حضر الكاتب المغربي الطاهر بنجلون مساء الثلاثاء الماضي إلى مدينة الدارالبيضاء لتوقيع روايته الجديدة «السعادة الزوجية»، مشيرا إلى أنه لأول مرة يختار فضاء هذه المدينة العظيمة كفضاء لأحداث إحدى رواياته. في هذا اللقاء المفتوح مع قرائه تحدث الفائز ب «غونكور» 1987 عن روايته «ليلة القدر» عن الحب والزواج السعيد، واصفا إياه بأنه لا يأتي صدفة، وإنما هو نضال يومي قد يتوارى وراءه الحب ومن ينتصر فيه هو من يتجاوز النظرة التقليدية إليه. أكد الكاتب المغربي الطاهر بنجلون أن الزواج السعيد لا يأتي صدفة وإنما هو نضال يومي وتفهم بين طرفيه، مؤكدا أنه اعتمد بناء منطقيا في تركيب أحداث الرواية وبأنه غار في عمق بطليها حتى يعرف ما يفكران فيه، مشيرا إلى أن هم الروائي ليس إعطاء الدروس وبعث رسائل محددة، وإنما هو الحكي وتقديم رواية يجد فيها الناس حياتهم، فالروائي، كما قال، يبحث عما يشد به القراء ومن لم يستطع أن يقوم بذلك فهو روائي فاشل. وأشار في هذا السياق إلى ما تعلمه من تجربته الطويلة في قراءة الأعمال المرشحة لنيل جائزة «الغونكور»، حيث لابد من التفكير في القارئ الذي به يوجد الروائي أو يعدم. وحول الكتابة عن المجتمع المغربي قال: «إننا نكتب عن مجتمع معقد، وقد قام مجموعة من الكتاب المغاربة بمجهوداتهم من أجل وصفه وفهمه بدقة كما كان الحال مع عبد الحق سرحان وعبد اللطيف اللعبي وفؤاد العروي». وقد عرج بنجلون وهو يتحدث عن المجتمع المغربي المركب عن الحركة النسائية المغربية وأثنى على المرأة المغربية، التي قال إنها إذا آمنت بشيء فإنها تذهب في الدفاع عنه حتى النهاية. ولم يفت صاحب «موحا المجنون، موحا الحكيم» وهو يتحدث عن الزواج والحب من التعريج على تجربة كل من سارتر وسيمون دوبوفوار، مشيرا إلى أنه لا يمكن أخذهما كقدوة، وذكر بأن السعداء من الأزواج ليسوا بالضرورة معروفين. وتحدث أيضا عن فيلم «القط» لبيير غارنييه-دوفير Pierre Granier-Deferr وكيف تحول تحت بقعة الضوء ل25 سنة من الزواج لزوجين لم يرزقا بأطفال فأصبح عرضة لنهش أحاسيس مختلفة. وذكر أيضا رؤية كل من القاص الروسي الشهير أنطوان تشخوف وأيضا شوبنهاور إلى الزواج. كما أنه لم ينس تجارب بيكاسو مع النساء. أما بخصوص حصوله على جائزة «غونغور» الشهيرة فقال إنها منحته وضعا مريحا ووقتا أفضل للكتابة كما جعلته يفكر ألف مرة فيما يكتب. هادم اللذات ومقوض السعادة في حديثه عن الحب قال بنجلون إنه يؤمن بوجوده، لكن ليس بالضرورة أن كل الأزواج سعداء، وقال إنه كثيرا ما يتم الخلط بين الحب والزواج، فالحب قد يأخذ في التواري مع الزمن نتيجة مجموعة من العوامل اليومية وعدم احترام خصوصيات كل طرف للآخر، ويقول إن هذا ما حصل مع بطلي الرواية اللذين أحبّا بعضهما البعض وعرفا السعادة الزوجية في أيام زواجهما الأولى، التي سرعان ما تسرّبت إليها الخلافات التي هدمت حبهما وحولت زواجهما إلى صراع اجتماعي احتلت فيه الكراهية مكان الحبّ واحتل الانتقام مكان التضحية. ويضيف الطاهر بنجلون في لقائه المفتوح مع قرائه بأن الزواج هو صراع يومي من أجل العيش كثنائي داخل بيت واحد، ومن ينتصر في صراعه أخيراً لا بدّ من أن يكون قد تجاوز الرؤية التقليدية للزواج الذي يدل على الثبات والاستقرار في الوقت الذي تدل كلمة الحياة على الحركة والتطور. من هنا، يضيف بنجلون، «أجد أن العمل على إيجاد وسيلة لتجاوز الروتين اليومي بين الزوجين ضرورة من أجل مواجهة الخطر الذي يُهدّد أي علاقة وإيجاد الحلول ليس سهلاً وإنما تبقى المحاولة مهمة». وبالنسبة لروايته «السعادة الزوجية» الصادرة عن دار نشر «غاليمار» الباريسية فقال عنها إنه كتبها بصدق، مشيرا إلى أن الأحداث نابعة من معايشة للواقع المغربي.