إدارة السجون تسمح للزفزافي بعيادة والده المُصاب بالسرطان وسط تنويه شعبي وحقوقي    محمد السادس في رسالة للبابا ليو الرابع عشر: المغرب أرض التعايش الأخوي بين الديانات التوحيدية    أخنوش يحث الوزراء على تسريع وتيرة الحوار الاجتماعي القطاعي    الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني يستقبل راشيد الطالبي العلمي    توقيف مروج مخدرات في محيط المؤسسات التعليمية بشفشاون    حملة مشتركة لتحرير الملك العمومي بميناء الحسيمة (صور)    مع اقتراب الصيف.. وكالة تحذر من السباحة في سدود جهة طنجة تطوان الحسيمة    ليبيريا تسعى للاستفادة من تجربة ميناء طنجة المتوسط    لطيفة رأفت تدخل على خط قضية "إسكوبار الصحراء".. والناصري يواجه اتهامات بالوثائق    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    ضواحي طنجة.. رجل أعمال أجنبي يحصل على 2 مليار سنتيم لمفرخة أسماك لم ترَ النور    افتتاح الجناح المغربي في المعرض الدولي للعمارة بينالي البندقية    حالة الحرب بين الهند وباكستان تترسخ!    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة الدار البيضاء تغلق على ارتفاع    ارتفاع حصيلة قتلى انهيار عمارة فاس    مجموعة برلمانية تدعو إلى بلورة استراتيجية وطنية شاملة ومندمجة خاصة بالذكاء الاصطناعي    نواكشوط: المنتدى البرلماني الاقتصادي الموريتاني المغربي ينطلق برؤية تكاملية وتنموية جديدة    تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. لوديي يستقبل وزير الدفاع بجمهورية كوت ديفوار    علاء اللامي يكتب: ردا على المقولة المتهافتة «فوز مرشح ترامب» لباباوية الفاتيكان    مسؤول أمريكي: إسرائيل لن تشارك في خطة أميركية لتوزيع المساعدات في غزة    باير ليفركوزن يعلن رحيل تشابي ألونسو نهاية الموسم    أخبار الساحة    تحريض على القتل الممنهج والإعدام يورط هشام جيراندو في قانون الإرهاب    بنعلي: المغرب أحدث رسميا ثماني محميات بحرية موزعة على طول سواحله المتوسطية والأطلسية    ألونسو يعلن الرحيل عن ليفركوزن بعد موسم تاريخي بلا هزيمة    الصويرة تحتضن الدورة الثالثة من المعرض الوطني للنزعة الخطوطية    بعد تتويجه بجائزة أحسن ممثل.. البخاري: المسار مستمر رغم المكائد    السعودية تشارك في معرض الدوحة للكتاب ب 10 آلاف إصدار دعوي وتوعوي    مهرجان ربيع الشعر الدولي بآسفي في دورته الثالثة يكرم محمد الأشعري    ندوة وطنية تكريما لسعيد حجي: المثقف والوطني    "انبعاثات" تضيء ليالي مهرجان فاس    أسرة أم كلثوم تستنكر استخدام الذكاء الاصطناعي لتشويه صوت "كوكب الشرق"    نائبة أخنوش تعتذر عن إساءتها لساكنة أكادير.. وممثل ال "العدالة والتنمية" في أكادير يطالب "الرئيس الغائب" بتحمل مسؤليته    "نقابة FNE" تكشف تفاصيل الحوار    صلاح يفوز بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي للمرة الثالثة    أجواء معتدلة غدا السبت والحرارة تلامس 30 درجة في عدد من المدن    نصف قرن في محبة الموسيقار عبد الوهاب الدكالي..    