نائب برلماني يسخر من وزير الصحة: "ChatGPT أجابني أفضل منك"    البنك الإفريقي يدعم الفلاحة التضامنية    "اللبؤات" يختمن الإعداد لمواجهة غانا    التهراوي: الوزارة تروم ضمان العدالة في الولوج إلى الدواء عبر مراجعة التسعيرة    إسرائيل ترفض دعوة 25 دولة لإنهاء حرب غزة.. وغوتيريش "مستاء"    الريسوني: نجاح ورش العقوبات البديلة رهين بتوفير بنية تحتية ولوجيستية ويجب رفع الوعي القضائي والمجتمعي بأهميته    كرة القدم.. طارق السكتيوي يكشف يوم الأربعاء المقبل عن لائحة المنتخب المغربي المشاركة في بطولة إفريقيا للاعبين المحليين    طاطا.. إحباط محاولة للتهريب الدولي للمخدرات وحجز 598 كيلوغراما و 500 غراما من مخدر الشيرا    غوتيريش: "آخر شرايين الحياة" لسكان قطاع غزة على شفا الانهيار    وفاة وعدة جرحى في حادث مأساوي خلال موكب زفاف بإقليم الدريوش    وزير الصحة: التوصل إلى صيغة توافقية لمرسوم جديد سيسمح بخفض ملموس لأسعار الأدوية    بوريطة: بفضل الرؤية المستنيرة لجلالة الملك، المغرب يضطلع بدور محوري في تعزيز الاستقرار الإقليمي    النقابة الوطنية للصحافة تطالب برفع تمثيلية المهنيين في "المجلس الوطني"    أوضاع غزة تقلق مثقفين في المغرب    درك الحسيمة يفك لغز العثور على جثة قرب شاطئ السواني    والي بنك المغرب: المنصات التكنولوجية العالمية تهدد أنظمة الدفع الوطنية    المنتخب المغربي يتوج ببطولة إفريقيا ويتأهل إلى بطولة العالم للتنس    الأرجنتين تؤكد أن المغرب يتموقع ك»سوق استراتيجية» لتدويل منتجاتها    تنفيذ المرحلة الثالثة من حملات الإغاثة المغربية لغزة    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تدين الاعتداءات العنصرية على المغاربة في إسبانيا    احتضن فعاليته المخيم الحضري الأميرة لالة مريم بعين الذياب .. أطفال جمعية «أمل لذوي الاحتياجات الخاصة الذهنية» يودعون منتداهم الصيفي المنظم في الدارالبيضاء    ليلة العيطة تجمع نجوم التراث الشعبي على منصة واحدة بالعاصمة    الطالب الباحث سمير عثمان يناقش أطروحة الدكتوراه حول أثر اعتماد معايير IFRS في السياق المغربي    في بيان الدار البيضاء للمسرح الجامعي .. «قصص رائعة لبقية الحياة» لأكاديمية الفنون المسرحية من إيطاليا تفوز بالجائزة الكبرى    ميناء آسفي : ارتفاع مفرغات الصيد البحري    توقيع اتفاقية لتعزيز التحليل الإحصائي للجريمة بالمغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع ارتفاع طفيف    الملك محمد السادس يهنئ عاهلي بلجيكا بمناسبة العيد الوطني لبلدهما    "سوبر مان" يواصل تصدر شباك التذاكر في أمريكا الشمالية    روما الإيطالي يعلن تعاقده مع المغربي نائل العيناوي    المصلحة البيطرية بتازة تكشف حقيقة "هياكل الحمير" بواد أمليل    البيضاء.. الأمن يُطيح بمشتبه به في قضية ضرب وجرح خطيرة بسلاح أبيض    العرائش تخرج عن بكرة أبيها… وتصرخ: "أعيدوا لنا شرفتنا!"    مجموعات تراثية في فن لوناسة تضيء سماء تارودانت    ما حقيقة إصابة الفنانة أنغام بسرطان الثدي؟..بيان رسمي يوضّح        "يوم الصفر".. الولايات المتحدة الأمريكية تتعرض لهجوم سيبراني غير مسبوق    هل تخلص مولودية وجدة من إرثه الثقيل؟    "المهرجان السوسيو ثقافي لمقريصات في دورته التاسعة..