تابع ص 1 فإذا كنا نعلم أن الأرض غنية وتحمل من الخيرات والثروات التي بالعلم الذي هيأنا الله لريادته في الدنيا سنجعلها في خدمة الصناعات والمهن والحرف والرفاهية والعلاج والقدرة على الاستغلال الأمثل لها على اعتبار أنها للناس كافة .. فلنا أن نتساءل جميعا .. كيف اختل ميزان التوزيع العادل للثروات في زماننا هذا وفي العديد من الحقب ؟؟ وكيف احتكرت قلة جل الخيرات ؟وكيف أصبحت الأغلبية تستغل بطرق بشعة أحيانا تصل إلى أقصى درجات تقارب الاستعباد ...؟وكيف يفسر الإثراء السريع وتضخم الثروات بموازاة مع رزوح غالبية واضحة في الفقر وتحت عتباته ...؟؟وكيف ...وكيف ؟؟ هل مرد ذلك كسل «الأغلبية» وعدم رغبتها في العمل والإنتاج و»رفضها «لتحسين أوضاعها والرقي بها إلى ما هو أحسن وأفضل ...؟ أم أن هناك سياسات طبقية ريعية تعتمد على استغلال النفوذ والشطط في استعمال المسؤولية واحتكار الخيرات لفائدة قلة وفئات مختارة قصدا أو اعتباطا لتغتني على حساب العامة ؟؟... فالخيرات والثروات و المال لله ، والبشر مستخلفون فيه مما يجب معه أن يعم فضل كل ذلك على عباد الله وليس البعض منهم ... إن المشبع بالحد الأدنى من الأخلاق الإسلامية والقيم الإنسانية النبيلة لاشك إنه لن يتفهم ولن يقبل بمفارقة غير عادلة يعتبر فيها انتشار الفقر والماسي الاجتماعية وعدم وجود مساواة بين الناس كافة للولوج إلى الثروات الوطنية والمساهمة في البناء الاقتصادي والاجتماعي للحد من الفوارق الطبقية والقضاء على الفقر وليس تكريسه والتأقلم معه... وكأنه أمر حتمي ويدخل ضمن القضاء والقدر الذي لا راد له ولا يمكن القضاء عليه أو الحد من انتشاره وأثاره السلبية ... ... إن انتشار الفقر والأمراض الاجتماعية الناتجة عن التوزيع غير العادل للثروات .. لا يضعف فقط الأفراد بل يؤدي إلى إضعاف الأمم المعنية أمام غيرها التي تسعى إلى تطوير قدراتها وتثمين مواردها المادية وغير المادية ...مما يزيدها تدهورا وتأزما وترديا ومما قد يؤدي، لا قدر الله، إلى الفتن و الاختلالات الأمنية ...كما أن خيرة الطاقات والتي تقفل أمامها أبواب الإنتاج والإبداع وتطوير الثروات تضطر إلى الهجرة .. كما قد تضطر فئات منهم إلى البحث عن حلول وطرق قد تزيد الأمر تعقيدا وتزيد المجتمع تفككا والدول ضعفا ... ...إن الفقر قد يكون مفسدا للأخلاق والسلوك العام وقد يتسبب في مشاكل لا حصر لها بالأسرة. وتزداد خطورته إذا كان من أسبابه الثراء الفاحش الذي يبني على الاستغلال والاحتكار والتلاعب بأرزاق الناس ...وتوظيف كدهم وتضحياتهم المتلاحقة - بأجور وتعويضات زهيدة لا تعدل مستوى العمل المقدم .. - لتنمية ثروات بعض الأثرياء الذين لا يبذلون أي جهد أو تعب .. ....وبوقوفنا على بعض أسباب التوزيع غير العادل للثروات انطلاقا من الكتاب والسنة في علاقتها بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية سنجدها على سبيل المثال في... *انتشار الثراء والترف..، ولهذا سجل التاريخ بان أول من يرفض ويواجه رسالة الأنبياء ودعواتهم هم المترفون،.. كما قال تعالى: (إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ) [سبأ: 34] *...الظلم: قال تعالى: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا..) يونس: 13. وقال تعالى: (فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة..) الحج: . *...الفساد في الأرض : قال الله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون. قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين، فأقم وجهك للدين من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون). *...استضعاف العباد وظلمهم كما قال تعالى: ( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا ) *...الغلو في الدين...عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دعوني ما تركتكم إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) رواه البخاري و مسلم *... التنافس في فتن الدنيا .. قال صلى الله عليه وسلم : (فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم) [رواه البخاري و مسلم ]. * ومن سنة الله في البشر أن كل ما يصيبهم من بلاء وأذى في الأنفس والأبدان وشؤون الملك والسلطان إنما هي آثار للأعمال ونتائج للسلوك الفاسد، مع وجود عفو الله الكثير كما قال تعالى: ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير). **... ظلم الناس بعضهم بعضا ...