نظام العسكر حاشي راسو فنزاع الصحرا.. وزير الخارجية الجزائري تلاقى بغوتييرش وها فاش هضرو    "الكاف" يحسم في موعد كأس إفريقيا 2025 بالمغرب    المغاربة محيحين فأوروبا: حارث وأوناحي تأهلو لدومي فينال اليوروبا ليگ مع أمين عدلي وأكدو التألق المغربي لحكيمي ودياز ومزراوي فالشومبيونزليك    لامارين رويال نقذات 12 حراك من الغرق فسواحل العيون    خطة مانشستر للتخلص من المغربي أمرابط    بني ملال..توقيف شخص متورط بشبهة التغرير و استدراج الأطفال القاصرين.    أساتذة موقوفون يعتصمون وسط بني ملال    بوريطة: الهوية الإفريقية متجذرة بعمق في الاختيارات السياسية للمغرب بقيادة جلالة الملك    رئيس "الفاو" من الرباط: نفقات حروب 2024 تكفي لتحقيق الأمن الغذائي بالعالم    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يطالب بفرض عقوبات على الأندية الإسرائيلية    نصف نهائي "الفوتسال" بشبابيك مغلقة    "منتخب الفوتسال" ينهي التحضير للقاء ليبيا    محركات الطائرات تجمع "لارام" و"سافران"    "فيتو" أمريكي يفشل مساعي فلسطين الحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة    ابتزاز سائحة أجنبية يسقط أربعينيا بفاس    طقس الجمعة.. عودة أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة    بيضا: أرشيف المغرب يتقدم ببطء شديد .. والتطوير يحتاج إرادة سياسية    فيتو أمريكي في مجلس الأمن يمنع منح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة    أوكرانيا تستبق "تصويت الكونغرس على المساعدات" بالتحذير من حرب عالمية ثالثة    بوركينافاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين اتهمتهم بالقيام ب"أنشطة تخريبية"    توثق الوضع المفجع في غزة.. مصور فلسطيني يتوج بأفضل صورة صحفية عالمية في 2024    إعادة انتخاب بووانو رئيسا للمجموعة النيابية للعدالة والتنمية للنصف الثاني من الولاية الحالية    النواب يحسم موعد انتخاب اللجن الدائمة ويعقد الأربعاء جلسة تقديم الحصيلة المرحلية للحكومة    "أشبال الأطلس" يستهلون مشوارهم في بطولة شمال إفريقيا بتعادل مع الجزائر    "قط مسعور" يثير الرعب بأحد أحياء أيت ملول (فيديو)    غوغل تطرد 28 من موظفيها لمشاركتهم في احتجاج ضد عقد مع إسرائيل    مدير "الفاو" يحذر من تفاقم الجوع بإفريقيا ويشيد بالنموذج المغربي في الزراعة    ما هو تلقيح السحب وهل تسبب في فيضانات دبي؟        طنجة: توقيف شخص وحجز 1800 قرص مخدر من نوع "زيبام"    لماذا يصرّ الكابرانات على إهانة الكفاح الفلسطيني؟    الحكومة ستستورد ازيد من 600 الف رأس من الأغنام لعيد الاضحى    مطار حمد الدولي يحصد لقب "أفضل مطار في العالم"    نجوم مغاربة في المربع الذهبي لأبطال أوروبا    مجلس الحكومة يصادق على مشاريع وتعيينات    المغرب متراجع بزاف فمؤشر "جودة الحياة"    السفينة الشراعية التدريبية للبحرية الألمانية "غورتش فوك" ترسو بميناء طنجة    تاجر مخدرات يوجه طعنة غادرة لشرطي خلال مزاولته لمهامه والأمن يتدخل    منير بنرقي : عالم صغير يمثل الكون اللامتناهي    أصيلة.. توقيف ثلاثة أشخاص للاشتباه في ارتباطهم بالاتجار في المخدرات    ورشة في تقنيات الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية بجماعة عرباوة    عزيز حطاب يكشف ل"القناة" حقيقة عودة "بين القصور" بجزء ثانٍ في رمضان المقبل!    