72 في المائة من تجار الجملة يتوقعون استقرار المبيعات خلال الفصل الثالث من 2025    مندوبية التخطيط: 41 في المائة من أرباب المقاولات يتوقعون ارتفاعا للنشاط خلال الفصل الثالث من 2025    الصين تكشف عن مخطط لتسريع تكامل الذكاء الاصطناعي مع قطاع الطاقة    معرض الصين الدولي لتجارة الخدمات (CIFTIS) هذا العام.. القطاع السياحي والثقافي في قلب اهتماماته    بطولة انجلترا: الاصابة تبعد الدولي المصري مرموش عن ديربي مانشستر    هشام العلوي: الأجهزة الأمنية في المغرب تجاوزت صلاحياتها.. ودور الملكية في أي انتقال ديمقراطي يجب أن يكون أخلاقيا    أخنوش: تم بناء أكثر من 51 ألف سكن وتوزيع 6.9 مليار درهم على ضحايا زلزال الحوز    مقتل المؤثر الأمريكي المحافظ تشارلي كيرك بالرصاص    توقيف قاتل "المؤثر اليميني" كيرك    رصاص ينهي عربدة جانح بالعيايدة    أخنوش: الحكومة تشتغل بجد ونتوقع سنة دراسية ناجحة    أخنوش: أنا "فرحان" لأنني لن أشرف على الانتخابات المقبلة    النقابة الوطنية للتعليم العالي تحذر من مشروع قانون يهدّد مستقبل الجامعة العمومية    نحن جيل الذاكرة الحية    التهراوي يتفقد ضحايا انفجار "بوطا"    تونس: الهجوم على أسطول غزة مُدبّر    الفيلم المغربي "وشم الريح" يتوج بجائزة في مهرجان قازان الدولي    "التقدم والاشتراكية" يطالب بمناقشة اختلالات إحصاء القطيع والدعم الموجه لمربي الماشية    الضربات الإسرائيلية تعكر صفو الهدوء بقطر وتضعف الثقة في واشنطن    حالتا وفاة جديدتان في مياه سبتة ترفعان الحصيلة إلى 30 ضحية    الحكومة تتفاعل مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وبنسعيد يقدم معطيات حول إعداد مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة    تداولات بورصة البيضاء تنتهي خضراء        الزاوية الكركرية تحتفي بإصدارات الشيخ محمد فوزي الكركري                المغربي وليد الحجام يوقع لعامين مع جيروندان بوردو الممارس في الدرجة الرابعة لكرة القدم بفرنسا    حسام أمير يعيد إحياء "حكّام الرجال" بأسلوب معاصر            تحذير من المجلس الأعلى بشأن تداول "أذونات زواج" مزورة على مواقع التواصل    بعد جدل طلاقها .. سكينة بنجلون تطلق نداء عاجلا لحسن الفذ    وفد نيابي برئاسة الطالبي العلمي في زيارة عمل لجمهورية فنلندا        تعيينات في المصالح الاجتماعية للأمن‬    مجموعة بريد المغرب ومؤسسة البريد السعودي توقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتطوير التبادل ودعم نمو التجارة الإلكترونية    188 مليون طفل ومراهق يعانون السمنة .. والأمم المتحدة تحذر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    "صفقات على المقاس".. الفرقة الوطنية تفتح تحقيقا في اختلالات بصفقات عمومية    المنتخب المغربي لألعاب القوى يراهن على البقالي للتألق في مونديال طوكيو    صيف استثنائي بفضل الجالية.. 4,6 ملايين سائح بالمغرب خلال يوليوز وغشت    آفاق ‬التعاون ‬المغربي ‬الموريتاني ‬تتسع ‬أكثر    المنتخب الإماراتي لكرة القدم يتأهل إلى نهائيات كأس آسيا لأقل من 23 سنة    منتخب الرأس الأخضر يقترب من أول تأهل إلى كأس العالم في تاريخه بعد انتصاره على نظيره الكاميروني    النجم كيليان مبابي يتخطى هنري ويلامس عرش الهداف التاريخي لفرنسا    "فيفا" يخطر جامعة الكرة بموعد إرسال اللائحة النهائية للمنتخب المغربي المشاركة في كأس العرب    دراسة: أسماك الناظور ملوثة وتهدد صحة الأطفال    دراسة: أسماك الناظور ملوثة بعناصر سامة تهدد صحة الأطفال        باقبو الفنان الذي ولج الموسيقى العالمية على صهوة السنتير.. وداعا    تلميذ يرد الجميل بعد 22 سنة: رحلة عمرة هدية لمعلمه    1500 ممثل ومخرج سينمائي يقاطعون مؤسسات إسرائيلية دعما لغزة    أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي        أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفكيك مصر طائفيا
