انبعاثات الوقود الأحفوري العالمية ستسجل رقما قياسيا جديدا في 2025    برنامج طموح يزود الشباب بالمهارات التقنية في مجال الطاقة المستدامة    في ظل تخوّف الإسرائيليين من السفر مع تصاعد الغضب العالمي ضدهم.. استئناف الرحلات إلى المغرب رغم استمرار الجرائم في غزة    ديمقراطيون يكشفون عن رسائل مسرّبة تكشف اطلاع ترامب على فضائح إبستين الجنسية قبل تفجّرها    تعاون أمني مغربي–إسباني يُفكك شبكة لتهريب المخدرات بطائرات مسيرة    تقرير دولي يرصد ارتفاعاً في مؤشر الجريمة المنظمة بالمغرب مقابل تحسن محدود في "المرونة المؤسسية"    أجواء ممطرة في توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بالمغرب    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    إعادة رسم قواعد اللعبة السياسية من خلال الضبط الصارم وتشديد الرقابة الرقمية وتوسيع دائرة العقوبات    تفكيك شبكة إجرامية تهرّب الحشيش من المغرب إلى إسبانيا بواسطة طائرات مسيّرة    التقدم والاشتراكية: البلورة الفعلية للحُكم الذاتي في الصحراء ستفتح آفاقاً أرحب لإجراء جيلٍ جديدٍ من الإصلاحات    بعد ضغط أوربي... تبون يعفو عن الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال        البواري يتفقد الفلاحة ببنسليمان والجديدة    بنكيران يدعو لدعم إمام مغربي حُكم بالسجن 15 عاما في قضية "صامويل باتي"    عامل إقليم الحسيمة يترأس لقاء تشاورياً حول برامج التنمية الترابية المندمجة (فيديو)    أشبال الأطلس يرفعون التحدي قبل مواجهة أمريكا في مونديال الناشئين    الحكم الذاتي: من الإقناع إلى التفاوض إلى التطبيق ..    توقيع اتفاقية شراكة بالرباط للنهوض بالثقافة الرقمية والألعاب الإلكترونية    مدرب مالي: حكيمي لاعب مؤثر وغيابه مؤسف للمغرب    عجز في الميزانية يقدر ب55,5 مليار درهم عند متم أكتوبر المنصرم (خزينة المملكة)    الرباط.. إطلاق النسخة الثالثة من برنامج "الكنوز الحرفية المغربية"    فاجعة خريبكة.. بطلة مغربية في رفع الأثقال بنادي أولمبيك خريبكة من بين الضحايا    عروشي: طلبة 46 دولة إفريقية يستفيدون من منح "التعاون الدولي" بالمغرب    أمطار رعدية وثلوج ورياح قوية مرتقبة بعدة مناطق بالمملكة غداً الخميس    رئيس برشلونة يقفل الباب أمام ميسي    الاسبانيّ-الكطلانيّ إدوَاردُو ميندُوثا يحصد جائزة"أميرة أستورياس"    مسارات متقاطعة يوحدها حلم الكتابة    في معرض يعتبر ذاكرة بصرية لتاريخ الجائزة : كتاب مغاربة يؤكدون حضورهم في المشهد الثقافي العربي    على هامش فوزه بجائزة سلطان العويس الثقافية في صنف النقد .. الناقد المغربي حميد لحميداني: الأدب جزء من أحلام اليقظة نعزز به وجودنا    أمينوكس يستعد لإطلاق ألبومه الجديد "AURA "    مجلس النواب يعقد جلسات عمومية يومي الخميس والجمعة للدراسة والتصويت على مشروع قانون المالية لسنة 2026    عمالة المضيق الفنيدق تطلق الرؤية التنموية الجديدة. و اجتماع مرتيل يجسد الإنتقال إلى "المقاربة المندمجة"    أربعة منتخبات إفريقية تتصارع في الرباط على بطاقة المونديال الأخيرة    "الكان" .. "دانون" تطلق الجائزة الذهبية    مصرع 42 مهاجرا قبالة سواحل ليبيا    مؤسسة منتدى أصيلة تفوز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والاداب في مجال المؤسسات الثقافية الخاصة    هرتسوغ: ترامب طلب العفو عن نتنياهو    