جاء كتاب "فكرة الإخراج السينمائي... كيف تصبح مخرجا عظيما؟" نتيجة لتجربة التدريس التي قام بها الناقد السينمائي الأمريكي الشهير، كين دانسايجر، لطلبة الإنتاج السينمائي في جامعة نيويورك، بالإضافة إلى تجربته مع المنتجين وفناني المونتاج المحترفين في معهد "مارريتس بينجر" بأمستردام هناك طريقة أخرى لتطوير فكرة المخرج، وهي العمل على تأكيد معنى متضمن في القصة، ففي فيلم "هوية بورن" تدور القصة المثيرة حول قاتل محترف يعمل لصالح المخابرات المركزية الأمريكية، لكنه يفقد ذاكرته ويصبح مطاردا من الوكالة نفسها التي تسعى لقتله. إن المعنى المتضمن في الفيلم يدور حول الشعور بالوحدة، أعمق أنواع الوحدة التي يمكن أن يعيشها كائن إنساني، لذلك فإن فكرة المخرج دوج ليمان هي تأكيد ليس فقط وحدة البطل بل وحدة الشخصيات الأخرى في الفيلم، هل تذكر مثلا مشهد موت أحد القتلة المحترفين الآخرين؟ إن كل مشهد يدل على تأثير مشاعر الوحدة في الشخصيات. والمعنى المتضمن في فيلم "كل شيء عن حواء"، ذلك الفيلم العظيم حول المسرح والنجومية، هذا المعنى المتضمن هو الطموح، الذي يستولي على كل من شخصيات الفيلم ويأخذها إلى مواقع مختلفة. إن جوزيف مانكفيتش يأخذ من الطموح فكرته الإخراجية لكي يكتشف خواء الطموح ويأسه، وبالتالي فقدان الكرامة الذي تعيشه كل من الشخصيات، وكلما ازداد الطموح زاد ضياع الكرامة. أما المعنى المتضمن في فيلم "الطريق إلى الهلاك" الذي أخرجه سام مينديز فهو حب الأب لابنه. بينما يكمن هذا المعنى في اللذة أو القوة الدافعة للحياة في فيلم "زوربا اليوناني" للمخرج مايكل كاكويانيس. وفي كل من هاذين الفيلمين استخدم المخرجان المعنى المتضمن لأفكارهما الإخراجية لتعميق فيلم عصابات كلاسيكي أو فيلم مليودراما كلاسيكي. وبالنسبة إلى المخرج فإن المعنى المتضمن قد يكون هو أكثر الطرق وضوحا للوصول إلى فكرة المخرج. كما أن مسار التطور الدرامي للشخصية قد يكون الأداة المفيدة للفكرة الإخراجية، ولكن لكي يتم تصوير هذا المسار على نحو حيوى وأصيل فإنه يجب أن يكون مسارا مثيرا. إن كل قصص الأفلام، على الأقل التي تهتم بالشخصية أكثر من الحبكة، هي في جوهرها قصص عن تحولات الشخصية الدرامية، مثل قصص التكيف، أو الوصول إلى النضج، أو فقدان البراءة، لكنها ليست قصصا مثيرة في حد ذاتها، إن ما يجعلها مثيرة هو استخدام تيمات أعمق دراميا باعتبارها الفكرة الإخراجية في الوقت نفسه الذي تكون فيه أداة للتحول الدرامي. هناك مثالان يوضحان ذلك: الأول هو فيلم ويليام وايلر "الوريثة" المقتبس عن رواية هنري جيمس "ميدان واشنطن"، ففي إيجاز يقدم مسار التطور الدرامي لشخصية رئيسية باهتة لكنها ثرية، بينما هناك علاقتان رئيسيتان: الأب القاسي الذي يحكم على تصرفات ابنته، وخطيب أنيق يسعى إلى الثروة. في البداية تكون الشخصية الرئيسية متعطشة لقبول الآخرين، لكنها في النهاية ترفض الخطيب لأن أباها كان على حق. لقد بدأت فتاة صغيرة مفعمة بالأمل، لكنها تنتهي أكثر نضجا وواقعية ومرارة. إن مسار التطور الدرامي للشخصية يمكن اعتباره نوعا من فقدان البراءة، لكن فكرة المخرج هنا هي إظهار كيف أن خيبة الأمل تلعب دورا مهما في حياة كل الشخصيات وتقود مسار تطورها الدرامي. إن الأب يشعر بخيبة الأمل عندما تموت زوجته خلال ولادتها الابنة التي يبقى معها وحده، والابنة يستولي عليها شعور خيبة الأمل بسبب افتقادها حب أبيها، كما أنها تشعر بالشعور نفسه عندما يتضح لها صواب موقف الأب تجاه خطيبها.