تسببت أعمال العنف في جنوب إفريقيا في مقتل أكثر من 30 شخصا في مواجهات بلغت ذروتها أول أمس الخميس بين الشرطة وعمال مضربين عن العمل في منجم «لونمين» للبلاتين في»مريكانا»، شمال غرب جنوب إفريقيا، حسب حصيلة أعلنت عنها السلطات الجنوب إفريقية أمس الجمعة. وفيما أشارت حصيلة سابقة، أعلنتها المستشفيات التي استقبلت القتلى والجرحى، إلى سقوط 25 قتيلا في الصدام بين الشرطة والمضربين، ارتفعت الحصيلة لينضاف إليها عشرة قتلى آخرين قتلوا في أعمال العنف مع النقابات، التي تشهدها البلاد منذ يوم الأحد الماضي، بعد ارتفاع أصوات المضربين المطالبين بزيادات مهمة في الأجور. وقد عمدت الشرطة الجنوب إفريقية، أول أمس الخميس، إلى إطلاق النار على مجموعة من العمال المضربين داخل المنجم، والذين كانوا مسلحين بالمناجل والقضبان الحديدية والعصي، حيث رفضوا أن يتفرقوا بعد عدم استجابتهم لإنذار من إدارة المنجم، التي أمرتهم بضرورة استئناف العمل، وعدم تعريض المنجم للخسائر، مما أثار غضب العمال المضربين. واعتبرت الشرطة الجنوب إفريقية أنها لم يكن لديها أي خيار آخر غير التدخل بهذا الشكل لتفريق المضربين المدججين بالأسلحة البيضاء. وذكرت أن العمال المحتجين داخل المنجم عمدوا إلى مهاجمة أفراد الشرطة، مستخدمين في ذلك أسلحة بيضاء ونارية. وأضافت أن الشرطة كانت مضطرة إلى الرد بالقوة، لحماية العناصر الأمنية من الهجوم الذي شنه العمال المضربون، ووصفت ردها ب»وضع الدفاع المشروع عن النفس»، على اعتبار أنه كانت هناك مفاوضات ساعات قبل الحادث بين العمال وعدد من الأطراف. الرئيس يدين إلى ذلك، دعا الرئيس الجنوب إفريقي، جاكوب زوما، إلى فتح تحقيق مستقل لتوضيح ملابسات الحادث، تجنبا لمزيد من إراقة الدماء، بعد أن تجاوزت عمال العنف في البلاد أسبوعا، مخلفة وراءها عشرات القتلى. وأدان الرئيس الجنوب إفريقي أعمال العنف تلك، وقال تعليقا عليها»:لقد صدمنا وأصبنا بالفزع بسبب هذا العنف العبثي، ونعتقد بأن هناك مساحة كافية في نظامنا الديمقراطي لحل أي نزاع من خلال الحوار دون حدوث أي خرق للقانون أو الاتجاه للعنف». وأعرب عن تعازيه» لأسر كل الذين فقدوا حياتهم منذ بدء أعمال العنف». وجدد زوما دعوته ومناشدته للحركة العمالية ورجال الأعمال في البلاد لترسيخ مبدأ التعاون مع الحكومة الجنوب إفريقية للسيطرة على الوضع المتأجج، قبل أن تتدهور الأمور إلى الأسوأ. وأكد أنه أصدر تعليماته لتطبيق القانون وبذل الجهود الممكنة لتحقيق السيطرة على الوضع وتقديم المتسببين في أعمال العنف تلك إلى العدالة. رصاص حي انفجر الوضع بعد أن عمدت قوات مكافحة الشغب، في جنوب إفريقيا، إلى إطلاق الرصاص الحي على عمال المناجم المضربين عن العمل، والذين كانوا يتسلحون، حسب تقارير إعلامية، بالعصي والسيوف، مما أدى إلى مقتل أكثر من ثلاثين شخصا في صفوف المضربين، الذين يعملون في منجم شمال غرب البلاد، تديره مجموعة» لونماين»، ثالث أكبر منتج للبلاتين في العالم. وتقول رواية الشرطة الجنوب إفريقية إنها كانت قد وجهت تحذيرات للعمال المضربين بأنها ستقدم على التدخل من أجل طردهم من هضبة كانوا يحتشدون فوقها منذ الأسبوع الماضي. وتقول السلطات في منطقة وقوع الحادث إن بعض عمال المناجم المضربين عن العمل إلى أطلقوا الرصاص الحي على أفراد الشرطة الجنوب إفريقية، بعد أن قامت شرطة مكافحة الشغب بإطلاق الغاز المسيل للدموع، ورشاشات المياه لتفريق العمال المضربين ودفعهم إلى التراجع والجلوس إلى طاولة الحوار، غير أن إطلاقهم النار دفع ضباطا من الشرطة إلى إمطارهم بوابل من الرصاص الحي، أدى إلى تلك «المجزرة». وقد سبق الحادث سقوط عشرة قتلى، يوم