لجنة المالية في مجلس النواب تصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    اختلاس أموال عمومية يورط 17 شخصا من بينهم موظفون عموميون    استبعاد يامال من قائمة المنتخب الإسباني    مباريات الدور ال32 ب"مونديال" الناشئين في قطر    مستشارو جاللة الملك يجتمعون بزعماء األحزاب الوطنية في شأن تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي في األقاليم الجنوبية    "الماط" يستغل تعثر شباب المحمدية أمام اتحاد أبي الجعد ويزاحمه في الصدارة    وكالة الطاقة الدولية تتوقع استقرارا محتملا في الطلب على النفط "بحدود 2030"    ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية    إسرائيل تفتح معبر زيكيم شمال غزة    ليلة الذبح العظيم..    تقرير دولي: تقدم مغربي في مكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال    "رقصة السالسا الجالسة": الحركة المعجزة التي تساعد في تخفيف آلام الظهر    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقيب السابق أحمد الوافي يروي تفاصيل عملية «بُراق» الانقلابية:حين صاح أمقران «تحيا الجمهورية» ثم انصرف
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 16 - 08 - 2013

في مذكراته حول معتقل تازمامارت، الذي أمضى به قرابة العشرين عاما، يروي النقيب السابق أحمد الوافي تفاصيل التحضير للمحاولة الانقلابية لسادس عشر غشت 1972 التي قادها أمقران بإيعاز من الجنرال أوفقير، و هي التفاصيل التي نشرتها «الاتحاد الاشتراكي» في صيف 2011 .
فيما يلي نقتبس الجزء الخاص بالتحضير لعملية «بُراق» الانقلابية و بمجرياتها يوم 16 غشت 1972 و انتهائها بالفشل.
في 26 يوليوز , قبيل الرحلة الرسمية التي كان سيقوم بها الملك لفرنسا, طلب مني الليوتنان كولونيل أمقران تسليح أربع طائرات بالمدافع و القنابل و القذائف, معللا قراره هذا بأن هذه الطائرات ستتوجه إلى طنجة و أنها ستخفُر الموكب الملكي. فوجئت لطلب تسليح طائرات الخفر و المرافقة, إلا أنني لم أعبر له عن استغرابي بل اكتفيت بتنفيذ الأوامر الصادرة فعلا من قيادة أركان سلاح الجو الملكي.
و في اليوم الموالي توصلنا بأمر يلغي مهمة هذه الطائرات إلى طنجة. و طلب منا مع ذلك الحفاظ على أربع طائرات مسلحة بقاعدة القنيطرة, على أهبة الإقلاع في إذا ما تطلب الأمر ذلك. حينما أبلغني الليوتنان كولونيل أمقران بذلك, أوضحت له أنه لا يمكن أن تبقى هذه الطائرات مسمرة بهذا الشكل في القاعدة لمدة طويلة و أنه ينبغي أن تحلق مرة مرة, فما كان من أمقران إلا أن طلب مني دمجها في جدول التحليق على أن تقوم بطلعات قصيرة و تعود للقاعدة مستعدة للقيام بأي مهمة استعجالية تُطلب منا.
كان تسليح الطائرات الأربع آخر مهمة قمت بها في قاعدة القنيطرة...إذ توصلت بالفعل في سابع غشت بالقرار الرسمي لنقلي إلى قاعدة مكناس.
ومن أجل تسليط النور على التضارب بين الأمر الأول بتسليح الطائرات الأربع ثم التراجع عنه, ينبغي التوضيح بأن الملك كان يعتزم السفر إلى فرنسا جوا. لكنه و في اللحظة الأخيرة و لأسباب مجهولة, تراجع عن هذا الخيار مفضلا امتطاء القطار بين الرباط و طنجة ثم مواصلة الرحلة بالباخرة حتى إسبانيا و منها إلى فرنسا بالطائرة. و يمكن القول لتفسير هذا التغيير في البرنامج الملكي, بأن الحسن الثاني قد توجس من أمر ما يُحاك ضده, ففضل خلط الأوراق على المتآمرين المحتملين.