تقرير دولي يكشف عن عدد مليونيرات طنجة.. وشخص واحد بالمدينة تفوق ثروته المليار دولار    أكادير تحتضن الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ    تنظيم الدورة الثانية لمعرض كتاب التاريخ للجديدة بحضور كتاب ومثقفين مغاربة وأجانب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    "نتفليكس" تعرض مسلسلا مقتبسا من رواية "مئة عام من العزلة" لغارسيا ماركيز    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال    زلزال بقوة 6,3 درجات يضرب هذه الدولة        قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    وزارة الصحة: حوالي 3000 إصابة بمرض الهيموفيليا بالمغرب    عينات من دماء المصابين بكوفيد طويل الأمد يمكن أن تساعد في تجارب علمية مستقبلاً    الأمثال العامية بتطوان... (574)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماهية الحزب السياسي اليوم وجدوى السياسة
نشر في بيان اليوم يوم 30 - 05 - 2010

عبد المغيث بن مسعود تريدانو: الحزب في المغرب يشكو أزمة محيط عام
يمكن تعريف الحزب السياسي بالمؤسسة الاجتماعية-السياسية التي يرتبط وجودها بالدولة والسلطة والصراع حولهما.
------------------------------------------------------------------------
الأحزاب السياسية باتت اليوم مكونا رئيسيا في الحياة السياسية بعد أن كان الهدف الرئيسي من نشأتها هو الصراع ضد الاستعمار، خاصة منذ الظهير البربري 16ماي1930، الذي أثار حفيظة الشعب المغربي، وخلق حركية سياسية تمخض عنها تشكل أول حزب سياسي هو كتلة العمل الوطني الذي لم يكن مضبوطا بأي قانون تنظيمي أو بقائد محدد.
ومع استمرار النضال ضد سلطات الحماية استطاعت النُخب المغربية أن تكون تراكما مهما فظهرت نتيجة ذلك العديد من الأحزاب منها الحزب الشيوعي المغربي في يوليوز 1943 الذي يعتبر بحق أول حزب يساري في المغرب. وقد كسب الحزب صفته المغربية منذ 1946 أي عندما تولى أمانته العامة الراحل علي يعتة وتمت مغربة قيادته بكوادر شابة تتمتع بروح وطنية وطبقية عالية. ورغم كونه فرنسي الأصل والمرجعية والبرنامج، إلا أنه ساهم بشكل مشرف في تعبئة الطبقة العاملة من خلال "الاتحاد العام للنقابات الموحدة بالمغرب" لمناهضة الوجود الفرنسي للمغرب كما أنه أنشأ منظمة الهلال الأسود للكفاح المسلح ضد الاستعمار. وقد تعرض الحزب للمنع سنة 1952 على يد السلطات الاستعمارية كما تم منعه سنة 1959 لكن هذه المرة من طرف القضاء على عهد حكومة عبد الله إبراهيم بدعوى عدم ملاءمة مبادئه الشيوعية مع الهوية الإسلامية للبلاد. غير أنه في عام 1968 عاد للعمل العلني تحت اسم "حزب التحرر والاشتراكية" .لكن، لم تمر سنة على ذلك، حتى تم اعتقال أعضاء قيادته ليتم حظر جميع أنشطته.
وبعد مرحلة مخاض عسيرة تخللتها العديد من الأحداث والمواقف، عاد الحزب للعمل الشرعي تحت اسم جديد هو "حزب التقدم و الاشتراكية" سنة 1974 وشارك في الانتخابات التشريعية والبلدية وتمكن من الحصول على مقاعد داخل البرلمان، وبقي في المعارضة حتى سنة 1998 حين قبل على غرار باقي أحزاب الكتلة الدخول في حكومة تناوب.