وأضاف أنه أحب الشخصية النسائية فيها ووجدها مثالاً للمرأة العربية القوية التي تطالب بحقها وتأخذه بيديها إن لم يُمنح لها. وصرح قائلا عن هذه الشخصية: «حقيقة استمتعت في كتابتها وفي وصف تفاصيلها وحيثياتها التي أعجبت الكثير من القرّاء». «السعادة الزوجية»..العنوان المضلل تدور أحداث الرواية في مدينة الدارالبيضاء في سنة 2000. وخلافا لما يوحي به العنوان، فإن الرواية تقدم صورة قاتمة عن الحياة الزوجية . ففي قمة مجده يجد رسّام نفسه مقعدا في كرسي متحرك نتيجة جلطة دماغية مفاجئة، وفي محاولة منه للخروج من حالة الاكتئاب التي يعاني منها، يقرر رواية حياته الزوجية لأحد أصدقائه ليكتبها، وفيها يلقي باللائمة على زوجته التي يعدها مسؤولة في نظره على حالة الشلل التي ألمت به. لكن بعد أن أتم الزوج /الرسام كتابة حياته في سرية تامة تكتشف الزوجة المخطوط المخبّأ في خزانة داخل محترفه، فتقرر هي الأخرى أن تأخذ الكلمة وتقدم روايتها الشخصية لأحداث حياتهما، مفندة جميع الاتهامات التي وجّهها إليها الزوج. وهكذا من خلال قراءة رواية الزوجَين يظهر لنا أنهما عاشا قصة حب حقيقية خلال العامَين الأولين من زواجهما، قبل أن تدب المشاكل إلى حياتهما وتعمل على نخرها كالسوسة رويدا رويدا. وفي تقديمه لروايته الخاصة يرد الزوج أسباب المشاكل التي نزلت على عش الزوجية إلى طبع زوجته الحاد والفجّ وسلوكها التملّكي وعدم ثقتها في نفسها، وعدم احترامها لهامش حرّيته، في المقابل تسطر الزوجة بالأحمر على مسلسل خيانات زوجها الطويل وانشغاله الدائم في محترفه وأسفاره ومعارضه وإهماله لواجباته الزوجية، مبرّرة سلوكها الانتقامي منه بالتحقير الذي تعرّضت له هي وعائلتها من قبل عائلته منذ حفلة زفافهما، ومن قبله هو في مناسبات رسمية متعددة. وبالنسبة للخلفية الاجتماعية لكل من الزوجين، فإن الرسام ينتمي إلى عائلة فاسية ميسورة الحال، بينما تنتمي زوجته إلى عائلة بربرية فقيرة. وفي الوقت الذي يتبدى الرسام شخصا متنوّرا صاحب ثقافة فنية وفلسفية وسينمائية واسعة، تظهر زوجته كامرأة غير عقلانية ذات ثقافة محدودة لا تزال الممارسات السحرية التقليدية تتحكم فيها. كما أن الظروف القاسية لطفولتها تتحكم في توجيه سلوكها ولاشك، حيث إن والدها قام ببيعها وهي صغيرة إلى زوجَين فرنسيين. أما بالنسبة للزوج فهو صاحب شخصية ضعيفة تهرب من الخيارات المصيرية وغير قادرة على حسم أمرها لصالح البقاء معها أو الرحيل مع إحدى عشيقاته الكثيرات. تبقى الإشارة إلى أن الكاتب وهو يواكب تطور شخصيته وتطور الأحداث داخل روايته لم ينس أن ينتقد بحدة النساء اللواتي يحتوين أزواجهن منذ ليلة ال«الدخلة» كما هو الحال مع زوجة الرسام . كما أنه لم يترك اللحظة تمر دون تقديم نقده الجارح للمجتمع الغربي الذي يهمل مواطنيه العرب وأبناءهم، الذين لا يراهم سوى مثيرين للاضطرابات والشغب. وفي جانب آخر وجه سهام النقد إلى المجتمع المغربي الذي يسعى فيه الفرد إلى النجاح السريع وجني المال، حيث قشور كل شيء تطغى على جوهره. من جهة أخرى أيضا، وصف الطاهر بنجلون الحال الذي يعدو عليه الشخص في الحياة لما يصاب بالمرض كحال الرسام المشلول، حيث تساءل الكاتب عن قيمة وجدوى الحياة المرتهنة بأيدي الآخرين. قبل أن يضيف بأن «الموت الآخر لا شيء، وما يسبقه أشنع بكثير». وفي السياق ذاته، يتعرض الكاتب لجهل الناس الذين يتمتعون بصحة جيدة دون الإنصات لآلام المرضى وجروحهم الدفينة، موضحا أنه ما أن يصاب المرء في صحته حتى يقلب له الناس «ظهر المجن». ويقول على لسان الرسام: «حين يضربكم المرض أو حادث ما، تتحوّل فجأة وجوه المحيطين بكم: ثمة من يغادر السفينة مثل الجرذان، وثمة من ينتظر تكملة الأحداث لتحديد موقفه، وثمة أخيرا من يبقى وفياً لمشاعره وسلوكه، وهذا النوع نادرٌ وثمين».