مجلس ‬المستشارين ‬يصادق ‬على ‬قوانين ‬مهمة    متقاعدو ‬المغرب ‬يخرجون ‬اليوم ‬من ‬جديد ‬إلى ‬الشارع    مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة بين التأهيل أم التقييد.    بعد ‬الإعلان ‬عن ‬نمو ‬اقتصادي ‬بنسبة ‬4.‬8 % ‬وتراجع ‬التضخم ‬    جدل واسع في طنجة بعد رفع تسعيرة الطاكسيات الصغيرة إلى 7 دراهم    شركة أسترالية تبدأ التنقيب عن " معدن ثمين بالمغرب    الفاسي الفهري: المغرب يراهن على الفرصة الديمغرافية لتحقيق مكاسب تنموية    تحسيس بمخاطر السباحة في السدود والوديان من طرف وكالة الحوض المائي لكير-زيز-غريس    الصينيون يكتشفون الجنوب المغربي: آيت بن حدو وجهة ثقافية عالمية    هل ‬هو ‬الظلام ‬الذي ‬ينبثق ‬عنه ‬الفجر ‬الصادق ‬؟    خورخي فيلدا: الانتصار على الكونغو أعاد الثقة ل"لبؤات الأطلس" قبل مواجهة السنغال    لويس إنريكي: الظفر بلقب الموندياليتو هدف سطرناه منذ بداية الموسم    أشرف حكيمي: الرحيل عن ريال مدريد لم يكن قراري    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    سقوط سيارة في وادٍ قرب مدرسة أجدير بسبب السرعة المفرطة    استفحال ظاهرة الاعتداء على أعوان السلطة ببرشيد وسلطات الأمن تتحرك بحزم    حسن الزيتوني.. عامل الحسيمة الذي بصم المرحلة بأداء ميداني وتنموي متميز    محكمة كورية جنوبية تصدر مذكرة توقيف جديدة في حق الرئيس السابق    الإيطالي سينر والصربي ديوكوفيتش يتأهلان لنصف نهائي بطولة ويمبلدون لكرة المضرب    تحطم مقاتلة تابعة لسلاح الجو الهندي ومصرع طياريها    دراسة كندية: التمارين المائية تخفف آلام الظهر المزمنة    واشنطن تفرض عقوبات على فرانشيسكا ألبانيزي بسبب مواقفها من الإبادة في غزة    حقينة السدود تحقق نسبة ملء في حدود 37.4% إلى غاية 7 يوليوز    المغرب يعلن رسميا افتتاح سفارته في دمشق واستئناف العمل بمختلف مصالحها    المدرسة الدولية بالجديدة تميز وتألق مستمر في الباكالوريا المغربية وباكالوريا البعثة الفرنسية    لبؤات الأطلس يلدغن الكونغو في مباراة لا تُنسى    مجزرة كروية في أمريكا .. الملكي يتهاوى أمام إعصار باريس    سان جرمان يهزم ريال مدريد برباعية    "غي -تا" تكشف عن ملامح عملها الفني الجديد "كروا غوج"    باريس سان جيرمان يكتسح ريال مدريد برباعية ويتأهل لنهائي مونديال الأندية    مراكش.. توقيف فرنسي من أصل جزائري مطلوب دوليًا في قضايا تهريب مخدرات    حموشي يؤشر على تعيينات أمنية    في سابقة طبية إفريقية.. المغرب يشهد أول عملية جراحية بتقنية "v-NOTES" لاستئصال الرحم    مازغان يطلق المطعم الموسمي الجديد    الصحراء المغربية.. توافق دولي لا رجعة فيه حول مغربية الصحراء ودعم ثابت للمبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل سياسي وحيد لهذا النزاع الإقليمي    الوكيل العام بالرشيدية ينفي تعرض طفل بومية لاعتداء جنسي ويكشف نتائج تشريح الجثة    أزيد من 160 مفقودا بفيضانات تكساس    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    بنسعيد: التحولات التي يشهدها قطاع الصحافة أفرزت الحاجة إلى تحيين الإطار التشريعي المنظم لمهنة الصحافة    مجلس المستشارين يصادق على مشروع قانون التأمين الإجباري الأساسي عن المرض رقم 54.23    المغرب يفتح باب المشاركة بالأوسكار    إسرائيل تنفذ عملية برية بجنوب لبنان    "مجرم حرب يدعم تاجر سلاح".. بوريل ينتقد ترشيح نتنياهو لترامب لجائزة نوبل    الغرفة الثانية تصادق على مشروع قانون المسطرة المدنية    بنك المغرب: 58% من المغاربة يمتلكون حسابات بنكية بنهاية 2024    أكثر من مليون متابع لفرقة تولّد موسيقاها بالذكاء الاصطناعي    عندما ينقلب "الحياد الأكسيولوجي" إلى سلسلة ثنائيات شاردة!    كاظم جهاد: جاك ديريدا والمسألة الفلسطينية    ظاهرة "طوطو" هل نُربي جيلاً لتمجيد الصعلكة!؟    الشاعر حسن نجمي يفوز بجائزة ابن عربي الدولية للأدب العربي    تورونتو تحتفي بعبق السوق المغربي    الطالبة ماجدة بن علي تنال شهادة الدكتوراه في الكيمياء بميزة مشرف جدا    ممارسة الرياضة بانتظام تقلل الشعور بالاكتئاب والتوتر لدى الأطفال    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرسائل.. بين أحمد بوزفور وعبد القادر وساط : أسفار عجائبية


أنا أحب دوستويفسكي كثيرا
لكنْ
مثلما
أحبُّ أبي ....
