بورصة الدار البيضاء تستهل الجلسة بأداء مستقر يميل للصعود    غزة.. انقلاب شاحنة مساعدات يخلف 20 قتيلا ومستوطنون يهاجمون قافلة معونات قرب مخيم النصيرات    سكان غزة يرفعون العلم المغربي في حركة شكرٍ وطنية بعد وصول مساعدات جوية ملكية مغربية    الكاف يعفي الوداد من الدور التمهيدي ويمنحه انطلاقة قوية في الكونفدرالية    إجراء تنظيمي جديد بميناء طنجة المتوسط خلال فترة الذروة    الشرطة تُطيح بمزورين من إفريقيا جنوب الصحراء    نشرة انذارية : امطار رعدية قوية مصحوبة بالبرَد مرتقبة بالحسيمة ومناطق اخرى    ارتفاع وفيات حوادث السير بالمدن وتراجعها وطنيا خلال يوليوز    الموثقون بالمغرب يلجأون للقضاء بعد تسريب معطيات رقمية حساسة    الرجاء يضم معاذ الضحاك من اتحاد تواركة على سبيل الإعارة    "وصل مرحلة التأزم البنيوي".. 3 مؤسسات رسمية تدق ناقوس الخطر بشأن أنظمة التقاعد        الاتحاد الاشتراكي يدعو إلى مراجعة التقطيع الانتخابي        الانتخابات المقبلة... أي نخب سياسية لكأس العالم والصحراء والسيادة الوطنية؟    حزب "النهج" ينبه إلى تصاعد الاحتجاجات ضد التهميش ويستنكر الأسعار الخيالية المصاحبة للعطلة الصيفية    حادث مأساوي يودي بحياة سائق طاكسي ويرسل آخرين إلى مستعجلات الخميسات    حريق مدمر في جنوب فرنسا يخلف قتيلا وتسعة مصابين ويلتهم 12 ألف هكتار        بعد طول انتظار: افتتاح حديقة عين السبع في هذا التاريخ!    الذهب يتراجع متأثرا بصعود الدولار    الهند تعزز شراكتها مع المغرب في سوق الأسمدة عقب تراجع الصادرات الصينية    بطولة فرنسا: لنس يتوصل لاتفاق لضم الفرنسي توفان من أودينيزي    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تعقد اجتماعاً حاسماً لدراسة تعديلات قانونية وهيكلية    مراكش والدار البيضاء أفضل الوجهات المفضلة للأمريكيين لعام 2025    الصين تخصص أكثر من مليار يوان لدعم جهود الإغاثة من الكوارث الطبيعية    المغرب يدرب 23 عسكرية من 14 دولة على عمليات حفظ السلام الأممية    التأمين التكافلي.. أقساط بقيمة 94,9 مليون درهم خلال سنة 2024    "صحة غزة": ارتفاع وفيات التجويع الإسرائيلي إلى 193 بينهم 96 طفلا    إسبانيا توقف خططا لشراء مقاتلات طراز "إف-35"    «أكوا باور» السعودية تفوز بصفقة «مازن» لتطوير محطتي نور ميدلت 2 و3    نيران بطريفة الإسبانية تخلي السياح        بين يَدَيْ سيرتي .. علائم ذكريات ونوافذ على الذات نابضة بالحياة    حين يضع مسعد بولس النقاط على حروف قضية الصحراء المغربية في عقر قصر المرادية.    بنما تعلن من جديد: الصحراء مغربية... ومبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي الحل النهائي    سفير إسرائيل السابق في فرنسا يناشد ماكرون: إذا لم تفرض عقوبات فورية على إسرائيل فسوف تتحول غزة إلى بمقبرة    السودان تتعادل مع الكونغو ب"الشان"    الفنيدق: وضع خيمة تقليدية بكورنيش الفنيدق يثير زوبعة من الإنتقادات الحاطة والمسيئة لتقاليدنا العريقة من طنجة إلى الكويرة    وفاة المدافع الدولي البرتغالي السابق جورجي كوستا عن سن 53 عاما        اليد الممدودة والمغرب الكبير وقضية الحدود!    