الملك محمد السادس يستقبل الأمير تركي بن محمد حاملاً رسالة شفوية من خادم الحرمين وولي عهده    الركراكي يوجه الدعوة لأنس باش لمباراتي البحرين والكونغو يومي 9 و14 أكتوبر    سبتة المحتلة تواصل ترحيل القاصرين المغاربة لتخفيف الاكتظاظ بمراكز الإيواء    جيل زد.. حين تكلم الوطن من فم    التصفيات الإفريقية المؤهلة لمونديال 2026 .. المغرب يستضيف أربع مباريات لحساب الجولتين التاسعة و العاشرة    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    بعد الجدل حول "خروقات التخرج".. إدارة ENCG طنجة ترد وتوضح    الهجوم على مركز للدرك بالعرائش.. إيداع 21 متهماً رهن الاعتقال بطنجة    بوريطة يمثل المغرب في منتدى "استثمر في السنغال" بدكار    بتعليمات سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يشارك ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، اليوم الثلاثاء، بدكار في أشغال منتدى " إنفست إن سينغال ".    اتفاقية شراكة وتعاون بين الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها وقطب الأمن الوطني و«الديستي»    جيل زد يؤكد أن الحوار مع الحكومة الحالية لا معنى له، والمناورات السياسية انتهت    تحفيز نسوة .. تعاون مغربي إسباني يمنح المرأة القروية مفاتيح الريادة الاقتصادية    مهرجان الإسكندرية السينمائي .. المخرج المغربي حكيم بلعباس ينشط ماستر كلاس حول الإخراج    نجوى كرم تشعل دبي أوبرا بحفل فني استثنائي    خمسة عشر فيلما وثائقيا طويلا تتنافس في الدورة 25 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    تربية المواشي تقرب بين المغرب وفرنسا    مجلس جهة الشرق يصادق على 80 نقطة لدعم مشاريع تنموية كبرى بمختلف أقاليم الجهة        المنتخب المغربي يجري أول حصة تدريبية قبل ودية البحرين    استمرار اختطاف غالي وبن ضراوي يشعل موجة تضامن واسعة وتنديد بالصمت الرسمي المغربي    ائتلاف حقوقي يطالب بوريطة بتحمل المسؤولية في الإفراج عن النشطاء المغاربة المعتقلين لدى إسرائيل    اليماني: سعر المحروقات يبنغي ألا يتعدي 10 دراهم وتحرير القطاع لم ينعكس على الصحة والتعليم    بين نفي المصحات وإقرار الحكومة.. جدل دعم المستشفيات الخاصة يصل البرلمان    التغيير في المغرب.. غير ممكن !    وزارة الصحة تطلق حملة وطنية واسعة للتحسيس والكشف المبكر عن سرطاني الثدي وعنق الرحم    استئنافية الرباط تؤيد حبس الناشطة ابتسام لشگر سنتين ونصف    "الجمعية" تعقد لقاء مع بوريطة بشأن استمرار احتجاز غالي وبن الضراوي في السجون الإسرائيلية    بركة يتحدث بلسان الحقيقة والمسؤولية لجيل يبحث عن الثقة    فيفا يطرح تذاكر مباريات كأس العالم ابتداء من 20 درهماً    الركراكي يهنئ لاعبي المنتخب المغربي على انجازاتهم الفردية رفقة أنديتهم    ماتيوس: بايرن هو الأفضل في أوروبا    بايتاس: مطالب "جيل زد" تحظى بمتابعة الحكومة والإصلاحات الاجتماعية مستمرة    النيابة الإسبانية تطالب ب50 سنة سجنا لمغربي متهم بتنفيذ هجوم إرهابي        أداء إيجابي في بورصة الدار البيضاء    وزارة النقل توضح موقفها من خدمات