اتحاد طنجة لكرة القدم يتحدى العصبة الوطنية الاحترافية بعقد الجمع العام    ملتقى العيون للصحافة يعالج دور الإعلام في الدفاع عن الصحراء المغربية    الكاميرون ينتصر على الغابون في مباراة صعبة    صحافيون ينتقدون تصويت مجلس المستشارين على قانون مجلس الصحافة ويهددون بالتصعيد    ارتفاع مخزون سد عبد الكريم الخطابي بإقليم الحسيمة بعد التساقطات المطرية الأخيرة    السيول تسلب حياة شاب في الدريوش    مسؤولية الجزائر لا غبار عليها في قضية طرد 45 ألف أسرة مغربية    المعارضة بمجلس المستشارين تنسحب من الجلسة العامة وتطلب من رئيسه إحالة مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة على المحكمة الدستورية    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية وتساقطات ثلجية وطقس بارد من الأربعاء إلى السبت بعدد من مناطق المملكة    ‬ال»كان‮«: ‬السياسة والاستيتيقا والمجتمع‮    أمطار وثلوج تنعش منطقة الريف وتبعث آمال موسم فلاحي واعد بعد سنوات من الجفاف    وهبي: الحكومة امتثلت لملاحظات القضاء الدستوري في "المسطرة المدنية"    السلطة القضائية تنضم إلى PNDAI    مخطط التخفيف من آثار موجة البرد يستهدف حوالي 833 ألف نسمة    "كان المغرب".. المنتخب الجزائري يتغلب على السودان (3-0) في أولى مبارياته في دور المجموعات    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    توقيف شخص بحوزته أقراص مهلوسة وكوكايين بنقطة المراقبة المرورية بطنجة    كأس إفريقيا للأمم 2025.. الملاعب المغربية تتغلب على تقلبات أحوال الطقس    "ريدوان": أحمل المغرب في قلبي أينما حللت وارتحلت    قضية البرلماني بولعيش بين الحكم القضائي وتسريب المعطيات الشخصية .. أسئلة مشروعة حول الخلفيات وحدود النشر    كأس إفريقيا للأمم 2025 .. منتخب بوركينا فاسو يحقق فوزا مثيرا على غينيا الاستوائية    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    توفيق الحماني: بين الفن والفلسفة... تحقيق في تجربة مؤثرة        وفاة رئيس أركان وعدد من قادة الجيش الليبي في حادث سقوط طائرة في تركيا    شخص يزهق روح زوجته خنقا بطنجة‬    نص: عصافير محتجزة    وزير الصحة يترأس الدورة الثانية للمجلس الإداري للوكالة المغربية للدم ومشتقاته    رباط النغم بين موسكو والرباط.. أكثر من 5 قارات تعزف على وتر واحد ختام يليق بمدينة تتنفس فنا    أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة    الكشف عن مشاريع الأفلام المستفيدة من الدعم    المغرب في المرتبة الثامنة إفريقيا ضمن فئة "الازدهار المنخفض"    روسيا تعتزم إنشاء محطة طاقة نووية على القمر خلال عقد    رهبة الكون تسحق غرور البشر    الحكومة تصادق على مرسوم إعانة الأطفال اليتامى والمهملين    الأمطار لم توقّف الكرة .. مدرب تونس يُثني على ملاعب المغرب    الاقتصاد المغربي في 2025 عنوان مرونة هيكلية وطموحات نحو نمو مستدام    انفجار دموي يهز العاصمة الروسية    كأس إفريقيا بالمغرب .. مباريات الأربعاء    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب تايوان    فرنسا تندد بحظر واشنطن منح تأشيرة دخول لمفوض أوروبي سابق على خلفية قانون الخدمات الرقمية    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا متجاوزا 4500 دولار للأونصة    "الهيلولة".. موسم حجّ يهود العالم إلى ضريح "دافيد بن باروخ" في ضواحي تارودانت    عجز ميزانية المغرب يقترب من 72 مليار درهم