«فاجعة آسفي تكشف أنه ليس من المعقول أن يموت المغاربة بالطريقة المناخية نفسها التي مات بها أجدادهم في عهد المولى إسماعيل؟»! في التأصيل التاريخي، للفاجعة، تداول المغاربة سيرة الغرق في آسفي. وعادت بنا المنشورات إلى ما أورده المؤرخون والفقهاء عن الفيضانات التي أصابت المدينة، منذ القرن السابع عشر . وعادت بنا الذاكرة الجماعية إلى السيل العظيم الذي غمر آسفي سنة 1677، والذي «دخل المدينة، وهدم بسببه جزء من سور آسفي من جهة البحر، وتهدمت ديار وحوانيت«، أو صنوه سيل سنة 1700، والذي »أسفر عن وفاة أكثر من عشرين شخصًا..»… ومما راعني أن هذه العودة، تجلت على شكل محاولة لتفسير أو تبرير الحاضر بما وقع منذ أربعة قرون مضت! وهي محاولة، قد يكتنفها بعض الالتباس، إذا تركناها دون تأطير، قد يفهم منه البعض أن دورة الفيضانات قديمة، وأنها قدر جغرافي مغربي … ولا علاقة له بالتغيرات المناخية ولا بالاحتباس الحراري ولا بالقدرة من عدمها على الاستباقية وتوقع الفواجع وتفعيل الاستراتيجيات المتوافق عليها وطنيا؟ وحقيقة الأمر أن السؤال الذي يجب أن يهزنا هزا عظيما هو» أما زال المغاربة يموتون جراء السيول كما مات أجدادهم منذ أيام المولى إسماعيل وحصار مراكش وثورة الزاوية الدلائية بدعم من العثمانيين ووووووو ؟ قد يكون السؤال طاعنا في المفارقة، لغرض من أغراض النثر السياسي الساخر، لكنه في الواقع، سؤال يغمرنا بسيل من الأدلة حول العجز الذي ما زال واضحا في تدبير المجال الترابي.. ومن السخرية التي أجرتها سيول الأسئلة، أن السلطات الترابية في المنطقة أورثت سليلتها الحاضرة معنا بعضا من السلوك القديم، حيث إن العامل، مثلا في القرن الواحد والعشرين في سنة 2025، قام بما قام به القائد عبد الرحمن بن ناصر في ذلك التاريخ البعيد، كما ذكر المؤرخون ف»أشرف على دفن الضحايا«…! لقد عشنا مظهرا من مظاهر القنبلة المناخية، كما حذرتنا منها الدراسات. وعشنا تأكيدا لما سبق التنبيه إليه من طرف قطاعات واسعة، منذ أن دخل المغرب المنطق العملي في التعامل مع التقلبات المناخية وأصبحت علما في السياسة قبل أن تكون علما في الطبيعة أو في الفضاء.. ولا يمكن أن نميل إلى الغضب فقط: بل هناك ما وضعته بلادنا من استراتيجيات قوية في هذا الباب، ما زالت تعاني من البطء والتجريبية والعجز وعدم التقدير الكافي لتفعيلها في وقتها. فأحيانا يكفي أن نستمع وننصت إلى خبرائنا في المناخ كي نعرف بأن المؤشرات الحمراء كانت على لوحة المتابعة، ولكن السياسة الترابية لم تنتبه إلى ذلك، لقد ردد الخبراء كثيرا بأن المغرب يعرف خلال العقود الأخيرة تزايدا في تواتر الظواهر الجوية القصوى حيث تميل التساقطات إلى التركز في فترات قصيرة مقابل فترات جفاف أطول. هذا النمط المناخي يزيد من الهشاشة أمام الفيضانات المفاجئة وتساقطات الثلوج الكثيفة.. كما نبهنا الخبراء في المديرية العامة للأرصاد الجوية. إلى النشرات الإنذارية المبكرة بمستويات يقظة مختلفة في إطار الإنذار المبكر.. وقبل خبراء المؤسسات المنتخبة والسلطات الترابية، نبهونا إلى أن وجود عوامل ميدانية تفاقم الوضع مثل ضعف البنيات التحتية وضعف التهيئة القبلية … لقد وضع الملك محمد السادس نموذجا حيا وواقعيا واستباقيا لتدبير الكوارث، قبل وقوعها، وعند وقوعها وبعد وقوعها، كما جسدها هو نفسه من خلال التنقل إلى أماكن الكارثة: منذ الحسيمة إلى زلزال الحوز، ومرورا بأنفكو وغيرها من بؤر الهشاشة الإنسانية أمام الطبيعة.. وكان له الفضل في تطوير التحكم في الماء، حتى لا يحكم على المغاربة بالموت عطشا أو غرقا..