إذا كانت الأمراض المعدية تحظى باهتمام المواطنين والسلطات الصحية، مع متابعة درجة تطورها أو تقلصها نتيجة للسياسات الصحية المتبعة، وتسجيل النسب المرتبطة بذلك، فإن الأمراض المزمنة غير المعدية بدورها تشكل تحديا كبيرا بالنظر إلى اتساع رقعة أعداد المرضى، وأنواع الأمراض التي يعانون منها التي تعد عبئا متعدد الأوجه. علل مثل أمراض القلب، السكتة الدماغية، السرطان، الأمراض التنفسية المزمنة، والسكري، والتي هي في مقدمة الأسباب الرئيسية للوفاة، والتي تعود أسباب تفشيها إلى عدة عوامل للإختطار «احتمال وقوع الخطر»، التي يمكن الوقاية منها، والمرتبطة بالتغيرات المستمرة في أنماط الحياة من قبيل «قلة الحركة، التدخين، والتحولات في الأنماط الغذائية، كالزيادة المستمرة في استهلاك الملح، السكريات والدهنيات والزيوت …». أمراض ترفع من درجات العبء الناتج عن التكفل بها، وتدفع السلطات الصحية في كل الدول إلى التفكير في أداء النظم الصحية، وإلى الانخراط في عملية التغيير والابتكار لجعل الأنظمة قادرة على الاستجابة لطلبات متزايدة، وذلك بالنظر إلى عواقبها الوخيمة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن كونها تشكل خطرا على الموارد المخصصة للخدمات الصحية. أرقام مرعبة البروفيسور جعفر هيكل، الاختصاصي في التغذية والطب الوقائي، وفي لقاء خاص ب «الاتحاد الاشتراكي»، أكّد على أننمط العيش اليومي الخاطئ ومجموع السلوكات اليومية، هما السبب في 80 في المئة من المشاكل الصحية التي يعاني منها المغاربة، مبرزا أنه إلى حدود سنوات قليلة فارطة، المشكل الذي كان مطروحا وبشدة هو سوء التغذية، خلافا للواقع اليوم الذي باتت فيه السمنة ترخي بظلالها على المشهد الصحي، بالنظر إلى أن مغربيا واحدا من بين 5 أشخاص يعاني منها، هذا في الوقت الذي تصل فيه نسبة المغاربة المصابون بالسمنة، وليس بالوزن الزائد، 21 في المئة. وأوضح رئيس الجمعية المغربية للتغذية والصحية والبيئة، أن 32 في المئة من المغاربة يعانون من الضغط الدموي، و29 في المئة من «الكولسترول»، و 10 في المئة مصابون بداء السكري، مبرزا أنه قبل سنوات كانت الأمراض التعفنية هي التي تتسبب في وفاة المغاربة بنسبة 65 في المئة، بينما اليوم باتت الأمراض المزمنة كالسكري والضغط الدموي والسرطان وغيرها، هي السبب الأول في الوفيات بنسبة 95 في المئة. تغييرات سلوكية البروفسور هيكل، الخبير في الطب الوقائي، شدّد على أن هذا الانتقال الوبائي هو راجع بالأساس إلى التغيير الذي عرفه نمط العيش، مبرزا أن 78 في المئة من مجموع المغاربة هم لايمارسون الرياضة، ويعيشون حالة من الخمول البدني، كما أن 55 في المئة من الشباب أقل من 25 سنة هم «محرومون» إراديا من أي شكل من أشكال الممارسة الرياضية، مضيفا أن الأطفال واليافعون والشباب بشكل عام، باتوا سجناء الهواتف النقالة الذكية والحواسيب، وأضحوا بعيدين كل البعد عن الحركة الجسدية وعن ممارسة الرياضة. الاختصاصي المغربي، أضاف أن مجموع