نهاية نونبر 2025    انتصارات افتتاحية تعزز طموحات نيجيريا والسنغال وتونس في كأس إفريقيا    طقس ممطر في توقعات اليوم الأربعاء بالمغرب    بكين وموسكو تتهمان واشنطن بممارسة سلوك رعاة البقر ضد فنزويلا    عاصفة قوية تضرب كاليفورنيا وتتسبب في إجلاء المئات    كأس أمم إفريقيا 2025.. بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية فضية من فئة 250 درهما ويطرح للتداول ورقة بنكية تذكارية من فئة 100 درهم    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها        الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأنصاري.. العالم الذي انطلق من القرآن لبناء العمران
في الذكرى الأولى لوفاة العالم الشيخ فريد الأنصاري المغربي
نشر في المساء يوم 06 - 11 - 2010

تحل اليوم ذكرى وفاة العالم الشيخ فريد الأنصاري، وبمناسبة الذكرى الأولى، ووفاء لروح الشيخ الأنصاري، أن نذكر بهذا العلم المغربي الكبير،
حتى لا يطاله النسيان والغياب باعتباره من أهم الأعلام في المغرب الحديث، وتأتي هذه الأهمية، انطلاقا من مجموعة من الاعتبارات الآتية:
نبوغه العلمي في أصول الفقه، دراسة وتأليفا وتدريسا، إضافة إلى علوم الشريعة من فقه وحديث وتفسير، هذا النبوغ الذي مكنه أن يتحقق بصفة العالمية التي بوأته، مناصب رسمية «رئيس المجلس العلمي لمكناس، عضو المجلس العلمي الأعلى..» ومجتمعية في التأطير والدعوة والإفتاء.
تذوقه للسان العربي، وما أنتجه من دواوين شعرية، كديوان الإشارات..، وما ألفه من روايات ابتداء من رواية المحجوب وانتهاء برواية عودة الفرسان؛ رواية عن فتح الله كولن كتبها وهو على فراش المرض بتركيا.
فهمه لدور الإعلام الديني في تأطير المجتمع، حيث أصدر مجلة رسالة القرآن، والتي تهتم بالدراسات القرآنية الأكاديمية.
مراجعته لمقولات حركات الإصلاح الإسلامي، بالنقد والتقويم، انطلاقا من أطروحته «من القرآن إلى العمران».
فكل هذه الاعتبارات وغيرها، تجعل الشيخ فريد الأنصاري علما من أعلام المغرب المعاصر، الذي ينبغي أن يبقى حاضرا غير غائب عن ذاكرة المغاربة والأمة الإسلامية، فهو من الذين بصموا بصمة واضحة في تاريخ المغرب الديني والدعوي، ومن هنا، يمكن أن نلقي الضوء على سيرة ومسيرة العالم الشيخ الأنصاري رحمه الله.
بعد مراحل تمدرسه الابتدائي والإعدادي والثانوي، التحق الأنصاري بالجامعة سنة 1980م، وانخرط في مجال التدريس بالجامعة في أواخر الثمانينيات، فقضى بالجامعة إلى حين وفاته 29 سنة، وكانت هذه الفترة التي قضاها بالجامعة طالبا ومدرسا، فترة علم واجتهاد وبحث علمي متين، ليتحقق بصفة «العالم الوارث»، ولا غرابة أن يتخصص في “أصول الفقه» أو بمعنى آخر في فلسفة قانون الاستنباط الإسلامي، بل تخصص في دراسة مصطلحات ومفاهيم أصول الفقه، ففي سنة 1985م/1986 م مرحلة تكوين المكونين، أنجز بحثا في السنة الأولى في موضوع: «الأصول والأصوليون المغاربة: بحث ببليوغرافي» تحت إشراف الدكتور الشاهد البوشيخي وفي السنة الثانية موسم 1987/1986 أنجز بحثا في موضوع: «مصطلحات أصولية في كتاب الموافقات: مادة قصد نموذجا» تحت إشراف الدكتور الشاهد البوشيخي، وفي سنة 1990/1989 سجل بحثا لنيل دبلوم الدراسات العليا/ الماجستير في موضوع: «مصطلحات أصولية في كتاب الموافقات» تحت إشراف الدكتور الشاهد البوشيخي، وفي سنة 1991 سجل بحث الدكتوراه في موضوع: “المصطلح الأصولي عند الشاطبي» تحت إشراف الدكتور الشاهد البوشيخي وناقش الأطروحة سنة 1998. .