من خلال هذه الكرونولوجية التحليلية نستخلص أن تاريخ حزب التقدم والاشتراكية تاريخ نضالي مشرف. وقد التزم، منذ ميلاده، بالدفاع عن مصالح الطبقات الشعبية وحقها في الديمقراطية والعيش الكريم، رغم سنوات القمع الموجه ضده من قبل التحالف غير المعلن بين النظام المخزني الاستبدادي والقوى الإسلامية الرجعية.
إلا أن هذا التاريخ يعتبر، في نفس الوقت، تاريخ تشتت وتشرذم وصراعات إيديولوجية هامشية. وإذا كانت هذه الظاهرة صحية تنم عن حيوية الفكر الاشتراكي، إلا أنها في نفس الوقت ساهمت في تأزم وضعيته في الساحة السياسية.
ولحزب التقدم والاشتراكية، كباقي الأحزاب المغربية، مواقع قوة وبواطن ضعف.
قوته تكمن في تراكمه التاريخي، وفي استمرار تواجد أطره ومناضليه في الساحة السياسية، وفيا لهويته النضالية والتقدمية، معتبرا العمل السياسي عملا نبيلا ومجالا لممارسة القناعات الفكرية والتباري حول أفضل السبل لخدمة قضايا الوطن والشعب، وليس أداة لخدمة الأغراض الشخصية.
إننا هنا نتذكر بافتخار الرعيل الأول والأجيال التي تبعته. نتذكر رفضها أي تمييع للعمل السياسي. فلولا تضحيات هؤلاء لما تمتع حزب التقدم والاشتراكية بالسمعة التي يتمتع بها اليوم كحزب ساهم في تشييد المغرب الحديث.
أما ضعفه فكامن في نوع من الاختلال الإيديولوجي الذي وقع منذ سنة 1986 وتغلغل نوعية من المناضلين لا يتلاءم توجهها وأهدافها الحقيقية مع توجهه النضالي الحقيقي لنصرة القضايا الكبرى للأمة المغربية ولمجموع الطبقة العاملة. هذا الاختلال يفسر نزوع رفاق قدامى إلى التقليص من نشاطهم أو الالتحاق بهيآت أخرى في ظروف وملابسات معينة..هذا الاختلال أفرز بطبيعة الحال سلوكات أثرت سلبا على معنوية العديد من الرفاق، مما يفرض اليوم إيجاد الأساليب والتدابير الكفيلة بتدبير الاختلاف الذي يكتسي، في نظري، صبغة إيديولوجية من جهة، وتميزه من جهة أخرى ممارسة وتعامل لا يتلاءمان وسمو مبادئ وأهداف حزب كحزب التقدم والاشتراكية تصل حد غلو المنطق التجاري والمصلحي في العمل السياسي..
إن حزب التقدم والاشتراكية، رغم كونه حزبا صغيرا بإمكاناته المادية، فهو كبير بمرجعياته ومبادئه وأهدافه. يتوفر على خطة سياسية متناغمة مع الأوضاع الملموسة التي يمر منها المجتمع، وينتج وثائق ذات قيمة سياسية وتنظيرية عالية تنال إجماع مؤتمريه، ويضع إطارا تنظيميا متجددا أدخل إبداعات واعدة في ميدان هيكلة الحزب والعمل النضالي المطلوب من جميع المناضلات والمناضلين.
وليست الإمكانات المادية وحدها اليوم التي تعوق توسع هذا الحزب الذي يملك المقومات الثلاث الرئيسية المتمثلة في" النخب المثقفة" و"الخطاب / الايديولوجيا" و"التنظيم" ، بل هناك أيضا المحيط العام الذي بات يشكل أزمة مستعصية بالنسبة لأغلب جل الأحزاب السياسية، وتقف حجرة عثرة أمام إصلاح ذواتها. فالمحيط العام تميزه الأمية بالمعنى الحرفي و الأمية السياسية التي تفسر العزوف بشكل عام .
هذا الإطار العام "المريض" يشكل أحد أهم العوائق أمام حزب التقدم والاشتراكية، الذي لا يجب بأي حال من الأحوال، اعتباره مقاولة يمكن عبرها تسلق السلم الاجتماعي، بل هو مؤسسة تستوجب التحلي بروح تضحية عالية ونكران الذات، وتلزم كل من التحق به، عن قناعة وتبصر، الوفاء لمبادئه ولقيمه النبيلة ولرسالته السامية.