كوسومار تستهدف 600 ألف طن سكر    بدء منتدى برلماني موريتاني مغربي    سباق اللقب يشتعل في الكامب نو والكلاسيكو يحدد ملامح بطل الليغا    حكيم زياش يتصدر العناوين في قطر قبل نهائي الكأس    مباحثات حول هدنة في غزة جرت هذا الأسبوع مع الوسطاء    منتدى البحر 2025: رهانات حماية المحيطات والتنوع البيولوجي البحري محور نقاش بالجديدة    البطولة الاحترافية.. الجيش الملكي يتشبث بمركز الوصافة المؤهل إلى دوري أبطال إفريقيا    برلماني يطالب باختصاصات تقريرية لغرف الصناعة التقليدية    الذهب يصعد وسط عمليات شراء وترقب محادثات التجارة بين أمريكا والصين    "مؤثِّرات بلا حدود".. من نشر الخصومات الأسرية إلى الترويج للوهم تحت غطاء الشهرة!    عملة "البيتكوين" المشفرة تنتعش وسط العواصف الاقتصادية العالمية    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أورهان باموق وهو يعلم الكتابَ فن الرواية بجدارة 3/2

كان يوماً ماطراً الثلاثاء 9 مايو، الذي قررت فيه الجمعية العامة لأساتذة Le Collège de France، أرفع مؤسسة أكاديمية في فرنسا، المنشأة منذ سنة 1506، أن تستقبل فيه الروائي التركي أورهان باموقOrhan Pamuk) 1952) الحاصل على جائزة نوبل للآداب سنة 2006 بعد إصداره مجموعة فخمة من الروايات استجلت التاريخ العميق لبلاده وغاصت في شغاف التحولات الاجتماعية برموز شخصيات وأيقونات، تعززت بها الرواية التي كتبت بمعمار مُحكم ووصف دقيق وبتكليم للكائنات والأشياء والظلال بأسلوب مزيج بلاغة اللغة الوطنية وحياكة الموهبة الشخصية الصائغة. منذ روايته الأولى» جودت باي وأبناؤه» (1982) لفت إليه الأنظار لتتوالى أعناه بعدها نذكر منها الأشهر» بيت الصمت»(1983)؛ «القصر الأبيض» (1985)؛ «الكتاب الأسود «(1995)؛ «اسمي أحمر» (1998)؛ «متحف البراءة» (2008) انتهاءً ب «ليالي الطاعون» (2021) المترجم إلى الفرنسية أخيراً عند دار غاليمار التي تولت ترجمة أغلب رواياته إلى الفرنسية، والمنقولة إلى ستين لغة.
كان يوماً ممطراً لما ذهبت إلى الكوليج دوفرانس الواقع ب la rue des écoles الدائرة الخامسة بباريس متفرِّعٍ عن شارع سان ميشال على خطوات من المبنى التاريخي لجامعة السوربون، وصلت مبكراً في الرابعة والمحاضرةُ مبرمجةٌ الخامسة والنصف، فوجدت أمامي أربعين شخصا مصطفين عند الباب الخارجي للكوليج حضروا أبكرَ مني ليفوزوا بمقعد في المدرج. دقائق تتوالى وإذا الصّفّ ينمو طابوراً أنا في مقدمته وأراه خلفي طويلاً ومديداً يتراجع إلى شارع سان جاك ويلتوي إلى حيث لا أراه، لقد صار بمئات الأمتار، الواقفون فيه بأناة وهدوء تحت وابل المطر لا يَعْيَون وجميعاً يتطلعون لمقعدٍ أثيرٍ ليسمعوا الكاتب يتحدث. جئنا لحضور الجلسة الأولى من أربع محاضرات دُعي أورهان باموق لتقديمها في كرسي الأدب المقارن باقتراح من البروفيسور وليام ماركس وتزكية من مجلس الأساتذة، وهم كبار الباحثين الاختصاصيين الذي يدرسون في أرفع أكاديمية تبذل العلم والآداب مفتوحة للجميع ولا تقدم شهادات وفي الوقت تحتاج إلى استعداد معرفي وافٍ لمتابعة مجالسها. المحاضراتُ الأربع سيقدمها بالإنجليزية كاتبٌ سلخ خمسين عاما من تجربة كتابة الرواية، وهو أيضا يعمل منذ ستة عشر عاما أستاذا لكرسي روبير كينغ فونغ للإنسانيات في جامعة كولومبيا بنيويورك. والموضوع كما حددها هو الرواية من زوايا 1 البدايات Beginnings).2 مفارقة الروائي The paradox of the Novelist).3 خلق وتطور شخصية (Inventing and Following a caracter) .4 إبداعية ومراقبة (Créativity and Control).