إن هذه المسيرة البحثية الأكاديمية للدكتور، والتي تتجاوز أكثر من عقد من الزمن، صاحب فيها علم أصول الفقه والشاطبي ومصطلحاته، والملفت للنظر أن يكون الإشراف في جميع البحوث للشيخ العلامة الشاهد البوشيخي، ولذلك عند قول الأنصاري في كتاباته «الأستاذ» دون أن يسمي من هو هذا الأستاذ، فالمقصود به الشاهد البوشيخي، فهو مربيه وأستاذه، أثمرت هذه الصحبة معاني وجدانية عميقة ومنهجيات علمية دقيقة، وليس غريبا أن يقول البوشيخي مقدما لأطروحة الأنصاري في الدكتوراه المصطلح الأصولي عند الشاطبي: “إن فريدا الفريد لم يكد يخلق إلا للعلم والبحث العلمي» ويقول الأنصاري في حق أستاذه: «و لعمري لقد هذب وربى، وعلم فأربى. نهلت من علمه، وتشبهت بخلقه، ونشأت على فكرته، وتخرجت من معهده» المقصود بالمعهد معهد الدراسات المصطلحية بكلية الآداب ظهر المهراز فاس الذي أسسه البوشيخي مع ثلة من تلامذته سنة 1993. .
ويتضح من خلال تجربته البحثية أن التضلع في المعرفة الإسلامية لا يمكن أن يكون إلا «بالمصاحبة» للشيخ العالم والمربي، إذ المعرفة الإسلامية من أقوى مصادر تلقيها «أفواه الرجال»، وهذا التلقي هو ما يصنع الطالب الذي يبتغي العالمية، فالعالمية لا يتحقق بها من ركن إلى مطالعة الكتب والمخطوطات، لأن سلامة المنطق ودقة المعلومة لا تتحقق إلا مشافهة، وهذه الصحبة ليست علمية محضة بل هي صحبة تربوية عميقة، فالأنصاري يحكي عن التحول الوجداني الكبير الذي مر به، وكان سببه هو مدارسة له مع أستاذه البوشيخي، فيحكي الأنصاري قصة فهمه للعقيدة حيث يؤكد أنه مر بثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى الفهم التقليدي، العقيدة شهادة وانتهى الأمر، المرحلة الثانية مرحلة أن معنى العقيدة هي «الحاكمية لله» وتلقى هذا المعنى في فترة ارتباطه بالحركة الإسلامية، المرحلة الثالثة مرحلة اليقظة الوجدانية حيث يقول: “وبقي الأمر بالنسبة لي غامضا، حتى لقيت بعض أساتذتي الأجلاء، ممن تتلمذت عليهم، وأخذت عنهم علم الدعوة وعلم البحث العلمي، فكانت لي معه جلسة مذاكرة حول بعض مفاهيم القرآن الكريم، وتحدثنا عن بعض النماذج من بينها مفهوم الإله في القرآن الكريم، فنبهني إلى أن الأصل اللغوي لهذه العبارة، راجع إلى معنى قلبي وجداني، وذكر لي شيئا من الدلالة اللغوية على المحبة، مما بينته قبل قليل، فكانت بالنسبة لي مفاجأة حقيقية! لا على مستوى الفهم فقط، ولكن على مستوى الوجدان والشعور !» ويتضح من هنا؛ أن المعرفة الإسلامية كذلك ليست معرفة معلوماتية، بل هي معرفة هدفها الوصول إلى خشية الله ويتحقق ذلك بصحبة العالم المربي، وهذه الصورة التي نرسمها، قلت واضمحلت وانعدمت في ما يسمى بالجامعات العلمية العصرية وفي شعب الدراسات الإسلامية، وهذه العلاقة بين الطالب والأستاذ تذكرنا بعصور علمية زاهرة عرفها التاريخ الإسلامي، بمعنى أن الذي صنع الأنصاري ليس هو نظام تعليمنا الجامعي المغربي في شعب الدراسات الإسلامية، وإنما الذي خرجه هو صحبته «لشيخ عالم مربي» لمدة تصل إلى أكثر من عقد من الزمن، أخذ عنه علم الدعوة والبحث العلمي.