منصة لإبراز تنوع وغنى الموروث الثقافي للمنطقة "    نبيل الأيوبي يتوَّج بلقب "نجم العيطة" في أولى محطات مهرجان العيطة المرساوية بالجديدة    مارسيليا يرفض عرض جيرونا لضم أوناحي ويصفه ب"السخيف"    تير شتيغن يخضع لجراحة في الظهر تُثير الشكوك حول استمراره مع برشلونة    غدا، الكاتب الأول إدريس لشكر يترأس المؤتمر الإقليمي السابع للحزب بتطوان        مصرع 18 شخصا بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية    مكتب نتنياهو يٌعلن إصابته بتسمم غذائي.. والصحافة العبرية تتهمه بافتعال المرض للتهرب من محاكمته    أولمبيك آسفي يتعاقد مع عماد عسكر    أمريكا تتسلم زعيم عصابة مخدرات        دراسة تكشف العلاقة بين سمات الشخصية والرياضة المناسبة    لماذا تختلف القدرة على تحمل الألم من شخص لآخر؟    ترامب يغيّر وصفة "مشروب القمامة" وسط تحذيرات من مخاطر "كوكاكولا"    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة سيميائية في قصة «فوق خطوط القدر» لسلوى إدريسي والي


توطئة:
قبل الشروع في مقاربة القصة القصيرة «فوق خطوط القدر» للقاصة سلوى إدريسي والي مقاربة سيميائية وتحليل بنيتها السردية وتشريح مكوناتها البلاغية، لِنَعُد أوّلاً خطوة إلى الوراء من أجل التقدم خطوتين إلى الأمام، من خلال مَسحٍ مَنهجِيٍّ خاطفٍ، بهدف الوقوف على أُسُسٍ نظرية وخلفياتٍ معرفية لرصد بعض المؤشرات الدالة سيميائيا، خاصة ما يتعلق بسيميائية العنوان والأهواء في القصة القصيرة.
سيميائية العنوان نظريا*
إن ما يميز أي نص أدبي هو وجود عنوان يعتلي أفقه ليحمل مضمون النص ودلالته، فالعنوان بالنسبة للقصة القصيرة يمثل ناطقها الرسمي والنائب عنها، هو اللافتة التي ترمز للنص، بل المفتاح الذي تفتح من خلاله المنافذ الموصلة إلى الحقيقة المواراة في العمل الإبداعي، ينبغي الإشارة إلى أن العنوان مرتبط ارتباطا دقيقا بقصدية ومقصدية المؤلف حيث لا يكون اعتباطيا ولا يأتي من فراغ أو عدم، فهنا عنوان «فوق خطوط القدر» نتاج ثقافة المؤلفة ورؤيتها وعصارة تجاربها، قناعاتها، وأفكارها.
لماذا التحليل السيميولوجي للعنوان؟
لقد حُظي العنوان بكثير من الاهتمام في المقربات السيميولوجية باعتبارها أحد الإجراءات الرئيسة التي ينبغي الباحث أن يجيد قراءتها وتأويلها، لأن التحليل السيميائي يسعى إلى استجلاء المضامين العميقة والكشف عن الخبايا والخلفيات التي ليست في متناول القارئ العادي. سيميائيا؛ يمثل العنوان مؤشِّرَ إغراءٍ ومُحفِّزَ قراءةٍ، استنادا على هذا المعطى تنهض علاقة العنوان بالنص على أساس التضمين المتبادل، فالنص بمثابة بيت المعرفة الذي لا يمكن دخوله إلى بامتلاك مفتاح المعرفة، المفتاح هنا هو العنوان والامتلاك هو القراءة المتمكنة والتحليل الرصين والاستنطاق الحذق سعيا في خلق جسر تواصل بين النص والقارئ.
دائما؛ علاقة العنوان بالنص مرهون بفعل القراءة فلا يمكن فهم النص إلا عبر قراءته، وحسب تعبير الإيطالي أمبيرتو إيكو «يبقى النص آلة كسولة، يجب أن تستعيد نشاطها عبر فعل القراءة». والتي اهتمت بهذا الفعل، [نظرية القراءة] والتي سميت بنظرية أو جمالية التلقي، التي تُفصِح على أن فهم أغوار النص يتجاوز النص والمؤلف إلى البحث عن قارئ يعيد بناء النص من جديد، يعيد تشكيله وصناعة دلالاته. اعتبارا القراءة تفاعلا بين موضوع النص والوعي الفردي.