نحن والحجاج الجزائريون: من الجوار الجغرافي …إلى الجوار الرباني    لطيفة رأفت تعلن تأجيل حفلها بأكادير وتعد بلقاء قريب    "ألكسو" تحتفي بتراث القدس وفاس    الإفراج بكفالة مشروطة عن توماس بارتي لاعب أرسنال السابق    خواطر تسر الخاطر    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    علي الصامد يشعل مهرجان الشواطئ بحضور جماهيري غير مسبوق    الرباط تحتضن النسخة الأولى من "سهرة الجالية" احتفاءً بالمغاربة المقيمين بالخارج    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة هي الثورة
نشر في المساء يوم 15 - 02 - 2011

أهم انتصار لثورة الشعب المصري حتى كتابة السطور أنها لا تزال مستمرة بعنفوان هائل، وأنها تتدفق كموج البحر، وفي ما يشبه الإعصار الكاسح، وفي غضب جماهيري أقرب إلى غضبات الطبيعة وزلازلها وبراكينها .
ولا نريد لأحد أن يخطئ النظر أو القراءة، فهذه ثورة الشعب المصري، وليست مجرد حركة شبابية، فقد لعب شباب «الفيس بوك» دورا حاسما في الدعوة إلى الثورة وفي تنظيم شبكي مرن جمع أطرافا من كل ألوان الطيف وفي ضمان قوة دفع ابتدائية مناسبة، لكن الثورة صارت بسرعة ثورة شعب بكامله، بكل أجياله وطبقاته وفئاته وعلى اتساع الجغرافيا المصرية، وانضمت إليها كافة حركات التغيير والقوى الاجتماعية والسياسية الحية، كانت مبادرة الشباب أشبه بكشف غطاء عن آبار غضب جوفي طافح، وبدت موجات الثورة المتدافعة المتدفقة بالملايين في مشاهد أسطورية، وكأنها تنزح من آبار بلا قرار .
ويخطئ من يتصور أن أحدا بعينه شبابا أو غير شباب قادر على إيقاف الثورة أو إصدار الأمر بفض اعتصام ميدان التحرير، فنحن بصدد ثورة كاملة الأوصاف، ثورة مصممة على تحقيق أهدافها، وبقوة النزح التلقائي من آبار الغضب، وباندفاع طبقات اجتماعية من العمال والمهنيين للالتحاق بالثورة، ففي مصر مخزون غضب يكفي لإشعال ألف ثورة، وما جرى إلى الآن على أسطوريته وعبقريته هو مجرد الفصل الأول من الثورة الشعبية المصرية، وبهدف خلع مبارك ونظامه، وهو تغيير عاجل أشبه بفك «اللعنة»، تغيير عاجل يؤسس لصحوة شعبية جديدة، قادرة بوعي أصلب على أن تواصل الشوط الثوري إلى منتهاه، فمصر تحتاج إلى تغيير لا يبقي ولا يذر شيئا من أدرانها وأوساخها، مصر تحتاج إلى إعادة خلق، وإلى استعادة النجوم لمداراتها، وإلى الخروج من النفق المظلم، وإلى براح استعادة الدور والمكانة والمعنى، وإلى تجاوز الانحطاط التاريخي، وإلى اكتساب استقلالها الوطني، وتحريرها من أغلال التبعية المزمنة للأمريكيين والإسرائيليين، وإلى تفجير طاقاتها الكامنة في التنمية والتصنيع والتسليح والاختراق التكنولوجي، وإلى الدخول في سباق العصر، وإلى كسب معارك الحرية والعدالة والكرامة .