العلل التي تطرّق إليها والتي وصفها ب «أمراض الحضارة»، والتي باتت معدلاتها مرتفعة وتتفشّى يوما عن يوم بشكل تصاعدي في مجتمعنا، هي خلاصة تغييرات مجتمعية وسلوكية، ونتاج لانعدام ثقافة صحية، وغياب تدابير وقائية تمكّن من تجنب المواطنين لمجموع هذه الأمراض، التي منهم من يعاني من أحدها، ومنهم الذي يتعايش مع مجموعة منها. معاناة أبوية محسن، موظف، أب لثلاثة أبناء، يؤكد بأنهم باتوا بدون استثناء رهينة للألواح الالكترونية، والهواتف الذكية والحواسيب، يلازمونها ولايفترقون عنها، سواء من أجل البحث والمعرفة في ارتباطا بالمواضيع التي يدرسونها، أو خلال وقت الفراغ. «إنها مشكلة تؤرق بالي، ولا أجد لها حلا» يقول محسن، مضيفا «إن هذا الوضع يؤثر على وزن أبنائي، ويضر بصحة بصرهم، ولايمارسون معه أي نشاط بدني، وأنا بالنظر إلى توقيت العمل من جهة، لاأستطيع اصطحابهم إلى أي نادٍ أو فضاء خارجي، كما أن ضغط المقرر الدراسي وتوقيت خروجهم من المدرسة والوصول إلى المنزل، هو أيضا عامل لايسمح بتحقيق ذلك، دون إغفال أننا نعيش في بيئة إسمنتية تفتقد للفضاءات الخضراء، التي إن وجدت تكون معدودة على رؤوس الأصابع، وتحتضن عددا من الممارسات الشائنة، وتعيش إهمالا لايشجع على ارتيادها». اشربوا الماء البروفسور هيكل، أشار كذلك إلى مشكل آخر مرتبط بالسلوكات اليومية غير الصحية، والمتمثل في إهمال شرب الماء، الذي شدّد على أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال التخلي عنه أو تعويضه، مبرزا أنه يعادل في قيمته وأهميته الأوكسجين، بالنظر إلى دوره وأهميته بالنسبة لخلايا الجسم. وأبرز الاختصاصي في التغذية أن تحديد كميات الماء الضرورية مرتبط بسن الأشخاص، إذ تختلف باختلاف الفئات العمرية، والتي يمكن احتسابها أيضا في علاقة بوزن الشخص، إذ يحتاج كل كيلوغرام إلى ما يقارب 50 مللترا من المياه عموما، وقد تصل إلى 100 مللتر في الكيلوغرام. فإذا كان الشخص يزن 20 كيلوغراما، فهو يحتاج إلى لتر من المياه في اليوم، هذا في مرحلة الطفولة بالأساس. أما الأشخاص البالغون، الذين تتجاوز أعمارهم 18 سنة، فهم بحاجة في الوضع الطبيعي إلى لتر ونصف من المياه يوميا لتعويض ما يفقده الجسم، سواء تعلق الأمر بعملية التعرق أو حتى التنفس، أو قضاء الحوائج الطبيعية. البروفسور هيكل، الأستاذ الجامعي، أشار أيضا إلى أنه من الضروري تقسيم كمية المياه على امتداد اليوم، مبرزا أن أحسن توقيت لشرب الماء هو قبل الوجبات الغذائية أو بعدها، وليس خلالها، وبأنه يمكن للشخص أن يشرب كوبا من الماء قبل الإفطار صباحا، وثانٍ حوالي الساعة العاشرة، ثم ثالث قبل الغذاء، ورابع حوالي الرابعة والنصف، وخامس قبل العشاء، وأخيرا كأس من الماء قبل النوم، مشددا على أن الأشخاص الذين يتجاوز سنهم 60 سنة، هم مطالبون بشرب الماء كل ساعتين، وبأن محيطهم الأسري يجب أن ينتبه لذلك ويقدم لهم الماء، بالنظر إلى أن كثيرا منهم لايشعرون بالعطش ولاينتبهون إلى الرغبة في شرب الماء.