تُعدّ المناسبات الوطنية الكبرى، وعلى رأسها عيد العرش المجيد، لحظة جامعة تلتقي فيها الدولة، بمختلف مؤسساتها، مع المواطن المغربي، في أجواء من الفخر والاعتزاز بالمنجزات، كما تشكل فرصة للإعلان عن انطلاق مشاريع تنموية تنتظرها الساكنة بشغف، إلا أن هذه اللحظات التي ينبغي أن تطبعها الجدية وروح المسؤولية، لم تسلم – هذه السنة – من التوظيف السياسي المفرط، بعدما أقدم عدد من المسؤولين الحكوميين على استغلال زخم هذه المحطات لتمرير رسائل انتخابية مبطنة، في تصرفات أثارت الكثير من الجدل. من بين أبرز الأمثلة على هذا السلوك، برزت جولة وزير التجهيز والماء، نزار بركة، والأمين العام لحزب الاستقلال، بكل من بني ملالوخريبكة، حيث أشرف على ما وصف ب"تدشين" مشاريع طرقية استراتيجية. غير أن المعطيات التي تسربت من عين المكان أكدت أن هذه المشاريع لم تتجاوز بعد مرحلة التخطيط الورقي، بل إن بعضها لم تنطلق فيه حتى الدراسات التقنية، ما يطرح علامات استفهام حول الهدف من إطلاق مصطلح "التدشين" على مشاريع لم ترَ النور بعد. ورغم أن التدشين من الناحية التقنية يعني الشروع الفعلي في أشغال المشروع، فإن ما جرى كان أقرب إلى إعلان نوايا، مدجّج بتصريحات ذات طابع انتخابي، حملت وعودًا بميزانيات ضخمة ومشاريع مستقبلية، صيغت بصيغة حزبية لا حكومية، في خطوة فسّرها المتتبعون على أنها محاولة واضحة لتحويل مناسبة وطنية إلى منبر انتخابي سابق لأوانه. وما يزيد من تعقيد المشهد، أن مثل هذه الممارسات لم تَعد حكرًا على حزب الاستقلال فحسب، بل برزت أيضًا لدى بعض مسؤولي الأحزاب الأخرى المشكلة للتحالف الحكومي، الذين استغلوا بدورهم زخم الاحتفالات الوطنية للظهور الميداني المكثف، مصحوبًا بخطاب يحمل نبرة انتخابية مموّهة. فقد شهدت عدد من الأقاليم زيارات متزامنة لوزراء منتمين لأحزاب الأغلبية، رُوّجت إعلاميًا على أنها "إطلاق لمشاريع استراتيجية"، بينما لم تكن في واقع الأمر سوى جولات دعائية سبق أن وُعد بها المواطنون دون تنفيذ فعلي يُذكر. هذا التكرار المُمنهج لتحويل الفضاء الحكومي إلى منصة حزبية، يطرح تساؤلات جدية حول حدود المسؤولية السياسية، ويضع رئيس الحكومة في قلب المساءلة الأخلاقية والمؤسساتية، باعتباره القائم الأول على التنسيق بين مكونات الأغلبية، والمكلف بضمان احترام فاصل الصلاحيات بين العمل الحزبي والحكومي. فرئيس الحكومة، بوصفه رأس السلطة التنفيذية، مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى باتخاذ مواقف واضحة تُعيد الانضباط إلى المشهد، وتُجنّب البلاد منزلقات خلط غير مشروع قد يُفرغ الممارسة السياسية من مضمونها المؤسساتي. ما أثار استياء الأوساط السياسية والمدنية أكثر، هو الطريقة التي تم بها تقديم هذه المشاريع للرأي العام، حيث ظهر الوزير وكأنه يتحدث باسم حزب الاستقلال، لا باسم الحكومة المغربية، في وقت يُفترض فيه أن كل المشاريع التنموية تندرج ضمن السياسة العامة للدولة ومخططاتها الترابية، لا ضمن أجندات حزبية ضيقة. هذا التداخل غير المقبول بين العمل الحكومي والعمل الحزبي، يهدد بنسف مبدأ الحياد الذي يفترض أن يطبع عمل المسؤولين العموميين، خاصة في الفترات غير الانتخابية. كما يُضعف من مصداقية المحطات التدشينية التي قام بها الولاة والعمال في باقي الأقاليم، والذين حرصوا على احترام رمزية المناسبة وتقديم مشاريع جاهزة أو على وشك الانطلاق الفعلي. ولم تخلُ زيارة الوزير من تداعيات ميدانية، إذ شهدت إحدى المحطات بإقليم خريبكة مشادات كلامية واحتجاجات من طرف فعاليات محلية، اعتبرت أن ما جرى لا يعدو أن يكون "تسويقًا للوهم"، واستغلالًا للمناسبة الوطنية من أجل خدمة أجندة سياسية ضيقة. هذه الأجواء المتوترة انعكست سلبًا على صورة التدشينات الرسمية، وأضعفت من وهج المناسبة الوطنية في أعين المواطن، الذي كان يأمل في مشاريع ملموسة لا وعودًا انتخابية. في الوقت الذي يتطلع فيه المغاربة إلى مشاريع تنموية حقيقية تُحسّن من واقعهم اليومي، يجدون أنفسهم أمام ممارسات تُكرّس فقدان الثقة، ليس فقط في الأحزاب، بل حتى في المؤسسات. وإذا كانت الأعياد الوطنية لحظات للوحدة والبناء، فإن تسييسها وتحويلها إلى منصات للدعاية الحزبية يُعد سلوكا مرفوضا، يُسيء إلى رمزية المناسبة، ويقوّض أسس التنافس الديمقراطي النزيه. ويبقى الأمل في تدارك مثل هذه الانزلاقات، من خلال توجيه أكثر صرامة من رئاسة الحكومة ومؤسسات الرقابة، بما يضمن احترام الحدود الفاصلة بين العمل الحزبي والعمل الحكومي، وصون قدسية المناسبات الوطنية من كل تسييس أو استغلال.