باتت ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال والقاصرين تشكل هاجسا متصاعدا في المجتمعات، إذ لم تعد قضايا الاغتصاب مرتبطة فقط بالنساء والفتيات، بل امتدت لتشمل الأطفال الذكور كذلك، آخر حادثة أعادت هذا الملف بقوة إلى الواجهة في المغرب هي قضية الطفل "بشير"، التي فجرت نقاشا واسعا حول حماية القاصرين، حدود المسؤولية المجتمعية، والعقوبات الردعية. حجم الظاهرة وأبعادها الاعتداء الجنسي على القاصرين جريمة معقدة تتداخل فيها الثغرات القانونية، هشاشة الفضاءات العامة، وأمراض اجتماعية ونفسية، تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن آلاف الأطفال في المغرب يتعرضون سنويا للعنف الجنسي، لكن نسبة كبيرة من الحالات لا تبلغ بسبب الخوف والوصم. الظاهرة ليست حكرا على بلد معين، بل هي مشكلة عالمية، فقد قدرت منظمة الصحة العالمية أن ما بين 8 و31% من الأطفال حول العالم تعرضوا لشكل من أشكال الاعتداء الجنسي. ردود الفعل .. عندما يصبح الجميع خبيرا بعد الجريمة الأخيرة، امتلأت منصات مواقع التواصل الاجتماعي بموجة تعليقات وتحليلات شارك فيها مؤثرون، سياسيون، وفنانون، هذه الظاهرة الإعلامية كشفت عن عطش شعبي للنقاش، لكنها أبرزت أيضا خطورة التسطيح وتحويل قضايا حساسة إلى مادة استعراضية، حيث قد يطمس التعليق الانفعالي جوهر النقاش. كسر الصورة النمطية .. الاعتداء لا علاقة له بالمظهر من الأخطاء الشائعة ربط الاغتصاب بما يسمى "إغراء" الضحية، في الواقع الاعتداء الجنسي على الأطفال غالبا ما يكون نتيجة عقلية منحرفة، مكبوتة، أو سلوك إجرامي مرضي، وليس بسبب سلوك أو شكل الضحية، فالضحايا الذكور، كما في حالة "بشير"، دليل واضح على أن الاعتداء لا علاقة له بالأنوثة أو الإغراء، بل بالعنف والسيطرة والرغبة المرضية. فظاعة الجرائم الجماعية .. كيف يغتصب طفل من طرف أكثر من عشرة أشخاص؟ الحادثة الأخيرة صدمت الرأي العام بحجم التوحش، إذ شارك أكثر من عشرة أشخاص في الاعتداء، ما يكشف عن طبيعة جماعية مرضية، حيث تغيب الإنسانية ويحل محلها منطق القطيع المهووس، حيث تتطلب مواجهة هذه الظاهرة عدة إجراءات، تشديد العقوبات القانونية إلى أعلى الدرجات الممكنة، رقابة أقوى على الفضاءات العامة والمواسم أو الأنشطة التي تجمع أعدادا كبيرة، والتربية الجنسية الوقائية للأطفال لتعزيز وعيهم بحدود أجسادهم وكيفية التبليغ. العقوبات القانونية في المغرب هناك دعوات متزايدة من المجتمع المدني لتغليظ العقوبات لتصل إلى الإخصاء الكيميائي أو حتى الإعدام في بعض الحالات، لكن يبقى النقاش مفتوحا حول مدى فعالية هذه الإجراءات وضرورة دمج برامج وقائية وإصلاحية. قضية الطفل بشير لم تحرك الشارع المغربي فحسب، بل أعادت طرح أسئلة وجودية، كيف نحمي أطفالنا؟ كيف نوازن بين العقوبة والوقاية؟ هل يكفي الغضب على المنصات، أم أننا بحاجة إلى إصلاحات عميقة في القوانين، التربية، والمجال النفسي؟ الإجابات تتطلب نقاشا جادا ومسؤولا يتجاوز الانفعال اللحظي، ويضع المصلحة الفضلى للطفل فوق أي اعتبار.