حذر العالم البريطاني جيفري هينتون، الملقب بعراب الذكاء الاصطناعي الحديث والحائز على جائزة نوبل في الفيزياء، من أن التقدم المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي قد يقود العالم إلى تحولات جذرية غير مسبوقة، قد تكون إيجابية للغاية أو خطيرة إلى حد يهدد الوجود البشري. وفي حوار مطول مع صحيفة "فاينانشال تايمز" من تورونتو، عبر هينتون عن قلقه من أن هذه التقنية ستستخدم في الغالب لتعظيم أرباح فئة محدودة من الأثرياء، بينما ستدفع الأغلبية نحو مزيد من التهميش الاقتصادي والاجتماعي. وأوضح أن الأدوات الحديثة مثل النماذج اللغوية الكبيرة أثبتت قدرتها المدهشة على محاكاة الذكاء البشري في التحليل والاستدلال واتخاذ القرار، محذرا من أنها قد تتجاوز قدرات البشر في المستقبل القريب، وهو ما لا يعتبره بالضرورة إنجازا إيجابيا. هينتون لم يخف مخاوفه من أن التطور السريع لهذه التكنولوجيا قد يتيح لأي شخص يمتلك المعرفة والأدوات تطوير أسلحة بيولوجية خطيرة، مشبها ذلك بامتلاك القدرة على صنع قنبلة نووية بمساعدة "مساعد ذكي". وأكد أن صانعي القرار في الغرب لا يولون الاهتمام الكافي لهذه المخاطر، مقارنة بالصين التي يرى أن قادتها يمتلكون خلفيات هندسية تمنحهم وعيا أكبر بالتحديات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وعلى الصعيد الاقتصادي، اعتبر العالم البريطاني أن الشركات الكبرى ستستفيد بشكل ضخم من استبدال العمالة البشرية بالأنظمة الذكية، ما سيضاعف أرباحها على حساب ملايين الوظائف. وشدد على أن المشكلة لا تكمن في الذكاء الاصطناعي نفسه، بل في النظام الرأسمالي الذي يوجه استخدامه نحو الربح بدل العدالة. كما رفض هينتون فكرة "الدخل الأساسي الشامل" كحل لفقدان الوظائف، معتبرا أن الإنسان يحتاج إلى العمل ليحافظ على إحساسه بالقيمة والكرامة، وليس إلى المال فقط. ورغم تشاؤمه، أشار هينتون إلى بعض جوانب الأمل في هذه التقنية، خاصة في مجالات الرعاية الصحية والتعليم، مستشهدا بتجربته الشخصية حين باع شركة ناشئة للذكاء الاصطناعي ل"غوغل" عام 2013 مقابل 44 مليون دولار، وخصص جزءا من المبلغ لدعم احتياجات ابنه المتفرد عصبيا. لكنه عاد ليعبر عن خشيته من هيمنة الشركات الكبرى وغياب رغبة حقيقية لدى الحكومات الغربية في وضع ضوابط تنظيمية. واقترح هينتون تصورا لعلاقة البشر بالذكاء الاصطناعي يقوم على نموذج "الأم والرضيع"، حيث يجب برمجة الأنظمة الذكية لتكون حامية للبشر كما تحمي الأم طفلها، واصفا هذا النموذج بأنه "الأمل الوحيد" في حال تجاوزت الآلات القدرات البشرية. وفي ختام حديثه شدد هينتون على أن العالم يقف أمام مفترق طرق تاريخي، قائلا: "نحن نعيش لحظة مذهلة قد تكون في خيرها أو شرها .. لا أحد يعرف ما سيحدث، لكن المؤكد أن المستقبل لن يكون كما الماضي".