البرلمان المغربي يحتضن الدورة ال83 للجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الإفريقي    رئيس مجلس النواب يستقبل رئيس لجنة الشؤون الخارجية والاندماج الجهوي ببرلمان غانا والوفد المرافق له    البراق يتوقف عن العمل و المكتب الوطني للسكك الحديدية يكشف السبب    قضية "مافيا الماستر".. المتهمون يطعنون في قرار قاضي التحقيق والميداوي يستدعي عميد كلية أكادير    النصيري يسجل هدفا في فوز فنربخشة أمام أيوب سبور (2-1)    مليونا شخص يتضورون جوعا في غزة    اختيار المجندين 2025 دون تدخل بشري    تداولات الافتتاح في بورصة البيضاء    النيابة العامة تطالب بحضور الشهود في ملف "قتل الشاب بدر" بالبيضاء    تأخر قطار البراق لأزيد من 4 ساعات يربك المسافرين ويكشف خللًا في تدبير الأعطاب الطارئة    حريق يشبّ بمستودع قرب المحمدية    تفشي إنفلونزا الطيور .. اليابان تعلق استيراد الدواجن من البرازيل    ستيفان عزيز كي يعزز صفوف الوداد    الأبواب المفتوحة للأمن الوطني .. "رواق الفن" واجهة تبرز الإبداع الفني لدى نساء ورجال الشرطة    مهرجان "ماطا" للفروسية يحتفي بربع قرن من الازدهار في دورة استثنائية تحت الرعاية الملكية    المهرجان الدولي لفن القفطان يحتفي بعشر سنوات من الإبداع في دورته العاشرة بمدينة طنجة    بين الراب والإحساس.. "لواليدة" تكشف جانبًا جديدًا من أسلوب مصطفى قادري    ب130 مليار درهم.. "طاقة المغرب" تعلن عن شراكة استثمارية كبرى في الطاقة والمياه    تحركات وزارة الداخلية تفتح ملفات جماعية وتهدد مستقبل منتخبين    "درونات" الأمن الوطني.. استشراف ميداني للتهديدات الأمنية المعقدة    إيهاب أمير يطلق جديده الفني "انساني"    خبراء وإعلاميون وباحثون وأكاديميون يناقشون" مسؤولية الإعلام في صيانة التراث الثقافي والطبيعي الوطني"، في ندوة احتضنها بيت الصحافة بطنجة    العرائش تحتضن الجمع العام لعصبة جهة الشمال للدراجات الهوائية بحضور وازن    عصبة كرة القدم تطلب من إدارة أمل تيزنيت تقديم ملف الترشيح للمشاركة في القسم الثاني للنخبة    تشخيص جو بايدن بنوع "شرس" من سرطان البروستاتا وانتشار المرض إلى عظامه    وفد دولي رفيع المستوى يزور أيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بالجديدة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ورشة مغربية-فرنسية لدعم أولى تجارب المخرجين الشباب    مشاركة مكثفة في "خطوات النصر النسائية" ببن جرير    مرسيليا تحتفي بالثقافة الأمازيغية المغربية في معرض فني غير مسبوق    مدرب منتخب أقل من 20 سنة: اللاعبون قدموا كل ما لديهم والتركيز حاليا على كأس العالم المقبل    مليونا شخص يتضورون جوعا في غزة    العلاقات المغربية السورية: بين مدّ قومي وجزر سياسي    سفارة الصين بالمغرب: فيديو الملك الراحل الحسن الثاني وهو يدافع عن الصين بالأمم المتحدة حصد أكثر من 100 ألف إعجاب خلال يومين فقط على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية    الذهب يرتفع وسط تراجع الدولار وتهديدات أمريكية بفرض رسوم جمركية    تأخيرات وإلغاءات.. الخطوط الملكية المغربية تحذر مسافريها من وإلى باريس أورلي    إكستازي وكوكايين وسرقة.. توقيف مروج خطير للمخدرات    جامعة محمد الخامس تحتفي بالابتكار الهندسي في الدورة الرابعة لليوم الوطني للابتكار التكنولوجي    المغرب ‬يسعى ‬إلى زيادة ‬صادراته من ‬السيارات ‬نحو ‬مصر    وانطلق قطار المؤتمر الوطني الثاني عشر    تشديد شروط الهجرة: عقابٌ للمهاجرين أم تراجعٌ عن المبادئ؟    أنشيلوتي: مودريتش سيقرر مصيره بهدوء.. وهذه نصيحتي لثلاثي المستقبل    مباريات السد.. السوالم يواجه أولمبيك الدشيرة والحسنية تلاقي رجاء بني ملال    الرباط تستضيف أشغال الاجتماع الخامس للتحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين    العيش البيئي واقتصاد الكارثة    22 قتيلاً في غارات إسرائيلية على غزة    تشخيص إصابة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بنوع "عدواني" من سرطان البروستاتا    إيران ترفض اتهامات تجسس بريطانية    .    ارتفاع حركة المسافرين بمطار الحسيمة بنسبة 19% خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025    تقرير رسمي.. بايدن مصاب بسرطان البروستاتا "العنيف" مع انتشار للعظام    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    التوصيات الرئيسية في طب الأمراض المعدية بالمغرب كما أعدتهم الجمعية المغربية لمكافحة الأمراض المعدية    وزارة الصحة تنبه لتزايد نسبة انتشار ارتفاع ضغط الدم وسط المغاربة    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات فكرية مالك شبل: هنالك إدارة للمجتمع بواسطة ما هو مُحرَّم وما هو مسموح – 3
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 16 - 07 - 2020

ثمة أسئلة كبرى تطرح على النخب الثقافية العربية التي كانت تقف، في بعض نماذجها القوية، على محك التنافر القطري، غير قادرة على رسم طريق التكامل الثقافي الغربي. غير أن أطروحات كثيرة أنجزها مثقفون ومفكرون عرب ما زالت حتى الآن تطفو على السطح، لراهنيتها وقوة مضامينها، ذلك أن البلاد العربية ما زالت مستهدفة أكثر من أي وقت آخر، زمانيا ومكانيا، مع العلم بأن تلك النخبة تعلم يقينا أن الأحداث التاريخية العربية زاخرة بالصراعات، التى ما زالت تتكرر بصورة طبق الأصل فى تاريخنا الحديث- بغض النظر عن تلك المرحلة التي كان العرب يتبؤون فيها عالميا الهرم السياسي والحضاري.