تستند محاضرات أورهان باموق كما تستمد أهميتها من مزاوجتها بين حصيلة خبرة نصف قرن من الكتابة الروائية استخدم فيها المؤلف أدواتٍ وطرائقَ وأساليبَ وقوالبَ وأشكال معمار وبناء، فهو إذن سيتحدث من موقع العارف الممارس الحِرَفي؛ وثانياً بوصفه أستاذا للأدب يملك خبرة موسوعية عن الرصيد العالمي لهذا الفن، بمعنى أنه كاتب ومثقف، وهذه شخصية نموذجية. في المحاضرة الأولى بمدرج مارغريت دونافار، يسع خمسمائة مقعد وخارجه وقوف، انطلق المتحدث من موقع وفهم التفكير في الرواية ولمقاربة كيفيات كتابتها وبنائها ليستقيم النصَّ العالَم الذي نقرأ وندخل. لذلك عرّف هويته الأدبية بأنه (صانع Artisan) وأخبر بأن التجاربَ التي سيتقاسمها معنا نحن الحاضرين ذاتُ طابع خارجي، أي كيف تُكتب الرواية وكذلك آراءٌ شخصية لا تطرحها نظرية الأدب مستخلصة من عِشرة طويلة مع الكتاب. يرى في معالجة مسألة البدايات، انطلاقا من تولستوي يعتبره معلمَه الأكبر، أن الكتابة من أسرار المهنة والكتاب يحافظون عليها إذ كان البعض يعتبرها (وحياً يوحى) فيتكتمون عليها كأنها كنز. يرى ثانيا، أن القراء كثيراً ما يدفعهم الفضول للسؤال كيف تُكتب الرواية، يحبون أن يعرفوا كيف ولماذا؟ في هذا الصدد هنا ظنّ أننا إذا بدأنا كتابة الرواية كأننا قطعنا نصفها، والحال أن الجوارير مليئة بروايات لم تكمل. مسألة ثالثة، وهي وهمٌ متقاسَم ٌوشائع بين القراء، أن الرواية تولد فجأة وتنبثق من ذهن الكاتب. كلاّ، الرواية عند الروائي الموهوب ليست قصيدةً قصيرة بل هي رحلةٌ شاقةٌ بلا نهاية، أن تَكتب وتعيد. مع ذلك ينبغي أن تبدأ من نقطة ما. عندئذ لا تفكر في التفاصيل، إنها تأتي في الطريق وأثناء الكتابة.
يسمِّي باموق البداية أو يعتبرها (الورقة الأولى) وهذه لا تكون بالضرورة في الاستهلال. يستدعي وليم فوكنر، عنده مثال من يبدأ ب (صورة ذهنية) هي أصل ولادة «الصخب والعنف» (1929). استوحاها من لطخة وحْل في سروال طفلة وظنّ أنه سيكتب قصة قصيرة. هذه الورقة الأولى نجدها عنده في النهاية. إلى جانب الصورة هناك الفكرة، الأفكارُ ضروريةٌ وتحضُر في بداية الرواية مستترة، مثالها في روايتي «أنا كارنينا» لتولستوي، و«مدام بوفاري» لفلوبير. يحضر هنا أيضا توماس مان في «الجبل السّحري» وأومبرتو إيكو في «اسم الوردة». هل يمكن أن نبدأ أيّ رواية بدون فكرة، خصوصاً بدون تصميم؟ يجيب بالقطع: إذا لم يكن لديكم أي تصميم لن تستطيعوا كتابة أي صفحات أولى، إن ما يُسمّى (قلق الصفحة البيضاء) هو غياب التصميم. منه أن الكاتب يحتاج ليبدأ إلى البذور الأولى، كما يقول فوكنر، أن تعرف الشخصيات واحدةً، واحدة، وتتمثلَ أوضاعَها، ونتخيلَ كيف تنمو كما تنبتُ الأوراق في الشجرة، بترابطٍ مع حبكة الرواية. هل هذا كل شيء؟ يجيب باموق أنه بالرغم من التمكن هذا فالكاتب لا يعرف إلى أين سيصل ولا الشكل الذي سينتهي به عمله. هكذا تجربة جيمس جويس الذي صمّم (عوليس) قصةً قصيرةً ثم انتهت إلى رواية ملحمية بتبدّلاتٍ وتحوّلات، لذا لا فائدة في رواية تكرّر الورقة الأولى أي تَستنسخ. لم يُعن جويس برواج كتبه ولكن بفنه.
أما عن تجربته، طريقته الشخصية في كتابة الرواية، فيوجزها أورهان باموق في ثلاثة عناصر: أنه إضافة لما نبّه له يأخذ عمله صنعة، فهو صانع. ثانيأ، أن يتوفر على أفكار واضحة للورقة الأولى. والاهتمام بعناية بالتفاصيل، لذلك فهو يدوّن في دفاترَ كثيرة تفاصيلَ رواياته تفوقها عدّاً يستخدمها حسب الحاجة. ثم يبدأ العمل في التكوّن، تارةً يُسرع وتارة يبطؤ الإيقاع، يخاطب الناشئين: إذا ضبطتم الحبكة والأحداث لا تقلقوا، ستصلون إلى ملء ما تأخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.