حكيم زياش يقود غلطة سراي لسحق سيفاس سبور ب6 أهداف    حسنية أكادير تنفي حصولها على منحة 15 مليون من الرجاء    المغربي اسماعيل الصيباري يتوج بلقب الدوري الهولندي رفقة إيندهوفن    أمن ميناء طنجة يظبط شحنة من الكوكايين في طريقها إلى اليونان    الزمالك ضحاو بماتش على قبل نهضة بركان    البرتغالي گيريرو غايب على البايرن فماتشها ضد الريال    نتانياهو سد "الجزيرة" فإسرائيل    النقابة الوطنية للعدل تدعو إلى إضراب وطني بالمحاكم لثلاثة أيام    نتنياهو يريد بقاء حماس في السلطة، "ودوافعه الخفية كُشفت" – جيروزاليم بوست    سجن عين السبع ينفي تعرض سجين ل "محاولة التصفية الجسدية"    "فنون شعبية على ضفاف درعة".. وثائقي يسلط الضوء على التحولات التي شهدتها فنون زاكورة (فيديو)    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    مسيرة حاشدة بمكناس لإيقاف التطبيع بين المغرب وإسرائيل    موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    بمساعدة المغرب.. إسبانيا تحبط عملية تهريب طن ونصف من الشيرا ب"تينيريفي" (فيديو)    وزارة الثقافة تسعى لحماية "شباب التيكتوك" من الانحلال الأخلاقي    فيلم "من عبدول إلى ليلى" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط        مؤتمر القمة الإسلامي يؤكد رفضه التام للمخططات الانفصالية التي تستهدف المس بسيادة الدول    الحكومة التايلندية توضح حقيقة اختطاف عشرات المغاربة واستعبادهم    وصل لأعلى مستوياته التاريخية.. التداول النقدي فات 400 مليار درهم    موجة حر مرتقبة بمناطق في المغرب    المغربية آية العوني تتوج ببطولة أنطاليا لكرة المضرب    هل يستسلم المحافظون لمصيرهم في الانتخابات البريطانية بالاستمرار تحت قيادة سوناك؟    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    محكمة الحسيمة تدين شخصا افتض بكارة فتاة قاصر    زوجة الدكتور التازي تعانق الحرية في هذا التاريخ    المغرب يسحب أول دفعة من قرض 1.3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي    المكتب الوطني المغربي للسياحة غيربط غران كاناريا بورزازات مع شركة بينتر للطيران    انطلاق عملية " العواشر" بساحة الهوتة بشفشاون    فيدرالية ناشري الصحف تدعو لاستثمار تحسن المغرب في تصنيف حرية الصحافة العالمي    لشكر زعيم الاتحاد الاشتراكي: الشعب الجزائري يؤدي الثمن على دفاع نظامه على قضية خاسرة والعالم كله يناصر مغربية الصحراء    قتلى ومفقودون جراء فيضانات البرازيل    حقيبة يد فاخرة بسعر سيارة .. استثمار ذو وزن    نشرة إنذارية.. موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    فينسيوس يسخر من لامين يامال    "نوستالجيا" تحصد جائزة الجم للمسرح    التأكيد على أهمية تطوير الشراكة بين الإيسيسكو والسنغال في التربية والعلوم والثقافة    برنامج دعم السكن ومشاريع المونديال تنعش قطاع البناء خلال اوائل 2024    اختلاس وتبديد فلوس عمومية جرّات مسؤولين فمركز الاستشارة الفلاحية بالحسيمة لغرفة الجنايات ففاس    برلماني يسائل وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات..    هل زيادة 1000 درهم في الأجور قادرة على مواكبة نفقات الأسر المغربية؟    وضعية الماء فالمغرب باقا فمرحلة "الإنعاش".. نسبة ملء السدود وصلت ل32 فالمية وبدات فالتراجع    الفنان الجم يكشف حقيقة إشاعة وفاته    قلعة مكونة تحتضن الدورة 59 للمعرض الدولي للورد العطري    ڤيديوهات    رشق إيريك زمور بالبيض خلال حملته الانتخابية    طنجة.. مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس" يرفع شعار الإبداع والتلاقح الفني    إدارة المغرب التطواني تناشد الجمهور بالعودة للمدرجات    دراسة.. نمط الحياة الصحي يمكن أن يضيف 5 سنوات إلى العمر    الأمثال العامية بتطوان... (589)    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السيميائيات في خدمة الحياة المعاصرة