كما أن الأنصاري كان موفقا في تركيزه على مجال واحد من مجالات المعرفة الإسلامية «أصول الفقه» فطيلة مسيرته البحثية لا يفارق أصول الفقه، وهذا الارتباط الوثيق بأصول الفقه أسهم في تشكيل منهجية تفكيره، فكما يقال؛أصول الفقه بالنسبة للفقه، كالمنطق بالنسبة للفلسفة، فأصول الفقه مسدد ومنظم للتفكير بغية استنباط الحكم الشرعي، وإقباله على هذا العلم ربما راجع للتنشئة التربوية التي تلقاها في البيت والتي كانت تحرص على النظام والتنظيم كما يحكي ذلك في كتابه «أبجديات البحث في العلوم الشرعية محاولة في التأصيل المنهجي» والذي صدر في سنة 1997م، قبل مناقشته لأطروحة الدكتوراه، وهذا الكتاب هو في أصله قراءة لكتاب «أصول البحث العلمي ومناهجه» لأحمد بدر، فتنشئته التربوية أسهمت في إقباله على هذا العلم، وكان لهذا الأخير أثر واضح في بناء شخصيته العلمية «التأصيلية»، فهو لا يتحدث في أمر إلا أصل له وبحث عن دليله من القرآن والسنة، ولذلك أطلق في آخر حياته مشروع «من القرآن إلى العمران»، كما أن تعلقه بالموافقات أسهم في تشكيل رؤيته الإصلاحية على اعتبار أن مصنف الشاطبي 790ه، هو في حقيقته مشروع إصلاحي يتداخل فيه التربوي بالتعليمي بالمعرفي بالإصلاحي، كما أن اهتمامه بالمصطلح الأصولي كان سببا في اطلاعه على الدراسات المصطلحية التي من مراميها الكشف عن أبنية المفاهيم وعلاقتها ببعضها البعض، فلا تكاد تجد مؤلفا للأنصاري إلا ويقدم له بتحديد مفاهيم المصطلحات ويخلص إلى تعريف معين، فهذه الرحلة العلمية للأنصاري مكنته من منهجية التأصيل والقراءة بمقصد إصلاحي دعوي تربوي.
إن للمسيرة العلمية الأكاديمية التي قضاها الأنصاري في رحاب الجامعة والبحث العلمي، كان لها أثر كبير في دراساته الإصلاحية الدعوية التربوية، وكانت جميع مصنفاته ذات الاتجاه الإصلاحي منذ سنة 2000م إلى سنة 2007م، تعطي للقارئ صورة واضحة، أن الكاتب متمرس في البحث العلمي الأكاديمي، وكأن كتاباته موجهة إلى طلاب الجامعة وأساتذتها من الباحثين، فترى الأنصاري في كتاباته هذه، يخاطبك بلغة الباحث لا بلغة العالم الحافظ لمجاميع العلم، يكتب دون مقدمات ولا منهج ولا نتائج، ودون أن يحيل على من أخذ عنهم، بل ممكن أن أقول إن هوامش كتابات الأنصاري لوحدها تجمع الفوائد الجمة، بل في الهامش يذكر من أخذ عنه العلم مشافهة حرصا على الأمانة العلمية..
