التصفيات الإفريقية المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2026.. ندوة صحفية للناخب الوطني يوم الخميس المقبل بسلا    كونتي: نعلم المخاطر التي تواجه نابولي للاحتفاظ بلقب الدوري الإيطالي    الريصاني .. مفتش شرطة يضطر لاستخدام سلاحه الوظيفي لتحييد خطر صادر عن شخص عر ض أمن المواطنين وسلامة عناصر الشرطة لاعتداء وشيك    السكتيوي: مواجهة تنزانيا كانت صعبة لكن اللاعبون أثبتوا جدارتهم    تجاوزت 200 مليار درهم في 7 أشهر... ارتفاع المداخيل الجبائية للمملكة بنسبة 15.9 في المائة    المغرب بين الحقيقة والدعاية: استخبارات منسجمة وتجربة أمنية رائدة تعزز الاستقرار    ثلث الألمان يخشون فقدان الوظائف بسبب الذكاء الاصطناعي    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين.. "أسود الأطلس" يقتربون من اللقب بتغلبهم على تنزانيا    "يويفا" يمنح برشلونة الإسباني دفعة قوية قبل انطلاق دوري أبطال أوروبا    أجواء حارة نسبيا في توقعات طقس السبت    إعصار إيرين يدمر أعشاش السلاحف البحرية المهددة بالانقراض    طقس السبت.. حرارة مرتفعة وزخات رعدية بعدد من مناطق المملكة        كيوسك السبت | قادة إفريقيا واليابان يشيدون بالمبادرات الملكية بشأن المناخ والهجرة    الصين تكتشف احتياطيات ضخمة من الغاز الصخري    بطولة انجلترا: تشلسي يهزم وست هام (5-1)    سيارة مسرعة تدهس شابًا وامرأة بعد خروجهما من حفل زفاف بمنطقة العوامة بطنجة    توقيف 6 أشخاص في شجار عنيف بشاطئ طنجة وإصابة قاصر    مغاربة يعتصمون ليلا أمام البرلمان ضدّ الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة    الإعدام للرئيس السابق للكونغو الديمقراطية مطلب النيابة العامة    أول إعلان أممي من نوعه: غزة تعيش المجاعة.. و"حماس" تطالب بوقف الابادة    بلاغ: المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعبر عن ارتياحه لدخول قانون العقوبات البديلة حيز التنفيذ    عجز قياسي جديد يثير المخاوف بشأن متانة التوازنات المالية بالمغرب    شبهة تضارب المصالح تضع منتخبين أمام مسطرة العزل بجهة الدار البيضاء    دليل استرشادي من رئاسة النيابة العامة إلى قضاة النيابة العامة حول تنفيذ العقوبات البديلة    مدغشقر تتأهل إلى نصف نهائي "الشان"    فلوس الغرامة.. فلوس المهرجان    للمرة الثالثة: عودة الفنانة شيرين عبد الوهاب لطليقها حسام حبيب يشعل أزمة جديدة    احتفاء خاص بالباحث اليزيد الدريوش في حفل ثقافي بالناظور    بعد تعليق حملة المراقبة.. ما مآل الدرجات النارية المحجوزة؟    بوريطة يجري اتصالا هاتفيا مع نظيره المصري    الإجهاد الحراري يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية ويهدد صحة العمال    مهرجان الشواطئ يحتفي بعيد الشباب وثورة الملك والشعب بمشاركة نجوم مغاربة وعرب    مداهمة منزل جون بولتون المستشار السابق لترامب الذي يشتغل مع الجزائر من طرف الFBI    بولتون بين أيدي الFBI.. سقوط ورقة ضغط طالما راهن عليها نظام الجزائر والبوليساريو        "تيكاد-9" يفضح محاولات انفصاليي "البوليساريو" ويؤكد دعم اليابان للحكم الذاتي