من عبدالقادر وساط
إلى أحمد بوزفور
صديقي العزيز . قرأتُ قبل أيام قصة طريفة للفنان الأمريكي وودي آلن ، يتحدث فيها عن أسفار عجائبية في الزمن الروائي . يأتي الشخصُ الراغب في السفر، هروباً من الرتابة القاتلة لحياته اليومية . يدفع مبلغا ماليا معينا ، و يصعد لمركبة زمنية تم تصميمها لذلك الغرض ، ثم يُشغّل الشاشة الإلكترونية و يكتب عليها عنوانَ الرواية التي يرغب في السفر إليها و في لقاء أبطالها و خوض ما تيسرَ من المغامرات برفقتهم . و إن هي إلا دقائق معدودات حتى تكون المركبة قد حملته إلى حيث يرغب ، فلا يبقى أمامه عندئذ سوى الهبوط كي « ينخرط « في الحياة الروائية التي يرغب فيها .
فإذا هو اختار، مثلا ، رواية مدام بوڤاري - كما فعل الأستاذ الجامعي كوغلماس ، في قصة وودي آلن - فسوف يعيش مغامرات عجيبة مع إيمّا بوڤاري ، مثلما سيكون شاهدا على توقها الجنوني إلى الحب أو إلى ما تتوهم أنه حب .
أما أنا - يا صديقي العزيز - فلو أتيحت لي فرصة مماثلة للسفر ، لما اخترتُ غيْر رواية ( موت إيڤان إيليتش) لتولستوي...
لم أعد أتذكر من هو الناقد الذي نعت هذه الرواية بأنها أفضل ما كتب ليون تولستوي . و مهما يكن، فإن فيها وصفاً فنياً مدهشاً لذلك الإحساس المخيف بعبثية الأشياء، الذي يعتري بطلَ الرواية ، في مرحلة حرجة من حياته ، حين يداهمه مرض لا شفاء منه ، فيتنكر له الأحياء والأشياء، على حد سواء...
تمنيتُ إذن أن ( أسافر) إلى هناك، وأن أقضي بعض الوقت بجانب إيڤان إيليتش - بطل الرواية - وهو يمر بتلك الفترة العصيبة ، موقناً أن شعلة الحياة تنطفئ تدريجيا بداخله ، فيما يتعامل معه أفراد محيطه العائلي بنوع غريب من اللامبالاة .
إن إيڤان إليتش الذي كان يمارس مهنة القضاء ، و الذي كان يوقره و يهابه الجميع ، لم يعد قاضيا و لم يعد يوقره أو يهابه أحد. و ذلك منذ داهمه المرض و أقعده في البيت . لقد أصبح إنسانا وحيدا ، يبرح به الألم ، فيما تتعمق وحدته يوما بعد يوم . و حتى زوجته التي « ضحى كثيرا من أجلها « صارت تتعامل معه ببرودة قاسية ، لا قبَل له بها . فلم يعد أمامه من خيار سوى أن يرجع إلى الوراء . أن يصير ذلك الطفل الذي كانَهُ فيما مضى من الزمن . الطفل الذي يحترق رغبة في أن يهتم به الآخرون و أن يتعاملوا معه بما يستحقه من حب و رعاية .
هكذا أصبح إيڤان إليتش يعيش أيامه الأخيرة على استحضار الذكريات . فهو يستعيد دون كلل مشاهدَ متتالية من حياته الماضية ، و يحاول أن يراها بوضوح ، كما لو تعلق الأمر بلوحات فنية مصفوفة جنبا لجنب في أحد المتاحف .