و دامت إقامة الملك بفرنسا عشرين يوما,أعلن بعدها عن عودته للمغرب في 16 غشت. عاد الملك و حاشيته ,المقدرة بحوالي مائة من الشخصيات المدنية و العسكرية , على متن طائرة بوينغ 747 ,كانت شركة الخطوط الجوية الملكية قد اشترتها للتو من بريطانيا. و قد عين الكومندان القباج لقيادة هذه الطائرة. كان طيارا ماهرا ( وقد ظهر ذلك في أدائه أثناء الهجوم) نعرفه جميعنا.
و لكي أعطي القارئ فكرة عن هذا الرجل, لا بد من إثارة الأسباب التي دفعته للاستقالة من الجيش, في نهاية 1959, و كان حينها في رتبة ليوتنان بسلاح الجو. فخلال الحفل الرسمي لتسليم أربع طائرات ذات مراوح من طراز «فيري» البريطانية من طرف وفد عراقي, لم يقم الليوتنان القباج بتقبيل يد مولاي الحسن , و كان حينها وليا للعهد لا يزال. بعد ذلك نبهه الجنرال الكتاني, قائد الأركان حينذاك, بغلظة إلى الأمر, فما كان من الليوتنان القباج إلا أن أجابه أنه لم يعلموه في مدرسة الطيران تقبيل اليد...و في أعقاب هذا الحادث, قدم استقالته من الجيش و انضم للطيران المدني, في البداية كربان في شركة «إير فرانس» ثم لقائد ربابنة في «الخطوط الجوية الملكية».
في زوال 16 غشت ،دعاني أمقران , إن لم يكن لدي شاغل, أن أرافقه هو و كويرة إلى برج المراقبة حيث سيشرف على عملية خفر الطائرة الملكية. فقبلت و في نيتي أن أطرح عليه بضع أسئلة حول القاعدة الجوية لمكناس التي انتقلت إليها.
حين وصلنا إلى برج المراقبة, كان هناك مراقبان جويان هما الأدجودان شاف لامين (توفي في تازمامارت) و السرجان شاف الدغوغي (أحد قدماء تازمامارت) كما كان هناك السرجان أبونسي (توفي في تازمامارت) و النقيب العربي الذي كلفه أمقران بإجراء الحسابات التقديرية لخط طيران الإف 5 التي ستستقبل الطائرة الملكية.
جلس الكومندان كويرة في مقعد الراديو و دخل في اتصال ببرج مراقبة مطار برشلونة للتعرف على مجريات الأمور بالنسبة للبوينغ الملكي, فأخبروه أن الطائرة تستعد للإقلاع.
ما أن أتم الكومندان كويرة مكالمته مع برشلونة حتى نزل مسرعا, دون أن يقول لنا شيئا. أخذ الليوتنان كولونيل أمقران قبعة بسماعتين و ميكروفون و وضعهما على رأسه بينما أخذت أنا منظارا مكبرا لتأمل المدرج و النواحي المحيطة به, فلاحظت غياب طائرات إف 5 الأربع التي أوصيت النقيب أفيلال بأن تبقى مسلحة و رابضة على جانب المدرج.
ثم لاحظت بالعين المجردة أن شاحنة تابعة لورش الأسلحة لنقل الذخيرة من المخزن إلى المدرج تقف بين الطائرات و هو الأمر الذي تمنعه التدابير الأمنية. كما لاحظت هرجا و مرجا حول الطائرات ففهمت أنه يتم تسليح طائرات الإف 5 على عجل.
في هذه اللحظة بالذات لم يعد لدي أي شك ممكن : فالإعداد على قدم وساق لعملية عسكرية لا علاقة لها بخفر عادي للطائرة الملكية, فالعادة أن تقوم بذلك طائرات غير مسلحة تماما مثل الدراجات النارية المرافقة للموكب الملكي. تساءلت حينها عن المهمة الغامضة لهذه الطائرات. ترى هل هناك تهديد جزائري أو ليبي للطائرة الملكية؟
مر كل شيء بسرعة سلبتني قدرتي على التفكير و التمحيص.
