أسوأ جملة يمكن أن تُقال في مغرب اليوم هي: "الماء مقطوع". عبارة بسيطة في ظاهرها، لكنها تحمل وراءها ارتباكا يوميا، وقلقا جماعيا، وشعورا بالخذلان العميق من مؤسسات يُفترض أنها وُجدت لتخدم المواطن لا لتعطّشه. المشاهد تتكرر: قرى، أحياء، دواوير، ومدن صغيرة تئن من شح الماء أو انقطاعه المتكرر. المواطنون يخرجون في مسيرات، يرفعون الشعارات، يتوجهون إلى العمالات والمجالس المنتخبة، يصرخون في وجه العطش، ولا من مجيب. لكن الغائب الأكبر عن كل هذه الصورة هو الوزارة الوصية: وزارة التجهيز والماء. بدل أن تكون الوزارة في قلب الأزمة، تديرها بخطة واضحة، وتُعلن عن تعبئة وطنية لإنقاذ المواطنين من الجفاف، نجدها تُروّج لإنجازات طرقية هنا وهناك، وتُعلن عن مشاريع بشعارات انتخابية، كأننا في حملة سابقة لأوانها. وهنا يُطرح سؤال لا يمكن الالتفاف حوله: أيهما أولى، الماء أم الطريق؟ الطريق مهم، نعم. ولكن من دون ماء، لا تنمية، ولا استقرار، ولا كرامة. الماء ليس مجرد خدمة عمومية، إنه شرط وجود، وحق أساسي في الحياة لا يقبل الترتيب أو التأجيل أو التسويف. في مقابل احتجاجات العطش، تتعامل بعض الجهات بمنطق التجميل وتزيين الواجهة، فتُصرف الميزانيات على مشاريع ظاهرها عمراني، وباطنها سياسي. والنتيجة: وزارة تبحث عن الناخبين، وسكان يبحثون عن الماء. وهنا يتحول الخلل إلى فضيحة تدبير، لأن الأولويات تُرتب لا بناء على حاجة المواطن، بل على ما يخدم أجندة ضيقة، لا مكان فيها لما هو ضروري وأساسي. من حق المواطنين أن يغضبوا، أن يحتجوا، أن يرفعوا الصوت. لأن ما يُهدد ليس فقط راحتهم اليومية، بل حقهم في الحياة. ومن يستهين بأزمة الماء، أو يعتبرها مؤقتة وعابرة، فهو لا يدرك حجم الغضب الذي يتراكم في صمت، وقد ينفجر في أي لحظة. الماء أولا، ولا شيء قبله. وإن كانت هناك جهات تُصر على العبث بهذا الترتيب، فلتتحمل مسؤوليتها كاملة، لأن الشعارات لا تروي، والخطب لا تُطفئ الظمأ، والوعود لا تملأ الخزانات .