المغربي        رسميا .. دخول العقوبات البديلة حيز التنفيذ لتخفيف الاكتظاظ السجني        بمناسبة عيد الشباب.. فرقة "المسيرة الخضراء" تبهر الجمهور بعرض جوي مذهل فوق سماء المضيق ومرتيل    إجراءات ضريبية محفزة لمغاربة العالم لا يعرفها الكثيرون    ضبط زورق محمل بطنين من الشيرا وتوقيف سبعة أشخاص    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    تركيا تستعد لإطلاق شبكة الجيل الخامس ابتداء من سنة 2026    المغرب يتصدر مستوردي الغاز الإسباني    إعادة برمجة خلايا الدم إلى خلايا جذعية مستحثة متعددة القدرات يفتح آفاقا واسعة في مجال العلاج الشخصي والبحث العلمي (صابر بوطيب)    دراسة: عدم شرب كمية كافية من الماء يسبب استجابة أكبر للإجهاد        وفاة القاضي الرحيم عن 88 عاما.. صوت العدالة الذي أنصف المهاجرين    انطلاق فعاليات مهرجان الرمى والطلبة والخيالة بمركز صخور الرحامنة مبادرات راائدة في التضامن الترابي (صور)    ابتكار جهاز من الماس يرصد انتشار السرطان دون مواد مشعة        "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل مازال بإمكان ماكرون إعادة الأمل إلى فرنسا
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 29 - 01 - 2019

أكثر من شهرين من الاحتجاجات المتوالية للسترات الصُّفر وإعمال العنف والتخريب خاصة بباريس، حولت وجه فرنسا، وحولت كل الآمال التي علقت على الرئيس الفرنسي الشاب وحكومته إلى خيبةآ وانقسام داخل المجتمع الفرنسي، وأصبح جزء من الفرنسيين ينعتون ايمانييل ماكرون «برئيس الأغنياء»، وأصبحت المطالبة برحيله أحد الشعارات الأساسية للمتظاهرين في كل التراب الفرنسي، بل منذ ثلاثة أشهر، أصبح اقتراب الرئيس من المواطنين مستحيلا دون أن تتخلله مواجهات مع الشرطة واصطدامات. وبدأ الأمل والتفاؤل الذي ميز فرنسا مند سنتين يتحول إلى كابوس وخوف حول مستقبل بلد لا يمكن إدارته ولا يمكن إصلاحه. وتعطلت المؤسسات، واختفى الوزير الأول إدوارد فيليب عن الأضواء، وأصبحت فرنسا تعيش على وقع الاحتجاجات، كل يوم سبت، تعبئ الدولة جهازها الأمني، وتجند عشرات الآلآف من كل أنواع القوة العمومية، وكل سبت يخرج المتظاهرون بعشرات الآلآف لتحدي السلطة المركزية بباريس. ورغم تهديد المتظاهرين بتطبيق القانون بقوة، ومنع المظاهرات غير المرخص بها، فإن قوة الاحتجاج لم تتوقف بفرنسا منذ عدة أسابيع.
واختار عشرات الآلآف من المتظاهرين تحدي الدولة المركزية في باريس، ومواجهتها في عقر دارها، بل وتكسير رموزها. ولم يتردد عدد من المتظاهرين، القادمين من مختلف المدن، والذين اعتادوا الاحتجاج في ملتقيات الطرق بقراهم في بداية شهر ديسمبر ، في دخول متحف قوس النصر وإتلاف محتوياته، وهي كلها رموز لانتصارات الجمهورية الفرنسية منذ نابوليون، وحتى مكان الجندي المجهول لم يسلم من هذه المعاملة المهينة لرموز الجمهورية. في هذا المكان، وقبل عدة أيام، استقبل الرئيس الفرنسي كبار قادة العالم للاحتفاء بمرور قرن كامل على الحرب العالمية الأولى.
في هذا المكان، تقيم فرنسا احتفالاتها الوطنية، وتستعرض نخبتها العسكرية والمدنية وفي جميع المجالات.
