عندما قال عبد الإله بنكيران، في معرض مداخلته يوم الخميس في لقاء الأغلبية « الماضي فات »، اعتقدنا بكل صدق أن تتمته المنطقية هي«هبالك مات»، في تتمة لأغنية الغيوان الشهيرة. الذي حدث أن رئيس الحكومة، واصل الوصلة الغنائية بالعودة إلى حديث حول « شوشرة إعلامية » تقوم بها المعارضة، كما يفهم من عبارته، كما نقلتها وكالة المغرب العربي للأنباء، بخصوص المذكرة التي رفعتها المعارضة في غرفة المستشارين، حيث قال«الحكومة تعمل في شرعية تامة، وتحظى بثقة الملك والشعب، وسوف لن تستجيب لأية شوشرة إعلامية». بمعنى آخر، يكفي أن تطالب بالتنصيب البرلماني، مثلا ، سواء كان دقيقا كمطلب أو غير دقيق، لكي تكون من المشوشرين. لسنا ندري إن كانت الشوشرة درجة أعلى أو أقل من التشويش، الذي سبق أن وصف به المعارضين منا إذا كانت صوتا للتماسيح أو هديرا للعفاريت، لكنها في كلتا الحالتين ليست صوتا للعقل .. وللماضي فات! السيد بنكيران سبق له أن مارس المعارضة، فهل كان يمارسها بمنطق الشوشرة، عندما كان يرفع اللافتات داخل البرلمان، وهل كان يمارسها، وهو لا يدري أن الحكومات التي سبقت حكومته كانت تحظى بثقة الملك والشعب؟ إذا كان ذلك هو الأمر، فمن حقه أن يعتبر أن ما تفعله المعارضة اليوم شوشرة. ثم، ماذا يعني التذكير بثقة الملك و الشعب، عندما تعرض المعارضة تأويلا معينا لاستكمال التنصيب الشرعي للحكومة؟ هل يريد أن يوحي أن النقاش حول تقديم التصريح الحكومي، هو في عمقه تعارض مع ثقة الملك والشعب؟ ما قوله في بيان حزب التقدم والاشتراكية مثلا، وهو جزء من الأغلبية التي قال عنها إنها «ستحقق المعجزات ». وعلى ذكر المعجزات، فقد حققت الحكومة الكثير منها: تحالف العدالة والأحرار مثلا، بعد كل الذي كان. اعتبار أن الزيادات في الأسعار والضرائب هي الحل من أجل السعادة الوطنية العامة، و تخفيض الضريبة على المقاولات .. والمعجزات يقول فيها بنكيران «أن نجاح الحكومة هو نجاح للوطن ولكافة مكوناتها وللمعارضة أيضا التي هي جزء من الوطن»، ولكنها نفس المعارضة التي تشوش وتنشر الشوشرة الإعلامية. القضية قبل أن تكون سياسية، فهي أخلاقية أولا: كيف سيعطي المغاربة مصداقية لعمل حكومي، قام على تحالف سياسي، كان فيه الوافد الجديد ضد القانون المالي والتصريح الحكومي الذي تقدم على قاعدته هذه الأغلبية؟ تقتضي الأخلاق أن يرفع حزب التجمع نقطة نظام، تجعل ما قدمه من شروط مستوفيا لكي يواصل العمل الحكومي، وإلا فإن بنكيران عندما يقول « بعض الأحزاب السياسية تتصور أن السياسة هي كيفية انتزاع المكاسب والمقاعد والصلاحيات، لكن التاريخ يحتفظ بمن قدم خدمات للبلد»، لا «يقطر الشمع» على حزب الاستقلال، بل يمكن أن ينسحب هذا التوصيف على حليفه الجديد. طيب لقد أرادت الأغلبية، من خلال لقائها إعطاء إشارات طمأنة للرأي العام، وهي طمأنة نسبية، لأن قانون الطمأنينة يقتضي أن تكون هناك رسائل أخلاقية تثبت المعقول، واستشعار خطورة الوضع، والمسؤولية التاريخية التي قد تضيع على البلاد زمنا سياسيا باهضا، وما إلى ذلك من تحديات لا تنفع معها أغنية ناس الغيوان. وعندما يؤكد القانون المعروض على البرلمان أنه تأكيد لما تم قبل مجيء الأحرار، ألا يكون من مصداقية العمل الحكومي، و صدقية التحالف أن يرفع عنه الحرج. نريد بالفعل رسائل طمأنه وحديثا للقيادات في الأغلبية، لكن نريد أيضا أن تكون هناك جدية يمكن الاعتماد عليها. أما الماضي فلم يمض بعد تماما.. لأن المستقبل لم يأت بعد تماما!