في ما يلي حوارات فكرية مع بعض أعلام الثقافة والفكر في الوطن العربي.

p تستشهد بفرويد الذي يقول بأنه على الطفل مواجهة العشيرة البدائية كي يتمكن من بلوغ مرحلة الرشد والتخلّي عن المواجهة القديمة مع الأب المطلَق السلطة لإدراك التخطّي الفردي الذي يسمح له بتكوين نفسه كفرد (sujet). لكن حين نُلاحظ الحضور الدائم لهذه «العشيرة» (أو الأمّة) في حياة الفرد وعبئها ورمزيتها، نفهم لماذا نفتقر إلى روح الفردية في مجتمعاتنا العربية. إذ في هذا السياق، تستخلص ثلاث هيئات اجتماعية داخل الأمّة تشارك في جمود الإنسان العربي.
n فعلا، لأنها متضامنة كي لا نقول متواطئة. كما أن كل واحدة منها لا تسير بدون الهيئتين الأخرتين. فالحاكِم بحاجة إلى عالم الدين لتبرير وشرعنة سلوكه وإلى التاجر لاستخدام أمواله. وعالم الدين بحاجة إلى التاجر لتأمين غذائه وإلى الحاكِم لتثبيت موقعه، والتاجر بحاجة إلى عالِم الدين وإلى سلطة الحاكم كي يستطيع القيام بأعماله وتأمين سلامة تجارته. إذاً هنالك طريقة سَير رائعة ومصقولة ودقيقة بِشكل تبقى فيها الأشياء على حالها. ولا يمكن تحريك أي شيء إلا داخل كل قطاع فقط وليس بين القطاعات الثلاثة. إنها الأقطاب الثلاثة التي ترتكز عليها صلابة المجتمع العربي – الإسلامي. عملياً، لدينا حكّام لديهم شرعية عامودية (إلهية) منذ بداية الإسلام، فهم حُكّام من جهة، أي رجال سياسة، ورجال دين من جهة أخرى. كما بإمكانهم أن يكونوا تجّار في الوقت ذاته. هذا أمرٌ غريب : لدينا نظام سياسي كلّي في الإسلام لا يسمح بأي إمكانية في مناقشة مآل الحُكم والتشكيك بقيمته. فهنالك من سيُهاجم رجال الدين أو علماء الفقه أو القواعد. وهنالك من سينتقد التوجُّه السياسي وأربابه كمعارِض سياسي. لكن طالما لم نسطع البنية الكلّية فإن المشكلة تبقى كاملة. ولهذا نرى الحُكّام والرجال الدين والتُّجار ناعمي البال. فمهما كانت الحروب والاضطرابات، تبقى الأقطاب الثلاثة بحالة تضامُن كامل. لن نجد أبداً حاكماً غنيّاً يهاجم غنيّاً آخر، فالغنى مترابط، كباقي المصالِح الأخرى. وإذا فكّرنا بِشكلٍ استراتيجي لفهمنا لماذا الأنظمة العربية، على الرغم من الثورات والاضطرابات والهجمات التي تتعرّض إليها، تبقى ثابتة ولا تهتز بتاتاً.
p حتى كلمة «sujet» بمعناها الاجتماعي والسياسي غير موجودة باللغة العربية.
n معك حق. يصعب فعلا ترجمة هذه العبارة. لكن يمكننا قول «مفهوم الفرد»، وإن كانت كلمة فرد تعني individu إذ لا يمكننا قول «الفاعِل» أو «الموضوع»…
p لكن ذلك له أكثر من دلالة.
n بالتأكيد. فحتى الأكاديمية العربية لم تتفضَّل في ترجمة كلمة «sujet» كعامِل اجتماعي. كما لو أنه يتوجَّب خاصة إبعاد هذا الاستحقاق.