نشر في المساء يوم 25 - 06 - 2011

انسجاما مع النقاش الذي ظهر على هامش التعديلات الدستورية، والذي همَّ، بالخصوص، الهوية الثقافية المغربية، عندما أقر الدستور الجديد بتعددية هذه الهوية لتشمل،
إلى جانب المكونَيْن العربي والأمازيغي، المكونات الأندلسية والحسانية والعبرية، باعتبارها روافد لا غنى عنها في فهم الثقافة المغربية، رأينا في الملحق الثقافي ل«المساء» أن ننفتح على فكر أحد المفكرين المغاربة البارزين، والذي له إسهامات متميزة في هذا الشأن، إنه الدكتور سعيد بنكراد، الباحث الجامعي المتخصص في السيميائيات، والحاصل على جوائز كثيرة في تخصصه، مغربيا وعربيا، آخرها جائزة الترجمة من المغرب عن السنة الجارية. فإلى جانب عمله الأكاديمي كأستاذ جامعي، يدير سعيد بنكراد مجلة «علامات» منذ سنة 1994، وصدر له حوالي 20 كتابا، بين التأليف والترجمة، منها «مسالك المعنى.. دراسة في بعض أنساق الثقافة العربية»، «أمبرتو إيكو.. دروس في الأخلاق»، «إستراتيجية التواصل الإشهاري» وغيرها...
لم يعد مبحث السيميائيات، كما يعلم خاصة المثقفين، مبحثا نظريا مغرقا في التجريد والصورية، كما كانت عليه مباحث المنطق واللغة، عموما، في القرون المعرفية الأولى.. بل إنه أصبح مبحثا يصبّ على عمق الحياة ذاتها.. ليصبح مبحثا في السياسة والإيديولوجيا، الاقتصاد والإشهار، الحب والعلاقات البشرية، الفن والأدب، الجسد وأشكال التعبير..
داخل هذه الرؤية المعاصرة في اللسانيات، يقوم مشروع الدكتور سعيد بنكراد بالتأسيس لدرس السيميائيات في قلب الاهتمامات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في العالم العربي، وهو مشروع ليس بالسهل، وخاصة في مجال ثقافي عربي منكفئ على ذاته، من حيث المعنى والقيّم والبنيات اللغوية الصارمة والمقاومة منذ قرون لكل أشكال التطوير الذاتي أو الخارجي...
ولتحقيق مسعى وضع مبحث السيميائيات في الأفق التواصلي والقيمي العربي، كان على الأستاذ بنكراد أن يُنوّع من أعماله، تنظيرا وترجمة وممارسة سيميائية مبدعة همّت قضايا وطنية كادت، من فرط تكرارها، أن تُنسيَّنا أنها ذات دلالات تتعداها..
يشكل الشأن الثقافي في المغرب، بمختلف قضاياه وإشكالاته، موضوع اهتمام عند الدكتور بنكراد، ففي مسألة «خصوصية الثقافة المغربية»، يؤكد أنه لا يعرف بالضبط ما المقصود ب«الهوية الخاصة» في ميدان الثقافة وغيرها، ولكنه يعرف أن كل فرد هو، في الأصل، واحد في ذاته، إذا نُظر إليه من زاوية «أناه»، المباشرة، التي يحضر من خلالها في الفضاء الاجتماعي، دون أن يعني ذلك أن هذه الأنا موجودة خارج ال»نحن» الكلية، التي تشير إلى المحددات الاجتماعية، لذلك، فإن الأمر لا يتعلق في هذا المجال بحقيقة موضوعية يمكن تلمُّس وجودها في كل أشكال تمثيل الفضاء الإنساني، بمحدداته الاجتماعية المخصوصة، بل يتعلق بموقف يحاول الفصل والتمييز، تأكيدا لاختيار إيديولوجي مسبق، لذلك فهو لا يشرط مضمون ما يقرأ بانتمائه الجغرافي أو العرقي، فأداته إلى المتعة الفنية هي اللغة وطريقة التمثيل الإبداعي، لا الفضاء الموصوف.
