أكدت لمياء عزيزي الأستاذة المتخصصة والخبيرة في الذكاء الاصطناعي بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، أن هذا الذكاء يتيح اليوم فرصة لتدارك تبعات الهوة الرقمية التي عرفها العالم بدرجات وعلى مستويات مختلفة منذ ظهور الحاسوب ثم الانترنيت وتكنولوجيات الاعلام والاتصال. وقالت الخبيرة المغربية،في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء على هامش مشاركتها في المنتدى المتوسطي الثاني للذكاء الاصطناعي بتونس العاصمة (20 و21 نونبر الجاري)، إن "الذكاء الاصطناعي فرصة للتدارك (..) إنها فرصة بالفعل وأنا أقولها دائما للشباب والمواهب الجديدة ليس في المغرب فحسب بل في إفريقيا". وحرصت الأستاذة الجامعية المتخصصة أيضا في الحوسبة الكمومية (من ميكانيكا الكم) ، على أن تسجل بداية أن الذكاء الاصطناعي ليس جديدا، وقالت "هذه التكنولوجيا كانت في المختبرات أولا قبل أن +تخرج+ للجمهور. أنا (أعمل) في مجال الرياضيات التطبيقية منذ 2008 وانتقلنا من مرحلة إلى أخرى مع ظهور خوارزميات وتقنيات جديدة، وفي كل مرة كنا نقول إنها ثورة، ثم إنها ثورة أخرى، وبالتالي فالمشتغلون في هذا الحقل أقل اندهاشا اليوم (بالتطور الحاصل) لأننا نعرف أن الأمور ستتغير بسرعة وأن الأمر يتعلق بمرحلة جديدة ستتلوها مراحل أخرى..". وخلصت بهذا الخصوص إلى أن الوضع تغير والذكاء الاصطناعي لم يعد ، كما كان، حكرا على أهم مختبرات البحث والشركات الكبرى والجهات التي بامكانها القيام باستثمارات كبيرة، وبالتالي فإن "الأمر لا يتطلب اليوم سوى التوفر على العبقرية اللازمة واقتناص الفرص التي تتاح (..) ونحن في المغرب وفي إفريقيا عموما لدينا مواهب ممتازة جدا سواء في الرياضيات أو في المعلوميات، وهما أساس الذكاء الاصطناعي، وكل ما تحتاجه (المواهب) هو أن تقتنع بأن أمامها فرصة لم تتح للجيل السابق.. " وردا على سؤال حول ما إذا كان التقدم أو شق مسار في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ممكنا في المنطقة المتوسطية بمعزل عن الشركات العالمية الكبرى والأمريكية بشكل خاص، قالت الخبيرة المغربية " أنا شخصيا أعتقد أنه يتعين التخلص من هذا الاعتقاد الذي ترسخ لدينا بخصوص هذه الهيمنة (هيمنة الشركات الكبرى)، يكفي أن نتوفر على الارادة ونتجنب تأثير الدعاية بهذا الخصوص، فلدينا تحدياتنا الخاصة وبالتالي هناك سوق تفتح على مستوى المنطقة المتوسطية مثلا ". واسترسلت بالقول "سر ريادة الولاياتالمتحدة في هذا المجال ليس هو فقط توفر المواهب والبنيات التحتية المختلفة، إنه بالخصوص السوق الذي يمكنها من اختبار الحلول الجديدة (القائمة على الذكاء الاصطناعي) قبل تبنيها، ونحن إذا تمكنا من تعبئة نسبة صغيرة من السوق المتوسطية عند إطلاق كل حل جديد سنربح الرهان..". وبخصوص ما أثارته باقتضاب خلال مداخلتها في ختام أشغال اليوم الأول من المنتدى حول ضرورة توفر ثقافة المعطيات (داتا) لدى الإدارات العمومية بالخصوص في سياق الانتقال نحو الذكاء الاصطناعي، أوضحت السيدة عزيزي أن الأمر يتطلب وضع بنيات تحتية رقمية لتجميع المعطيات التي لا تنحصر في المعلومات الشخصية عن المرتفق بل أيضا تلك المرتبطة بتفاعله مع الإدارة (ملاحظاته، حاجاته، مستوى الرضا..) "مما سيمكن في كل مرة من إعادة التفكير في النموذج المعتمد والسير قدما". وبالنسبة للأستاذة بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، فإنه يتعين في جميع الأحوال البدء باعتماد نماذج ذكاء اصطناعي في الإدارات حتى في ظل عدم توفر المستوى الجيد من المعطيات، لأن هذه النماذج هي التي ستمكن من تحديد نوع المعطيات التي يتعين الحصول عليها ومن أين يتوجب الحصول عليها، مشددة على أنه" لا يجب الانتظار إلى غاية التوفر على المعطيات الجيدة..". وفي معرض تناولها لضرورة إخضاع كل المهن للتكوين في مجال الذكاء الاصطناعي، أكدت الخبيرة المغربية على أن التكنولوجيا الجديدة ستحدث رجة في كل المهن بدون استثناء وفي كل مستويات المهنة الواحدة (مناصب الادارة ووضع الاستراتيجيات وفي التخصصات التقنية كما في باقي الوظائف). وفي هذا الصدد أشارت إلى أن كثيرا من المهن في الإدارات العمومية مثلا ستختفي مع اعتماد حلول الذكاء الاصطناعي (خصوصا المهام المتكررة وتلك ذات الطبيعة الإدارية المحضة..) وبالتالي يتعين تكوين المستخدمين للاندماج مجددا في المنظومة التي ستنتج عن استخدام الذكاء الاصطناعي. وأبرزت الخبيرة، التي تهتم أيضا بأثر التكنولوجيا على المجتمعات، أن تركيزها على الإدارة العمومية ينطلق من أنه يمكن لأي بلد أن يحدث شركات وجامعات ومراكز بحث بمستويات عالية لكن غياب إدارة تشتغل بشكل جيد يجعل التقدم مستحيلا موضحة أن الإدارة الجيدة هي التي تعيد الاشتغال على منظومة عملها من منطلق أنه "لا يمكن الاستمرار في نماذج اشتغال قديمة لا يقبل بها الجيل الجديد". وقد اختيرت الأستاذة الجامعية المغربية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي في أول يوم من أشغال المنتدى لتقديم خلاصات عن أشغال دورته الأولى التي عقدت في مارسيليا سنة 2024 وكذا خطوط عريضة ومسالك للنقاش في الدورة الثانية والتي تتمحور بالخصوص حول ثلاثة قطاعات رئيسة مؤهلة لتستقطب مشاريع التعاون عبر المتوسط في مجال الذكاء الاصطناعي، وهي الصحة والفلاحة والطاقة. وتسعى الدورة الثانية من المنتدى المتوسطي للذكاء الاصطناعي، التي تنظم تحت إشراف وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية ووزارة التكنولوجيا والاتصالات التونسية بدعم من عدد من الشركاء، إلى الاجابة عن سؤال مركزي هو " ما هي الحلول التي يمكن أن يقدمها الذكاء الاصطناعي لرفع التحديات المتوسطية؟". ويشارك في جلسات النقاش الرئيسية حول مواضيع شاملة نسبيا (الحوكمة، الاخلاقيات، التمويل…) وكذا في الورشات حول مواضيع محددة (دور الذكاء الاصطناعي في تدبير المخاطر الطبيعية وفي علوم الفضاء والتغير المناخي..) خبراء ورؤساء مقاولات تعمل في المجال وباحثون في مؤسسات جامعية وأقسام للذكاء الاصطناعي والتطوير في مؤسسات عمومية خاصة بالبلدان المتوسطية ومنها المغرب.