ولا يمكن فهم كتابات الأنصاري النقدية التصحيحية إلا إذا فهمت مقاصدها ومراميها ولا يتحقق ذلك إلا بقراءة جميع مؤلفاته، وأيما قارئ اقتصر على كتاب دون آخر سيقع في الأحكام المتسرعة، وأعتقد أن رسائل الأنصاري النقدية التصحيحية لحركات الإصلاح الإسلامي بالمغرب، دشنها بكتابه «الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب:دراسة في التدافع الاجتماعي» الذي صدر سنة 2000م، هذا الكتاب يستعرض فيه تشخيصا دقيقا لواقع المغرب الديني والقيمي والسياسي، وهنا أشير إلى أن بعض من انتقد الأنصاري، بدعوى عدم نقده وغفلته عن الأوضاع القيمية والسياسية المتردية التي يعيشها المغرب والمغاربة، وتركيزه فقط على الحركة الإسلامية إثر صدور كتابه “الأخطاء الستة للحركة الإسلامية المغربية» سنة 2007، هذا نقد غير صائب، لأن كتاب الفجور السياسي يتضمن تشريحا دقيقا للواقع المغربي على كل مستوياته، ليبين أن معركة المغرب في بداية القرن الواحد والعشرين هي معركة “القيم والتدين» ويتساءل في نهاية الكتاب قائلا: هل الحركة الإسلامية في المغرب داخل حلبة الصراع أم خارجه؟ وبين أن الحركة الإسلامية المغربية هي على اختيارين؛ اختيار التصادم الذي تمثله جماعة العدل والإحسان واختيار المشاركة الذي تمثله حركة التوحيد والإصلاح، وانتقد الاختيارين لأنهما في نظره يبتعدان عن حلبة الصراع الدائرة في المغرب، بمعنى أن ما تضمنه كتاب الأخطاء الستة هو مجرد تفصيل لما أجمل في كتابه الأول الفجور السياسي في بعض من جوانبه، ثم جاءت رسائله تترى كل واحدة منها تشرح الأخرى وتؤكد على مدار أطروحته الإصلاحية «من القرآن إلى العمران» عكس ما سلكته الحركة الإسلامية الإصلاحية «من العمران إلى القرآن»، ثم صدر له بعد كتاب الفجور السياسي في سنة 2002م، كتاب» «بلاغ الرسالة القرآنية: من أجل إبصار لآيات الطريق» وهذا الكتاب هو خلاصات جاءت إثر رحلة الأنصاري لأداء فريضة الحج عام 2000م، والتي يقول عنها إنها كانت سببا في إعادة النظر والمراجعة لواقع العمل الإسلامي، والكتاب أيضا هو في أصله مدارسات قرآنية بمدينة مكناس، وواضح كما يعلن في مقدمة الكتاب على الهامش، الأثر الكبير الذي رسخته رسائل النور لبديع الزمان النورسي في تعامله مع القرآن الكريم، كما يشير إلى مدارسته القرآنية مع الأستاذ أحمد العبادي في معاني البصيرة..، و كتاب بلاغ الرسالة القرآنية هو برنامج عملي في مدارسة القرآن مؤسس على نظرات فلسفية تأملية مرتبطة بوجود الإنسان ومصيره، ثم في سنة 2003م أصدر كتاب «البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي» يقول في مقدمة الكتاب: «إن البيان الدعوي القرآني هو محاولة لتلمس موقع المفتاح في المسألة الإسلامية التجديدية، إنه محاولة للعودة بها من جديد إلى القرآن رسالة رب الكون إلى الناس في هذه الأرض» وهذا كتاب هو محاولة في ترتيب الأولويات وتحديد الأصول من الفروع في إقامة الدين، والكتاب لوحده يشكل أطروحة في موقع العمل السياسي من باقي قضايا الدين والتدين استنادا لاستقرائه لمجمل ما جاء في القرآن والسنة، وهذا الكتاب يبصر القارئ تبصيرا وافيا بالشرح والبيان لرؤية الأنصاري للعمل السياسي الحزبي، ولذلك بعض القراء لم يفاجئهم كتاب الأخطاء الستة المنتقد للسياسة والسياسيين، ونظرا لاهتمام الأنصاري بالمرأة أصدر رسالة «سيماء المرأة في الإسلام: بين النفس والصورة» سنة 2003م، وهذه الرسالة عميقة جدا، حيث يقول إن مرادها «الكشف عن ما ترمز إليه المرأة في الإسلام، نفسا وصورة، فأما نفسا فباعتبارها أنثى الإنسان من الناحية الوجودية، وأما صورة فباعتبارها هيئة خلقية»، ثم