فمفهوم الثقافة عامّ وفضفاض ويغطي الكثير من الحقائق، حقائق السلوك الاجتماعي وطقوسه وحقائق اللغة وحقائق الإنتاج المعرفي. قد يختلف المغاربة عن غيرهم في كل هذه الواجهات، وهو أمر طبيعي، تماما كما تختلف مناطق المغرب في اللهجة وتحضير «الكسكس» و»الحريرة» وطقوس الاحتفال. لكن التراكم في ميدان الثقافة لا يتم من خلال رصد الاختلاف، بل هو «نوعي»، يتم من خلال الصيغ الثقافية الجديدة في ميدان المعرفة وميدان السلوك، وهي صيغ تبلورها كل «المناطق» في خصوصياتها، وهي وحدها ما يُمكّننا من رصد التحولات وبروز الأنواع الإبداعية الجديدة.
لذلك ليس للمشرق سلطة على المغرب إلا من حيث إمكانية إسهامهما، كل بطريقته، في تطوير المنتج المعرفي كما يتحقق في الفضاء الثقافي بالتعبير العربي، بعيدا عن كل الاستقطابات الأخرى. فنحن الآن في المغرب نبني «خصوصية» في الإنتاج الفكري، ولكنها خصوصية لا تفصل ولا تُقصي، بل تؤكد حضورنا وإسهامنا المتميز في هذا الفضاء لا خارجه. وحال العولمة ليس نقيضا لما قلناه. فالعولمة الوحيدة الممكنة هي عولمة الاختلافات لا عولمة التطابق. إننا نتعرف على الآخرين في اختلافهم لا في ما يجمعنا بهم فقط. لذلك، فإن الدفاع عن هوية مغلقة في وجه الآخر، المشرق أو العالم كله، معناه التخلي عن كل «المكتسبات»، الفكرية والإبداعية، التي أُنجِزت ضمن الفضاء الثقافي، الذي تمت صياغته في العربية، وهو أمر شبيه بأن تقول لشاعر أو روائي مغربي: «انس كل شيء، المشرق والعالم، واكتب رواية أو قصيدة لا تشبه أحدا غيرك ولا يقرؤها إلا المغربي!»...
وعن الحراك السياسي والثقافي والاجتماعي الذي يشهده المغرب منذ فبراير الماضي، يؤكد الدكتور بنكراد أن النقاش الحالي في المغرب حول الدستور وتبعاته أمر إيجابي بكل المقاييس، يكفي أنه تجاوز، ربما للمرة الأولى في تاريخنا، الكثير من المحرّمات و«الطابوهات»، التي تحكّمت في إدارة الشأن الاجتماعي والسياسي. ومع ذلك، فإن هذه «الجلبة» قد لا تقود إلى أي شيء، أو على الأقل، ستفرغ الكثير من الأمور من مضمونها، كما يحدث ذلك دائما في المغرب. فالانفتاح على «مكونات» المجتمع يجب أن يتم ضمن سلسلة من الضوابط التي اصطُلِح على تسميتها، في المجتمعات التي صنعت مجد الديمقراطية، «الثوابت» التي لا علاقة لها بالمقدّس أو ما يمكن أن يصبح كذلك أو يقود إليه، بل لها علاقة بما يُوحّد الأمة ويضمن تعدديتها في الوقت ذاته. لذلك، فإن «الدسترة» ليست مطلبا سياسيا، أو مطلب فئة اجتماعية أو عرقية، بل هي، في المقام الأول، «ترسيم» دستوري للحالة الحضارية، التي تطورت خارج ضوابط السائد من القوانين أو على هامشها، وهو ما يعني أنها يجب أن تحدد الصيغ الجديدة للحضور الاجتماعي داخل الفضاء العمومي وضبط علاقاته الجديدة، لا مجرد تحديد صيغ لتوافق سياسي يمكن أن يتعايش مع كل أشكال التخلف الاجتماعي، كما يحدث في الكثير من «الديمقراطيات» الأسيوية، ومنها الهند وباكستان.