قراءة سيميولوجية في العنوان:
جاء عنوان «فوق خطوط القدر» من الناحية اللسانية وعلى مستوى البنية الخطية على شكل متوالية صوتية توزّعت بين ثلات كلمات شكلت لنا مركبا إضافيا، الأول (فوق) جاء ظرف مكان موحيا إلى اتجاه نحو الأعلى والأفق، وجاء الثاني (خطوط) مستوحى من معجم هندسي إحالة على أن الكاتبة لها استعداد على ترميم الذات وإعادة بنائها، كما جاءت المفردة نكرة دلالة على ما تعانيه الكاتبة من انشطار فكري، ألم نفسي، ووحدة عاطفية، أما الثالث فهو بيت القصيد ومربط الفرس، وبداية المعنى ومنتهاه (القدر) جاء مفردا مذكرا معرفة، هذا الأخير على المستوى الدالي يدفعنا لطرح أسئلة وإشكالات: حول أي قدر تقصد الكاتبة؟
هل القدر بالمفهوم الديني؟ أم القدر الفلسفي أم الوجداني؟ أم قدر الأساطير التي تحمل رمزية تراجيدية؟
وعلى المستوى الدلالي عتبة العنوان تستدعي قبل استنطاق مضامين النص وقضاياه، إلى افتراض فحوى هذا النص، مثلا: سيتحدث عن قصة مستحيلة، أو عن تحدٍّ ورفض ررغبة في الانتصار ومواجهة القدر أم عن استسلام واستكان وهزيمة.
لتكون الإجابة كالآتي: لقد بسّطت الكاتبة سلوى الإدريسي القضية الاجتماعية على نحو لايزيف الوقائع ولا يمس الحقائق، ولا يرفض أن يكون مطية لدوافع المحاباة والمجاملة والمداراة والتفاؤل. فجاءت قصة «فوق خطوط القدر» بمثابة علامة نضوج إنساني واضحة، تشعرنا بأن المرأة المغربية، امرأة تواقة إلى التحرر من التقاليد البائدة والقيود الصديقة، كائن يميل إلى تطلعات البنية الأفقية، وتأملات الفلسفة الوجودية، تُوازِن بين القرارات والمواقف رغم جدلية السياق ومفارقة النسق، امرأة تضع خطوطا مفصلية بين الفكر التقليدي والفكر الحداثي، بين القيم المحافظة والقيم المتمردة، بين قدسية عقد الزواج والأوراق القانونية وبين عظمة ميثاق الحب.
أعود لطرح سؤالين للنقاش وإثراء الحوار وكذلك لفك الالتباس ومزيد التوضيح:
هل (فوق خطوط القدر) قصة أم بوح شفيف؟
وهل كانت هناك قصدية لدى الكاتبة في كتابة قصة قصيرة بهذه الجمالية أم هي نذبة لإزاحة اللثام عن رواسب عاطفة منسية في الزاوية؟
المضمون وسيميائية الأهواء:
يمكن اعتبار قصة «فوق خطوط القدر» منصة مثالية للغوص ولاستكشاف أعماق النفس البشرية ودوافعها الخفية من خلال عدسة سيميائيات الأهواء، يمكننا فك شفرة الأهواء المتشابكة التي تحرك الشخصيات وتشكل نسيج الأحداث.
تدور القصة حول صراع نفسي معقد بين العقل والقلب، بين الإيمان بالقدر وبين التمرد والرفض. بين الأنا والهو حسب نظرية فيلسوف النفس البشرية سيجموند فرويد. حيث يتجلى الهوى المركزي في الرغبة الجامحة في التحرر والرفض والتمرد. يدفع هذا الهوى سماح المنتصرة لقيم الحب إلى الدخول في نزال نفسي داخلي بين الأنا والأنا الأعلى والهو، في حين تسعى سماح الزوجة بكل قوتها للحفاظ على سلطة التقاليد والأعراف ومُقاومة إغراءات الوجدان، القلب والعاطفة.