النقل عبر التطبيقات الذكية    محكمة تونسية تطلق سراح مواطن حُكم عليه بالإعدام بسبب انتقاده للرئيس    67 قتيلا حصيلة انهيار المدرسة في إندونيسيا مع انتهاء عمليات البحث    مولودية وجدة يحقق فوزه الأول وشباب المحمدية يتعثر    تقرير غوتيريش يوصي بتمديد ولاية "المينورسو" ويكشف موافقة أممية على بناء ملاجئ عسكرية مغربية في الصحراء    المفوضية الأوروبية تشيد بتوقيع الاتفاق الفلاحي المعدل مع المغرب    من باريس إلى الرياض.. رواية "جزيرة القارئات" الفرنسية بحرف عربي عبر ترجمة مغربية    انطلاق "دوري الملوك" في السعودية    حركة "جيل زد" تلجأ إلى سلاح المقاطعة للضغط على أخنوش    مباحثات إسرائيل و"حماس" "إيجابية"    ارتفاع الذهب إلى مستوى قياسي جديد وسط الطلب على الملاذ الآمن    هذا الموريسكي .. سر المخطوط الناجي (2)    دراسة: التدريبات الرياضية تقلل الإحساس بالجوع    الخلايا التي تمنع أجسامنا من مهاجمة نفسها.. نوبل الطب 2025 تكرّم اكتشاف "فرامل المناعة"    أهم نصائح التغذية لشهر أكتوبر    عنوان وموضوع خطبة الجمعة القادمة    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    دراسة: فحص بسيط يكشف عن خطر الإصابة بالخرف قبل عقود من ظهور الأعراض    العلماء يدرسون "التطبيب الذاتي" عند الحيوانات    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عوائق الانتقال الديمقراطي في العالم العربي بين إرث الماضي وتحديات الحاضر
نشر في المساء يوم 26 - 02 - 2011

تعيش التجربة السياسية في العالم العربي حالة غريبة من الاحتقان الذي أصبح يهدد في كل لحظة بتفجير الأوضاع من المحيط إلى الخليج. ويمكن تفسير هذا الوضع بغياب شامل وكلي لنموذج الدولة الحديثة التي تقوم على أساس الديمقراطية وسلطة المؤسسات.
فرغم ما قد يبدو من حضور شكلي لهذه الدولة، فإن جوهر التجربة السياسية الحديثة غائب بالتمام، فليس هناك تداول سلمي وديمقراطي على السلطة وليس هناك فصل واضح بين السلطات، ناهيك عن غياب جميع أشكال حرية التعبير، أما الأحزاب السياسية -إن وجدت- فهي هياكل فارغة وجثث هامدة لا حياة فيها، لا يتحرك منها إلا الحزب الحاكم الذي يحتكر السلطة لعقود، عبر تزوير الانتخابات وإخضاع الإرادة الشعبية.
إن التجربة السياسية في العالم العربي، ورغم طابعها الحداثوي المزور، فهي لا تخرج عن الإطارات التالية:
-1 تجربة سياسية عتيقة: تستثمر في الدين من خلال شرعنة سلطتها دينيا، في مقابل الشرعية الشعبية التي تميز النظام السياسي الحديث. وهذه التجربة تستعير معظم بواعث التعبير عن نفسها من الماضي البعيد، من التاريخ الأموي والعباسي الذي تحولت فيه الخلافة إلى ملك، استعار بدوره معظم بواعث التعبير من المستبد الآسيوي حسب تعبير الأستاذ عبد الله العروي، أو من أبيه أردشير (الملك الساساني) حسب توصيف الأستاذ محمد عابد الجابري في بحثه عن «مبدأ الطاعة» الذي جعل من الدين طاعة رجل، والذي جعل من الطاعة عبر تمجيدها فضيلة الفضائل، والذي تمكن من أن يغزو الثقافة العربية في عقر دارها ويحولها لصالح الاستبداد الآسيوي كما تعبر عن ذلك وصية أردشير .