استعاد الليوتنان كولونيل أمقران قبعة الاتصال واضعا إياها على رأسه, لكنه لم يستعد هدوءه. و قد فوجئ المراقبان الجويان أيضا بتصرفات رئيسنا العصبية و طفقا يرمقانه باستغراب. و ران جو من التوتر داخل برج المراقبة.
التقى ناظري بعيني النقيب العربي الذي بدا هو أيضا ممتعضا من سلوك الليوتنان كولونيل.
ثم فجأة تسربت إلى ذهني فكرة صاعقة, ماذا لو كان كل هذا مقدمة لعمل انقلابي؟ محاولة جديدة بموافقة و مشاركة الليوتنان كولونيل؟
و بدأ الهلع يتسرب جديا إلى نفسي أنا الذي لم أعد أنتمي لقاعدة القنيطرة و مع ذلك أتواجد بها . رغبت في الانسحاب بأسرع وقت من هذه المصيدة التي بدأت تنغلق حولي.
اقتربت من الليوتنان كولونيل و أمسكته من ذراعه معتذرا بكون النقيب بنسعيد سيأتي لاصطحابي و علي أن أعتذر له عن مرافقته إلى مكناس...وفورا و دون أن يجيبني أخذ سماعة التلفون و اتصل بضابط الحراسة الليوتنان شمسي (أول ضحايا تازمامارت) قائلا:
-شمسي, إذا جاء النقيب بنسعيد فقل له أن الوافي قد ذهب إلى مكناس بوسائله الخاصة و لا فائدة من انتظاره. و نفس الشئ بالنسبة للعقيد ليوسي, إذا حضر امنعه من الدخول, و منذ الآن «سيلانس راديو» لا تجب على أي اتصال من أي كان, مفهوم؟
آنذاك أحسست فجأة برشاش ماء بارد يطوقني من أعلى رأسي إلى أخمص قدمي. لقد فات الأوان. تيقنت الآن أني وسط المصيدة و أصبحت بقوة الأشياء متفرجا عاجزا على حدث هائل يجري أمام ناظري.
انسحبت شاحنة التسليح و بدت طائرات «إف 5 أ» و «إف 5ب» جاهزة للإقلاع. و بعد أن ألقى نظرة على الساعة الحائطية أمر الليوتنان كولونيل أمقران بتحركها و هو الأمر الذي وجهه الأدجودان شاف لامين إلى ربابنة الطائرات فتحركت فورا الواحدة تلو الأخرى.
ثلاث «إف5أ» مسلحة يقودها الكومندان كويرة و الليوتنان زياد و الليوتنان بوخاليف, و إثنتان من نفس الطراز غير مسلحتين يقودهما الليوتنان دحو و السرجان شاف بن بوبكر و أخيرا طائرة «إف 5 ب» ذات مقعدين على متنها كل من النقيب حشاد و الليوتنان الدكالي.
كانت هذه التشكيلة تنفذ عملية إسمها «براق»
أقلعت الطائرات الست و منذ تلك اللحظة لم يعد الليوتنان كولونيل يعيرنا أي اهتمام , فقد كان متوترا مركزا على الاتصالات
الجارية دون غيرها...
اختفت التشكيلة عن أعيننا في الوقت الذي رن فيه الهاتف.كان الخط المباشر الرابط بين برج مراقبة قاعدة سلا و برج مراقبتنا, و هو خط وضعه حديثا الليوتنان كولونيل .
و بما أن الهاتف كان بالقرب مني فقد أخذت السماعة مجيبا:
- النقيب الوافي في الاستماع, من معي؟
- هذا الجنرال..