في هذا المكان، تحتفل الجمهورية بانتصاراتها الرياضية، جادة الشونزيليزيه وقوس النصر والساحة المحيطة هي أماكن يعرفها كل العالم، وترمز إلى انتصارات فرنسا وتجاوز كبوتها وهو نفس الفضاء الذي اختاره المحتجون من أجل تحدي الجمهورية، من أجل إهانة رموزها، ومواجهة قواتها العمومية، ومن أجل تخريب رموز نجاح الموضة والمنتجات الفرنسية ونجاحها في العالم.
عدد كبير من الفرنسيين الذين ساهموا في هذه المظاهرات بباريس، والذين جاؤوا من مختلف المدن والقرى، كانوا يرون هذه الفضاءات في التلفزة وعبر الإعلام فقط. لكن هذه المرة، اختاروا أن تكون هذه الفضاءات مكانا للمواجهة مع رموز الجمهورية والسلطة المركزية، ومن أجل تحدي الرئيس وحكومته.
هذه الاحتجاجات، بينت عمق الانقسام في المجتمع الفرنسي، بين فئات مستفيدة من العولمة وفئات متضررة منها، بين نخبة فرنسية تعطي الدروس لباقي العالم في السياسية والحقوق وبين فئات اجتماعية مهمشة، تعتبر النخبة السياسية بعيدة عنها وعن مشاكلها الاجتماعية وآمالها، بين فرنسا تسعى إلى الانفتاح على أوربا وعلى العالم، وبين فرنسا تعاني من البطالة والهشاشة الاجتماعية، وتسعى إلى الانغلاق على نفسها.
السؤال اليوم، هو: هل ما زال بإمكان الرئيس الفرنسي وأغلبيته، إعادة الأمل إلى الفرنسيين، ووقف هذا الانقسام الكبير، الذي يعرفه المجتمع الفرنسي، ووقف هذه الاحتجاجات سواء بباريس أو بملتقيات الطرق. الرئيس الفرنسي، الذي له مسار كلاسيكي مثل كل مكونات النخبة السياسية الفرنسية، يكتشف فرنسا أخرى، فرنسا الهوامش، وفرنسا التي ترى العولمة، وأوربا شاطئا بعيدا عنها وعن أحلامها، فرنسا التي تعتبر الديزيل الرخيص، هو وسيلتها في العمل، وفي التدفئة والعمل، بعيدا عن الانشغالات البيئية والانتقال البيئي، التي بينت هذه الأزمة أنها هاجس النخبة، وكما قال أحد المتظاهرين من السترات الصُّفر إن، “القضية التي تشغلني ليست نهاية العالم، بل نهاية كل شهر”، وعدم عدالة الضرائب خاصة على المحروقات، حيث إن فئات في هوامش المدن الفرنسية ،تؤدي الضرائب في غياب أي خدمات عمومية، مما يجعل التنقل بالسيارة أساسيا حتى من أجل بعث رسالة أو شراء الخبز.
الرئيس الفرنسي، يبدو أنه شعر بهذا الشرخ الاجتماعي الذي يعيشه بلده، وبعده عن آمال جزء كبير من مواطنيه، وهو شرخ ليس جديدا كما ذكر في رسالته إلى الفرنسيين، بل مستمر في فرنسا منذ عدة عقود.
ومن خلال الحوار الوطني الكبير، والاستماع إلى مطالب الفرنسيين، يحاول استرجاع المبادرة. هكذا قرر بنفسه المشاركة في هذا النقاش، وساهم حتى الآن، في لقاءين مع مئات المنتخبين المحليين، واستمع لهموم هذه الفئة التي تمثل الفرنسيين في البلدات والقرى الهامشية لعدة ساعات، وحاول شرح سياسته إلى هذه الفئة التي لم يكن يأخذها في السابق بعين الاعتبار، أي الممثلين المحليين للسكان والذين يعيشون ويعرفون معاناة مواطنيهم اليومية.