الجمعة الماضي، من بينهم حراس أمن واثنان من عناصر الشرطة، فيما لقي آخرون حتفهم حرقا أو تم تقطيعهم حتى لفظوا أنفاسهم الأخيرة، مما أجج أعمال العنف، وأدى إلى تواصلها على مدى الأسبوع الجاري. وفيما تشير تقارير إعلامية إلى أن أعمال العنف هذه تتعلق بحرب بسط النفوذ بين النقابة الوطنية لعمال المناجم المهيمنة ورابطة عمال المناجم المشكلة حديثا ونقابة عمال البناء، ذكرت مصادر أخرى أنه أثناء اشتباك وقع الاثنين الماضي بين عمال مناجم وعناصر من الشرطة كانوا يحاولون إعادة الهدوء، وقع حادث مقتل ثلاثة رجال بالرصاص، حسب رواية الشرطة الجنوب إفريقية، التي تعلل موقفها بالدفاع المشروع عن النفس، فيما تعرض حارسان للضرب حتى الموت. وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي لقي حارسان أمنيان حتفهما عند إلقاء قنبلة حارقة على سيارتهما، كما قتل شخصان آخران في أعمال عنف بين النقابات، سقط الأول حينما كان متوجها إلى العمل، والثاني بضربات فأس في مكان منامه. وقد عبرت مجموعة» لونماين»، المسيرة للمنجم الذي يعرف إضرابا واسعا لعماله منذ مدة، عن أسفها لما قالت إنه» انفجار العنف بشكل خطير .»وذكرت المجموعة في بيان لها أن الإنتاج اضطرب بشكل خطير منذ الجمعة الماضي إثر إضراب غير مشروع لعمال الحفر وتزايد حالات العنف والتخويف. وقد أعادت أحداث العنف إلى أذهان عمال المناجم في جنوب إفريقيا حادث مقتل عاملين شهر فبراير الماضي داخل منجم يعود إلى شركة» إمبالا بلاتينيوم «قرب مدينة راستنبيرغ خلال إضراب مطول عن العمل، أرغم المنجم على إغلاق أبوابه خلال أسابيع عدة. المعارضة ترد لم يتأخر رد المعارضة الجنوب إفريقية على أعمال العنف داخل المناجم، بعد أن استخدمت الشرطة الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين ودفعهم للعودة إلى العمل. وطالبت هيلين زيي، قيادية بارزة في صفوف التحالف الديمقراطي المعارض في البلاد، بضرورة إجراء تحقيق عاجل ومستقل لمعرفة ملابسات الحادث ومعاقبة المتسببين. ودعت القيادية الجنوب إفريقية جميع الجهات، وعلى رأسها الشرطة، إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بوقف التصعيد في البلاد بين العمال والسلطات، وتجنب إراقة الدماء، خاصة أن اتساع أعمال العنف والرد «الشرس» من قبل السلطات على المحتجين قد يدفع البلاد نحو المجهول. وقالت هيلين زيي، في تصريحات صحفية تعليقا على أعمال العنف المستمرة منذ أكثر من أسبوع: «المطلوب هو إجراء تحقيق عاجل مستقل لتحديد ماذا حدث بالضبط، ومن المسؤول عن هذه المجزرة. من حقنا أن نعرف لماذا وكيف حدث هذا؟». وقد أعادت الأحداث في جنوب إفريقيا إلى الأذهان مشاهد العنف خلال حقبة التمييز العنصري» الأبرتايد»، وأعمال العنف التي كانت تقابل بها مختلف التحركات. وقد شهدت المناجم في جنوب إفريقيا، مرات عديدة، مواجهات دامية أدت إلى وقوع قتلى وجرحى، عندما رفض عمال ينتمون إلى بعض النقابات تلبية الدعوات إلى الإضراب، التي كانت تطلقها نقابات أخرى أو رفضوا إنهاء حركات إضراب، لكن التقارير الإعلامية الواردة من جنوب إفريقيا أشارت إلى أن المواجهات في منجم» مريكانا» بين الاتحاد الوطني لعمال المناجم ورابطة عمال المناجم والبناء هي الأعنف في السنوات الأخيرة. وتعتبر جنوب أفريقيا خزان العالم فيما يخص معدن البلاتين، حيث تتوفر على نسبة تصل إلى 80 في المائة من الاحتياطي العالمي، لكن تكاليف العمالة والانخفاض الحاد في أسعار المعدن النفيس هذا العام جعل العديد من المناجم تكافح من أجل التقليل من تكاليف الإنتاج، وهو ما أثر على العمال ودفعهم إلى الاحتجاج والمطالبة بالزيادة في الأجور.