- احتراماتي سيدي الجنرال
- أعطني أمقران
- لا تقطعوا سيدي الجنرال , ها هو معكم
و مددت السماعة إلى الليوتنان كولونيل الذي سمعته يقول له:
- نعم , لقد أقلعت فورا....سيصلون الهدف قريبا...ابقوا على اتصال...مفهوم...نعم سيدي الجنرال
و بعد أن وضع السماعة, لم يعلق أمقران بل استعاد قبعة الاتصال
و بعد لحظات التفت أمقران إلى النقيب العربي قائلا:
-قل لسائقي أن يأتيني بالعلبة الصغيرة الموجودة بالسيارة. هو يعرف بالأمر و حاول أن تأتيني بمذياع ترانزيستور, فأنا بحاجة إليه.
بعد فترة جاء السائق و وضع الشئ الملفوف في جريدة فوق أحد المقاعد عند المدخل ثم انسحب دون كلمة.
عاد النقيب العربي بدوره و سلم الترانزيستور إلى أمقران الذي شغله على الفور فانسابت منه موسيقى لم تفلح في تبديد التوتر السائد. و لم أفهم جدوى إحضار المذياع إلا فيما بعد حينما أبلغني الليوتنان كولونيل أمقران, و نحن في السجن المركزي, أنه كان ينتظر بيانا عن «القوات الثورية» تم تسجيله بشكل قبلي من المنتظر إذاعته من الرباط ليعلن نجاح العملية.
وبعد فترة بدأنا نسمع اتصالات الربابنة يعلنون أنهم لم يروا بعد الطائرة الملكية و فجأة سمعنا:
- تاليهو, تاليهو...
كان صوت الليوتنان دحو الذي اكتشف البوينغ الملكي في سماء تطوان
ثم سمعنا صوت قائد البوينغ الكومندان القباج يسأل:
- مقاتلات «إف 5» عرفوا بأنفسكم
و لما لم يحصل على أي جواب قال مجددا:
- - ابتعدوا, ابتعدوا إنكم تطيرون قريبا جدا من طائرتنا... إن جلالة الملك لم يطلب أي خفر ...أكرر, ابتعدوا ابتعدوا
ثم بعد هنيهة:
- ماذا يفعلون, إنهم يستعدون لإطلاق النار ...إنهم يطلقون النار علينا
أمام هذا الحدث أصيب المراقبان الجويان و النقيب العربي و أنا نفسي بالهلع, و توجهت أنظارنا جميعا نحو الليوتنان كولونيل أمقران الذي كان متوترا يفرك كفيه بعضهما ببعض
- لقد أصبنا...
و سمعنا صوتا في الخلفية يقول:
- قل لهم أن يوقفوا النار, قل لهم أن الملك أصيب و أنت أيضا
أجاب القباج:
- لا, لا أكاذيب, إنهم يسمعوننا...
و في برج المراقبة, كنا نحبس أنفاسنا و نحن نتابع صوت قائد الطائرة الملكية الذي كان ينقل لنا التطورات ثانية بثانية.
- أصيب محرك ثان, أوقف المحرك و شغل نظام إطفاء النار...لم يتبق لنا سوى محرك واحد...آمل ألا تكون لهم ذخيرة...
و في اللحظة الموالية:
- إننا نستعد للنزول الاضطراري...»مايدي, مايدي» إننا نفقد العلو
التفت الأدجودان شاف لامين إلى الليوتنان كولونيل أمقران قائلا:
- سيدي العقيد,ينبغي إعلان تدابير الإنقاذ الإستعجالية لإنقاذ الطائرة الملكية. ينبغي إبلاغ رجال المطافئ فورا و الاتصال بقاعدة سلا..
صرخ أمقران الغاضب في وجهه:
- أصمت, ليس هذا شغلك
و أمام إلحاح المراقبين من أجل التحرك, شرع يصرخ مثل مجنون:
- أسكتوا.لا أريد سماع شيء. أصمتوا, أنا قائدكم هل تسمعون؟ ليس لكم ما تقولون لي.
ركن المراقبان إلى الصمت بينما نظر إلى النقيب العربي و في نظرته قرأت نفس ما أشعر به: «لقد خدعنا...خدعنا على طول الخط»
ثم كسر صوت الليوتنان زياد الصمت السائد حين سمعناه يقول:
- فشل الاقتراب من البوينغ. طائرة الكومندان (كويرة) خارج السيطرة, نجاح الخروج بالمظلة...منطقه سوق الأربعاء..
