش
1 - إن كاتبنا الاستاذ محمد اديب اسلاوي، يروم من خلال اصدار هذا الكتاب ضمن منشورات موقع اتحاد كتاب الانترنت المغاربة، الانفتاح على تجربة النشر الالكتروني بما تحققه من امكانيات غير محدودة على مستوى الانتشار والتداول المحلي والعالمي، متجاوزا بذلك محدودية النشر الورقي للكتاب، ومعيقات توزيعه...
2 - انظر العرض القيم الذي قدمه الاستاذ الطاهر الطويل عن هذا الكتاب في ندوة حول الكاتب بالرباط/ نشر بجريدة القدس العربي/ لندن مطلع 2012.
وأوكل العفيفي إلى طارق الطاهر مهمة رئاسة تحرير الجريدة في غيابه، ومن ثم سنحت الفرصة لإصدار عدد »مختلف« يحمل غلافه عنواناً دالاً هو »الخلاص«، وافتتاحية عنوانها »مصر المخطوفة« تؤكد أن »هذا عدد بلا رئيس تحرير، وهو تجربة في الإدارة الجماعية، إذ شارك المحررون جميعاً في تحريره واختيار أفكاره والاتصال بكتابه... تجربة في العمل الجماعي بلا إقصاء لأي فكرة. وحدهم هؤلاء الذين يتوهمون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة هم خارجنا ولن يكونوا منا«.
وواكب هذا العدد الذكرى العشرين لصدور »أخبار الأدب«، التي كان الروائيان جمال الغيطاني وعزت القمحاوي من أعمدتها، وجاء في افتتاحيته: »على مدى العشرين عاماً الماضية، وبمعاونة المثقفين والأدباء والمفكرين في مصر والعالم العربي، كان لدينا هدف واحد أساسي، سؤال ندرك قبل طرحه أن لا إجابة عليه، لكن المحاولة تعني إنتاج شكل مختلف من التفكير ومن الصحافة الأدبية: ما الثقافة؟ لم ندعم إجابة في مواجهة أخرى، ولا مدرسة بعينها، أو اتجاهاً ما، لكننا استجبنا إلى نصوص تتكهن بطريق ولو كان مظللاً بالشك».
حين اطلعتُ لأول مرة على هذا النص في صيغته الفرنسية، اقتنعت مرة أخرى أن الكتابة استراحة من إلحاح الذاكرة، وتصالح مع الصوت الأثيل في الداخل العميق. تتحدث الرواية عن مدينة فاس المغربية، تصوّر حاراتها ودروبها النائية في الزمن، و في خريطة الوجدان. تستذكر البيت العائلي القديم، والحروب الصغيرة، ودهشة اللقاء الأول مع الحروف، وتستعيد الصور العالقة في ذاكرة الطفولة عن الاستعمار والتحولات المتلاحقة في نسيج الأسرة والفضاء والمحيط البشري، كما تتحدث عن الشغب الأنثوي المؤثث لمتخيل اليفاعة. ترى أكان اللعبي يحدس ما تستبطنه بساطتها المخاتلة من تعقيد؟ بالجملة تضعنا الرواية أمام صيغة بارعة، للتماهي مع الأصل، والبرهنة على أن الكتابة تقليب مستمر لمكنون قعر الجرة.
على خلفية مشهد تجمع عائلي في منزل الأسرة في فاس، حيث يبث التلفاز مشاهد سقوط جدار برلين، تستثار أخبار الأخ الأكبر محمد، ليشكل رأس الخيط في نسيج متوالي الحلقات، ومكتمل العناصر، لن تعوزه الكثافة ولا القدرة المخادعة على التطريز الدرامي لنزق الطفولة، ولذائد البدايات؛ حيث يتحول جدل الشارع والمدرسة إلى متاهة من الاحتمالات اللعبية و الرؤى الساحرة التي تؤثث عددا لا حصر له من النصوص الخالدة في الآداب الحديثة، و التي تتحول في مساحتها قسمات الطفل و ملامحه إلى تشكلات فنية مؤثرة، تنعكس بظلالها على الصور السردية المتنامية في النص لترصد صراع الطفولة مع الترويض الاجتماعي.