إن هذه الصيغ لا يمكن أن تتحقق بتعديل دستوري فقط يكتفي بتوسيع الصلاحيات أو يحد منها. فالكثير من «النماذج الديمقراطية» تشير إلى أن التناوب على السلطة لا يقود، بالضرورة، إلى استيعاب التعدد الاجتماعي والفكري باعتباره محركَ كل تقدم في التاريخ، بما فيها تلك التناقضات التي تقود، في مرحلة من المراحل، إلى تغيير الدستور واستبداله بآخر.
إن غياب هذه الثوابت في الساحة السياسية والاجتماعية المغربية هو الذي يفسّر التهافت الكبير على «دسترة» كل شيء، بما فيها دسترة الانتماءات الجهوية وحقوق الفئات الاجتماعية المختلفة. إن الدسترة الوحيدة الممكنة للفضاء العمومي هي أن يظل خارج كل الدسترات الممكنة، فهو الحاضن لحرية الفرد وإبداعيته. وسيدرك الملاحظ النبيه أن هذا ما لا تُبشّر به الكثير من أشكال الدسترة المقترحَة: إنها تقترح مساحات سياسية جديدة قد تغيّر من طبيعة العلاقات الممكنة بين السلط، ولكنها قد لا تتلاءم كلية مع المتاح الحضاري والفكري، كما يمارس في الفضاء العمومي، لا كما تتحدث عنه الصالونات المخملية. سيهرب السلوك الفردي من «المحرمات» و«المحللات» لكي يسقط في براثن ضوابط دستورية تحُدّ من انطلاقه...
وعن حركة شباب 20 فبراير، يؤكد الدكتور بنكراد أنه لا أحد يجادل في مشروعية هذه الحركة وضرورتها، فهي جزء من «حراك» شعبي واسع استشعر، في لحظة من اللحظات، ضرورة «الانتفاض» على واقع البؤس والتهميش و«الحكرة» والفساد، الذي ينخر كل شيء وسيظل كذلك فترة أخرى، لا محالة، رغم كل «التعديلات الدستورية» الموعودة. ومن هذه الزاوية، أسهمت هذه الحركة في خلق «حالة رعب» ليس من حيث حجمها، فهي كانت بسيطة ولم تهدد، في أي لحظة، أسس النظام السياسي في المغرب، وإنما من حيث النماذج التي تذكر بها، ومن حيث إثارتها انتباه عيون «الفضائيات» وشبكات الأنترنيت، التي لا تنقل الحقائق، دائما، وفق حجمها الحقيقي، ولكنها قادرة على «التشويش» على «الاستقرار السياسي».
ومع ذلك، فهذه الحركة كانت «ساذجة» في الكثير من تحركاتها وشعاراتها ولم تستطع خلق النقلة النوعية المرجوة في النضال الاجتماعي والسياسي، كما حدث في مصر وتونس واليمن. قد يكون سبب ذلك أنها كانت «ملغّمة» منذ البداية من طرف الحركات الإسلامية أو الأحزاب السياسية، التي اختفت وراء شبيبة منعتها، دائما، من الكلام خارج ما يقوله الكبار، المتشبثون بكراسيهم، مثلهم في ذلك مثل الحكام، الذين يناضلون ضدهم.. وقد يكون مرد ذلك، أيضا، إلى ضعف التكوين السياسي عند شبيبتنا التي حُرِمت من التأطير السياسي لفترة طويلة (تلاشي دور الاتحاد الوطني لطلبة المغرب مثلا). وهو ما يتجلى، أساسا، في عجزها عن بلورة شعار واحد يمكن أن تردده كل الحناجر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.