منذ انطلاق الدينامية التنظيمية الجديدة لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عبر تنظيم مؤتمراته الإقليمية في مختلف ربوع الوطن، ظهرت أصواتٌ تصرّ على التبخيس والتشويش، معتبرة هذا الحراك مجرّد مناورة عابرة، أو تحرك انتخابي سابق لأوانه. لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن الحزب، بفضل إرادة مناضليه ومناضلاته، بصدد استعادة مكانته، وإعادة نسج روابطه مع عمقه الشعبي والتنظيمي. وبينما ينشغل الاتحاد بمهمة البناء الداخلي، تجد من يصفون أنفسهم ب"المحللين" يفرغون أقلامهم على صفحات مأجورة أو منابر فاقدة للمصداقية، لا لشيء سوى للتشكيك في النوايا، وتحقير المجهود، وتحريف الوقائع. هؤلاء، الذين يدّعون الغيرة على الاتحاد، لا يتوانون عن تقديم تأويلات مشبوهة لمخرجات المؤتمرات، مثل القول إن الكاتب الأول يسعى فقط لإيصال رسائل بأنه "ما زال هنا"، أو أن "التحركات الميدانية" لا تعدو أن تكون استعراضًا فارغًا بلا مضمون. من التحليلات الغريبة التي قرأتها هذا الصباح، قول أحدهم إن "تنصيب بعض الأعيان ككتّاب إقليميين" هو محاولة لتقييدهم حتى لا يغادروا الحزب! هذا الخطاب السطحي لا يراعي تعقيدات البناء التنظيمي، ولا يحترم ذكاء المتتبعين، بل ينم عن رغبة دفينة في الإساءة لأي عمل جاد، مهما كانت نتائجه الإيجابية. الأكثر من ذلك، مع بداية هذه الدينامية، حاول البعض ترسيخ مقولة أن الاتحاد صار "جثة سياسية" تستحق الدفن. لقد روجوا لهذا التصور عبر تصريحات محبطة تستهدف تخويف الاتحاديات والاتحاديين من الانخراط والمشاركة. لكن الزمن – كما العادة – يفضح من يستعجل إصدار الأحكام. فقد أثبتت المؤتمرات المتتالية أن الاتحاد لم يمت، بل كان فقط يستعيد أنفاسه، وها هو اليوم يعود بخطى واثقة. ومع تصاعد الزخم التنظيمي، لجأ بعض خصوم الحزب إلى الترويج لمشاهد مجتزأة من مؤتمرات معينة (كما حدث في الراشيدية، بني ملال، والناظور)، وتمت كتابة روايات متخيلة حول الفوضى و"البلطجة " والتعيين، في محاولة يائسة لتقزيم نجاحات ميدانية حقيقية، تمت في إطار الشفافية والديمقراطية الداخلية. ولمّا لم تُجدِ هذه الحملات، أعطيت الإشارة لبعض "الوجوه الموسمية" التي لا تظهر إلا في زمن المؤتمرات الوطنية، لتنشط الندوات وتقدّم نفسها بديلاً عن حزب الشهداء، وكأن التاريخ يُمحى ببلاغ صحفي أو تدوينة افتراضية. كل هذا التحامل لا يمكن أن يمر دون طرح سؤال صريح: إلى هذه الدرجة يُزعجكم انطلاق الاتحاد؟ هل أصبح التنظيم الجاد، والحضور في الميدان، وإعادة بناء الروابط مع القواعد الشعبية، مصدر قلق للبعض؟ أم أن عودة حزب الكلمة والموقف، حزب الشهداء، تُربك من تعوّدوا على مشهد سياسي باهت لا مكان فيه للصوت الحر؟ الواقع أن الاتحاد لا يسعى إلى إرضاء أحد، ولا يطلب شهادة حسن سلوك من خصومه، بل ينطلق من التزامه التاريخي والأخلاقي تجاه الوطن والمواطنين. ومن لا يعجبه هذا المسار، فليقدم بديلاً حقيقيًا بدل البقاء في هامش النقد العقيم. إن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو يعبر اليوم نحو مرحلة جديدة من تاريخه، يواجه امتحانًا مزدوجًا: مواجهة التشويش الخارجي بأدوات الوعي والصمود، ومعالجة التناقضات الداخلية بأفق الإصلاح والانفتاح. وكلما ارتفعت حرارة النقاش واحتدت المقاومة، كان ذلك مؤشرا على حيوية المشروع السياسي الذي يحمله الحزب، في زمن يبحث فيه المواطن المغربي عن بدائل جادة، قادرة على كسر رتابة المشهد وتقديم عرض سياسي جديد.