بطريقة تعاملها مع المملكة المغربية المتمثلة في معاكسة حقوقها التاريخية، تتناقض الجزائر مع الفصل السادس والعشرين من دستورها الذي ينص على ما يلي: «تمتنع الجزائر عن اللجوء إلى الحرب من أجل المساس بالسيادة المشروعة للشعوب الأخرى وحريتها. وتبذل جهدها لتسوية الخلافات الدولية بالوسائل السلمية». هذا ما يقوله منطوق الوثيقة الدستورية الجزائرية، أما ما تقوم به الحكومات الجزائرية المتعاقبة تجاه الوحدة الترابية للمملكة المغربية فهو شيء آخر يعرض كل سكان المنطقة لمخاطر لا تعي الحكومة الجزائرية عواقبها. قد يتذرع الجزائريون المتباهون بدستورهم الجمهوري بمحتوى المادة السابعة والعشرين التي تنص على أن «الجزائر متضامنة مع جميع الشعوب التي تكافح من أجل التحرر السياسي والاقتصادي، والحق في تقرير المصير، وضد كل تمييز عنصري»؛ ولكن، لماذا لم تتضامن الجزائر مع الشعب المغربي الذي ظل، منذ سنين طويلة، يعمل جاهدا من أجل تحرير أراضيه التي لازال بعضها مستعمرا من طرف المملكة الإسبانية، وحتى من طرف الدولة الجزائرية؟ لماذا فضلت الحكومات الجزائرية المتعاقبة التضامن مع شيء غير موجود في التاريخ ولا في الجغرافية وتركت المملكة المغربية، الدولة التاريخية التي لو تعاملت معها (هذه الحكومات الجزائرية) وفق ذكاء آخر لاستطاعت أن تؤمن لنفسها عمقا استراتيجيا يقيها مخاطر السياسات الدولية المتقلبة؟ توفرت للجزائر جميع الفرص التاريخية لكي تجعل من المملكة المغربية حليفها الاستراتيجي؛ ولكنها فضلت، ككل الدول الإيديولوجية التي تنمحي بمجرد ما تنكشف إيديولوجيتها، الانسياق وراء خطاطات إيديولوجية يتقنها صناع جمهوريات الموز. كل ما يقع حاليا من موت ودمار في المنطقة تبقى الحكومة الجزائرية هي المسؤولة عنه: هي المسؤولة عن لفت أنظار الجماعات الإسلامية المسلحة إلى المنطقة، هي المسؤولة عن عدد الضحايا والموتى والمعطوبين الذين خلفتهم ولا زالت تخلفهم حرب الصحراء المتوقفة، هي المسؤولة عن عودة الدول الغربية إلى التدخل في المنطقة وفق خطاطات مصالحها، هي المسؤولة عن تخلف المنطقة على جميع المستويات من جراء حرمان كل سكانها من كل أشكال التبادل التجاري والمالي... بقدر ما ستتمادى الحكومات الجزائرية في تحوير أصل الخلاف الحقيقي بقدر ما ستكون هي الدولة الخاطئة التي سينتهي المجتمع الدولي إلى الحكم عليها بالدولة «المارقة»... تماما كما حصل مع الدولة العراقية في عهد صدام حسين لما تم توظيفه في حرب بالنيابة ضد النظام الإيراني، وبمجرد ما تم استنزاف الدولة العراقية أفظع استنزاف تم التخلص من صدام حسين تماما كما يتخلص الأطفال من الأراجيز. نحن أبناء المغرب الكبير حرمتنا الحكومات الجزائرية المتعاقبة من آبائنا وأبنائنا وحرمتنا من ثرواتنا التي لم تترك لنا أي خيار لتدبيرها أحسن تدبير، أغلقت علينا الحدود وكالبت علينا الدول. كل الحدود التي تسمح لنا -نحن المغاربيين- بالتجوال أغلقتها في وجوهنا وولت وجهها هناك إلى حيث يوجهها اولئك الذين يتقنون صناعة المأساة... تبدو الجمهورية الشعبية الجزائرية، بخططها الحالية قديمة، وقدمها يجعلها تراهن على الفراغ. ويتجلى الفراغ الذي تراهن عليه في تقسيمها الترابي نفسه: 1541 جماعة محلية هي مجمل حصيلة ترابها الجماعي، وميثاقها الجماعي ينص على أن «الجماعة هي الخلية القاعدية للدولة». وإذا علمنا بأن الولاية الجزائرية قد تضم أكثر من 60 جماعة محلية (المعدل الدولي هو 24 جماعة لكل تقسيم ولائي)، نفهم أن الفراغ في الجزائر هو فراغ ترابي؛ وربما لهذه الأسباب تريد أن تفرغ الأقاليم الجنوبية المغربية من كل محتوياتها التأطيرية، بما فيها الإدارية السياسية والاقتصادية. في الجزائر، تبعد دائرة ابن صالح عن مصالحها الولائية بأكثر من 700 كيلومتر. بالله عليكم، أين تذهب أموال البترول الجزائري؟ للحصول على وثائق إدارية بسيطة على مواطنين أن يتنقلوا مرات عديدة خلال السنة وقطع آلاف الكيلومترات. آخر تقسيم ترابي عرفته الجزائر يعود إلى يوم 4 فبراير 1984؛ ومنذ ذلك التاريخ نسيت الجزائر ترابها وأصبحت تقسم تراب المملكة المغربية على هواها... هكذا يتصرف المصابون بالحول (بفتح الحاء والواو) كما قال الفنان بزيز يساعدون دولة كواتيمالا بالمال ويعتقدون أنهم يساندون دولة فلسطين. في زمن العولمة، المغاربيون مدعوون إلى التفكير جماعة، لأن قضايا التنمية في المغرب هي نفسها قضايا التنمية في الجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا، وقضايا التخلف المحايثة للنظام الجزائري هي نفسها القضايا الخلافية المندمجة في باقي الدول؛ فإلى متى ستتمادى دولة الجزائر في غيها لتكالب على منطقة شمال إفريقيا تحالف الدول الغربية المتنفذة والإرهاب. باستمرارها في هذا الغي، ستكون الجزائر هي قطعة الحلوى التي سيتجمع حولها الذباب. قريبا ستحلق الطائرات وتدوي المدافع، لأن التاريخ الحديث هو هكذا.. إما أن تساهم في صنع الفرجة الحربية بعيدا عن موطن بلدك وإما أنك ستتفرج عليها في عقر دارك. بعد انهيار جدار برلين يوم 10 نونبر 1989، وبعدما لم تجد الولاياتالمتحدةالأمريكية خصما عنيدا توجه إليه مباشرة صك الاتهام، أو لما انتظرت أكثر من اللازم، اندلعت الأحداث في عقر دارها لأنها قضت ثلاث سنوات فارغة بدون فرجة حربية على الهواء. وتلك سنوات الثلاث التي قضتها بدون فرجة حربية هي المدة الفاصلة بين تاريخ سقوط جدار برلين (1989) وتاريخ اندلاع ثورة لوس أنجلس (1992).. ألا تتذكرون ثورة الزنوج والجوعى والمهمشين التي انطلقت أحداثها في لوس أنجلس شهري أبريل وماي 1992؟ تلك الأحداث انطلقت لأنه لم تكن هنالك ملهاة ما خارج الحدود الجغرافية للولايات المتحدةالأمريكية تشد إليها الأنظار.. والآن بعد الحرب على العراق، هل هنالك من ملهاة أخرى، في نظركم، غير حرب الصحراء الكبرى.. اللهم استر أوطاننا واحم أبناءنا وثرواتنا. بودريس درهمان