جاء كتاب "فكرة الإخراج السينمائي... كيف تصبح مخرجا عظيما؟" نتيجة لتجربة التدريس التي قام بها الناقد السينمائي الأمريكي الشهير، كين دانسايجر، لطلبة الإنتاج السينمائي في جامعة نيويورك، بالإضافة إلى تجربته مع المنتجين وفناني المونتاج المحترفين في معهد "مارريتس بينجر" بأمستردام ما أحاول تأكيده هو أن المخرج يجب أن تكون لديه شخصية واعية، ومجموعة خلاقة من الأهداف، عندما يقرر إخراج قصة ما، وهذا الالتزام من جانبه يحتاج إلى توضيح كيف يشعر المخرج تجاه شخصيته الرئيسية وماذا يطلب منها. والمخرج يبدأ في تطوير فكرته الإخراجية مع تفسيره للنص: ما هو المفهوم الأساسي أو المقدمة المنطقية الأولى للقصة؟ ومن الأفضل أن ننظر إلى المقدمة المنطقية في ضوء اختيارين متعارضين يواجهان الشخصية الرئيسية: فالحب أو المال هو الاختيار الذي يواجه الشخصية الرئيسية في فيلم "تيتانيك "، أما في فيلم "الأصدقاء الأربعة "يكون الاختيار بين أن يكون البطل مهاجرا شبيها بأبيه، أو مختلفا عنه، بينما الاختيار في فيلم "حكم المحلفين "يكون بين البقاء بقية الحياة باحثا عن الإنقاذ أو استعادة الكرامة. إن المقدمة شديدة الأهمية سواء للفيلم أو لعلاقتنا مع الشخصية الرئيسية، وفهم هذه المقدمة والشعور بالرغبة في الكشف عن أبعادها هو ما يؤدي إلى توضيح فكرة المخرج الإخراجية. ما هو الشعور الوجداني لدى المخرج تجاه هذه المقدمة المنطقية؟ وكيف سيتناولها؟ في فيلم "مستر سميت يذهب إلى واشنطن" كان فرانك كبرا يريد الإعلاء من الاختيار المثالي في المقدمة المنطقية بالنسبة إلى البطل، في مقابل إدانة الاختيار الآخر (السياسة العملية أو الواقعية) وعواقبه على السلوك الشخصي، إن هذا يعني أن فكرته الإخراجية هي أن يذهب إلى آخر الشوط في كل هذين الاختيارين. لكن لهذا الإفراط مخاطرة (فقد يتحول إلى النزعة الكاريكاتورية أو حتى التهريجية على سبيل المثال)، لكنه هو الذي ساعد كابرا على أن يشحن آراءه التي تغازل الجماهير بأكبر قدر من العواطف. ومن الأدوات المهمة في توضيح الفكرة الإخراجية للمخرج خلق خلفية للقصص والأحداث والشخصيات على سبيل المثال فيلم "المصارع" فهناك البطل ماكسيموس وغريمه كومودوس، لكن حقيقة أنهما تربيا معا كشقيقين تجعل من صراعهما الحالي أكثر شخصية وألما. وفي فيلم "الهجوم" لروبيرت ألدريتش تدور الحكاية حول أهوال الحرب العالمية الثانية ، لكننا نجد رابطة مشابهة تربط بين البطل والغريم، فقد كان والد الغريم قائدا سياسيا في جنوبالولاياتالمتحدةالأمريكية. أما البطل فكان شابا طموحا ونشيطا جذب أنظار القائد السياسي إليه، آنذاك فإن الأب يطلب من البطل أن يتولى الأمور بدلا من الإبن المتمرد والأقل تمرسا. لهذا فإن التوتر والصراع بين الشخصيتين يعطيان القصة الحربية أعماقا جديدة في معانيها، ولذلك فإن في هذين الفيلمين نجد أن قصة قابيل وهابيل هي الفكرة الإخراجية للمخرج. هناك طريقة أخرى لتطوير فكرة المخرج، وهي العمل على تأكيد معنى متضمن في القصة، ففي فيلم "هوية بورن" تدور القصة المثيرة حول قاتل محترف يعمل لصالح المخابرات المركزية الأمريكية، لكنه يفقد ذاكرته ويصبح مطاردا من الوكالة نفسها التي تسعى لقتله. إن المعنى المتضمن في الفيلم يدور حول الشعور بالوحدة، أعمق أنواع الوحدة التي يمكن أن يعيشها كائن إنساني، لذلك فإن فكرة المخرج دوج ليمان هي تأكيد ليس فقط وحدة البطل بل وحدة الشخصيات الأخرى في الفيلم، هل تذكر مثلا مشهد موت أحد القتلة المحترفين الآخرين؟ إن كل مشهد يدل على تأثير مشاعر الوحدة في الشخصيات.