ناموس (وهي التسمية المغربية للبعوض) هو الطفل الذي اختار الروائي أي ينيط به دور البطولة.ضموره لا يفقده كفاءة الوخز الحسي واللفظي، وهو ناموس أيضا لأنه الصوت المحرك للعالم من حوله (من دلالته العربية «الهاتف» و»الملهم»). عبر صلاته العائلية تتفرع مسارات الحكاية، لتضحى العائلة لحمة الرواية وسداها، بين عناصر الأولى وبنية الثانية تلازم رمزي، وجدل في المضامين والقيم، ينطوي على ثراء مغر بالاستكشاف. فكلاهما ينهض على أصول، ويسعى إلى إعلان صور، بقدر ما يثوي أسرارا وألغازا؛ فالرواية إظهار لوعي ذوات فردية، في صراعها وتواؤمها مع الآخرين، والعائلة نظام لأواصر الحب والتنابذ بين الأقارب، ومواضعة على أسباب العيش والطموح وتخليد الأثر. ومثلما تسعى قاع الخابية إلى اختزال الزمن والشخوص والفضاءات في رحابة فاس، تختصر عائلة غيثة وإدريس التوق الاجتماعي وقيمه، وتناقضاته الوجودية. ولما كانت الرواية حكاية بؤس وسعادة، وموت وحياة، فسرعان ما باتت مدارا لمحاكاة القدر العائلي. إنه التلازم الذي جعل «تولستوي» يستهل خالدته «أنا كارنين» بالمقطع الشهير: «تتشابه أسباب السعادة لدى العائلات السعيدة كلها، أما العائلات الشقية فلكل منها شقاؤها الفريد».
وبصرف النظر عن جدلية المواضعة والتحول بين أسرار العائلة والتخييل الروائي، فقد شكلت رواية قاع الخابية، بوصفها «كونا مغلقا» إطارا أهليا يشفّ باستمرار عن تفاصيل ذات عمق درامي: من شغب الزقاق إلى المدرسة إلى السفر إلى زواج الأخ الأكبر إلى المرض والفراق والنجاح والإخفاق، ومن ثم مثلت نموذجا بنائيا مثاليا للسرد الروائي. كما أن اختلاف الطبائع والقيم بين الأب والأم والأخوة والأبناء والأقارب، وما يتأتى عن تلك المغايرة من مشاعر متقاطبة تمزج بين عواطف السيطرة والتعلق، والتمرد والحنين، مثل على دوام مصدر إلهام تخيلي لا ينضب.
تنمو الرواية عبر عشرين فصلا، في سلاسة وترسّل مشوق، دون هواجس تجريبية في الشكل السردي، حيث تروى بصيغة الماضي الآفل، وتمتد أفقيا عبر بناء مشهدي مترابط الحلقات. تبدو الصيغة بسيطة وكلاسيكية إلى أبعد الحدود، إنما الأهم أنها تعيد تركيب مفاصل تاريخية ومجتمعية في تقاطع مع سيرة البيت القديم، وسرعان ما تتداخل تفاصيل الكلام اليومي المفهم برطانات أهل فاس بخلفية المسار السياسي ،بمفارقات التحول من الاستعمار إلى حاضر الاستقلال، مع ما واكب ذلك الانتقال من نشوء قيم واندثار أخرى... نتابع كل ذلك عبر وعي الطفل الذي كانه ناموس قبل أن ينتشلنا السارد في خاتمة الرواية من لعبة البحث عن تطابقات الأحوال والصفات بين الطفل البطل والسارد، عبر فقرات تأملية يستعيد فيها الكاتب سلطة السرد رافعا الالتباس بين الكيانين: « من هو ناموس؟ والجواب الذي يفرض نفسه، غير متوقع لحسن الحظ، هو التالي: ناموس هو جدي الأول وابني».