وعلى أي حال ، فليس المرض هو الذي سيقتله في النهاية ، بل لامبالاة الآخرين .
نعم صديقي ، هذه هي الرواية التي كنت أود السفر إليها أو السفر فيها . و هي رواية قصيرة ، يمضي فيها تولستوي مباشرة إلى الأمور الأساسية ، دون إغراق في التفاصيل .
من أحمد بوزفور
إلى عبدالقادر وساط
مساء الخير صديقي العزيز . وددتُ لو سافرت أنا أيضا في ( مدام بوفاري ). لكن الإيقاع الذي تَسيرُ به ( إيمّا ) فوق طاقتي. وزوجُها ( شارل ) لا يعجبني. ما يعجبني في ( مدام بوفاري ) هو فلوبير نفسه. أعني الكتابة. فلا شك أن القفزة التي قامت بها ( مدام بوفاري ) في الكتابة الروائية - بانتقالها من وصف الحركة إلى وصف دوافع الحركة، وبتشذيبها للجملة السردية - تكاد تضاهي القفزة التي قامت بها رواية (دون كيخوته )، وهي تنقل السرد من حكاية المغامرة إلى مغامرة الحكاية.
وددتُ أيضا لو سافرت في دوستويفسكي، فأنا أحبه كثيرا، لكن مثلما أحب أبي.. حب تخالطه مهابة واحترام . و ذلك ما يمنعني من السفر الحر في غاباته الروحية الكثيفة والمعقدة.
والحق أني أفضل السفر في كافكا. وفي ( القضية ) بالذات. أحسّني قريبا من ( ك ) بطل القضية. هل قلتُ بطل؟ ربما كان هذا هو ما يشدني إلى ( القضية). هذه البطولة الدونكيخوتية التي يرتد فعلها إليها - مثل ميدوزا أمام مرآة - والتي تحارب طواحين حقيقية، ولكنها غير مرئية... جبرية قدرية مجهولة ترسم غاياتنا.. و طرُقَنا إلى هذه الغايات.. ثم تدفعنا دفعا في هذه الطرق ، شئنا أم أبينا. ما يشدني إلى ( ك ) بالذات هو مقاومته. رفضه لهذه الجبرية وصموده في هذا الرفض حتى النهاية.. حتى يموت ( ككلب ). و كلمة ( ككلب ) هذه هي آخر كلمة في الرواية.
وياصديقي العزيز.. أنت الذي كتبتَ عن الكلب، أو كتبتَ الكلبَ، أو كتب الكلبُ بقلمك.. يذكرني كلبك دائما ب ( القضية ) و ببطلها ( ك )... و يالهذه الصدفة التي تجعل هذا الاسمَ / الحرف هو أول حرف من اسم الكلب في العربية.. أقصد اسمه الأشهر، لأن له سبعين اسما حسب المعري ... إن ( ك ) يعيش ككلب، ولا يكتشف ذلك إلا في الأخير، حين يموت ككلب. لقد قرأتُ ما كتبه كتاب عديدون عن الكلب ( غوركي .. دورينمات .. فوكنر .. صادق هدايت .. أورهان باموك...) وجمعتُ ما كتبوه في أرشيف خاص. كنت أريد أن أكتب أنا أيضا عن الكلب ( الكتابة دواء يقولون، وأنا مصاب برُهاب الكلاب منذ طفولتي، فلمَ لا أحاول أن أعالج هذا الرهاب بالكتابة عن الكلب ؟ ). تساءلتُ في البداية: هل يمكن أن نُعبّرَ في الكتابة عن الكلب؟ الكلب الحقيقي، وليس الإنسان الكلب؟ وأنا أكتب قصة في مجموعة ( نافذة على الداخل ) بعنوان ( شخصيات خاصة جدا ) جعلتُ إحدى هذه الشخصيات كلبا. وحين لم أستطع رغم محاولاتي المتكررة أن أعبر عنه، كتبتُ نباحاً فقط ( هاب ...هاب... هاب ) .
و كما ترى صديقي العزيز، أردتُ أن أسافر في ( القضية ) فحمتُ حولها.
لا بأس. أنا مريد لشيخي العظيم: الجاحظ.. الذي ابتكر الكتابة الحرة المرحة. هل تعرف يا صديقي أن أحد أساتذة كلية الآداب طرح على طلبته موضوعا للكتابة هو (البناء العشوائي عند الجاحظ ) ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.