يزعم وزير الدفاع السابق موشيه آرنس، في مقالته «دون شرم الشيخ ودون سلام» («هآرتس»، 13 شتنبر)، أنه لا أساس لزعم أن جميع المشكلات التي تقع على إسرائيل تنبع من رفض رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للسلام. هذا التناول يتجاهل التاريخ ولا يعترف بأن لسياسة إسرائيل نصيبا ذا شأن في تحديد مصيرنا. إن دراسة التاريخ يمكن أن تعلمنا مبلغ قوة العلاقة بين استعداد إسرائيل لقبول الصيغة الدولية لإنهاء الصراع (القراران 242 و338 عن مجلس الأمن، ومخطط الرئيس بيل كلينتون، وخطة سلام الجماعة العربية، ومخطط الرئيس باراك أوباما)، وبين مكانتها ومنعتها في الساحة الدولية. تقوم جميع الصيغ منذ 1967 إلى اليوم على المبدأ الأساسي «الأرض مقابل السلام» وعلى إجماع دولي واسع يؤيد هذه الصيغة. ويعلمنا التاريخ أنه حين وافق مناحيم بيغن في «كامب ديفيد» على إعادة سيناء إلى مصر مقابل السلام، هتف له أكثر العالم. وحينما تصافح إسحاق رابين وياسر عرفات فوق أعشاب البيت الأبيض وبدآ مسيرة أوسلو، حظيت إسرائيل بتأييد عظيم أفضى إلى نماء اقتصادي ما زلنا نتمتع بثمراته حتى اليوم. وحينما انسحب أرييل شارون من غزة، قوى الحلف مع الولاياتالمتحدة وحسّن حرية المداورة لإسرائيل، وحينما كان يبدو أن إيهود أولمرت يتقدم نحو اتفاق سياسي مع الفلسطينيين، حظيت إسرائيل بإطلاق يدها في لبنان في 2006 وفي غزة في 2009. في مقابل هذا، حينما اعترضت إسرائيل على الصيغة الدولية لإنهاء الصراع، دفعت ثمنا باهظا؛ فقد رفضت غولدا مائير مسيرة سياسية وجلبت على إسرائيل حرب يوم الغفران، وبادر بيغن وشارون إلى الحرب في لبنان في 1982 وورطا إسرائيل هناك سنين كثيرة، وكلفت سياسة رفض السلام من إسحاق شامير خسارة الضمانات الاقتصادية الأمريكية وصداقة البيت الأبيض، حيث تنفسوا الصعداء حينما فاز رابين في الانتخابات. لكن لا واحدة من هذه تساوي سياسة حكومة نتنياهو الحالية التي تنجح في دفع إسرائيل إلى موقف ضعف لم يسبق له مثيل، في الوقت الذي هي محتاجة فيه خاصة إلى أصدقاء كاحتياج التنفس إلى الهواء. قال الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت إن وصفة إحراز الأمن هي: «تحدث بلين واحمل معك عصا كبيرة». ويعمل نتنياهو وأفيغدور ليبرمان وموشيه يعلون وأشباههم على نحو معاكس: فهم يستعملون سياسة تحدٍ للعالم كله وآخر تعبير عنها هو رفض صيغة الاعتذار إلى تركيا باسم «الفخر الوطني»، ورفض دخول تفاوض مع السلطة الفلسطينية. أما الأصبع الثالث الذي رفعوه للرئيس أوباما والاتحاد الأوربي اللذين كانت إسرائيل تستطيع الاعتماد على تأييدهما في الماضي، فيجعل أصدقاءها التقليديين أيضا يرفعون أيديهم إزاء ما يُرى أنه سياسة لا صلة لها بالواقع. ليس كل شيء متصلا بإسرائيل، ف»الربيع العربي» هو نتاج خيبة أمل شعبية متواصلة في دول المنطقة، وسياسة أردوغان تعبر عن استراتيجية مثابرة هدفها تعظيم مكانة تركيا في الساحتين الإقليمية والدولية وأن تحظى بنقاط في الساحة الداخلية. لكن صورة توجه الأمواج الارتدادية علينا هي نتاج السياسة التي تجعل إسرائيل «الولد المشاغب» في المنطقة. إن نتنياهو وليبرمان ويعلون وأشباههم يعززون هذه الصورة ويُقوون العداوة لإسرائيل. كان يمكن تفهم هذه السياسة الانتحارية لو أمكنت الإشارة إلى مصلحة أمنية حيوية ترمي إليها، لكن هذه غير موجودة. ولا يوجد حتى سنتيمتر مربع واحد في الضفة لا تستطيع إسرائيل تدبر أمرها من جهة أمنية من غيره. إن «الفخر الوطني» يساوي شيئا ما في الساحة الدولية إذا أصبح يُرى فقط عادلا ومن ورائه قوة حقيقية. المشكلات تكبر والعصا تقصر. لكنه لا توجد أية علامة دالة على أن شخصا ما في أعلى يعتقد أنه يجب تغيير اتجاه السياسة. وهكذا حُكم علينا بأن نصادم، ونحن مستنزفون ضعفاء، كارثة الطبيعة تلك التي هي نتاج معارضتنا الصيغة الدولية للسلام.