حسن طارق: الكتلة اليوم إطار ينتمي الى التاريخ
ثمة إحساس جماعي داخل عائلة الديمقراطيين بحالة اختناق عام على المستوى السياسي؛ إنه الاختناق الذي وصلت إليه العملية الديمقراطية بعد انتخابات 2007، وهو المآل الذي عرفته رمزيا مرحلة كاملة بكل مسمياتها: مرحلة الانفتاح؛ مرحلة التوافق، مرحلة التناوب التوافقي، مرحلة الانتقال الديمقراطي...
لقد بدا واضحا بعد تلك الاستحقاقات أن ثمة مرحلة جديدة قد دخلها المغرب السياسي، وأن فرضية التحول الديمقراطي لم تعد قادرة على قراءة ما وقع، ومؤكد أن الفاعلين السياسيين المنتمين الى العائلة الديمقراطية قد انتبهوا إلى الحاجة الماسة لتقديم أجوبة جديدة عن أسئلة هذه المرحلة وإلى التفكير في عناصر جديدة للخط السياسي المطابق لتحولات المرحلة.
وهنا لاشك أن الجيل الجديد من الإصلاحات السياسية والدستورية والمؤسساتية التي يطرحها كل من الاتحاد الاشتراكي والتقدم و الاشتراكية جزء من هذه الأجوبة، خاصة عندما نضعها داخل إطارها الطبيعي، ألا وهو خلاصات المؤتمر الوطني الثامن للاتحاد الاشتراكي. وأدبيات الأطروحة السياسية المعروضة على المؤتمر الوطني الثامن لحزب التقدم والاشتراكية.
إن الإصلاح هنا لا ينطلق من تمثلات معيارية مجردة، بل من خلاصات تجريبية لمرور الحزب في قنوات التدبير الحكومي بكل إكراهاتها. ولا يتعامل مع النص الدستوري بتلك الهالة الدراماتيكية التي ظلت تطبع المسألة الدستورية ببلادنا كبؤرة للتوتر وللصراع حول جوهر السلطة، بل ينطلق من مقاربة وظيفية لإشكاليات التدبير العمومي الناجع والحكامة السياسية الفعالة.
إن العنوان الأكثر تعبيرا عن هذا الاختناق الديمقراطي، هو ما أسمته أدبيات الاتحاد بأزمة السياسة، هذه الأزمة التي تظهر من خلال عودة كل أشكال التدبير اللاسياسي لقضايا البلاد، والنفس الجديد الذي أخذته الاختيارات التقنقراطية، وتزايد رقعة اللامسؤولية المنظمة، وهامشية الحقل السياسي المبني على التمثيلية والتداول والمراقبة، واللاتسييس المتزايد للظاهرة الانتخابية، والهوة المتزايدة الاتساع بين نتائج الانتخابات والمترتبات السياسية المتولدة عنها، وتقلص ممكنات التنخيب عبر النافذة الحزبية، والمس باستقلالية القرار الحزبي، وتحويل الكائنات الحزبية الى مسوغ كاريكاتوري لإدماج التقنقراط في دائرة القرار العمومي، وتطوير خطاب يمجد فعالية ونجاعة التقنيين المحميين من الرقابة ويبخس مردودية وأداء المنتخبين والمتحزبين.
لأجل ذلك، فمطلب الإصلاح السياسي والدستوري اليوم، هو جواب عن هذه الإشكاليات المعبرة عن أزمة السياسة، وهو وضع للأزمة في مكانها الطبيعي ضدا على الخطاب الذي أنتج وعُلب وصدر بعد انتخابات 2007، حول أزمة الأحزاب.