حينها نط الليوتنان كولونيل أمقران على زر الراديو قاطعا القناة الخارجية فلم نعد نسمع شيئا بينما ظل هو محافظا على الاتصال.
لم يعد لنا شك بأن الطائرة الملكية قد سقطت. و بدت الدقائق ثقيلة بطيئة المرور.
و فجأة صاح الأدجودان شاف لامين و هو يشير بأصبعه إلى نقطة في السماء:
-أنظروا
نظرنا في اتجاه أصبعه و رأينا الطائرة الملكية تحلق على ارتفاع منخفض, و وراءها خيط كثيف من الدخان الأسود. كانت قريبة منا لدرجة أننا اعتقدنا أنها ستقوم بهبوط اضطراري في قاعدتنا.
و حيث أننا لم نعد نسمع الكومندان القباج فلم نكن نعرف نواياه. كان أمقران وحده يتابع ما يجري من خلال الراديو بيد أننا لم نر أي رد فعل على وجهه.
و مثل طائر عملاق جريح مرت البوينغ الملكية أمامنا و رأيناها تواصل تحليقها في اتجاه سلا ثم اختفت عن أنظارنا.
حينها اتصل الليوتنان كولونيل أمقران بمصلحة العمليات و أمر السرجان شاف موهاج بالإقلاع للقيام بمهمة استكشافية فوق مطار الرباط سلا, طالبا منه التحليق فوق المدرجات و إعطائه معلومات عن الطائرة الملكية.
في هذا الوقت عاد طيارو عملية «براق» إلى القاعدة و طلبوا الإذن بالهبوط. و واحدة وراء الأخرى نزلت الطائرات لا تنقص سوى طائرة كويرة.
بدا أمقران و قد تجاوزته الأحداث و طفق يرتجل ردود الفعل دون تخطيط, ثم أخذ العلبة التي جاءه بها سائقه قبل قليل, فأزال ورق الصحيفة و رأينا مسدسا بغمده.أخرج السلاح و احتفظ به في يده.
كنت في حالة توتر قصوى, مع فكرة واحدة تسود ذهني هي الترصد للحظة التي أتمكن فيها من التسلل بعيدا عن هذا المكان دون أن أفقد حياتي لأني لم أعد أشك في أن رئيسنا لن يتردد في إطلاق النار على أي واحد منا إذا ما عصى أوامره.
سمعنا الليوتنان كولونيل أمقران يصدر أوامره إلى كل من بوخالف و زياد لإعادة تسليح طائرتيهما و القيام بمهمة قصف ثانية. و فجأة رأيناه ينزع قبعة الاتصال بغضب عن رأسه و يرميها على الطاولة. كان لا يزال يحمل مسدسه مما دفعني إلى الاعتقاد بأنه قد يقدم على الانتحار, لكنه التفت إلينا و قال بصوت قوي:
- مهما حصل الآن, لا تفعلوا أي شيء, مفهوم؟ و أنت أيضا يا الوافي لا تفعل شيئا.نحن معنيون جميعا. كل شئ سيتغير الآن...لقد أخفقنا في إصابة الهدف لكن لا تقلقوا, فالجنرال أوفقير سينهي العمل في مطار الرباط سلا.اليوم يوم كبير لنا جميعا و للبلاد كافة. كل ما قمنا به قمنا به عن قناعة و وعي, تحيا الجمهورية.
التفت إلى النقيب العربي و قال له:
- العربي, لا تأتمر الآن إلا بأوامر الجنرال أوفقير أو أوامر الجنرال الصفريوي, هل تسمع؟
ثم توجه نحوي أنا و قال:
- أما أنت يا الوافي, فلا تحاول التسلل إنك محروس و مراقب...
و قبل أن يغادرنا, قال ثلاث مرات «تحيا الجمهورية» مما تركنا فاغري أفواهنا ننظر باستغراب لبعضنا البعض لا ندري ما العمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.