في هذه النقاشات،أبان ايمانييل ماكرون عن قدرته على الاستماع إلى هذه الفئات، دون أن يغير سياسته والثوابت التي أعلنها، خاصة الضريبة على الأغنياء، والتي طالب أغلب الفرنسيين بإعادة فرضها من جديد، لكن الرئيس لحد الساعة يتمسك بمقاربته، وهي خفض الضرائب لتشجع الفئات الغنية من المجتمع بالاستثمار بكثافة وبخلق الثروة ومناصب الشغل للقضاء على البطالة التي تعتبر أحد أهم المشاكل الاجتماعية بفرنسا.
هذا النقاش، الذي تعرفه فرنسا، لم يوقف هذه الاحتجاجات، التي مازالت مستمرة، والتي لم تتراجع قوتها، ولم يتراجع دعم الرأي العالم لها، لكن ما تغير لدى احتجاجات السترات الصُّفر ،هو طلب الترخيص لتظاهراتها، وتراجع العنف والمواجهة مع الشرطة الذي كان يطبع هذه التظاهرات.
لكن الرئيس ايمانييل ماكرون، يعول على هذا النقاش الوطني الكبير، من أجل استرجاع المبادرة ،ومن خلال المشاركة شخصيا في هذه النقاشات، وهذه اليد الممدودة، والحضور إلى جانب المنتخبين المحليين، من أجل النقاش، لتغيير الصورة النمطية التي ألصقت به، وهو البعد عن المواطنين، وعن انشغالاتهم، واعتباره رئيسا” يدافع عن الأغنياء”.
ويمكن لهذا الحضور والانفتاح، أن يضعفا احتجاجات السترات الصُّفر لدى الرأي العام، نظرا لرفضها لهذه اليد الممدودة، ولتخوفات عدد كبير من الفرنسيين من استمرار الاحتجاج والعنف وما له من انعكاس سلبي على بلدهم، الذي يعتبر أكبر بلد سياحي في العالم، بل إن استمرا الاحتجاج، كان له وقع سلبي على النمو الاقتصادي لفرنسا هذه السنة، كما أعلن عن ذلك صندوق النقد الدولي خلال لقاء دافوس، وراجع نسبة النمو التي توقع انخفاضها، وهي كلها مؤشرات اقتصادية، لن تساعد الفرنسيين على تجاوز هذه الأزمة، والحد من الشرخ الاجتماعي، ومن الفوارق التي يعرفها المجتمع الفرنسي.
حضور الرئيس الفرنسي أيضا، هو لكسب الرأي العام، والحد من تصاعد القوى الراديكالية التي تستهدفه في خطابها، خاصة التجمع الوطني لمارين لوبين، وهو أقصى اليمين وفرنسا الأبية لجون ليك ميلونشون، والتي تصنف في أقصى اليسار. وهي قوى حسب الاستطلاعات ستكون لها كلمة في الانتخابات الأوربية المقبلة في شهر ماي المقبل. لهذا، فحضوره إلى مختلف الجهات الفرنسية، والمشاركة في النقاش، والاستماع إلى المنتخبين المحليين، هو لمواجهة الامتداد الذي تعرفه هذه القُوى السياسية المتطرفة ولبداية حملته الاوربية، حيث إن استطلاعات الرأي، ما زالت في غير صالحه في الانتخابات المقبلة، باستثناء تحسن شعبيته لدى الرأي، العام مقارنة بالشهور الأخيرة.
لهذا، فإن التحدي اليوم، هو كيف يمكن لرئيس ايمانييل ماكرون استعادة المبادرة لإخراج بلده من هذا المأزق، والأزمة العميقة، وإعادة الأمل للفرنسيين في بلد يغلب عليه التشاؤم ويميل إلى التطرف السياسي؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.