إن الأزمة هي أزمة ثقة في المؤسسات وليس فقط أزمة ثقة في الأحزاب. إن الأحزاب هي أزمة فعل سياسي وليس فقط أزمة فاعلين. ثم يجب أن نقول اليوم بصراحة: لماذا تصلح الأحزاب في ظل نظام سياسي يبخس السياسة؟ وكيف يمكن أن تعيش وتتطور الأحزاب في ظل محيط معاد للحزبية وللالتزام وللمراقبة الشعبية؟
إن مطلب الإصلاح اليوم هو إعادة وضع الأزمة في مكانها الأصلي.
السؤال الذي يطرح في سياق هذا التحليل هو مع من يمكن بناء والدفع بمطالب الاصلاحات؛ والسؤال هنا يحيل بشكل مباشر على إشكالية التحالفات. وهنا كذلك لنتحدث بصراحة: الكتلة إطار ينتمي الى التاريخ.
لكن هذا التشخيص وحده ليس له أي فائدة وظيفية. فالإشكالية تظل قائمة والحاجة ماسة الي تحالف سياسي واسع يعيد تشكيل المشهد الحزبي وفق سؤال التطور الديمقراطي المحجوز ويعطي معنى لتعدد مائع.
يسارا مع الأسف وباستثناء التحاليل والمواقف الرصينة للتقدم والاشتراكية؛ هناك الكثير من غياب التواضع والمحافظة والتحاليل المتقادمة، وأما اتجاه العائلة الاتحادية فثمة كذلك صعوبات لتشتتها داخل تنظيمات اليسار؛ والسؤال: هل الأولوية لليسار أم لعائلة الاتحاد؟...
أما حزب الاستقلال فالإشكالية هي أنه من جهة حزب ضروري للقوى الديمقراطية، فهو حامل لثقافة الحركة الوطنية وحزب حقيقي؛ لكن من جهة أخرى ما هو حجم تأثير تحولاته التنظيمية الداخلية على خطه السياسي التاريخي؟ وماهو التحليل الذي سينتصر في النهاية حول الوضع السياسي العام؟
خارج هاتين الدائرتين التقليديتين للتحالف (اليسار والحركة الوطنية). هل ثمة بديل آخر؟ وماذا عن العدالة والتنمية؟
المحللون يقدمون هذا التحالف «المفترض» كتأثر «جانبي» لحركة الهمة وكرد فعل طبيعي ضد إرادة إعادة هيكلة فوقية للمشهد السياسي.
سياسيا ثمة أسئلة غير قابلة للالتفاف هنا: ماهي الكلفة المتعلقة بالمشروع الاشتراكي الديمقراطي والحداثي للحزب؟ وماهي حدود هذا التحالف فعليا في إنضاج تصور مشترك حول الوضع السياسي وحاجته الى الإصلاح؟
إنها جزء من الأسئلة المطروحة على جميع المناضلين. وقبل ذلك ثمة حاجة الى التفكير في معنى التحالفات اليوم؟ وهل بالضرورة يجب أن تكون تحالفات استراتيجية؟ وماذا عن الاتفاقات الانتخابية؟ وهل بالضرورة يجب أن يكون تحالف ما بديلا عن إطار آخر للعمل المشترك؟
المؤكد أن هناك الكثير من التحولات التي تعرفها مسألة المطالبة بالإصلاح. لنلاحظ بأن القوى الديمقراطية لم تعد وحدها تحتكر المطالبة بالإصلاح، فإيديولوجيا الإصلاح أصبحت تقريبا ضمن المشترك العمومي داخل البلاد. والمؤسسة الملكية أصبحت كذلك حاملة لخطاب إصلاحي، وفي كثير من الحالات فمبادرات إصلاحية قوية تأتي من حيث لا ننتظر، مثل حالة قضية المرأة والتي تم من خلالها استثمار الفصل 19 من الدستور والذي تحول هنا من رمز للمحافظة الى بؤرة للتحديث.