يترافق هذا الهوى المركزي مع مجموعة من الأهواء الثانوية التي تُعقد الصراع وتضيف طبقات جديدة إليه. فالهوى بالخداع والتمويه يسيطر على سلوك الشخصيتين.
الشخصية الأولى (سماح القلب): تتقمص دور الولاء والوفاء للحب، الحائرة بين فكرة الحب كوفاء والتزام، والحب كخيانة وتجاوز لميثاق مؤسسة للزواج، تم التعبير عنه في النص ب «هل يعتبر خائنا من لم يحب؟»
الشخصية الثانية (سماح العقل) : تستخدم المنطق لأزاحة اللثام عن الحقيقة التي تؤمن بها. عبرت عنه في النص ب «أنا أومن بالأوراق القانونية» كما يلعب الهوى العاطفي دورًا هامًا، حيث يظهر الولاء المطلق للعاطفة، بينما يظهر ولاء سماح للأسرة والدين وتقاليد المجتمع الذي تمثله.
بالتعمق في أهواء شخصية سماح وفقًا لنظرية غريماس. سنجد أهواء متعددة تؤثر على البناء السردي تتوزع بين أهواء أساسية وأخرى ثانوية تتقاطع في التحكم في سلوك وتصرفاته الشخص في القصة.
الهوى السيطرة والتمويه:
يظهر هذا الهوى بوضوح في سلوك العقل الباطني لسماح الشابة، حيث يسعى إلى إبراز الذات وتمويه الحقيقة وتزييف الواقع، بينما تحاول سماح الزوجة الحفاظ على سلطة القانون وعقد الزواج وكشف التمويه والتزييف.
– يمكننا ربط هذا الهوى بمفهوم السلطة في نظرية جريماس، حيث تصبح السلطة رمزًا للهوى والرغبة في السيطرة.
– يلعب هذا الهوى دورًا في تأجيج الصراعات والتوترات داخل القصة، مما يزيد من تعقيد الحبكة وتطور الأحداث.
️الهوى العاطفي:
يظهر هذا الهوى في ولاء سماح للأوراق القانونية وقدر الملكية الزوجية، واحترام قيم المجتمع الدينية والعرفية من جهة، ومن جهة أخرى تقديسها لقيم الحب وإكراهاته ومآلاته.
يعكس هذا الهوى التصدعات العاطفية التي يعيشها الفرد والصراعات الداخلية التي تواجهه.
– يمكن تفسير هذا الهوى كنوع من التضاد العاطفي الذي يزيد من تعقيد الصراع في القصة.
▪️الهوى الفلسفي: البحث عن الهوية.
– يظهر هذا الهوى بوضوح في شخصية سماح، التي تعاني من صراع داخلي حول هويتها الفكرية الحقيقية. كما تسعى إلى خلق تناغم بين ما تعيشه وبين ما تأمله، وإلى خلق جسر بين هويتها كفردٍ حرٍّ واعٍ ومُفكرٍ، وبين هوية المجتمع كواصٍ ورقيب أخلاقي.