p حتى مفهوم الفن في الإسلام يبدو مقيّداً بقواعد تمنع بروز فرديّة حرّة في تعبيراتها. إذ بقي البورتريه ونسخ الطبيعة ممنوعَين حتى مجيء الصورة الفوتوغرافية.
n هذا صحيح. إذ حتى القرن الماضي لم يكن هنالك فنّ بالمعنى الحديث للكلمة. بالكاد يمكننا أن نتحدّث عن محاولات تجميل وزخرفة. فالتزويق (énluminuse) والتخطيط والأرابسك مهارات تتعلّق بالزخرفة وتهدف إلى سدّ الفراغ الفنّي. لكن في فترة ما برزت التعدّدية الفردية، حين انتهك الرسّام ما هو مُحرَّم ووقَّع عمله باسمه، وهذا يعني بروز للفرد ولو بشكلٍ ضئيل ومقنَّن، وبدون إمكانية تطبيقه أو تعميمه على سائر المجالات في عالمنا. إلا أنه كان قدوَة لباقي المواطنين العاديين كي يصبحوا أيضاً أفراداً بحدّ ذاتهم، لكن داخل فلك السلطة. فإمكانية التعبير دائماً مُتاحة طالما لا نقوم بملاحظة معادلاتٍ خطيرة وبربط أسباب ما هو على ما يُرام وأسباب ما ليس على ما يُرام. يمكن استنتاج ذلك مع حلاج الذي لم يتعرّض إليه أحد حين كان يُبشِّر في الصحراء ويُصرِّح بأنه الله، باسم مبدأ التوحيد الصوفي مع الخالِق. لكنه اضطُهِد ثم قُطِع رأسه ما أن شكّك بإلهية الخِلافة وقال بأن الخليفة مُعرَّض للخطأ. إنه مثالٌ ممتاز يرينا جيّداً كيف أن الموضوع الأخطر للمُفكِّر في عالمنا العربي – الإسلامي، ليس الله أو الدين وإنما السلطة السياسية ورجالاتها، حين نتجرّأ على التشكيك في شرعيَّتها.
p قلنا إن ال «أنا» مكروهة في المجتمع الإسلامي، وكذلك حرّية التفكير والشكّ كي يبقى الفرد خاضعاً لأمّته وسلطته السياسية والدينية. ولكنك تقول : «نادراً ما نجد ثقافة دينية لهذه الدرجة تهتّكية في بنيَتها وإباحيّة تجاه أشكال الملذّات الأرضية الأكثر تنوُّعاً «. ما الذي يشرح هذا البُعد الإرتعاشي (orgasmique) للشخصية الجماعيّة المسلمة ؟
n لأنه لا يمكن تكوين كائن بشري وتسييره على قاعدة الممنوعات فقط. هذا مستحيل. لهذا تُرِك للجنس فسحة واسعة وأُعطي وظيفة ومركز لا تملكهما السياسة. فإذا أعطينا الحرّية الكاملة للناس سيستخدمونها كما يشاؤون، وهنا المشكلة، إذ لا يعود بإمكاننا السيطرة عليهم. لكن إذا حظّرنا الحرّية وأعطيناهم إمكانية المضاجعة والأكل بِوَفرة وكسب الأموال وصرفها تبعاً لرغباتهم، لأنه لا تذنيب في الانكباب على الملذّات الأرضية داخل الإسلام، لاختلف الأمر. فبقدر ما تُرسِّخهم هذه الملذّات في فضاء جغرافي وزمني ولغوي واحد، بقدر ما يسهل إدارتهم وتسييرهم. ومفارقة الإسلام هو في إعطائه الحرّية للجميع في أماكن تتميَّز باللا حرّية والاستلاب الكامِل. المأكل، الجنس، الوفرة، المال، إنها أمور تستلب الإرادة وتُحوِّل اهتمامنا عن السياسة.
p من هنا عبقريّة الإسلام…
n تماماً. لأن، من جهة، هنالك إدارة للمجتمع بواسطة ما هو مُحرَّم وما هو مسموح، وفي الوقت ذاته، لا يوجد أي بنية إدارية أو قوانين أو شرطة، إذ يُوَجِّه الناس نفسهم بنفسهم أخلاقياً.
p مثيرة أيضاً فكرتك التي تقول فيها بأن وَصْف الجنّة المنتظَرة بهذه الطريقة المتعة والمثيرة هو من الأسباب التي تؤخِّر انبثاق الفرد المحرَّر اليوم في مجتمعنا.
n هذا منطقي جداً. إذ نقول للناس : ستُلبّون كافة رغباتكم وتلك التي لم تستطيعوا تحقيقها هنا، شرط أن لا تطرحوا الأسئلة المناسبة. إذ كل ما نطلبه من المسلم هو أن يُصلّي ويطيع ويأكل وينام ويمارس الحب ويتنعّم بأمواله، أي جميع الوظائف التي تلغي العقل بشكلٍ ما وتستلب الإرادة لكونها مخدّرات داخلية، ولكن خاصة عدم العمل على زعزعة النظام وإلا لخسر الجنّة واستحقّ جهنّم، مجازفاً بطرحه فيها بسرعة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.