لنلاحظ كذلك أن النظام السياسي طور آليات جديدة وداخلية لخلق مطالب الإصلاح، حتى لا يظل أسيرا لمعادلة القوى الديمقراطية كمُطالِبة بالإصلاح والدولة كمُطالَبة بالإصلاح. وهنا مثلا نذكر حالتين: الأولى تقرير الإنصاف والمصالحة، والثانية تقرير الخمسينية. إن رهان الدولة هنا هو خلق مرجعيات حديثة للإصلاح ثم تكسير احتكارية اليسار لمطلب الإصلاح، ثم ثالثا ما يمكن تسميته «باختصار دورة المطالب»، وهذا ما يجعل النظام السياسي متحكما بشكل أكبر في تدبير أجندة الإصلاح تتحول شيئا فشيئا إلى مسألة مجتمع وليس فقط إلى قضية طبقة سياسية، وهنا فالحزب عليه أن يعي بأن دوره لم يعد الدفاع عن مطالب المجتمع نيابة عن هذا المجتمع، بل أصبح هو مواكبة ومصاحبة المجتمع في التعبير عن انتظاراته وأسئلته. وهذا مهم جدا.
وفي المجمل، فالسؤال مع متغير الزمن لا يصبح فقط ماهي دلالات المشروع الديمقراطي الحداثي؟ ولكن هو ما قيمة ما تحقق على مستوى تحديث ودمقرطة المغرب؟ وهل يمكن إنجاز التحديث بدون ديمقراطية؟ وهل كل المؤسسات مستعدة لأداء كلفة التحديث والدمقرطة؟
ويبقى السؤال الضمني هو: ألم يحقق المغرب طفرات نوعية في الحكامة والتوجه السياسي والمجال العمومي؟ الجواب عن هذا السؤال الضمني، في نظري، يمكن أن يلخص في مفارقة تحول الشعار الذي حملته القوى الديمقراطية من الدفاع عن الانتقال الديمقراطي إلى الدفاع عن السياسة.
لنتذكر بأن مقولة الانتقال الديمقراطي، والتموقع تجاه هذه المقولة سلبا أو إيجابا كان مهيكلا لقوى الديمقراطية واليسار منذ نهاية التسعينيات، وبأن هذه المقولة بغض النظر عن سلامتها المنهجية كتوصيف علمي لأوضاع سياسية، شكلت نوعا من «الاستعارة البرنامجية» التي كانت تقصد بها مجموعة من الأحزاب والقوى مرحلة من التحول والانفتاح الليبرالي وتطبيع العملية السياسية والتوافق...
ولنلاحظ اليوم بأن هذه المقولة لم تعد تضمن معجم التداول السياسي العمومي، ولم تعد تصلح كفرضية للتحليل أو كشبكة قراءة للوضع السياسي.
إن سقف الديمقراطيين انتقل من المطالبة بتعزيز الانتقال أو بإنهاء حالة الانتقال أو بالدخول الى زمن الانتقال الى مجرد الدفاع عن السياسة وعن العمل السياسي.
وهذا دليل إضافي للتراجع المسجل في العملية الديمقراطية.
فيما يتعلق بالحقل الحزبي، فلابد من إبداء مجموعة من الملاحظات:
أولا: تطور هذا الحقل يربك الخطاطة النظرية التي تستعمل لقراءة الأوضاع الحزبية في ظل التحولات السياسية العامة، حيث يتم الانتقال من حقل حزبي متحكم فيه إلى فورة حزبية غير مسبوقة ثم إلى تطبيع الحقل الحزبي واستقرار توازناته الأساسية، ومؤكد أننا لم نعش تحقق هذه النمذجة.
ثانيا: استمرارية ما كان يسمى بالأحزاب الإدارية.
ثالثا: تعثر مسار تبلور يمين سياسي حقيقي.
رابعا: في الزمن المنظور لا يبدو أن مسلسل الفرز والتقاطب السياسي والايديولوجي سيبلور مشهدا حزبيا أكثر قابلية للمقروئية. فولوج الوافد الجديد سيحيي تقاطبا «قديما» بين الأحزاب الحقيقية من جهة وبين الأحزاب المقربة من الدولة من جهة أخرى. وهذا من شأنه أن يؤجل عملية بناء الأقطاب على أسس إيديولوجية.