في مقاطع لاحقة من الخاتمة يطرح السارد حلا تأويليا للعبة العنوان قبل أن يعود إلى المشهد التصديري حيث تلتئم العائلة في أحد غرف البيت الفاسي، بعد أن تفرقت بهم السبل، شيء شبيه بتقنية الاسترجاع السينمائي التي يعود فيها شريط الأحداث إلى لقطة البداية بعد اكتمال الدائرة.
هكذا تنسج رواية قاع الخابية عالما سرديا فريدا في الرصيد الروائي لعبد اللطيف اللعبي، كما تنقل القارئ إلى عالم تخييلي يخط مسافة مع تجارب كتابية سابقة طبعتها التجربة السجنية التي وسمت مساره الحياتي. من هنا فإنها تفتح أفقا مغايرا لقراءة هذا الكاتب المتنوع والغزير، تكشف عن بلاغة جذابة في استيعاب اليومي الباهت الذي تسطحه الرؤية، بعيدا عن الصور الملغزة للتاريخ. فعبد اللطيف اللعبي ممن أتقنوا في هذا النص الانفلات من دائرة الصور الثابتة، والمثيرات المكرورة لثيمة الصعود الاستثنائي التي تسربل السير الذاتية. فهو لا يبعث برسائل إدانة، ولا بدروس وحكم. يمنحك الإحساس أنه ينفر من الأفكار الكبيرة، والوقار النثري، ليبحث عن جبلة التوازن التي تجعل الناس يعيشون. هي رواية آسرة بشفافيتها في استكناه الحميمي والخاص. بجمل قصيرة وتعابير حادة، والتماعات تبرق كنيازك سحرية ما إن تدرك أوجها حتى تنطفئ، تتراسل الأحاسيس المتناقضة والتفاصيل اليومية، باعتياديتها وبساطتها أحيانا، وشذوذها وفجائيتها أحيانا أخرى، لتعبر عن الحبور، والرغبة، والحب والعنف، والأحقاد، والسنتمنتالية، ودفئ العيش في البيت القديم. تنتهي بعودة الطفل إلى ذاكرة الكهل، لتشرع مسارات السرد على احتمالات الاسترجاع التأملي لأطوار علاقة محمومة وبالغة التعقيد بين الفرد والعائلة والعالم الكبير حولهما، مخلفة صورة من أبلغ التعبيرات الروائية المغربية المعاصرة.
«في هذه المجموعة تغنّي الشاعرة لحنَ الرحيل، وطيفَ الذكريات، وسحرَ الطبيعة، وهواجسَ الحب، ونسيمَ اللهفة والصبابة، وإيقاعات الخيانة والفراق. تحلم بغد أبهى، تداعب روح البسطاء وهموم الواقع اليومي المرير، تكتب للإنسان والقضية والوجود. وهي تبحر عبر لغة شعرية مفعمة بالتكثيف والإيحاء حينا، والوضوح والمباشرة حينا آخر، وفي العمل لافتاتٌ موجزة صيغت بعناية وتركيز فائق، وهي تعبّر عن وعي جذري بطقوس كتابة قصيدة النّثر».
فيُبيّن الفارق بين روح الثورة المُتمثّلة في القوى الاجتماعية التي ترفض الاستبداد والوقائع التي أنتجتها الثورة، بحيث استطاعت قوّة صغيرة مُنظّمة أن تختطف السلطة، ثم تسعى لاختطاف الثورة، بهدف وحيد: إقامة استبداد جديد أشنع من الذي سبقه. هذه القوة التي أقامت حكمها على الخوف حتى من رفاق الثورة، على قاعدة »إن لم آكله أولاً أكلني«، لم تُنتج سوى الرعب والفوضى. ومن المعروف أنّ المفكر لوبون اهتمّ بالحضارة العربية واعتُبر واحداً من الذين أنصفوها، وقدّموها على أنّها صاحبة فضل في تاريخ أوروبا. ومن أهمّ مؤلفاته التي ترجمها عادل زعيتر: »السنن النفسية لتطوّر الأمم«، »حضارة العرب«، »روح الجماعات«، »روح الاشتراكية«.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.