في ظل تنامي النقاش العمومي حول قضايا الاعتداء على القاصرين، يطفو إلى السطح سؤال جوهري يتعلق بمدى قدرة المواسم والمهرجانات الشعبية الكبرى على توفير فضاءات آمنة للأطفال. ففي الوقت الذي تحرص فيه السلطات على حفظ النظام العام وضمان انسيابية الأنشطة، يظل الطفل الحلقة الأضعف أمام مخاطر الازدحام والاستغلال، ما يطرح بإلحاح مسألة الحماية القانونية والمؤسساتية داخل هذه التجمعات. في هذا الحوار الذي أجرته "رسالة 24" مع الأستاذة رشيدة أيت حمي عن مؤسسة الجمعية المغربية لوقاية الطفل من نسلط الضوء على مكامن الخلل في المنظومة الوقائية، ونسائل مدى كفاية الترسانة القانونية والعقوبات الجنائية، مع بحث الدور المطلوب من الدولة والجماعات المحلية لحماية حقوق الأطفال وضمان أمنهم في الفضاءات العمومية. كيف تقيمون واقع حماية الأطفال في الفضاءات العمومية الكبرى، مثل المواسم والمهرجانات الشعبية؟ للأسف، تبقى الحماية في هذه الفضاءات ضعيفة إن لم نقل منعدمة. فالأمن يركز أساسا على حفظ النظام العام أكثر من حماية الفئات الهشة، والطفل يظل الحلقة الأضعف وسط الازدحام والاستغلال المحتمل. في حين أن نجاح المواسم والمهرجانات لا ينبغي أن يقاس بعدد الزوار أو العائدات السياحية، بل بمدى احترامها لحقوق الطفل وضمان أمنه وسلامته. ما هي أبرز الثغرات القانونية أو المؤسساتية التي تسمح بتكرار مثل هذه الجرائم ضد القاصرين؟ على المستوى القانوني، المغرب يتوفر على ترسانة قانونية مهمة من الدستور الذي ينص في الفصل 32 على حماية الأطفال، مرورا بقانون حماية الطفولة، وقانون الأسرة، والقانون الجنائي الذي يجرم الاعتداء والاستغلال، إضافة إلى مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. كما تم إحداث مراكز لحماية الطفولة، ووحدات إيواء مؤقت، وبرامج لإعادة إدماج الأطفال في التعليم والتكوين. لكن الإشكال يكمن في التطبيق الميداني، خاصة داخل الفضاءات العمومية الكبرى، حيث تبقى الحماية ضعيفة، وتظهر ثغرات خطيرة في منظومة الوقاية. هل تعتبر العقوبات الحالية في القانون الجنائي المغربي كافية لردع المعتدين على الأطفال؟ جريمة الاغتصاب الجماعي للأطفال من أبشع الجرائم، لأنها تجمع بين الاعتداء الجنسي والتنظيم الجماعي، ما يضاعف الأذى النفسي والجسدي والاجتماعي على الضحية. وفي حالة الطفل البشير، الذي تعرض لاعتداء جماعي قد يصل عدد المتورطين فيه إلى 14 شخصاً مع استعمال المخدرات وتكرار الفعل، فنحن أمام جريمة مركبة وبشعة إلى درجة الغثيان. القوانين موجودة، لكن الإشكال في ضعف الردع وفي غياب سياسة جنائية وقائية تحمي الأطفال قبل أن يصبحوا ضحايا. لذلك، العقوبات وحدها لا تكفي ما لم تواكبها آليات وقائية صارمة. ما الدور الذي ينبغي أن تقوم به الدولة والجماعات المحلية لتنظيم المواسم وضمان سلامة القاصرين؟ إن كلا من الدولة والجماعات المحلية تتحملان مسؤولية أساسية. ينبغي وضع مخططات تنظيمية وأمنية خاصة بالمواسم، تشمل فضاءات آمنة للأطفال، وآليات للتبليغ والمراقبة، مع إشراك جمعيات حماية الطفولة في التوعية والتحسيس. كما أن هذه الجريمة ليست مجرد فعل إجرامي، بل انتهاك جسيم لحقوق الطفل ومؤشر خطير على هشاشة المنظومة. هي جرس إنذار بضرورة جعل حماية الأطفال أولوية قصوى، وتفعيل المساءلة السياسية للسلطات والمنتخبين عن تقصيرهم. منذ تأسيس الجمعية المغربية لوقاية الطفل من الجريمة سنة 2012، ونحن ندعو إلى اعتماد سياسة جنائية وقائية تستبق وقوع الجريمة، لأن الاستثمار في الوقاية يساهم في بناء مجتمع أكثر أمنا واستقرارا، ويقلل من أعباء الإصلاح والمعاقبة بعد فوات الأوان.