في سنة 2006م أصدر كتابين؛ الكتاب الأول «مفهوم العالمية من الكتاب إلى الربانية «والكتاب الثاني «جمالية الدين: معراج القلب إلى حياة الروح»، فالكتاب الأول هو دراسة مفهومية عميقة في معنى العلم والعالمية، وسطر برنامجا عمليا تعليميا للتحقق بصفة العالمية لمن يرجوها من طلبة الدراسات الإسلامية والعلوم الشرعية، والدراسة بكاملها ترسم نموذجا معينا للعالم الذي سماه ب«العالم الوارث» هذا العالم الذي من أدواره الدعوة والتعليم وإصلاح المجتمع، والذي يعتبره القائد الطبيعي لقيادة التنظيم الفطري الإسلامي، دون انتخابات ديمقراطية أو هياكل تنظيمية، فبالفطرة ينتظم وبالفطرة يتداول، وعلى هذا الأساس ينتقد غرق الحركة الإسلامية في التنظيم الميكانيكي - كما ورد ذلك «في الأخطاء الستة»- الذي يتنافى مع رسالة الإسلام الفطرية وحقيقة الإنسان المجبولة على الفطرة، والكتاب الثاني «جمالية الدين: معراج القلب إلى حياة الروح» هو كتاب تجديدي في فهم عقائد الإسلام وعباداته، فالأنصاري رحمه الله بأسلوبه الشاعري الأخاذ، يعرض قضايا الإيمان بمنهجية تخاطب الوجدان المسلم وتبعث فيه الحياة من جديد، ويهدف من خلال هذا إلى تنبيه الحركة الإسلامية إلى أن الإنسان المسلم يعرف أركان الإسلام والإيمان، لكن هذه المعرفة لا تتحول إلى انبعاث وجداني وفعالية حركية، ويشير إلى أن الحركة عليها أن تهتم بهذه الأصول البديهية التي هي أصل كل قيمة خير في المجتمع، لكن يأسف على ما تورطت فيه الحركة الإسلامية من قضايا السياسة الحزبية في المغرب، ولذلك اندهش كثير من القراء عند مطالعتهم للكتاب، لقراءتهم لأول مرة مفردات مركبة من مثل جمالية الموت وجمالية اليوم الآخر، ثم في سنة 2007 أصدر كتابين، الأول كتاب «الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب: انحراف استصنامي في الفكر والممارسة» والثاني كتاب «الفطرية: بعثة التجديد المقبلة من الحركة الإسلامية إلى حركة الإسلام»، فالكتاب الأول كتاب ينتقد العمل الداخلي للحركة الإسلامية وخصوصا حركة التوحيد والإصلاح وما آلت إليه الحركة من أوضاع، كما ينتقد الممارسة التربوية والسياسية لجماعة العدل والإحسان وتيار السلفية الحنبلية بالمغرب، فارتضى في نقده أسلوب التصريح المباشر دون تلميح، لأن التلميح أخذ ما يقرب عن ست سنوات في الإصدارات السابقة، وهذا الكتاب هو نقد في مساحة كبيرة من الاقتراح والترشيد والتسديد لفعل الدعوة الإسلامية بالمغرب، وما اختصار مشروع الأنصاري في كتاب الأخطاء الستة سوى تجن على مرامي مشروعه الذي هو أكبر من النقد، والنقد بالنسبة إليه هو بمقدار الملح في الطعام، ولذلك أعقب الكتاب بكتاب «الفطرية» الذي هو تجميع شامل لمجمل أطروحته في الإصلاح والتغيير وفقا لرسالة القرآن، فما جاء في كتاب الفطرية يتكرر البعض منه في الكتب السابقة.
ويتضح من ذكاء الأنصاري رحمه الله أنه كان يؤمن بمنهجية التدرج والتروي وعدم التسرع، ويبدو لي أن أطروحته بالكامل كانت مدونة عنده ويختار الأوقات المناسبة لإصدارها، فيصدر الرسالة ويرى الأثر في واقع الناس ومدى تجاوبهم سواء بالموافقة أو النقد، ولهذا فالأنصاري عرض أطروحته الإصلاحية في مدة سبع سنوات من 2000م ابتداء من كتاب الفجور السياسي إلى كتاب الفطرية الذي صدر سنة 2007م، ويتبين أن هدفه كان هدفا بنائيا حواريا بعيدا عن الإثارة والتشهير، ولو كان يرغب في غير ذلك لأصدر أطروحته في مجلد وانتهى الأمر، لكن الرجل كان يعلم أن من الحكمة التروي وطرح الفكرة تلو الأخرى، ليستوعبها العاملون في الحقل الإسلامي..

مصطفى بوكرن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.