الهدف العاجل للثورة الشعبية المصرية الآن هو كسب الديمقراطية الوطنية، واستعادة الشعب للميدان بعد غربة طويلة، والثورة أي ثورة تعني التغيير لا أقل، الثورة تفرض شرعيتها وتكنس تسلط الآخرين، الثورة تعني إنهاء نظام وخلق نظام جديد، وهو ما يفسر استمساك المتظاهرين تلقائيا بهدف تنحية مبارك وعائلته، ووضع دستور نظامه في أقرب مقلب زبالة، والتقدم إلى مرحلة انتقالية برئيس مؤقت وحكومة ائتلاف وطني، وبمهام وطنية وديمقراطية واجتماعية عاجلة، تنتهي بصياغة دستور جديد يجري إقراره عبر جمعية تأسيسية منتخبة، فالثورة تعني الثورة وليس التورط في متاهات وتفاسير لمواد في دستور متآكل وباطل بالجملة أو تكرار الترقيع في دستور صار مزقا من ورق وسقطت شرعيته مع تداعي نظامه، فلا تفاوض ولا حوار إلا بعد الجلاء، نقصد جلاء مبارك عن منصبه، وهذا هو الحد الأدنى المطلوب بشروط الوفاء للثورة، وليس التحايل على الثورة، وبقصد إجهاض حركة الشعب وبدعاوى الحوار والتفاوض على تغييرات أو تعديلات جزئية، وهي حوارات سيئة السمعة، تتورط فيها أحزاب معارضة «رسمية»، تفزع من الثورة، وإن تظاهرت بالتعاطف معها، وتدرك أنها مرشحة للكنس مع النظام الذي أنشأها واستخدمها كديكور بائس وسمح لها بدور «أكشاك السجائر» على رصيف السياسة والتاريخ، ولا تزال كما كانت، مجرد نباتات طفيلية شيطانية متسلقة على جدران حديقة مصر، يستدعونها في الأزمات بديلا عن أصوات الشعب الحقيقية ويتحاورون معها على طريقة النظام الذي يحاور نفسه، أضف إلى هؤلاء مددا من شخصيات باهتة، لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، لم تتخذ يوما موقفا يليق ولا دفعت ثمنا، وتتطفل الآن على ثورة الشعب المصري، وتتكاثر على سطح الحوادث كالفطر، وتنشئ ما تسميه «لجان الحكماء» أو لجان الأدعياء، وتلبس مسوح الوعاظ، وتتورط كأحزاب الأنابيب في حوار مع ما تبقى من سلطة نظام مبارك المتداعي، وتقدم خدماتها على طريقة «عبده مشتاق» الذي يقضي عمره بالقرب من باب السلطان، يتسول منصبا أو وظيفة أو دورا يثير الريب . هؤلاء وغيرهم مجرد جمل اعتراضية لا محل لها في سياق النص الثوري، هؤلاء وغيرهم يخونون الدم الشهيد، يخونون دم مئات الشهداء وأنات آلاف الجرحى، وبسالة مئات الآلاف الذين اجترحوا المعجزة وزلزلوا نظام الترويع الأمني وحطموا واحدا من أكبر أجهزة الأمن في الدنيا كلها ودفعوا عشرة ملايين مصري إلى عبور حواجز خوف متقادم موروث والخروج إلى ميادين التظاهر في القاهرة والمدن الكبرى، ولم يعد يخيفهم شيء ولا يرضيهم شيء سوى أن يزول الظلم كله، وأن يستعيد الشعب ثروته وسلطته المغتصبة، ليس بترقيعات أو تعديلات في مواد الدستور ولا حتى بالإلغاء الفوري لقانون الطوارئ ولا حتى بحل المجالس المزورة كلها، بل لا بد من حل النظام المزور كله، وبتغيير شامل يعيد السيادة إلى الشعب ويقيم محاكمات عاجلة للمزورين والفاسدين ويحل الحزب الحاكم ويحل جهاز مباحث أمن الدولة ويطلق حريات التظاهر والاعتصام والإضراب السلمي وحريات تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات وإصدار الصحف وإنشاء قنوات التلفزيون، وقبل ذلك كله تنحية مبارك ومحاكمته مع عائلته، واسترداد ثروة الشعب المصري التي شفطها مع عائلته والتي قدرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية بما قد يصل إلى 70 مليار دولار، وقد نشر تقرير «الغارديان» في 4 فبراير 2011، وفي 9 فبراير تقدمت حركة «كفاية» مع مائة شخصية عامة ببلاغ إلى النائب العام وطلبت التحقيق مع مبارك وابنيه جمال وعلاء وزوجته السيدة سوزان منير ثابت، وطالب البلاغ النائب العام بسرعة اتخاذ إجراء احتياطي بمنعهم من السفر وتجميد أرصدتهم، وإحالة الابنين والزوجة على محاكمة عاجلة، وهم لا يتمتعون بأي حصانة دستورية، وعدم الاعتداد بحصانة رئاسية مفترضة لمبارك الأب، فقد سقطت عنه الحصانة بثورة مصر الشعبية، وزالت عنه حصانة المادة 85 من الدستور التي تشترط موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشعب للبدء في إجراءات محاكمة الرئيس .
وحتى وقت كتابة هذه السطور، فليس في مصر غير قوتين لا ثالث لهما، قوة الشعب المصري بملايينه الثائرة المتظاهرة في الشوارع وقوة الجيش الذي يحظى باحترام عميق في نفوس المصريين، فقد اكتسحت ثورة الشعب المصري أجنحة إدارة مبارك، اكتسحت البيروقراطية السياسية في ما كان يسمى بالحزب الوطني الحاكم، واكتسحت النفوذ السياسي لجماعة البيزنس، واكتسحت جنرالات الأمن الداخلي، واكتسحت جماعات البلطجة التابعة لمبارك في «موقعة الجمل» بميدان التحرير، في ما بدت العلاقة مع الجيش ودية بصفة عامة، فقد نزل الجيش إلى الشوارع. ورغم قرار فرض حظر التجوال، جرى التسامح مع المواطنين والمتظاهرين، وباستثناءات قليلة لاعتقالات انفكت فيما بعد شملت عددا من قادة حركة كفاية، فقد حافظ الجيش على نوع من الحياد السلبي، والإيجابي أحيانا، وإن لم تصل إيجابيته إلى الحد المطلوب بالضبط حتى كتابة هذه السطور، فلم يقم الجيش بدوره في تنحية مبارك، وبدعوى أن مبارك كان واحدا من قادة القوات المسلحة ومن قادة حرب 1973، وأنه أي الجيش لا يريد إخراجه من منصبه بطريقه مهينة، وهذه دعوى لا محل لها في موازين العدالة والحقيقة وتسيء إلى سمعة الجيش وتصادر إرادة الشعب الذي لا يصح أن تعلو كلمة على كلمته، وأن تفتعل «عصبية عسكرية» تستعلي بامتيازات لا سند لها، فالأصل أن المواطنين سواء، والأصل أن الجيش هو جيش الشعب المصري، الأصل أن الجيش مكلف بحماية الشعب المصري، الأصل أن الجيش مكلف بصيانة الشرعية التي يريدها الشعب، وليس تلك «الشرعية» التي أسقطتها ثورته، وتلكؤ الجيش في تنحية مبارك يسيء إلى سمعته الوطنية ويضعه في خصام مع المصالح العليا للوطنية المصرية، فإسرائيل وحدها هي التي تسعى إلى بقاء مبارك، وهو ما يضع الجيش وقادته في حرج مضاعف، فعقيدة الجيش المصري القتالية ضد إسرائيل، والمطلوب أن يتوافق سلوكه السياسي مع عقيدته القتالية، وأن يسرع بتنحية مبارك، وفي إجراء انقلاب لصالح الشعب لا لصالح العسكر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.