نشر في المساء يوم 04 - 01 - 2011


عمليات تفتيت وتفكيك الدولة «القطرية» العربية لم تعد تقتصر على الجغرافيا، مثلما هو حادث حاليا في السودان واليمن والعراق، بل بدأت تمتد إلى الديموغرافيا أيضا، وبهدف تمزيق النسيج الاجتماعي والبشري، من خلال اتباع أساليب الإغراق في حروب أو مواجهات طائفية أو عرقية، والعمل الإجرامي الذي استهدف كنيسة الإسكندرية وراح ضحيته أكثر من عشرين شخصا، ليلة رأس السنة، لا يمكن النظر إليه إلا من هذا المنظور. مصر مستهدفة أكثر من غيرها، لأنها دولة محورية في العالم العربي، وتشكل الثقل البشري والحضاري، وعنصر التأثير الأقوى في محيطها، ولهذا تتعاظم محاولات الإجهاز عليها، بعد تكبيلها بمعاهدات سلام مهينة أخرجتها من محيطها، وجمدت دورها القيادي والريادي، وجعلتها تكتلا بشريا ضخما بدون قضية وطنية حقيقية في منطقة تعتبر الأكثر التهابا وغليانا في العالم بأسره. ردود الفعل الرسمية، التي تنطوي على الكثير من السذاجة السياسية والفكرية، كشفت عن مصدر الخلل الكبير الذي ينخر جسد المؤسسة الحاكمة ويدفع بالبلاد إلى سيناريو عنف مرعب لا يمكن التكهن بنتائجه لما ينطوي عليه من أخطار جمة. فالحكومة المصرية سارعت، وبعد ساعات محدودة على وقوع التفجير وقبل بدء أي تحقيقات، إلى تصدير الأزمة إلى جهات خارجية وتوجيه أصابع الاتهام، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، إلى تنظيم «القاعدة» بالوقوف خلف هذه الجريمة. تنظيم «القاعدة» أو بعض الجماعات المحسوبة عليه قد لا يكون بريئا من مثل هذه الأعمال، بل وأعلن مسؤوليته عما هو أكبر منها (هجمات الحادي عشر من سبتمبر)، ولكن هذا التنظيم حتى لو كان يقف خلف هذا العمل الإجرامي، فإنه ما كان لينجح في تنفيذه بدون أدوات محلية، وفي ظل مناخ عام يسهل أعماله ومخططاته. لا بد من الاعتراف، اعتراف النخبة الحاكمة في مصر على وجه التحديد، بأن الأزمة داخلية صرفة ومتفاقمة، فالبلد يعيش حالة من الاحتقان الداخلي والشحن الطائفي، تقابلهما قراءة خاطئة وغير علمية، سواء بطريقة متعمدة أو بسبب الجهل، لمعرفة أسباب هذا الاحتقان، لوصف العلاج العملي الناجع على المستويين قصير وبعيد المدى في الوقت نفسه. الأزمة في مصر ثقافية وسياسية واقتصادية وأمنية وتعليمية وإعلامية، بل وأخلاقية أيضا، ومحاولة كنسها وإخفائها تحت سجاد سرير السلطة هي من الأسباب الرئيسية لتفاقمها. الاختراق الحقيقي لمصر ليس من قبل الجماعات المتطرفة فقط، وإنما بالدرجة الأولى من قبل العدو الإسرائيلي، ففي الوقت الذي نسيت فيه الحكومة المصرية أمنها الداخلي وركزت، طوال السنوات الثلاثين الماضية، على حماية الأمن الإسرائيلي، حتى لو وصل بها الأمر إلى توظيف الجنود المصريين لتأمين الحدود الإسرائيلية بإطلاق النار، بهدف القتل، على المتسللين الأفارقة الباحثين عن لقمة خبز، كانت إسرائيل في المقابل ترد الجميل إلى مصر بزرع شبكات التجسس لاختراق الأمن القومي المصري، وتحريض دول منابع النيل في العمق الإفريقي لتفكيك معاهدات توزيع مياهه وتهديد الأمن المائي