️الحبكة:
من حيث الحبكة جاءت قصة (فوق خطوط القدر) في قالب أدبي سلس بعلامات ترقيم محكمة، وتسلسل رصين لمضامين مشوقة، أضفى عليها البعد البلاغي والمجازي المُنتقى بإتقان رونقا وجمالية للقصة. هذه الأخيرة تناولت قضية بارزة طُرحت في المجتمع المغربي بعد انطلاق مسيرة الدفاع عن الحريات العامة والتحديث والنهضة النسائية، والبدء في إثارة العديد من القضايا الاجتماعية، والتي كانت على رأسها قضية المرأة رغبتها في التحرر اجتماعيا ونفسيا وفكريا.إن الحبكة الأساسية في (فوق خطوط القدر) هي جدلية الحب والزواج في ظل المتغيرات الاجتماعية الجديدة، والتطور الفكري المغادر للتقليدي القديم صوب فضاء جديد أرحب حالم بمستقبل مزدهر، حيث كانت بطلة القصة هي الفتاة الشابة (سماح) التي دخلت في سجال داخلي مع عاطفتها الباطنية عبر طرح أسئلة وجدانية تبحث عن أجوبة لها علاقة بالنفس والمجتمع، ذلك خلال هروبها النفسي ذات أيام أغسطس إلى كورنيش لبلايا بطنجة حيث وقع انجذاب وتلاقي ساهمت فيه طاقة البحر بهدوئه وهيجانه، حيث التقت بظِلِّها كما وصفته. ظِلٌّ تَرسَّخَت صورته الأنيقة في ذهنها بكل الحضور اللائق بالإنسان ذو العلاقة الوطيدة بالثقافة الواسعة، والمتميزة بالانفتاح على مفهوم الحب وقدسيته، إضافة إلى الفكر المتطور الذي يسمح للمرأة بالتعبير عن ما يختلجها من أفكار وعواطف ومشاعر، وممارسة دورها الاجتماعي في مجتمع ذكوري إقصائي. وكل هذه الصفات والخصائص تمثل نموذجاً ونسيجاً لحلم شخصية (سماح) المنسجم مع أبعادها الفكرية والوجدانية، وتتمناه حقيقة في حياتها بروح امرأة تتوق لعصرنة وتحديث وتطوير أوجه الحياة برمتها، ولذلك جاء انزعاجها وعدم استحسانها للطريقة التقليدية التي يُنظر لها للزواج، لتصل بنا (فوق خطوط القدر) للإقرار بفشل المجتمع في عدم تجاوز العادات القديمة والانفكاك من قوة الجذب الاجتماعي نهائياً، مما يبقي التصادم الفكري مستمراً ولا يمكن التخلص منه، بالمقابل تظل فكرة تقديس الزواج في حد ذاتها كما طرحتها الكاتبة انتصاراً للحلم وللمستقبل الواعد بل وللتنشئة والأسرة والمجتمع.
️الأسلوب:
أما من الناحية الأسلوبية الفنية فقد جاءت صياغة الرسالة الاجتماعية عبر أحداث (فوق خطوط القدر) في سياقات سردية تقليدية تتسم بالبساطة في مفردات اللغة التصويرية، وسلاسة ووضوح غاية السرد الذي ظهر خالياً من الغموض أو الرمزية أو الفانتازيا ذات البهرجة الجذابة، كما أن الشخصية الرئيسة جاءت منتمية بكل هواجسها للبيئة الأسرية المغربية، ويمكن القول بأن اسم البطلة (سماح) يكتسي أهمية بالغة من حيث دلالاته المستقبلية التي التي تسمح بتسلل مستقبل زاهر، متطلعة إلى حياة وجدانية أكثر بهجة رغم التناقض النفسي الذي تُعبِّر عنه عبر الإيمان بالحب كشعور مقدس يقابله شعور بالعتاب وتأنيب الضمير أمام حالة الرغبة في الانزياح عن ما تمليه الأوراق القانونية المتعلقة بعقد الزواج وما تفرضه قيم الدين والتقاليد والتربية.
الحوار:
وعلى غرار الأسلوب القصصي تولت البطلة (سماح) مهمة الساردة للأحداث، والوصف للزمان وللمكان، والتعبير بالحوار والمونولوج. كما نجدها تستخدم تقنية الفلاش باك عند استرجاعها للماضي وجعله يتقاطع مع المستقبل باستحضار (الأنا الآخر) والغوص في مكنونات النفس ومكبوتاتها، ومناجاتها عبر تدريب علاجي للنفس باللوم والعتاب والبوح والاعتراف. وهذا يمكن اعتباره اقتراباً فنياً من تقنية «القصة داخل القصة» بشيء من التداخل والمشترك بينهما. كما نلاحظ أن الكاتبة في استخدامها تقنية الحوار قد تباينت بين مونولوغ وبين حوار خارجي، آخذة بعين الاعتبار طبيعة وشكل كل حوار، فالحوار مع ذاتها مثلاً يكون قصيراً مُعاتِبا:
– قلتُ وأنا أَتنفسُ وَجَعي.
– أعلم… أعلم أنني غبية.
– فكّرت في صمت.
