بينما كان رواد شاطئ بوندي في سيدني يفرّون مذعورين تحت وقع الرصاص، وبينما تحوّل احتفال ديني إلى ساحة مجزرة، تقدّم رجل واحد في الاتجاه المعاكس. دون سلاح أو حماية اندفع أحمد الأحمد نحو أحد المهاجمين، باغته من الخلف، وانتزع سلاحه، ليوقف هجومًا كان يمكن أن يحصد أرواحًا أكثر. الأحمد مهاجر سوري يبلغ من العمر 43 عامًا، ويعمل في بيع الفواكه؛ لم يكن من رجال الأمن، ولا من المنظمين، ولا حتى من المشاركين في الاحتفال ب"عيد الأنوار" اليهودي الذي استهدفه هجوم إرهابي دموي، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 15 شخصًا. المشهد الذي التقطته عدسة هاتف محمول انتشر في الساعات التالية كالنار في الهشيم، حاملاً معه اسمًا لم يكن معروفًا خارج محيطه المحلي. لكن الأفعال – كما يحدث في كثير من الأحيان – تسبق الألقاب، وتفرض احترامها على الجميع، من وسائل الإعلام إلى القادة السياسيين، وصولًا إلى الأطفال الذين تركوا له رسائل شكر في المستشفى. رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيزي، وصف الأحمد بأنه "رمز للوحدة الأسترالية في أحلك الظروف"، موردا أن تدخله أنقذ أرواحًا كثيرة، وأنه نُقل إلى المستشفى في حالة خطيرة؛ ولم يُكشف عن طبيعة إصابته بعد، لكن ظهوره لاحقًا داخل مستشفى سانت جورج، حيث بدا مستيقظًا ويتحدث، طمأن كثيرين. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصف الأحمد من البيت الأبيض بأنه "شخص شجاع جدًا جدًا". وتدفقت رسائل الدعم من مختلف الاتجاهات، السياسية والشعبية، كما أُطلقت حملة جمع تبرعات على منصة "GoFundMe" لصالحه، جمعت أكثر من 1.4 مليون دولار أسترالي خلال 48 ساعة فقط، بينها تبرع كبير من المستثمر الأمريكي بيل آكمان. لكن من هو أحمد الأحمد، الذي تقاطعت قصته مع لحظة دموية صنعتها الكراهية؟. هاجر الأحمد من سوريا إلى أستراليا عام 2006، واستقر هناك مع أسرته؛ متزوج وأب لطفلتين، تبلغ إحداهما 6 سنوات والأخرى 3، ويعمل في بيع الفاكهة، ويعيش حياة بسيطة، بعيدة عن الأضواء. صباح الأحد الماضي كان الرجل يحتسي قهوة مع صديق قرب الشاطئ عندما سمع إطلاق النار، بحسب ما ذكر والداه في مقابلة مع التلفزيون الأسترالي. وقال الأب، محمد فاتح الأحمد، إن ابنه لم يفكر في ديانة أو جنسية الضحايا، مضيفًا: "هو لا يميز بين أحد، رأى الدم في الشارع، وتحرك فورًا"، وأضاف: "قام بما كان يؤمن بأنه الصواب، فقط". في المستشفى زارت الأحمد شخصيات رسمية عديدة، بينها كريس مينز، رئيس ولاية نيو ساوث ويلز، الذي قال إنه "أنقذ أرواحًا لا تحصى". لكن ربما كانت الرسالة الأكثر تأثيرًا تلك التي كتبتها الطفلة جورجي (10 سنوات)، التي زارت المستشفى مع والدتها لتقديم هدية ورسالة، وقالت فيها: "شكراً لإنقاذك كل أولئك الأشخاص الذين لم تكن تعرفهم. أنت ربما أطيب إنسان في العالم". هذا البعد الإنساني هو ما جعل القصة تتجاوز حدود أستراليا، وتتحول إلى مادة نقاش عالمي حول الشجاعة المدنية، والهويات المعقدة، والصورة النمطية للمهاجر المسلم في الغرب. في بلد مازالت فيه الهجرة مادة جدلية في السياسة والإعلام، جاء الأحمد ليُعيد رسم بعض تلك الصورة، من دون شعارات ولا بيانات. تقول صحيفة "نيويورك تايمز" إن تصرف الأحمد جاء في واحدة من أفظع الهجمات الإرهابية في تاريخ أستراليا الحديث؛ وفي ظل تزايد القلق الأمني لدى الجالية اليهودية مثل تدخله بصيص أمل أعاد بعض الثقة والاطمئنان، وإن مؤقتًا. ويضيف المصدر ذاته أن الأحمد نفسه، رغم الزخم الإعلامي، لم يدلِ بأي تصريح حتى الآن، لم يظهر في مقابلة، ولم يطلب شيئًا؛ ويبدو أنه اختار أن يترك أفعاله تتكلم.