قال تعالى : ( ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) الأنفال قال الطبري: « إن الله لا يغير ما بقوم من عافية ونعمة فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من ذلك بظلم بعضهم بعضاً واعتداء بعضهم على بعض، فتحل بهم حينئذ عقوبته وتغييره» . فما ذكرناه وغيره من الأسباب أدى إلى انهيار الحضارات وتسبب في كوارث إنسانية ما زالت البشرية تعاني من ويلاتها وانعكاساتها إلى زماننا هذا .. ومازال البعض متماديا في غيه وغضه الطرف عن المفاسد وخاصة منها الإثراء السريع وسوء توزيع خيرات وثروات البلد وعدم ظهور آثار نعم وطنهم عليهم ... ... وللقضاء على الفقر أي الظلم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي نقتبس من الإسلام كما من بعض النظريات الاقتصادية العادلة ...بالإشارة فقط لبعض المبادئ والسياسات التي استند إليها سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في الإصلاح ... *...اتخاذ البطانة الصالحة والإيجابية والفعالة في البناء والإصلاح....: ويظهر ذلك من توصيته لمن حوله، قال عمرو بن مهاجر: قال عمر بن عبد العزيز: « يا عمرو إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلابيبي ثم هزني ثم قل لي ماذا تصنع» *..إشراك الناس في خيرات الوطن ......فقرر (ض) جعل مخصصات لكل مسلم ومسلمة حتى ولو كان رضيعا وشملت حتى الفقراء من غير المسلمين بما يحميهم ويجنبهم سؤال الناس .. *...التوزيع العادل للثروات بمحاربة الريع واستغلال النفوذ ... قال وهيب بن الورد، قال: اجتمع بنو مروان إلى باب عمر بن عبد العزيز فقالوا لابنه عبد الملك: قل لأبيك إن من كان قبله من الخلفاء كان يعطينا ويعرف لنا موضعنا وإن أباك قد حرمنا ما في يديه فدخل على أبيه فأخبره فقال لهم: إن أبي يقول لكم إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم)......، و قال: «ما أنتم وأقصى رجل من المسلمين عندي في هذا الأمر إلا سواء» ،..وقال الأوزاعي: «لما قطع عمر بن عبد العزيز عن أهل بيته ما كان يجري عليهم من أرزاق الخاصة، كلموه في ذلك فقال: لن يتسع مالي لكم وأما هذا المال فإنما حقكم فيه كحق رجل بأقصى برك الغماد» *...محاربة الرشوة كيفما كان نوعها وحتى ما يسمى الهدية ولقد أهدي تفاح لعمر بن عبد العزيز ..فقال: ما أطيب ريحه وأحسنه أرفعه يا غلام للذي أتى به، وأقرئ فلاناً السلام، وقل له إن هديتك وقعت عندنا بحيث نحب، فقلت يا أمير المؤمنين ابن عمك ورجل من أهل بيتك، وقد بلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية فقال ويحك إن الهدية كانت للنبي صلى الله عليه وسلم هدية وهي لنا اليوم رشوة.. *... اعتماد العدل في كل شيء... : وسنورد هنا ما رواه محمد بن كعب القرظي حيث قال: ( دعاني عمر بن عبد العزيز، فقال: صف لي العدل، فقلت: بخ سألت عن أمر جسيم، كن لصغير الناس أباً، ولكبيرهم ابناً، وللمثل منهم أخاً، وللنساء كذلك وعاقب الناس على قدر ذنوبهم، وعلى قدر أجسادهم، ولا تضربن لغضبك سوطاً واحداً فتعد من العادين..)، ...وكتب بعض عماله إليه كتابا مما جاء فيه «أما بعد : فإن مدينتنا قد خربت فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالا نرمها به- فرد عليه وقال - أما بعد: فحصنها بالعدل ونق طرقها من الظلم فإنه مرمتها والسلام»... *...رفع الضرر عن العامة وضمان ما أتلف من أموالهم إذا ما تعارضت المصلحة العامة مع الخاصة.. *... إبعاد من يسيء إلى الثروة الوطنية والى العدل ... ولقد أحسن الوصف رضي الله عنه عندما ربط تردي الأوضاع العامة في عصره في بعض الولايات والأمصار فقال: «الوليد بالشام، وقرة بمصر، والحجاج بالعراق، وعثمان بن حيان بالحجاز، امتلأت الأرض والله جورا»، فكتب إلى بعض عماله: «أما بعد: فكن في العدل والإحسان كمن كان قبلك في الجور والظلم والعدوان» ) إن الحديث عن أحوال الناس وأوضاعهم والعمل بكل الوسائل لضمان الاستقرار بالعدل والمساواة والإحسان والتآزر والتقاسم والتوزيع المنطقي لخيرات ومقدرات الأمة وإشراك الناس في المعرفة المتشبثة بالفكر الحقوقي المحقق لمجالات ومآلات صرف وتوظيف أموالهم وثرواتهم الوطنية ومردوديتها على معيشتهم أمر محمود بل وأصبح ضرورة شرعية وسياسية وإنسانية ... يقول رسول الله : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ». وقال تعالى: (أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم لكن كانوا أنفسهم يظلمون) الروم وقال تعالى : ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) الحج فالله نسأل أن يهدينا جميعا لما فيه خير وطننا وشعبنا ... شعب لا يستجدي بعضده بعضا ولا يستغل فقره أي كان ... شعب يشد بعضه بعضا يتقاسمون الفرح والخيرات والبناء المشترك للأمة والحضارة البشرية ...