هل هناك مكان لي، في أعماق البحر؟
– انتفض جسدي
– اهتز كياني
– هل يقرأ أفكاري.
بينما يرتفع مستوى الحوار مع هي الآخر، النفس التواقة للتحرر، ظلها القادم من البحر. فيكون بمستوى أسئلته وهواجسه ولغته وثقافته. حين يخاطبها مشاكساً:
– انتظري ما اسمك؟
قلت: سماح.
قال وهو يبتسم:
تمتلكين عينين تشبهان حزني الجميل.
– قال بصدق:
نعم ملكنا.
– لكنهم اعتادوا أن يحبسوا العصافير في الأقفاص
فماذا تظنين أنهم يفعلون بنا؟ «
هذا الغريب فعل شيئا لم يفعله أحد منذ ولدتُ… كأنه يحمل مفاتيح روحي.
– فكرتً في صمت:
هل هناك مكان لي… في أعماق البحر؟
إن اجتماع النداء مع الاستفهام التعجيزي يعطي للحوار دلالة مكثفة، ويمنحه قوة تأثيرية تتعالق مع عنوان القصة ومضمونها، وهو حوار هادئ بين بطلة القصة وبين روحها وبين البحر الذي تحبه ولكنها تخافه في نفس الوقت «المكان كان فارغا تماما من البشر. حتى البحر اختفى».
وكما يتضمن الحوار هذه المقابلة بين النداء والاستفهام يتضمن مقابلة بين البحر والحب، وهذا ما فكرت فيه البطلة وهي أمام البحر تقول هامسة لنفسها:
«كنتُ انظر إلى البحر، وفي نفس الوقت ذاته أراقبه بطرف عيني…
فكرتُ: ربما هذا ظلي، عائد من البحر بحسرة».
إنه حوار يماثل الحالة النفسية للبطلة التي تنطلق في رحلة مناجاة وعتاب وجِدال النفس من نداء خفي للبحر العظيم الذي تعشقه وتنتهي إلى إستفهامات عديدة توجهها لنفسها وللبحر، وكأنما هي تبحث عن أجوبة ولكنها تغرق في مزيد من الأسئلة؛ أسئلة وجودية، وأسئلة اجتماعية عن إشكاليات الحب، الزواج، التقاليد، الدين، القانون… حين قالت: «أنا أؤمن بالأوراق القانونية، أكثر من إيماني بالحب. إنها تربية أمي رحمها الله. علمتنا أن نحترم القانون، وأن نخاف الله.
️الوصف:
وظلت تقنية الوصف تتسم بالوضوح والبساطة في التصوير والتشويق لاستشفاف الآتي، وتتداخل بامتزاج ممتع بثنايا الحوار فتنزرع فيه بعض المفردات المحلية الوصفية، وهي في كل ظهورها تتأسس على لغة سليمة نحوياً وثرية في كلماتها ودقيقة في تعبيراتها:
– (قال: تقول أنني خنتها؟
– فكرت: ربما هذا ظلي، عائد من البحر بحسرة، بعد أن لفظه.
– هادئ في سطحه، هائج في أعماقي.
[لماذا تضحك؟
قال: أضحك على هذا القدر، الذي يصِرُّ على أن يجمع التعساء، لكنه يرفض أن يلتقي الأحبة] . هكذا تثير الكاتبة شرارة التشويق والجاذبية في القارئ لكي يظل نسقُ السرد في (خطوط فوق القدر) ممتعاً وحميمياً، يتصاعد تدريجيا حتى خاتمة العمل التي جاءت مجازية تكرس دلالة العتبة النصية الأولى بمفردات عنوانها وهي تستلقي مُنزرعة في ثنايا نهايتها بكلِّ دلالٍ وبهجةٍ وإمتاعٍ، حيث تضمنَّت أخر فقرة حواراً وجدانيا بين الشخصية الرئيسة «سماح « وهواجسها المكنونة» انتهت بمشهد مأساوي تراجيدي يحمل الكثير من الدلالة على انهزام الأحلام ونزوات القلب ولغة العاطفة، مقابل انتصار مبادئ العقل، ومنطق الأعراف والقانون وتحقق الغايات الأسرية النبيلة كالتالي:
– لا نريد أن نسرق ما لا نملكه. والحب ملكنا.