كمال الحبيب: الأحزاب السياسية استقوت بشرعية السلطة ونسيت الشرعية الشعبية
أعتقد أنه بات من الضروري أكثر من ذي قبل أن تلعب الأحزاب السياسية دورها كاملا في الحياة السياسية، خلافا لما بدا واضحا خلال فترة نهاية التسعينات من القرن الماضي عندما بدأت بوادر عدم الحاجة إلى أحزاب سياسية في ظل بروز مجتمع مدني متطور ونشيط. هذه الأفكار تبين أنها خاطئة ولا يمكن أن تستقيم، لأنه لا يمكن لأي ديمقراطية أن تتقدم إلا بوجود أحزاب سياسية تقوم بدورها.غير أن المشكل يكمن في أن هذه الأحزاب السياسية لا تقوم بدورها. وكما تعلمون، في المغرب على مدى العقود السابقة من تاريخه، عرف نوعا من العلاقة السياسية المتوترة بين الأحزاب السياسية خصوصا التقدمية واليسارية، والسلطة المركزية، التي كانت تسعى في خطة واضحة إلى إسكات تلك الأحزاب وقتل كل الأحزاب المعارضة. طبعا لم تستطع ذلك. وهو ما أدى إلى التفكير لإيجاد حل لهذه العلاقة المتوترة من خلال التفاوض مع الأحزاب السياسية. غير أن الحل المتوصل إليه، كما نلاحظه كمجتمع مدني متطور وكأحزاب غير مشاركة في تدبير الشأن العام، بخصوص الأحزاب التي تشكل القطب اليساري الديمقراطي، لم يساهم في تأسيس ديمقراطية حقيقية وخلق دولة جديدة تتماشى مع العصر ومع متطلبات المرحلة واستجابات المواطنين.
هذه القوى لما حاورت السلطة تغافلت عن قضية أساسية وجوهرية، وهو أنها انقطعت عن القواعد، واعتمدت شرعية السلطة المركزية ولم تعتمد الشرعية الشعبية، وهذا هو خطأها بينما كانت أمامها كل الفرص لاستعادة وتقوية شرعيتها وقاعدتها الشعبية بحكم موقعها في المفاوضات.
وهذا ما جعلنا "نجرجر" هذه المسألة إلى اليوم، أي منذ حكومة التناوب التوافقي. فليس عيبا أن يكون هناك توافق وتناوب، ولكن العيب الأساسي هو أن تتناسى تلك الأحزاب شرعيتها التاريخية والشعبية، وهو ما أدى إلى نتيجة انتخابات 2007، وما سجلته من عزوف المواطنين عن صناديق الاقتراع، وفقدانهم الثقة في العمل السياسي. وهذا يجرنا إلى إشكال آخر لا يقل أهمية، وهو أننا لم نستطع في ظل التعددية السياسية، بكل أقطابها، لم نستطع الالتفاف حول برامج واضحة تخدم مصالح الشعب.
فيما يخص علاقة المجتمع المدني بالأحزاب السياسية، لا أعتقد أن هذه الثنائية يمكن أن تكون متنافرة أو يسعى أحدهما لإلغاء الآخر. ففي تجارب مماثلة، في أمريكا اللاتينية بالخصوص، ظهر أن هذا الثنائي يمكن أن يشكل تكاملا. ولكننا في الثقافة المغربية لم نصل بعد إلى فهم كنه هذا التكامل، بسبب سيطرة العقلية الحزبية على المجتمع المدني، الذي يؤدي إلى صراع من نوع آخر، لا يمت إلى الاختلاف أو البرامج بصلة، وهو من سيستولى على السلطة ويبسط يده على هذه التنظيمات، وهي نفس الثقافة المتأصلة في الأحزاب.
كما يلاحظ أن ثقافة الأحزاب السياسية لم تستطع بعد استيعاب أن المجتمع المدني الحقيقي يطمح إلى استقلالية أكثر في الفكر والممارسة واستراتيجية عمله حتى وإن دعا ذلك إلى أن يتعارض مع أحزاب قد تكون حليفة له.