-2 تجربة سياسية (ليبرالوية): وإذا كانت التجربة الأولى تعد استمرارا لنموذج الاستبداد الآسيوي، فإن العالم العربي عرف، بعد حصوله على الاستقلال، تجربة سياسية جديدة قامت على أساس استغلال القيم السياسية الحديثة، بهدف ترسيخ نموذج سياسي قائم على الاستبداد. فقد حضرت الليبرالية ليس باعتبارها ديمقراطية وليس باعتبارها تعددية حزبية حقيقية وانتخابات نزيهة وحرية تعبير وفصل بين السلطات... وإنما حضرت -على العكس من ذلك تماما- كآليات سياسية تمكن الحاكم العربي المستبد من ترسيخ سلطته عبر فسح المجال لتعددية سياسية شكلية تشرعن سلطته الحزبية، وكذلك عبر تنظيم انتخابات كاريكاتورية يحصل فيها الحزب الحاكم دائما على نسبة تفوق التسعين في المائة، أما السلطات الأربع فهي تجتمع كلها في يد الحاكم الأبدي، يشرع وينفذ ويصدر الأحكام القضائية باسمه ويوجه الرأي العام عبر مقاولاته الصحافية.
-3 تجربة سياسية (يساروية): إذا كانت بعض الأقطار العربية، بعد حصولها على الاستقلال، قد انحازت إلى الخيار الليبرالي كذريعة لترسيخ قيم الاستبداد، فإن أقطارا أخرى انحازت إلى الخيار الاشتراكي، ليس عن سابق تفكير وتدبير وإنما لأن هذا الخيار الإيديولوجي يساير قيم الاستبداد السائدة في العالم العربي، فهو يقوم على أساس الحزب الواحد، ويقوم على أساس ديكتاتورية الطبقة الحاكمة، ويقوم على أساس الزعيم الأوحد... وكلها قيم سياسية وجدت البيئة الملائمة في العالم العربي كي تترعرع وتنضج، صانعة أنظمة سياسية ديكتاتورية تعلن بالصريح والمباشر أن الديمقراطية آلية استعمارية لتفكيك الدول، وأن التعددية الحزبية مدخل لخلق الصراعات داخل المجتمع، وأن حرية التعبير تخلق الفوضى، وأن الفصل بين السلطات يهدد استقرار واستمرارية الدولة..!
إن التجربة السياسية في العالم العربي لا تخرج عن هذا الإطار ذي الأبعاد الثلاثة. وسواء تعلق الأمر باستمرارية النموذج السياسي العتيق أو باستغلال القيم السياسية الحديثة، فإن النتيجة كانت دائما غيابا مضاعفا لنموذج الدولة الحديثة، بما تجسده من ممارسة ديمقراطية وفكر ليبرالي. وهذا واقع لا يمكن لأحد أن ينكره، سواء في المغرب العربي أو في مشرقه، لأن رائحة الاستبداد أصبحت تزكم أنوف الخارج قبل الداخل، وهذا ما أصبح يهدد بانفجار الأوضاع في كل لحظة وحين، إن لم يتم تدارك الأمر في أقرب وقت، عبر الانكباب الجدي على التأسيس لنموذج الدولة الحديثة التي تربط وجودها بالشرعية الشعبية الممارَسة عبر تعددية حزبية حقيقية وانتخابات نزيهة وفصل بين السلطات، باعتبارها آليات سياسية تبلور ممارسة ديمقراطية حقيقية.
إن العصر الحديث يؤسس لقطيعة تامة مع النموذج السياسي الاستبدادي القديم، ونحن في العالم العربي لن نشكل الاستثناء أبدا لأن العولمة -بوسائل اتصالها الحديثة والمتطورة، وبقراراتها السياسية التي أصبحت تتوحد يوما بعد يوم، وبحركية مجتمعها المدني الذي أصبح يشكل سلطة موازية- تشكل تحديا غير مسبوق لكل الأنظمة السياسية التي لا تساير ركب الديمقراطية والحداثة في العالم.
فقد قدمت البشرية تضحيات جسيمة للوصول إلى وضع سياسي يضمن حريتها وكرامتها، حيث قام الغرب -بشكل خاص- بحركة هائلة شملت المجتمع والفكر والاقتصاد والسياسة، وذلك للوصول إلى حالة يمكن القول إنه تم فيها القطع والفصل مع أزمنة العصور الوسطى، وما حصل معه «القطع» في مجال السلطة وممارسة الحكم هو النظام السياسي- الثقافي الذي كان يقضي بأن السلطة:
-1 مقدسة، فهي شأن ديني سماوي، لذلك لم يكن العرش الملكي عرشا ملكيا وكفى، بل كان عرش الإله ذاته.