المصري. فعندما تزوّر الحكومة المصرية الانتخابات في وضح النهار وتمارس عمليات إقصاء سياسي فاضح لقوى المعارضة الأخرى، المؤمنة بالنظام والمتعايشة معه والرافضة لأساليب العنف كأداة للتغيير والمتمسكة بالحوار وأدب الخلاف تحت قبة البرلمان، فإن عليها أن تتوقع الأسوأ. فقمع المعارضة وإخراجها بطريقة مهينة من العملية السياسية وإبعادها عن ممارسة حقها الدستوري في المشاركة في دوائر الرقابة وصنع القرار، ستؤدي حتما إلى نزول بعضها إلى تحت الأرض والعمل في الظلام. لقد نسي دهاقنة النظام ومنظروه في مصر أن العنف الطائفي والسياسي كان موجودا في البلاد قبل ظهور تنظيم «القاعدة» بعقود، بل لا نبالغ إذا قلنا إن هذا التنظيم وصل إلى ما وصل إليه بسبب سيطرة العنصر المصري على مقدراته وتحويل مساره العقائدي والإيديولوجي الوجهة التي نراها حالياً فالقيادات العسكرية والفكرية في تنظيم «القاعدة» هي مصرية بالأساس والنواة الأصلية لجماعات استأصلها النظام، مثل حركة الجهاد الإسلامي والجماعة الإسلامية والتكفير والهجرة، ولم يتحول تنظيم «القاعدة» من تنظيم محلي يريد إخراج القوات الأمريكية من الجزيرة العربية بعد انتهاء دورها «بتحرير الكويت» إلى تنظيم عالمي يفتتح فروعا في مختلف أنحاء العالم إلا بفضل شخصيات قيادية مصرية، مثل الدكتور أيمن الظواهري ومحمد عاطف (أبو حفص المصري) وسيف العدل ومصطفى حامد ومصطفى أبو اليزيد وغيرهم كثير. تكرار العبارات التقليدية في الصحف ومحطات التلفزة المصرية والعربية، حول الوحدة الوطنية وضرورة تعزيزها والإخاء المسيحي الإسلامي والمؤامرات الخارجية، كلها عبارات جميلة بل ومطلوبة، ولكن شريطة ألا تبعدنا عن الأزمة الحقيقية وأسبابها وجذورها، وهي حالة الانهيار التي تشهدها مصر حاليا على أكثر من صعيد بسبب التحالف الانتهازي بين عصابات رجال الأعمال والمجموعة الحاكمة واستخدام النظام وقواه الضاربة من أجل تحقيق مصالح القطط السمان على حساب الفقراء المسحوقين، وهم الأغلبية. الأجهزة المصرية استخدمت الأساليب نفسها التي استخدمتها وتستخدمها جميع الأنظمة الديكتاتورية العربية، في الإقدام على اعتقال مجموعة من الأشخاص فور وقوع الجريمة بتهمة التورط في عملية التفجير لامتصاص النقمة الشعبية والظهور بمظهر المسيطر على الأوضاع الأمنية، ولكن مثل هذه الأساليب لا يمكن أن تعفي هذه الأجهزة، والمسؤولين الكبار خاصة، من التقصير في حماية دور العبادة المسيحية، في ظل تحريض طائفي بلغ ذروته وفي وقت حساس جدا من العام وكل الأعوام، وهو احتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة. نضم صوتنا إلى جميع الأصوات التي أدانت هذه الجريمة من مختلف أنحاء العالم، والعربي والإسلامي على وجه الخصوص، فالأشقاء المسيحيون هم جزء أصيل من ثقافتنا وهويتنا العربية الإسلامية، ويجب أن يحميهم المسلمون أولا ويوفروا لهم الأمن وحرية العبادة مثلما فعل رسولنا وقائدنا وقدوتنا محمد بن عبد الله «صلى الله عليه وسلم»، ولكن هذه الإدانة يجب ألا تعمينا عن رؤية مخططات التفتيت والتفكيك التي تستهدف جميع بلداننا، وعن الأعداء الحقيقيين الذين يقفون خلفها، وأولهم إسرائيل. مصر العظيمة فقدت بوصلتها منذ أن وقعت في مصيدة سلام مغشوش، بل مسموم أخرجها من دورها القيادي والريادي، وأول خطوة لإخراجها من أزماتها هي باستعادتها لهذا الدور الذي خطفه الآخرون منها، وهمشوها بالشكل الذي نراه حاليا... نقولها وفي حلوقنا مرارة العلقم.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.