ففي البرازيل مثلا تمكن لولا من الفوز بمقعد الرئاسة نتيجة دعم الفلاحين بلا أراضي، والآن أصبح هؤلاء الفلاحون يختلفون معه، وهذا لا يعني إلغاء هذا القطب. هل سيصوتون لصالحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة أم سيعاقبونه؟ هذا نقاش لازال مفتوحا.
خلاصة القول أننا يجب أن نعترف لهذا المجتمع المدني باستقلاليته على أساس ما التزم به الحزب خارج عقلية السيطرة والتسلط، والتحكم. لأن المجتمع المدني يجب أن تتوفر له نوع من الحرية. وهذا يعود طبعا إلى أن الفلسفة التنظيمية داخل الأحزاب السياسية أكل عليها الدهر وشرب. فلا يمكن تدبير حزب سياسي قادر على تطوير آلياته وقواعده بالأسلوب التقليدي، سواء من ناحية التنظيمات الجهوية والمحلية، أو من حيث التنظيمات الداخلية، أو الثقافة الجديدة التي تنشأ داخل الأحزاب.
فداخل الأحزاب السياسية نشأت أجيال جديدة لا تفهم حتى خطاب الجيل القديم، حتى في تركيبتهم اللغوية، ناهيك عن المرجعية التاريخية. مما يستوجب تغييرات جوهرية في هذا المجال.
وفي سياق آخر فإنه حتى المفهوم الذي كان يطغى داخل المجتمع المدني حول تدبير الشأن الحزبي باعتبار الأحزاب مقاولات "ماخدامش". بحكم الأهداف والمباديء والعقليات المختلفة. فالمؤسسة التجارية تسعى إلى الربح بكل الأساليب وإن كانت أساليب غير مشروعة، ولا يعقل اليوم، في ظل الشعارات الموجودة كلها، أن نصل إلى إرساء أسس مؤسسة تحترم قواعد اللعبة، في العالم بأسره.
نحن اليوم بحاجة إلى ابتكار أسلوب جديد منفتح على الأفكار، فتح المجال أمام الطاقات والمبادرات وترتيبها من طرف الفاعلين الحزبيين، وإخضاعها للتجرية. لأن المجتمع يوجد في حالة تيهان، لا يعرف ما يقوم به، هل عليه الخروج في مظاهرات، هل ندعم حركة المعطلين الذين يتشبثون بحقهم في الشغل وإدماجهم في الوظيفة العمومية....إلخ من الأسئلة المحيرة. كل هذه الإشكالات الجديدة مطروحة على الحزب السياسي اليوم وكيف يجب التعاطي معها بأسلوب جديد وليس بالأسلوب القديم طبعا.
وهذا يعني أن الأحزاب السياسية واجهت الإكراهات والعوائق التي حالت دون لعب دورها كاملا تتمثل في:
أولا: تجاوزت ضربات السلطة ويجب أن نتفهم هذه القضية لصالح الأحزاب السياسية.
ثانيا: تراجعت عن تطوير الذات وأساليبها، مما أدى بها إلى فقدان ثقة المواطن، بحكم خطابها غير المتجدد، وبحكم أنها اشتغلت وفق استراتيجية لم تحددها هي، بل حددتها السلطة المركزية.
ثالثا: الأحزاب لم تستطع أن تطور أساليب عملها وأساليبها التنظيمية للتعاطي مع الإشكاليات الجديدة.
ونرى أنه آن الأوان أن تعطى الإمكانيات الحقيقية لأطر الأحزاب السياسية لبلورة أفكار قد تبدو في ظاهرها متناقضة مع أفكار الأحزاب، ولكن يجب تركها تشتغل على أسس جديدة، وهذه المرحلة لم نصلها بعد، وهو ما سيسمح لهذه الأطر من مراكمة تجربة في التعاطي مع الجديد، والتي ستحكم على تطور الحزب، وتغيير أساليب عمله، والتي سيفرض الواقع أن تتغير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.