هل تتحمل الأحزاب السياسية وحدها مسؤولية الدفاع عن المشاركة الفاعلة للمواطنين في الانتخابات الجماعية.؟ هل هذه المسؤولية تقع على عاتق الدولة كذلك؟ هذا صحيح لأن للدولة دورا أساسيا في توفير الشروط القانونية والسياسية والإدارية لتسمح للمجتمع بالمشاركة الفاعلة في إدارة شؤونه، المحلية والوطنية. الدولة لا تنوب عن المجتمع، بل هي تعبر عن إرادته التي يترجمها عبر الانتخابات وأشكال أخرى من الممارسة الديمقراطية. أما الأحزاب التي يوكل إليها تأطير المواطنين، حسب الدستور، فإنها مطالبة، في نفس السياق، بأن تلعب دورا أساسيا في تنشيط الحياة السياسية عبر الحوار الديمقراطي مع المواطنين، وعبر خلق الإمكانيات التنظيمية الفعلية لمشاركتهم، بالإضافة إلى بلورة أدبيات وبرامج وآراء في كل القضايا التي تهم حياتهم ومصير بلادهم . فما هي مسؤولية المجتمع؟ وما هي على الخصوص مسؤولية المنظمات غير حكومية، التي تنشط فيه؟ بداية لا بد أن نؤكد أن لهذه المنظمات نفس مسؤولية الأحزاب، لأنها تشتغل في الشأن العام، وهي مطالبة بتوفير الشروط الضرورية لمشاركة المجتمع في الحياة العامة. لا تمارس هذه المنظمات السياسة بشكلها المباشر، أي أنها لا تقدم مرشحين ولا تشارك في الانتخابات كطرف، كما أنها لا تقوم بالدعاية السياسية. هذا هو ما يميزها عن الأحزاب السياسية، أما ما عدا ذلك فإنها مسؤولة عن العمل الجدي لحث المواطنين على المشاركة في تدبير شؤونهم، على المستوى المحلي والوطني. وهي أيضا مسؤولة أمام المواطن في طرق تسييرها وفي ممارستها للديمقراطية الداخلية، وتوفير الشفافية اللازمة حول كل ما تقوم به. غير أن الدور الرئيسي المنوط بمنظمات المجتمع المدني هو أن تطور لدى المواطن وعي المشاركة الفاعلة والنقدية في كل ما يهم حياته ومصير بلاده، وإدارة شؤونه المحلية والوطنية. وقد أخذت العديد من المنظمات في المغرب تتجه في هذا الاتجاه، وتشتغل بهذه الفلسفة التي لا تجعل من « النشاط في المجتمع المدني «، أمرا منفصلا عن الحياة السياسية أو معاديا للمنظمات السياسية وللدولة، بل جزءا من نسيج عام وشامل، يمثل هيآت لها أهداف اجتماعية أو ثقافية أو تنموية... لكنها مهتمة بكل ما يجري حولها وبكل القرارات والبرامج التي تقترح وتطبق على المواطن، لأن هذا يتداخل بشكل كبير مع أهدافها ونشاطاتها. أخذ الوعي يتطور تدريجيا، في السنوات الأخيرة، بأن منظمات المجتمع المدني لا يمكن أن تكون بديلا للأحزاب ولا يمكنها أن تشكل قوة مضادة، تنحو في اتجاه العداء والمواجهة، بل إن الواقع أثبت أن استقلالية هذه المنظمات لا تتناقض مع التنسيق، بل وأحيانا التكامل مع الهيآت السياسية والنقابية. ونفس المنطق أخذ يتبلور تجاه المؤسسات البلدية والحكومية، لأنها هي بدورها تشتغل في الشأن العام، وتتصرف في الميزانيات العمومية وترهن برامجها وقراراتها المجتمع كله في حاضره ومستقبله. لذلك أصبح من غير الممكن أن تظل المنظمات غير الحكومية والأحزاب والدولة، في تنافر، وكأن كل واحد منها يعيش في جزر معزولة. فالحقيقة أنها كلها تنشط في نفس المجتمع، وتتداخل أنشطتها وتتلاقى وتتضارب، ولكنها في النهاية تجد نفسها مرتبطة بإطار مجتمعي. فالمسؤولية جماعية، وإن كانت تتفاوت درجتها، لكن من المؤكد أننا وصلنا في المغرب إلى نضج يؤهلنا لكي ننظم أنفسنا على أسس جديدة، وأن نفتح الأبواب المغلقة. وهذا هو الشعار الذي رفعه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عندما أكد على منهجية الانفتاح. إنه يعني بها أن تفتح الأبواب في وجه كل الطاقات الجدية في المجتمع، لأن بناء الوطن لا يمكن أن يكون حكرا على أحد. كما أن المشاركة الفاعلة للمواطن تتطلب شروطا أهمها أن تمتد الجسور بين الأحزاب الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني، على أسس التعاقد والالتزام، ليس في ما بينها فحسب، بل كذلك مع المواطنين، من أجل المشاركة في بلورة البرامج والتصورات، والشفافية في القرارات والمشاريع والمحاسبة في التنفيذ.