– نحن الذين أصبحنا ورقة ملكية وعقدا بين سيد وعبد.
– عانقني بقوة، وأنا أحاول أن أرى نظرات الناس، واتهاماتهم، وأسئلتهم.
️إنشاء طلبي:
يا سيدتي… قولي لي: هل يعتبر خائنا من لم يُحب؟
أداة النداء هنا هي «الياء» (يا سيدتي..) وهي للقريب وللبعيد، والمنادى هو (سيدتي) وربما استعملت القاصة أداة النداء هذه تعبيرا عن التناقضات التي تعنيها لها كل من تيمات الحب والبحر والخيانة. فكما أن أداة النداء «يا» للقريب والبعيد
كذلك الحب يبدو لها قريبا_ بعيدا شأنه في ذلك شأن البحر والخيانة، وهذا ما عبرت عنه في وصفها للبحر: «هادئٌ في نفسهِ، هائِجٌ في أعماقي». أما عن ثنائية الحب والخيانة فالحالة الوصفة جاءت على شكل أسئلة واضحة في النص: «هل يعتبر خائنا من لا يحب؟ كيف يسمون ما فعلته» خيانة» وأنا لم أحبها يوما؟ أليست الخيانة كسرا لميثاق الحب؟ فأين هو الحب الذي خنته؟
أما المنادى فقد جاء نكرة مقصودة، فنحن ننادي سيدة ونقصد سيدة بعينها، وهي نكرة في حقيقتها ولكنها نكرة مقصودة جاءت مبنية على الضم والطلب والاستفهام: [قولي لي: ها يُعتبر خائنا…؟] وغرضه البلاغي هو التوضيح والتعبير فكرة بجرأة وشجاعة، وهذا ما تعبر عنه القاصة بقولها على لسان بطلة القصة التي هي غالبا تعاني من هشاسة في الوجدان وجبن في التعبير عن العاطفة: «أنت كنت شجاعا في الدفاع عن حبك. أما أنا… فقد كنت شجاعة فقط في خسارة حبي».
️خاتمة:
نصل في آخر دراستنا لسيميائية العنوان في قصة «فوق خطوط القدر» إلى جرد النقاط المرتبطة بالعتبات واللغة والأسلوب والحبكة وبالبلاغة التي يمكن إجمالها في النقاط والنتائج
التالية:
– يحتل العنوان مكانة مهمة، فهو مفتاح الدخول لقصصها وللمجموعة إجمالا، حيث كثف دلالتها في بضع كلمات
– جاء المعجم في العنوان مَجازِيّ بلاغياً مُتنوِّ مَرجعياًّ، تنوع من معجم المكان إلى استعارة هندسية فمرجعية القدر باعتباره مفهوما حمّالا لأوجه، وهو ما جعله بدوره منفتحا على البناء القصصي انفتاحا تأويليا بدلالات ثقافية عدة
نظرا لتعدد أبعاده الرمزية.
– جاءت تراكيب القصة متباينة من الناحية الإسنادية، مما جعلها ثرية في تمرير دلالات كثيرة حسب الإسناد.
– إفراغ اللغة من معجمها الظاهر وشحنها بتشبيهات واستعارات وحسنات بديعية أضفت للنص جمالية انسيابية في التلقي.
– برزت ظاهرة الثنائيات الضدية في الكثير من المواضع مما قد ساهم في رسم مسارات محددة لتلقي النص القصصي.
– العنوان والبداية والنهاية غنية بالعلاقات الترابطية.
– وظفت الكاتبة نظاما تصويريا مختلف المصادر، تراوحت صوره بين البلاغية والتضاد التجاوزي الذي أحدث الفارقة الرمزية، لدرجة أن بعض الصيغ البلاغية لثرائها بالبعد الدلالي عبرت عن مكوننات الكاتبة بكثافة منقطعة الوصف والنظير.
– ختاما؛ نصل إلى أن العنوان عتبة نصية مهمة في قراءة العمل القصصي، ولا يمكن تجاوزه قرائيا، كما أنه مفتاح وخارطة للمبنى حيث لا يمكن الولوج دلاليا إلا عبره.
(*) باحث في الخطاب الإعلامي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.