-2 أبوية، إذ الملوك يحلون محل الله الذي هو الأب الحقيقي للجنس البشري.
-3 مطلقة، فليس للملك أن يقدم تبريرا لما يقوم به.
-4 ليس لها أن تكون موضع اعتراض عليها من الخاضعين لها.
وأما الحالة الجديدة، التي انتهى إليها صراع شامل، قوي وحاد معا، فهي تقرير، عكس ما تقدم، أن السلطة شأن بشري محض، فلا علاقة لها بقدسي ولا بمقدس، وإنما هي ترتيب يقره البشر في ما بينهم وفقا لإرادتهم ويلتزمون بما قرروه بما هم عقلاء، وبالتالي فالعلاقة التي تقوم بينهم إنما هي علاقة بين راشدين عقلاء، وليس ما يربط الحاكم بالمحكوم من جنس ما يقوم بين الأب وابنه، وإنما الجميع مواطنون.
يتساءل الأستاذ سعيد بنسعيد العلوي -على لسان بعض علماء الاجتماع السياسي- في كتابه «الإسلام والديمقراطية»: لماذا كانت الدولة في العالم العربي ضعيفة في أساسها، فهي تفتقد الشرعية السياسية الضرورية لاستمرارها ولا تمتلك حماية فعلية من المجتمع، فالعلاقة بينها وبينه علاقة قهر، من جهة، وصراع غير متكافئ من جهة أخرى، ولكنها تستمر في الوجود مع ذلك أو (هي تتمتع، على الأقل، بمظهر الاستقرار)؟
ويجيب الأستاذ سعيد بنسعيد العلوي، من خلال استحضار محاولتين، يسعى من خلالهما إلى تفسير هذا الوضع الغريب الذي تعيشه الدولة العربية:
- المحاولة الأولى: هي للباحث الأمريكي وليام زارطمان، الذي يرى أن السر في استمرار الدولة في العالم العربي في الوجود إنما يكمن في طبيعة «المعارضة» الموجودة في هذه المنطقة من العالم. فإذا كان النظام السياسي في المفهوم الغربي يستقيم وجوده ويتم تماسكه بفضل الجهود المتزنة التي يبذلها الممارسون للسلطة من أجل البقاء فيها، ويبذلها الموجودون خارجها من أجل الدخول فيها (وهو ما يدعى في المعتاد تناوبا أو تداولا على السلطة)، فإن الملاحظ في العالم العربي أن التناوب الديمقراطي ليس من صفات السياسة العربية، ذلك أن الصفة السائدة للحكومة في العقد ونصف العقد من السنين الأخيرة من السبعينيات والثمانينيات هي وجود جماعة سياسية-اجتماعية واحدة وعدم وجود مجال للتناوب، فالمعارضة لا تشتت ولا تصفى ولا تشرك في الحكم، إنها تُستخدَم، وهي تنحو إلى القبول بهذا الاستخدام، لسبب ما، هو توقعها أن تجد نفسها في السلطة، في المرة القادمة، سواء عن طريق الانتخاب أو غيره.
وأما تفسير هذا الأمر عند زارطمان فهو يقوم على وجود نوع من العلاقة القائمة بين السلطة والمعارضة، يطلق عليه نعت «العلاقة التكميلية»، حيث يستمر الاستقرار في الأنظمة العربية، من جهة، وترسم المعارضة لنفسها نوعا من الخطوط تقف عندها ولا تتخطاها أبدا، من جهة أخرى.
ويستخلص زارطمان في الأخير أن «الحكومة والمعارضة معا لهما مصالح يتابعانها داخل النظام السياسي، وهذه التكميلية في المتابعة من شأنها أن ترسخ الدولة، إذ كل واحد منها يخدم مصالح الآخر في أدائه لدوره.
يتبع...
إدريس جندا ري - كاتب وباحث أكاديمي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.